يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة

العالم اللغوي السويسري كتب سيرة نادرة عن الشاعر السعودي

يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة
TT

يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة

يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة

نشرت «الشرق الأوسط» في صفحة «ثقافة وفنون»، بتاريخ 13 أكتوبر 2024، مادة مهمة للباحث السعودي قاسم الرويس عن اكتشاف قاموس خاص بلهجة البدو في نجد بجامعة زيوريخ، يوثق لهجات محكية في السعودية قبل أكثر من 100 عام. هذا القاموس هو جزء من الجهود العلمية العظيمة للباحث الكبير يوهان جاكوب هيس (1866 - 1949) عالم اللغة السويسري المتخصص. نحن نعرف عن هيس أنه المستشرق الذي كتب قصة حياة شاعرنا الفارس الشهير مُوهِق بن عَجاج الغنّامي، ووضع صورة الشاعر على غلاف كتابه، فضمنّا بذلك ألا يغيب وألا يكتسحه النسيان. صورة معبرة للغاية يظهر فيها موهق بملامحه البدوية الخشنة وجدائله الطويلة وسمرة الصحراء التي رسمت ملامحه، ولكن الناس لا يعرفون الكثير عن صاحب الكتاب.

لذلك لعله من المناسب هنا أن نأخذ تصوراً كافياً عن هذا المستشرق الذي تخرج في جامعتي برلين وستراسبورغ مختصاً بعلم المصريّات والآشوريّات واللغات الساميّة، وعلم الصينيّات، وحصل على درجة الدكتوراه بين عامي 1889 و1891، ثم عمل معلّماً خاصاً، ودرّس علم المصريّات والآشوريّات بين عامي 1891 و1908 في جامعة فرايبورغ السويسرية. هذا ما منحه فرصة السفر إلى مصر والنوبة لمدة 4 سنوات ليستقر في القاهرة أثناء قيامه بوظائف في هيئة المساحة البريطانية بالمكتب البريطاني في مصر. في هذه الفترة التقى هيس بشاعرنا موهق الغنامي وابتدأت بينهما صداقة إنسانية عظيمة.

ثم عاد الأستاذ إلى سويسرا عام 1918، ليعمل في معهد الاستشراق؛ حيث ترقى إلى مرتبة أستاذ فخري عام 1936، وهو في عمر يناهز 70 عاماً. تزوج هيس مرتين وتوفي في زيورخ 29 أبريل 1949، عن عمر يناهز 83 عاماً.

إذا كان هيس قد غادر مصر في 1918 فهذا يعطينا نوعاً من التحديد لزمن ذلك اللقاء، لكن ماذا كان الشاعر يفعل في مصر خلال هذه الفترة، في نهاية الحرب العالمية الأولى؟ هذا ما يحيّر كثيرين إلى هذه اللحظة. فقد عاش الشاعر موهق الغنامي معظم حياته في مصر يكتب القصائد العذبة شوقاً لنجد وأهلها من أبناء عمومته ويتساءل شعراً، هل يسألون عنه الحجيج القادمين من مصر، أم أنهم قد نسوه؟ وكيف أنه يشتاق إليهم لدرجة أن يرى وجوههم في الأحلام، ليستيقظ فيجد نفسه وحيداً في دار غريبة، وأن قلبه لرقته تجاههم يهفو إليهم كالطير المنحدر من قمم الجبال. ومما شابه هذا من الصور البديعة واللغة الرقيقة التي لا شك في كونها صادرة عن عاطفة عميقة.

يرجح الرويس أن من ورد ذكره في الرسالة القادمة من سويسرا وأسماه الشاعر «العم محمد» هو محمد العلي الذي يعمل موهق عنده. وفي الرسالة يتحدث الشاعر عن الخواجة والست، وكما هو واضح، يقصد هيس وزوجته، وأن وجوده في سويسرا كان لزيارة صديقه هيس في فترة قيام الأخير بالتدريس في جامعة زيورخ بعد تركه مصر؛ مما يعني أن صداقتهما لم تنتهِ في مصر. وفي الرسالة يصف الشاعر رحلته الشاقة من الإسكندرية بالباخرة، ثم إكمال الرحلة بالقطار ماراً بالنمسا وإيطاليا وصولاً إلى سويسرا.

