سجن مدير التشريفات في الرئاسة الجزائرية بتهم «فساد»

ثاني مسؤول كبير يلقى نفس المصير منذ تولي تبون الحكم

صورة لمدير البروتوكول بالرئاسة المسجون مع الرئيسين الجزائري والموريتاني (أرشيف الرئاسة الجزائرية)
صورة لمدير البروتوكول بالرئاسة المسجون مع الرئيسين الجزائري والموريتاني (أرشيف الرئاسة الجزائرية)
TT

سجن مدير التشريفات في الرئاسة الجزائرية بتهم «فساد»

صورة لمدير البروتوكول بالرئاسة المسجون مع الرئيسين الجزائري والموريتاني (أرشيف الرئاسة الجزائرية)
صورة لمدير البروتوكول بالرئاسة المسجون مع الرئيسين الجزائري والموريتاني (أرشيف الرئاسة الجزائرية)

حكم قاضي التحقيق بمحكمة في العاصمة الجزائرية، بإيداع مدير التشريفات بالرئاسة سابقاً، محمد بوعكاز، الحبس الاحتياطي بعد اتهامه بـ«الفساد»، وذلك بعد قرابة أربعة أشهر من عزله من المنصب لـ«ارتكابه أخطاءً جسيمة، ومخالفة أخلاقيات المهنة»، حسبما أعلنت الرئاسة في بيان.

صورة أرشيفية مع الرئيس تبون للوزير ضيافات المسجون بتهمة الفساد (من حسابه الشخصي بـ«فيسبوك»)

وأكدت مصادر قضائية أن بوعكاز يوجد «منذ أيام قليلة» في سجن بالعاصمة، مشيرةً إلى أن قاضي التحقيق بـ«محكمة سيدي امحمد»، الذي أودعه الحبس المؤقت، كان في يونيو (حزيران) الماضي قد وضعه تحت إجراءات الرقابة القضائية، وسحب منه جواز السفر، وذلك بعد أيام من إقالته بقرار من الرئيس عبد المجيد تبون في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي.

السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة كان من ضمن الشخصيات التي تابعها القضاء بتهم فساد (الشرق الأوسط)

ونشرت صحيفة «لوسوار دالجيري» الفرنكفونية، في عددها (الأربعاء)، خبراً قصيراً حول القضية، قالت فيه إن المصير الذي لقيه المسؤول البارز في الرئاسة سابقاً «دليل على أنه لا يوجد محصَّنون لدى الرئيس». مضيفةً: «في الماضي، وعلى الرغم من وجود أدلة وتقارير من الجهات المعنية، استمر عدد من المسؤولين الكبار في ممارسة مهامهم، بل جرت ترقيتهم أحياناً باسم قاعدة مقدسة خاصة بالقوى المحصنة. أما بالنسبة إلى الرئيس (تبون)، فلا هوادة في مسعاه لمكافحة الفساد». وهي إشارة من الصحيفة، المعروفة بقربها من الرئاسة، ضمناً، إلى فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019)، التي شهدت تفشي الفساد، وانتهت بسجن عشرات المسؤولين المدنيين والعسكريين بتهم «الفساد»، و«استغلال النفوذ لتحقيق مآرب شخصية»، و«التربح غير المشروع».

أمين عام وزارة الدفاع (يسار) المسجون بتهم الفساد مع قائد أركان الجيش السابق (وزارة الدفاع)

ولم تشرح الرئاسة عند إعلان عزل بوعكاز أسباب القرار، فيما كتبت مجلة فرنسية أنه «كان موضوع تحقيق»، منذ بداية العام الحالي، «يخص إدارة خدمته والموظفين العاملين بمديرية البروتوكول»، مشيرةً إلى أنه «ارتكب عدة تجاوزات في إدارة التشريفات الرئاسية»، خلال آخر مهمة له قبل إقالته، وذلك عندما رافق تبون في زيارة ميدانية بشرق البلاد.

كما قالت المجلة نفسها إن بوعكاز «محل اشتباه بربط صلات مع رجال أعمال سيئي السمعة»، وأبرزت أن التحقيقات التي أدت إلى إقالته «تناولت أيضاً حياته الشخصية، وعلاقاته مع مواطنة جزائرية، تسافر كثيراً إلى الخارج، مما أثار مخاوف من مخاطر التعاون مع قوى أجنبية».

