«المهم نروح المشوار» للتخلص من ضغط الحرب

المشي في الطبيعة مستمر إيماناً بالوطن

المشي من أجل الوطن (مواقع التواصل)
المشي من أجل الوطن (مواقع التواصل)
TT

«المهم نروح المشوار» للتخلص من ضغط الحرب

المشي من أجل الوطن (مواقع التواصل)
المشي من أجل الوطن (مواقع التواصل)

واحدة من الرسائل الصوتية اللطيفة التي تصلك على هاتفك، والقصف يطال نصف لبنان، والضحايا يتساقطون على مدار النهار، من زياد خير الله، صاحب مكاتب «فلاديمير للسفر».

تقول الرسالة بصوت متحمس: «بعدما حققناه الأسبوع الماضي في زيارتنا لمنطقة لم تكونوا تعرفونها، نكرر التجربة، الأحد المقبل، بنهار كامل إلى منطقة جديدة، لا تزال بعيدة، عن كل التوترات». ويكمل الصوت: «سنكون في منطقة حلوة، وطبيعة رائعة، ونزور أماكن روحية وثقافية وسياحية، مع لقمة طيبة، نقضي يوماً من العمر، بعيداً عن التشنجات والتوترات. احجزوا أماكنكم». وتنتهي الرسالة بصوت رونزا يصدح بأغنيتها الشهيرة: «مش مهم لوين نروح، المهم نروح المشوار». هكذا يترك خير الله اسم الوجهة معلقة، ولا يعلن عنها.

زياد خير الله يقرّر الوجهة في اللحظة الأخيرة وتبعاً للوضع الأمني (مواقع التواصل)

يشرح زياد خير الله لـ«الشرق الأوسط» أنه وجدها طريقة مبتكرة، يتغلب فيها على أي عائق يمكن أن يفاجئه في اللحظة الأخيرة. يعلن عن «مشوار» كما يقول، لكنه لا يحدّد الوجهة، ومع ذلك، يحجز البعض أماكنهم ويسيرون معه وهم لا يعرفون إلى أين. «أضع في حسباني، مسبقاً ثلاث خطط ممكنة، لثلاث وجهات مختلفة، فإذا ما صار قصف على الوجهة الأولى، نتوجه في الصباح مع المجموعة إلى الوجهة الثانية، وإذا ما تعذّرت الوجهتان، تكون عندي خطة ثالثة بديلة».

الوجهة مجهولة... لكن

رُوّاد خير الله سعداء، ولا يشتكون من طريقته. «أطلب إليهم ما إن يصعدوا إلى الباص، أن يقفلوا جوالاتهم، وينقطعوا عن الأخبار، ليريحوا بالهم، ونستمتع جميعنا بأغنيات وطنية تتناسب والجو العام، قبل أن نصل إلى الموقع الذي اخترناه للمشي في الطبيعة ونعرّج على الأماكن التي قررنا زيارتها».

من جولات فلاديمير للسفر خلال الحرب (مواقع التواصل)

المشي في الطبيعة نوع من المقاومة

ليس خير الله وحده، من بين منظمي الرّحلات السياحية، ورياضة المشي في الطبيعة، هو الذي يواصل عمله، ويجتذب الراغبين في الخروج من كآبتهم. مارك عون صاحب جمعية «فاموس تودوس» يخبر «الشرق الأوسط» أنه لم يتوقف، عن تنظيم رحلات المشي، لمجموعات، ترغب في ألا تحبس نفسها في دائرة مظلمة «إنه نوع من المقاومة والتشبّث بالأرض والحياة، وإصرار على الاستمرار. لا نستطيع أن نستسلم، ولا أن نقطع الأوكسجين عن الناس». وكذلك هي حال ميلاد دياب مطر، صاحب مجموعة «هايكينج فور إيفر» الذي علّق عمله لأسبوعين، لكنه عاد ليُعلن عن مشاوير جديدة، وقد لحظ أن الحرب طويلة، ولا فائدة من البقاء في البيت، ما دام أن الخروج لا يزال ممكناً. «الحامي هو الله. ونحن نسير في الطبيعة، ولا أعتقد أنهم سيستهدفوننا ونحن نسير بين الشجر. أنا لا أسمع الأخبار وأعيش حياة بسيطة، وأحاول أن أكمل حياتي. وأعتقد أن النجاح لا يأتي إلا من القدرة على الاستمرار. التوقف ليس في مصلحة أحد».