موهق الغنامي الذي لا نعرف - نحن أبناء عمومته - على وجه اليقين سبب انتقاله إلى مصر في الربع الأول من القرن العشرين، قد هُيئ له هيس لكي يكتب عنه، بل إنه مرجعيته الأولى في كل ما يتعلق بالجزيرة العربية. وسُخر لمؤلفات هيس مستشرق آخر هو البروفيسور مارسيل كوربرشوك الذي خدم هيس وأبرز أهمية إنتاجه، وها نحن نرى الباحث قاسم الرويس وهو يسخر جهده لأعمال مارسيل وحكاية هيس وموهق، من ضمن اهتماماته بالتراث السعودي وحكاياته المهمة.

لقد وثق هيس بموهق مصدراً معرفياً عن عرب الجزيرة، فصار ينقل عنه أجوبة على أسئلته عن عادات عرب الجزيرة وكل ما يتعلق بحياتهم، ونقل عنه أيضاً شيئاً من أخباره الشخصية وقصص فروسيته وبطولته، بل إنه كتب سيرة موهق في كتابه «von den beduinen».

والجديد، الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط»، معلومة قد لا يعرفها بنو عمومته، ألا وهي أن موهق قد زار سويسرا في تلك الفترة المبكرة. فكل ما نعرفه أنه عاش حياته في مصر ولم يعقب، لا أبناء ولا بنات. هناك من كان يداعب المستشرق مارسيل كوربرشوك بالقول إن مارسيل ربما يكون ابناً لموهق لكثرة ما يطرح من الأسئلة عنه ويتثبت من قصصه، لكن المؤكد أنه لم يعقب وقيل لم يتزوج. ولأنه لم يخلف ذرية يوضحون لنا كيف عاش، فستبقى حياة الشاعر لغزاً بالنسبة لمن يهمّهم أمره.

هناك مَن تَصور أن ثمة أسباباً سياسية وراء سكن الشاعر في مصر، لكن أغلب الباحثين الجادين ينفون العامل السياسي، فقد وفد موهق إلى السعودية في آخر حياته وألقى قصيدة بين يدي الملك فيصل. والدليل الأوضح أنه لا يوجد في شعره ما يدل على أدنى معارضة سياسية، ولا في القصص المحكية عنه. كما أن بعض أشعاره تدل على عدم ابتهاجه بالعيش في القاهرة. إذن ما الذي أبقاه فيها معظم حياته؟ الأغلب على ظني أنه كان يقيم هناك طلباً للرزق لا أكثر. لماذا لم يَعُد بعد رحلة طلب الرزق؟ لا تفسير إلا أنه على الرغم من أبيات الهجاء التي ترد أحياناً في شعره لمصر والمصريين، فقد أحب مصر والمصريين، ويبدو أنه تزوج منهم واختار أن يعيش بينهم. وفي ظني، لا يوجد تفسير آخر.



علوية صبح: أعيش الحرب تحت عناوين مختلفة وشعارات متبدلة

 علوية صبح
علوية صبح
TT

علوية صبح: أعيش الحرب تحت عناوين مختلفة وشعارات متبدلة

 علوية صبح
علوية صبح

حظيت الكاتبة اللبنانية علوية صبح بألقاب كثيرة، منها «شهرزاد الرواية» و«كاتبة المرأة» و«مريم الحكايا»، في إشارة إلى تميز نصوصها بالاشتغال على عوالم النساء داخلياً واجتماعياً في سياق إنساني عام ومتغيرات عابرة للجنسين. حصدت جوائز عديدة منها جائزتا «السلطان قابوس للإبداع» و«العويس الثقافية»، وأطلقت جامعة «عبد المالك السعدي» المغربية اسمها على جائزتها السنوية المخصصة للنقد الأدبي.