مقر محكمة سيدي امحمد في العاصمة حيث جرت محاكمة مسؤولين كبار بتهم الفساد (الشرق الأوسط)

ويعد بوعكاز، ثاني مسؤول حكومي بارز يدخل السجن بتهمة «الفساد»، منذ تولي تبون الحكم نهاية 2019. ففي فبراير (شباط) الماضي أدان القضاء كاتب الدولة لدى الوزير الأول، مكلف المؤسسات الصغيرة، نسيم ضيافات، بالسجن خمس سنوات مع التنفيذ، بناءً على تهم يتضمنها «قانون مكافحة الفساد والوقاية منه»، من بينها التبديد العمدي للمال العام، والاستعمال على نحو غير شرعي لممتلكات وأموال عمومية، ومنح امتيازات غير مبررة للغير، وإساءة استغلال الوظيفة بشكل متعمد على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، وغسيل أموال، والحصول على امتيازات غير مبررة»، بينما برَّأت المحكمة زوجته، التي كان قاضي التحقيق قد وجَّه إليها بعضاً من هذه التهم.

واعتقلت السلطات بعد ثورة الشارع في 22 فبراير 2019، رفضاً لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، ثلاثة رؤساء حكومات سابقين بشبهة «الفساد»، هم: أحمد أويحيى (حُكم عليه بالسجن 15 عاماً)، وعبد المالك سلال (سُجن لـ12 عاماً)، ونور الدين بدوي (السجن أربع سنوات). كما سُجن عشرة وزراء على الأقل، أحدهم تُوفي قبل انتهاء محكوميته، متأثراً بفيروس كورونا عام 2020، وهو وزير البريد السابق موسى بن حمادي.

رئيس الحكومة السابق عبد المالك سلال الذي أدانه القضاء بالسجن لـ12 عاماً (الشرق الأوسط)

كما سجن القضاء العسكري عدداً كبيراً من المسؤولين، من بينهم مديرا الأمن الداخلي سابقاً، الجنرال بشير طرطاق، والجنرال واسيني بوعزة، وأمين عام وزارة الدفاع الجنرال عبد الحميد غريس، فضلاً عن إطلاق مذكرات اعتقال دولية ضد وجهاء من النظام، مدنيين وعسكريين، غادروا البلاد بعد انفجار الشارع.


مقالات ذات صلة

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي يُبقي على وزراء الحقائب السيادية والمقربين من تبون

ذكرت «وكالة الأنباء الجزائرية» أن رئيس الوزراء محمد النذير العرباوي قدّم، اليوم الاثنين، استقالة الحكومة إلى الرئيس عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

قُتل 5 أشخاص وأصيب آخرون بالرصاص في قرية في ولاية الجزيرة (وسط السودان) إثر هجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» الأربعاء، ليضاف إلى 40 آخرين قُتلوا في بلدات أخرى بالولاية التي تشهد أعمال عنف منذ نحو شهر في وسط البلاد الذي دمّرته الحرب الدائرة منذ عام ونصف العام، على ما أفادت مصادر طبية ومحلية في الولاية، الأربعاء.

ولليوم الثاني على التوالي، عاود عناصر من «قوات الدعم السريع» الهجوم على قرية «التكينة» (وسط الجزيرة)، مستخدمة بعض الأسلحة الثقيلة، مخلّفة 5 قتلى، كما نفذ الطيران الحربي للجيش ضربات جوية لوقف تقدمها من اقتحام المنطقة. وفي وقت سابق، حذَّر كيان «مؤتمر الجزيرة» الذي يرصد انتهاكات الحرب، من وقوع مجزرة وشيكة تخطط لها «قوات الدعم السريع» تستهدف أهالي المنطقة، التي تحتضن أعداداً كبيرة من النازحين الفارين من القرى المجاورة. وقال سكان في التكينة إن المسلحين من أبناء المنطقة تصدُّوا للقوة التي حاولت التوغل من جهة الحي الغربي.

«الدعم»: مؤامرة لخلق مواجهة مع المدنيين

بدورها، قالت «قوات الدعم السريع»، إنها ترصد أبعاد مؤامرة يقودها عناصر من النظام السابق (الحركة الإسلامية) وما تسميه «ميليشيات البرهان» تقوم بحشد المواطنين وتسليحهم في ولاية الجزيرة بهدف «خلق مواجهة بين قواتنا والمدنيين». وأضافت في بيان باسم المتحدث الرسمي، الفاتح قرشي، أن هناك فيديوهات موثقة على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف عن وجود «مخطط لتسليح المواطنين في قرى الجزيرة وتظهر الفلول (عناصر النظام السابق) وبعض المخدوعين من قرية التكينة وقرى أخرى، يتوعدون بمهاجمة قواتنا».

عائلة نازحة بعد مغادرتها منزلها في جزيرة توتي في الخرطوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

وناشدت أهالي القرى النأي بأنفسهم عن «مخطط الفلول ومحاولات الزج بالمواطنين في القتال باسم المقاومة الشعبية»، مؤكدة أنها لن تتهاون في التعامل بحزم مع المسلحين و«كتائب فلول الحركة الإسلامية».