إحدى المغامرات الأخيرة لمجموعة «هايكينج فورافر ليبانون» (مواقع التواصل)

هذه المجموعات التي اعتادت السير في الطبيعة على مدار السنة، أصبحت واحدة من أهم النشاطات في السنوات الأخيرة، ولها أقطابها ومُنظّموها وعشاقها ومدمنوها. لكن عدد الراغبين في مواصلة المشي رغم القصف ينخفض بعض الشيء. كان بينهم أجانب سافروا، ولبنانيون غادروا أيضاً، وثمّة من لا يسعفه مزاجه، وبينهم من هجروا بيوتهم، وغيَّروا مناطق سكنهم، ولم يعد بمقدورهم الالتحاق بالأصدقاء.

امشِ ولو وحدك...

«عندما لا أجد من أسير معه، أمشي وحدي» يخبرنا ميلاد دياب مطر، «من 24 سنة وأنا أقوم بهذا العمل، وهو هوايتي المفضلة. بدأت المشي عندما كنت منخرطاً في الجيش اللبناني، ومن ثَمّ صرت أسير منفرداً 12 كلم كل يوم، خلال ساعتين، وبعد ذلك بِتُّ أمشي مع صديقتي، وعندما تزوجنا وأنجبنا أولاداً صرنا نمشي جميعنا معاً».

زياد خير الله أثناء إحدى جولاته في الطبيعة (مواقع التواصل)

يصرّ مطر على اصطحاب مجموعات في نزهات بالطبيعة مهما صعبت الظروف، «ليس من أجل المال، بل لأنني أحب ما أفعله، وأجده مفيداً، لا، بل وضرورياً». هذا رأيّ كل الذين لا يزالون يمارسون هذه الرياضة.

الولادة في الحرب

وهو رأي مارك عون مؤسس «فاموس تودوس»: «نحن الجمعية ومشروع وُلِدْنا من قلب الحرب. فأثناء القصف في عام 2006، قضينا وقتنا في اكتشاف المسارات الجبلية، والمشي في الطبيعة. حينها ضربوا كل شيء الجسور والطرقات، وجدنا أنه بقيت لنا تلك المسالك الطبيعية التي كنا نكتشفها. وبعد توقف الحرب مباشرة في 17 سبتمبر (أيلول) أطلقنا مشروعنا بشكل رسمي؛ لهذا نؤمن أن العمل يجب أن يستمر». هذه العبارة الأخيرة هي التي تتردد على الألسن.

زياد خير الله أثناء إحدى جولاته في الطبيعة (مواقع التواصل)

عون الذي جاب لبنان من شماله إلى جنوبه سيراً على الأقدام، يفضّل أن يُحدّد المكان مسبقاً، ويعرّف من يسيرون معه إلى أين يتوجهون. يبعث برسائل تؤكد «سنبقى نسير ما دام هناك أماكن آمنة نستطيع أن نرتادها». يختار منطقة قريبة، ليتفادى المفاجآت. «مع أنه لا مكان آمن في نهاية المطاف. فلا أحد يعرف أيّ منطقة ستُقصف ولا في أي وقت». ويروي عون: «عندما قصفت سيارة في جونيه كنت مع مجموعة متوجهين شمالاً على الجهة الثانية من الخط السريع، لكننا أكملنا مشوارنا كما هو مخطط له، وعلمنا من الأخبار بعد ذلك، تفاصيل الحادثة».

إغاثة الشركاء في المناطق الخطرة

عون الذي يستعين بأدلّاء محليين في رحلاته التي ينظمها إلى المناطق، وتربطه صلات قوية بعائلات تستقبل المجموعات التي تسير معه في منازلها في كل أنحاء لبنان، يجد أن من واجبه الأخلاقي، أن يكون إلى جانب هؤلاء الأصدقاء في الجنوب والبقاع الذين عمل معهم لسنوات طويلة. «هذا أيضاً جزء من إيماننا بوطننا وشعبنا. لذلك أخذنا على عاتقنا، أن نشتري المُؤن لأصدقائنا الذين بقوا في الجنوب، ونرسلها بين الحين والآخر بالتعاون مع الجيش اللبناني والقوى الدولية».