هنا حوار معها حول روايتها الجديدة «افرح يا قلبي» وهموم الكتابة، وكيف تعيش مناخ الحرب التي لا تزال تطحن لبنان:

>عنوان روايتك «افرح يا قلبي» التي صدرت منها طبعة مصرية مؤخراً، يحيل إلى أغنية شهيرة لأم كلثوم. ألم تتخوّفي من أن العناوين الأدبية والفكرية المأخوذة من كلمات أغانٍ باتت ظاهرة مستهلكة؟

- ولمَ أتخوّف؟ ليس من عنوان يليق بالرواية سواه. هو غير منفصل عن «ثيمة» الرواية، فالبطل «غسان» عازف موسيقي على العود، تربّى على الطرب العربي والتراثي. ثم إن الأغنية تربط الحب بالفرح عنده، وليس العذاب والنواح كما في الأغاني الموروثة. والقرّاء والكتّاب والنقّاد أحبوا العنوان كثيراً.

> ما معايير اختيارك لعناوينك الأدبية؟

- هو باب مفتوح للدخول إلى عالم مجهول للقارئ. لا أميل إلى العناوين أو النهايات المغلقة وأبتعد عن الشاعرية أو التعقيد في اختيار العناوين.

> يبدو أن روايتك «أن تعشق الحياة» تعكس استلهاماً فنياً لتجربتك الشخصية مع المرض، كيف ترين الأمر، وإلى أي حدّ تطلّ سيرتك الذاتية في أعمالك؟

- نعم. لم أستلهم أو أوظّف في الرواية سوى المرض العصبي الماكر والمؤلم الذي أصابني. تخيّلت أنه أصاب البطلة «بسمة»، وتجلّت إرادتي وحب الحياة في مواجهة المرض وخيبات الحروب والحب. وبدا في الرواية أن مرضنا هو وجه من وجوه مرض الأوطان العربية التي شهدت حروباً أهلية مدمّرة. وشعرت أن المدن تشبه ناسها وحكاياهم من حكاياها. لكنّ قدرة التخييل عند الروائي هي الإيهام بالحقيقة أو الواقع. والغريب أنه منذ شفيت «بسمة» في آخر الرواية لم أعد أصدّق أنني ما أزال مريضة. أشعر أنني «بسمة» وأن حياتي صارت حيوات أبطال رواياتي التي عشتها. لا تحمل أي رواية أصدرتها سيرة حياتي، وإنما يحدث أن يتسلّل بعض من تجربتي أو أحاسيسي في الحياة.

> لو كتبت سيرتك الذاتية، فهل ستأتي متحفّظة أو ستكون مطلقة الحرية على غرار كتابات الغرب في هذا السياق؟

- قيمة السيرة الذاتية في جرأتها وحقيقيّتها وكونها كاشفة وبعيدة عن صورة تجميل الذات أو إخفاء ما يجب أن يعرفه القارئ عن الكاتب وعن حياته وأفكاره. أنا لا أخاف من شيء، ولا أمارس أي رقابة ذاتية على كتاباتي. وما أكتبه بين الحين والآخر من سيرتي، سيشهد على صدقي حين أنتهي منها ذات يوم.

> تبدو الحرب قاسماً مشتركاً يهيمن على نصوصك؟

- منذ مطلع شبابي وأنا أعيشها بعناوين مختلفة، وهل في ذاكرتي غيرها؟ إننا في لبنان ما زلنا مكبّلين ومأسورين بالحروب القذرة تحت شعارات تتبدّل بين مرحلة وأخرى ولا تحصد سوى الدمار والخراب والخيبات للبشر وحيواتهم. لكنني ما كتبت رواية حتى الآن تحت شعارات وسقوف آيديولوجية. كنت دائماً معنية بتحوّلات المجتمع وحيوات البشر، عن الحب والموت والصداقة والفقدان والأمومة وغيرها من القضايا الإنسانية المتشابكة. فتحتُ الرواية على الحياة والبوح الحقيقي ومساءلة كل ما يكبّل ويهدم إنسانية المرأة والإنسان البسيط عموماً. والقضايا التي أثارتها رواياتي لامست قرّاءً عرباً وليس فقط من عاشوا الحروب. معنى الأدب وقيمته مهما كان موضوعه إنساني بحت.