في هذا السياق، أكد طبيب في مستشفى ود رواح إلى الشمال من قرية ود عشيب التي تعرضت للهجوم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» مقتل 40، مشيراً إلى أن «القتلى الأربعين أصيبوا إصابة مباشرة بالرصاص». وطلب الطبيب عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته بعد تعرّض الفرق الطبية لهجمات. وقال شهود في قرية ود عشيب إن «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، شنَّت هجومها مساء الثلاثاء على القرية الواقعة على بعد 100 كلم شمال عاصمة الولاية ود مدني. وقال شاهد في اتصال هاتفي مع الوكالة إن «الهجوم استُؤنف صباح» الأربعاء، موضحاً أن المهاجمين يرتكبون «أعمال نهب».

الأمم المتحدة قلقة

ويندرج الهجوم الأخير في سلسلة هجمات نفذتها «قوات الدعم السريع» خلال الشهر الماضي على قرى بولاية الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائد كبير فيها انضم إلى الجيش في أكتوبر (تشرين الأول).

مشهد للدمار في أحد شوارع أم درمان القديمة نتيجة الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» (رويترز)

ومنذ ذلك التاريخ، وثَّقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 340 ألف شخص من سكان الولاية وهي منطقة زراعية رئيسة كانت تُعدّ سلة الخبز في السودان. وحذَّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الجمعة، من أن اندلاع أعمال العنف هناك «يعرّض حياة عشرات الآلاف من الأشخاص للخطر».

وتعرَّضت قرى شرق محافظة الجزيرة لحصار كامل في الأسابيع الأخيرة؛ مما تسبب بكارثة إنسانية فيها، بحسب الأمم المتحدة وشهود عيان وجماعات حقوقية. وفي قرية الهلالية، لم يعد بإمكان السكان الحصول على الضروريات الأساسية وأُصيب العشرات منهم بالمرض. ويصل الكثير من النازحين إلى الولايات المجاورة بعد «السير لأيام عدة... وليس عليهم سوى الملابس التي يرتدونها»، وفق ما قال دوجاريك، الجمعة. وحتى في المناطق التي نجت من القتال، يواجه مئات الآلاف من النازحين الأوبئة، بما في ذلك الكوليرا والمجاعة الوشيكة، في غياب المأوى الملائم أو وسائل الرعاية. وقال دوجاريك: «إنهم مضطرون إلى النوم في العراء، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى».

80 % من المرافق الصحية مغلقة

وتقدّر الأمم المتحدة ومسؤولون صحيون أن النزاع تسبب بإغلاق 80 في المائة من المرافق الصحية في المناطق المتضررة. وتقول الأمم المتحدة إن السودان يواجه حالياً واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة، حيث يعاني 26 مليون شخص الجوع الحاد.

من جهة ثانية، شنَّ الطيران الحربي للجيش السوداني سلسلة من الغارات الجوية على مواقع «الدعم السريع» شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وفقاً لمصادر محلية. وعاد الهدوء النسبي، الأربعاء، إلى الفاشر التي تشهد منذ أسابيع مستمرة معارك ضارية بعد توغل «قوات الدعم السريع» إلى وسط الفاشر.

مشروع توطين ألماني

من جهة ثانية، قالت وزيرة التنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، خلال زيارتها لتشاد، الأربعاء، إن برلين تعتزم دعم مشروع يهدف إلى دمج اللاجئين السودانيين في تشاد. وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، تعتزم حكومة تشاد تخصيص 100 ألف هكتار من الأراضي مجاناً، ليتم منح نصفها لأسر اللاجئين والنصف الآخر للأسر المعوزة في المجتمعات المضيفة. ومن المقرر أن يتم تخصيص هكتار واحد لكل أسرة.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور بأدري في تشاد (رويترز)

ومن المقرر أن يقدم برنامج الأغذية العالمي الدعم لهذه الأسر؛ لجعل الأراضي صالحة للاستخدام. وقالت شولتسه، خلال زيارتها لمعبر أدري الحدودي شرق تشاد: «للأسف، علينا أن نفترض أن العودة إلى السودان لن تكون ممكنة لمعظم اللاجئين في المستقبل المنظور». وأضافت شولتسه أن المساعدات الإنسانية ليست حلاً دائماً. وقالت: «لهذا السبب يُعدّ هذا النهج، الذي يمنح اللاجئين والمجتمعات المضيفة الأراضي ويجعلها صالحة للاستخدام مجدداً كالحقول والمراعي، خطوة رائدة، حيث إن الذين يمتلكون أراضي خصبة يمكنهم توفير احتياجاتهم بأنفسهم». وقالت مديرة منظمة «وورلد فيجن ألمانيا»، جانين ليتماير، إن نحو 250 ألف لاجئ يعيشون حالياً ظروفاً صعبة، بمساكن مؤقتة بدائية في منطقة أدري وحدها. وأضافت ليتماير أن الأشخاص في كثير من الحالات يعيشون تحت أغطية من القماش المشمع المشدود على جذوع الأشجار أو الأعمدة.