كيف يعالج الدماغ البشري الرسائل القصيرة في غمضة عين؟

نظام فهم اللغة بالدماغ قد يكون قادراً على إدراك اللغة بشكل مشابه للمشاهد المرئية (رويترز)
نظام فهم اللغة بالدماغ قد يكون قادراً على إدراك اللغة بشكل مشابه للمشاهد المرئية (رويترز)
TT

كيف يعالج الدماغ البشري الرسائل القصيرة في غمضة عين؟

نظام فهم اللغة بالدماغ قد يكون قادراً على إدراك اللغة بشكل مشابه للمشاهد المرئية (رويترز)
نظام فهم اللغة بالدماغ قد يكون قادراً على إدراك اللغة بشكل مشابه للمشاهد المرئية (رويترز)

تنقل وسائل الإعلام الرقمية، الأربعاء، رسائل سريعة ــ مثل إشعارات الهاتف والنصوص التي تظهر فوق مقاطع الفيديو القصيرة ــ إلى أدمغتنا بسرعة مذهلة، أسرع كثيراً من سرعة وصول الكلمات المنطوقة إلينا، ولكن هل يمكننا معالجة هذه النصوص بنفس السرعة التي نستطيع بها تحديد مكونات العناصر المرئية التي تشكّل أيضاً جزءاً من حياتنا على الشاشة؟

يبدو أن الإجابة هي «نعم»، وفقاً لدراسات جديدة أجراها فريق من الباحثين في علم اللغة وعلم النفس بجامعة نيويورك الأميركية، ونُشرت في «ساينس أدفانسيز» و«جورنال أوف نيوروساينس»، الأربعاء، فقد اكتشف الفريق أنه عندما تظهر جملة قصيرة، فإن أدمغتنا تكتشف بنيتها اللغوية الأساسية بسرعة بالغة، في نحو 150 ميلي ثانية، أو بسرعة غمضة العين تقريباً.

وتقول لينا بيلكانين، البروفيسورة في قسم اللغويات وعلم النفس بجامعة نيويورك، وقائدة الفريق البحثي: «تكشف تجاربنا أن نظام فهم اللغة في الدماغ قد يكون قادراً على إدراك اللغة بشكل مشابه للمَشاهد المرئية التي يمكن استيعابها بسرعة من نظرة واحدة».

وأضافت في بيان: «هذا يعني أن قدرة الدماغ البشري على معالجة اللغة قد تكون أسرع بكثير مما قد نتصوّره، ففي مقدار الوقت الذي يستغرقه سماع مقطع لفظي واحد، يمكن للدماغ اكتشاف بنية جملة قصيرة».

ووفقاً للدراسة، فقد أدى ظهور البريد الإلكتروني متبوعاً بوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، إلى تحويل تجربة القراءة لدينا من نشاط تأملي وترفيهي إلى استهلاك سريع ومجزّأ للمحتوى الرقمي، مع رسائل قصيرة تُومِض باستمرار علينا، من خلال إشعارات الهاتف ومنصات الإنترنت، وربما قريباً، الواقع المعزّز.

قدرة الدماغ البشري على معالجة اللغة قد تكون أسرع بكثير مما قد نتصوّره (معهد سكريبس للأبحاث)

وتوضح بيلكانين: «لقد أوضح هذا التحوّل أن أدمغتنا لا تمتلك القدرة على معالجة الرسائل السريعة غريزياً فحسب، بل يمكنها أيضاً اتخاذ قرارات سريعة بناءً عليها، مثل الاحتفاظ برسالة بريد إلكتروني أو حذفها، أو الرد على تحديث مُوجَز على وسائل التواصل الاجتماعي».

وتضيف: «تكشف حقيقة أن أدمغتنا يمكنها - على الأقل بطريقة ما - استيعاب معنى هذه الرسائل السريعة من مجرد نظرة واحدة، عن شيء أساسي حول إمكانات معالجة نظام اللغة».

وبدأ العلماء أبحاثهم بالنظر في التفسيرات العلمية الحالية لكيفية فهمنا للغة، وفي محاولة لفهم أفضل، أجرى المؤلفون سلسلة من التجارب، حيث قاموا بقياس نشاط الدماغ باستخدام «تخطيط الدماغ المغناطيسي»، بينما كان المشاركون يقرأون قوائم الكلمات التي كانت إما جُمَلاً نحوية، أو مجرد قوائم من الأسماء.

وأظهرت النتائج أن القشرة الصدغية اليسرى للدماغ ــ المستخدَمة لفهم اللغة ــ تبدأ في التمييز بين الجمل البسيطة المكوّنة من 3 كلمات، وقوائم الكلمات غير المنظمة، في غضون 130 ميلي ثانية بعد رؤيتها.

وتوضح بيلكانين: «تشير هذه السرعة إلى أن فهم الجملة في لمحة قد يشبه الإدراك السريع لمشهد بصري، وليس العملية البطيئة التي تتم خطوة بخطوة، والتي ترتبط باللغة المنطوقة».

ويقول العلماء إنه حتى عندما تحتوي الجملة على خطأ ما، أو تفتقر إلى معنى معقول، فإن هذا الكشف السريع عن البنية اللغوية يحدث في القشرة الصدغية اليسرى.

وتوضح جاكلين فالون، المؤلِّفة الأولى لدراسة «ساينس أدفانسز»: «هذا يشير إلى أن الإشارات تعكس الكشف عن بنية العبارة الأساسية، ولكن ليس بالضرورة جوانب أخرى من القواعد النحوية أو المعنى».

وقد دعم البحث ذو الصلة بهذه الإشارات السريعة في مجلة علوم الأعصاب، بقيادة طالب الدراسات العليا في جامعة نيويورك، نايجل فلاور، هذه الفكرةَ بشكل أكبر، فقد أظهر أنه حتى الأخطاء الصغيرة في بنية العبارة - مثل تبديل كلمتين متجاورتين: «كل القطط لطيفة» - تُسبّب انخفاضاً في الاستجابة السريعة للدماغ، ويمكن أن تمرّ مثل هذه الأخطاء الصغيرة دون أن يلاحظها القراء بسهولة.

وفي الواقع، لاحظ فلاور أنه بدءاً من حوالي 400 ميلي ثانية، يبدو أن الدماغ «يصحّح» الخطأ، ويعالج الجملة كما لو كانت قواعدية تماماً.


مقالات ذات صلة

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

يوميات الشرق صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

وجدت دراسة جديدة أجراها فريق من الباحثين، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق من المهم مراقبة مسارات تطوّر تنظيم المشاعر لدى الأطفال (جامعة واشنطن)

نوبات غضب الأطفال تكشف اضطراب فرط الحركة

الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة الذين يواجهون صعوبة في التحكُّم بمشاعرهم وسلوكهم عبر نوبات غضب، قد يظهرون أعراضاً أكبر لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك أشارت دراسة أميركية جديدة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة (متداولة)

دراسة: بطانة الرحم المهاجرة والأورام الليفية قد تزيد خطر الوفاة المبكرة

تشير دراسة أميركية موسعة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق المحتوى السلبي على الإنترنت يزيد تدهور الحالة النفسية (جامعة كولومبيا)

المحتوى السلبي على الإنترنت يزيد الاضطرابات النفسية

كشفت دراسة بريطانية أن الأفراد الذين يعانون تدهور صحتهم النفسية يميلون إلى تصفح محتوى سلبي عبر الإنترنت، مما يؤدي إلى تفاقم معاناتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».