>سؤال الهوية وقلقها يتجلّى هاجساً ضاغطاً في العديد من أعمالك، ما السبب؟

- صحيح أنني تناولته عند بعض شخصيات رواياتي، لكنه يشكّل محور روايتي الأخيرة «افرح يا قلبي»؛ حيث الأب القومي الناصري المستبدّ والماجن، والصراع بين الإخوة إلى حدّ قتل الأخ المتطرّف الإرهابي أخاه العروبي والمسلم المعتدل والإنساني. وبما أنها تتناول هذا الموضوع، تطرح الرواية علاقة الشرق بالغرب، ولكن بطريقة ومنظورين مختلفين عمّا طرحه كتّاب وروائيون عرب كبار، بعيداً عن مقولة «الشرق ذكورة والغرب أنوثة»، أو فكرة إخضاع المرأة الغربية في الفراش، انتقاماً من الاستعمار أو التفوّق الغربي. من هنا تطرح علاقة البطل غسان الموسيقي وعازف العود والعاشق للتراث الموسيقي العربي والشرقي، بحبيبته وزوجته الأميركية والعاشقة للموسيقى الشرقية والصوفية، مسألة التكامل الثقافي والإنساني بين الشرق والغرب، وإن بقي غسان منشرخ الهوية في الانتماء للغرب أو للشرق بعدما هاجر إلى نيويورك وقضى معظم حياته فيها.

> كيف تجلى هذا الهاجس في «افرح يا قلبي» بشكل خاص؟

- إن تشظّي الهوية في لبنان وفي البلدان العربية التي شهدت حروباً أهلية مدمّرة، أولدت تناقضات وصراعات مدمّرة حول الانتماء والهوية. حاولت في الرواية أن أترصّد التحولات في الهوية وفي العلاقات الأسرية منذ خمسينات القرن الماضي إلى ما وصلنا إليه في البلدان العربية التي شهدت الحروب. الأصولية المتطرّفة قاتلة ومقتولة ومدمّرة، وأضاعت البوصلة. أقلقتني مسألة الهوية بصفتي إنسانة مسلمة معتدلة وعروبية، ومذهبي هو الإنسانية، فأنا مشبعة ومؤمنة بالانتماء للعروبة، ولذلك شهدت الرواية صراعات بين الإخوة، فوصفها نقّاد بأنها رواية «الإخوة كرامازوف» لـ«دوستويفسكي» العربية، بينما وصفها نقّاد آخرون بأنها صوت مختلف وجديد حول موضوع الهوية وعلاقة الشرق بالغرب.

> منحك النقّاد عدة ألقاب، منها «كاتبة المرأة»، ألا تخشين أن يأتي هذا اللقب على حساب انحيازك الإنساني العام ويحشرك في زاوية «نسوية» ضيّقة؟

- يحقّ لكل ناقد أو قارئ أن يصف أعمالي بما يشاء. القارئ لأعمالي لم يرني كذلك. وإذا كانت سردياتي عن واقع المرأة وتجاربها في الحياة، فأنا أتطرق إلى ما هو أعمق إنسانياً. أليست حكايا البطلات الحقيقية جوهرية في الأدب الإنساني؟ نسويتي تخلو من أي شعار أو آيديولوجيا أو خطاب، فأنا لست نسوية شوفينية ولا أصولية في طرحي. ما هو مهم هو كيف نروي الحكايات وليس فقط ما الذي نرويه. من سمّاني «كاتبة المرأة» يقصد أنني ذهبت بعيداً في الكشف عمّا هو مكموم في حيوات النساء، وفي كسر الصور المنمّطة حول صورهن في الروايات.