تسلّق الجبال من أجل الوطن (مواقع التواصل)

إلى لبنان وخارجه

يبدأ عون قريباً بتنظيم ورشات عمل مع ديالا عيتاني، المنخرطة في الجمعية، واعتادت المشي مع مجموعاته، وهي اختصاصية في علم النفس، لعقد جلسات، قد «نتمكن خلالها من إفادة من يشعر بالأرق والتوتر بمساعدته في التخفيف عن نفسه والمحيطين به». ويضيف: «ما يهمّ هو أن نكون مفيدين في مثل هذه الظروف. فأنا مع مبدأ إذا ساعدت شخصاً واحداً، تكون قد حققت شيئاً ذا قيمة».

خير الله إضافة إلى أنشطته اللبنانية، لا يزال ينظم رحلات سياحية إلى سوريا، رغم المخاطر على الطرقات، وقصف إحدى النقاط الحدودية. فهو يستخدم ممراً حدودياً لا يزال سالماً. أما رحلاته السياحية إلى الأردن، فقد تحوّلت رحلات إلى مطار عالية الدولي في عمّان، حيث تقلّ باصاته الذين لم يجدوا حجزاً من لبنان للمغادرة عن طريق الأردن.

وتبقى الكلمة السّر التي يؤكد عليها الجميع: «لا بد من الاستمرار مهما كانت الظروف».


مقالات ذات صلة

اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

يوميات الشرق هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)

اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

يفاجئك ألان برجي بأسلوب تفكيره وكيفية استخدامه الموسيقى آلةً للعبور نحو الزمن. يُلقَّب بـ«أوركسترا في رجل».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق اليوغا تعزّز التوازن بين الجسم والعقل (جامعة ميريلاند)

اليوغا تُحسِّن صحة العين

وجدت دراسة هندية أن ممارسة اليوغا قد تلعب دوراً مهماً في تحسين صحة العين وعلاج بعض الحالات البصرية، مثل المياه الزرقاء، وقصر النظر، وارتفاع ضغط العين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تعمل بعض الأخطاء كقنبلة موقوتة صامتة تدمر الزواج (أرشيفية - رويترز)

4 أخطاء تقتل العلاقات العاطفية ببطء

تنهار العديد من الزيجات والعلاقات العاطفية ليس لأن الحب لم يكن حقيقياً ولكن بسبب الأخطاء التي لا يعرف الزوجان أنهما يرتكبانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق طائرة تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز تسير على المدرج للإقلاع في مطار دنفر الدولي (أ.ب)

العثور على جثة بتجويف عجلات طائرة «يونايتد إيرلاينز» في هاواي

تُجري السلطات في هاواي تحقيقاً على أثر العثور على جثة، في تجويف عجلات طائرة تابعة لشركة «يونايتد إيرلاينز» الأميركية، كانت قد سافرت من شيكاغو إلى ماوي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مهنة مبلَّلة بالغرابة (صور ليزا بويرمان)

عائلة إنجليزية تُحوِّل كهفاً عمره 350 مليون سنة مَعْلماً سياحياً

تتضمَّن رؤية أوليفر الجديدة لمغارات «ستامب كروس» إتاحة قسم جديد منها للجمهور، كان يُسمَح الدخول إليه، سابقاً، لمغامري الكهوف فقط.

«الشرق الأوسط» (لندن)

قصص ملهمة وعروض متنوعة تتوج الدورة الثانية لمهرجان الرياض للمسرح

المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)
المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)
TT

قصص ملهمة وعروض متنوعة تتوج الدورة الثانية لمهرجان الرياض للمسرح

المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)
المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)

اختتم «مهرجان الرياض للمسرح»، الخميس، دورته الثانية التي شهدت على مدى اثني عشر يوماً، مجموعة من العروض المسرحية المتنوعة، ومنصة محورية لدعم المسرحيين السعوديين، واكتشاف وتطوير المواهب الناشئة، والاحتفاء بالأعمال المميزة.

وقال سلطان البازعي الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية، إن المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي، ويعكس أهمية استدامة الجهود لتطوير المشهد المسرحي السعودي، وتعزيز التفاعل مع التجارب المسرحية العالمية.