كلّ ما فعلته هو إعلاء أصوات النساء ليحكين عن حيواتهن وأسرارهن المجهولة والمحجوبة في روايات. دخلت إلى ما هو مظلم في آبارهن السحيقة، وحاولت أن أكسر اللغة الذكورية ومفاهيمها وسطوتها في الأدب عند كتابات الرجال والكاتبات. وكنت في كل ما أرويه حتى عن مآسي النساء وأحلامهن وخيباتهن أمجّد الحياة والحب. أما شخصيات الرجال في رواياتي من عشاق أو آباء أو إخوة فلهم أيضاً وجوههم الكثيرة كما عند صور النساء، من القاسيات إلى المتجبرات إلى العاشقات وكل النماذج النسائية أو الذكورية الموجودة في مجتمعنا.

> من ضمن ألقابك «شهرزاد الحكايا»، كيف توازنين بين سحر الحكاية في نصوصك ومحاولة التجديد في بنية النص، حتى لا يقع في فخ الإبداع التقليدي القديم؟

- نعم، سُمّيتُ أيضاً «شهرزاد الرواية»، وفي الصحف الغربية «شهرزاد حديثة». صحيح أنني متأثرة بتراثنا السردي العربي والمشرقي لإيماني بهويتي الثقافية، لكنني غير منفصلة عن زمننا وحاضرنا، ولا عن الثقافة العالمية الإنسانية. من قرأ رواياتي يدرك أنني لم أتّبع بناء النص التقليدي الغربي، كما لم أكتب بطريقة استنساخية لموروثنا الشرقي. ذهبت بعيداً في خيالي، واشتغلت كثيراً لاكتشاف أسلوبي الخاص في القص. فتحت النص خارج البناء الكلاسيكي، لكنني أبقيت الرواية محكومة ببناءٍ لا يهدم عمارة النص. العمارة الخاصة التي استفدت فيها من كلّ ما يمتّ إلى حيويته وحياته وتنوّعه الصوتي وطبقاته من السينما إلى التحقيق وإلى كلّ ما يخلق نصاً نابضاً حياً. من السهل أن نستعير بناءً جاهزاً ونصبّ فيه ما نودّ قوله. التحدّي هو في خلق بناء وسرديات جديدة وكان ذلك امتحاناً كبيراً لي ولتحقيق هويتي الفنية.

أنا جدّ مفتونة بالحكايا، لكن لا يمكن لها أن تكون ساحرة دون عمارة ولغة وسرديات جاذبة. كان خزان الحكايا سندي ولغتي، كما وجدت أن القلم الأنثوي قادر على السرد والخلق الجديدين. وجدت نفسي ألعب بالزمن سبقاً أو تأخيراً، أمازج أحياناً بين الفصحى والعامية بتناغم وكنت دائماً أذهب إلى الخيال لاكتشاف أن ما يقرأه القارئ هو حياته أو حياتها. أومن أنه لا معنى للكتابة ما لم يبتدع الكاتب لغته وعالمه الخاصين، في كتابة إنسانية جريئة ومضيفة.

> انتميتِ إلى الفكر اليساري في مرحلة مبكرة من حياتك، هل تسلّل هذا الانتماء إلى نصوصك؟ وما الذي تبقّى منه فنياً وإنسانياً الآن؟- كان ذلك في مرحلة المراهقة، لكنني ابتعدت عنه إلى كل ما هو إنساني. استفدت آنذاك منه ثقافياً وفكرياً وإنسانياً، وفي إدراكي للفلسفة والثقافة والأدب عموماً، دفعني مثلاً إلى قراءة الأدب الروسي والآداب الأخرى، لكنّ عودتي للفردية استدعتها موهبتي دون شعور مني. فالتفكير الحرّ حافز منتج، لا يمكن للكاتب إلا أن يكون حرّاً من أي معتقد مغلق؛ لذلك لم يتسلّل إلى أدبي أي فكر أو آيديولوجيا، فالإبداع وعي فني وإنساني للعالم، وليس إلا.