شارك في نسخة هذا العام 20 عرضاً سعودياً (تصوير: تركي العقيلي)

من جهته، أكد مدير المهرجان الدكتور راشد الشمراني، أن المهرجان شكَّل منصة استثنائية للإبداع المسرحي، حيث نجح في جمع نخبة من المبدعين والمواهب الواعدة على خشبة واحدة، في حدث يُبرز مدى تطور قطاع المسرح في المملكة.

وأشار إلى أن المهرجان أكد التزام المملكة بتعزيز دور المسرح لكونه من الركائز الثقافية المهمة، ويُمثل بداية لحقبة جديدة من الوعي الفني والإبداعي، تُساهم في اكتشاف المواهب وبناء جيل جديد من الفنانين المسرحيين القادرين على مواكبة التطورات العالمية.

المهرجان شكَّل منصة استثنائية للإبداع المسرحي السعودي (تصوير: تركي العقيلي)

وخلال الحفل، أعلنت الأعمال الفائزة وتكريم الفائزين بجوائز الدورة الثانية للمهرجان، وقدمها على خشبة المسرح، رئيس لجنة التحكيم المخرج السعودي عامر الحمود.

ونالت ‏«مسرحية غيمة» جائزة أفضل مكياج مسرحي، و ‏«مسرحية سليق وباقيت» جائزة أفضل أزياء مسرحية، و «مسرحية رشيد واللي سواه في بلاد الواه واه» جائزة أفضل موسيقى مسرحية، و‏«مسرحية كونتينر» جائزة أفضل إضاءة مسرحية، ‏و«مسرحية طوق» جائزة أفضل ديكور مسرحي.

شهد الحفل إعلان الأعمال الفائزة وتكريم الفائزين بجوائز الدورة الثانية للمهرجان (تصوير: تركي العقيلي)

وجائزة أفضل نص مسرحي، نالتها ‏«مسرحية قمم: الكاتب عبد العزيز اليوسف»، وجائزة أفضل إخراج مسرحي لـ«مسرحية كونتينر: المخرج عقيل عبد المنعم الخميس».

‏وعلى صعيد الجوائز الفردية، نالت ‏«آمال الرمضان» جائزة أفضل ممثلة دور ثانٍ، وذهبت جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ لـ«سعيد محمد عبد الله الشمراني»، وجائزة أفضل ممثلة دور أول لـ«فاطمة علي الجشي»، وجائزة أفضل ممثل دور أول، لـ«حسين يوسف».

يعكس المهرجان أهمية استدامة الجهود لتطوير المشهد المسرحي السعودي (تصوير: تركي العقيلي)

واختتمت سلسلة الجوائز، بتتويج «مسرحية طوق» بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل (المسار المعاصر)، و ‏«مسرحية حارسة المسرح» بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل (المسار الاجتماعي).

وتمثل الدورة الثانية للمهرجان امتداداً للنجاح الذي حققته الدورة الأولى، مع تطلعات طموحة لتقديم مزيد من الإبداع والتميز في السنوات المقبلة.

نجح المهرجان في جمع نخبة من المبدعين والمواهب الواعدة على خشبة واحدة (تصوير: تركي العقيلي)

وشارك في نسخة هذا العام، 20 عرضاً سعودياً مع برنامج شمل 3 ندوات، و6 ورشات عمل، و20 قراءة نقدية، وتوزعت العروض المشارِكة على مسارين؛ أحدهما للمسرح المعاصر وضم 11 عرضاً، والآخر للمسرح الاجتماعي وضم 9 عروض.

وشهدت الدورة الثانية من المهرجان، تكريم رائد المسرح السعودي، أحمد السباعي، الذي ساهم في إدخال المسرح إلى المملكة، وتطوير الفنون المسرحية، وأُقيم معرض فني يستعرض مسيرته الرائدة تضمّن عرضاً لمؤلفاته المسرحية والأدبية ومقتنياته الشخصية، إلى جانب الجوائز والشهادات التكريمية التي حصل عليها خلال مسيرته، وفيلماً وثائقياً يُبرز أبرز محطاته وإنجازاته الأدبية منذ الخمسينات، وصولاً إلى تأسيسه أول مسرح سعودي عام 1961م تحت اسم «دار قريش للتمثيل القصصي».