نازحون لبنانيون محرومون من «الوداع اللائق» لموتاهم

ينتظرون نهاية الحرب للعودة إلى قراهم ودفنهم فيها

سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)
سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)
TT

نازحون لبنانيون محرومون من «الوداع اللائق» لموتاهم

سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)
سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)

يتلقى النازحون اللبنانيون في مراكز الإيواء والمنازل التي استأجروها أخبار قتل إسرائيل أفراداً من عائلاتهم وأقاربهم، فيضطر العديد منهم إلى أن يعيش الحزن ومشاعر الفقد بشكل صامت، ومن دون إقامة أيّ شكل من أشكال العزاء في أكثر الأحيان.

تقول نسرين فتوني، النازحة من بلدة دير قانون رأس العين (قضاء صور)، لـ«الشرق الأوسط»: «دُفِنَتْ جدتي ولم نتمكن، نحن أحفادها وأفراد عائلتها، من حضور مراسم الدفن بسبب الحرب البشعة التي نعيشها». وتضيف: «قتلتها إسرائيل في اليوم الأول للعدوان؛ أيْ في 23 سبتمبر (أيلول)، هي و4 أفراد من عائلتها في منزلهم الواقع في بلدة السكسكية (جنوب لبنان). لم نتمكن من إقامة العزاء لها بسبب نزوحنا إلى بعلشميه (قضاء بعبدا)، ولا حتّى قراءة سورة الفاتحة على قبرها».

وينشغل النازحون بهموم من نوع آخر فرضها النزوح، لكنهم حتماً سيشعرون بالفقد أكثر حين يعودون إلى منازلهم. تقول نسرين: «لا أتخيل المنزل من دونها، وخصوصاً أنها سبعينيّة، ولكنها لم تكن تعاني من مرض أو عجز. موتها شكّل صدمة لنا». وعن أول ما ستفعله حين تنتهي الحرب وتعود، قالت: «سأزور قبرها فور عودتي، حتّى لو كنّا في هدنة قصيرة، أقرأ لها الفاتحة ونقيم لها العزاء».

عزاء خارج البلاد

تُوفيت الجدة لطيفة، وتمكن بعض أقاربها دون سواهم من دفنها. لكن مع تصاعد وتيرة الحرب على لبنان، بات الأمر صعباً للغاية بالنسبة لكثير من النازحين. ففي 30 سبتمبر، ودعت إحدى السيدات ابنها (18 سنة) قبل أن ترسله وحيداً إلى جبانة بلدته في عيناتا (جنوب لبنان). وقد تُوفي جرّاء الغارة التي أصابت المبنى حيث منزلهم في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، هو وشقيقته التي أصيبت بجروح مختلفة في أنحاء جسدها. واستعانت الوالدة المفجوعة يومها بتقنية «الفيديوكول» كي تتمكن شقيقاته الثلاث من توديعه؛ كون اثنتين منهن خارج البلاد، والأخيرة تقبع على سرير المستشفى، قبل أن تعود الأم إلى الولايات المتحدة الأميركية وتقيم العزاء له خارج البلاد، وهي حتّى اليوم لم تتمكن من زيارة قبر ابنها ونثر الورود عليه.

ووفق السلطات الرسميّة، فقد تجاوز عدد النازحين جرّاء الهجمات الإسرائيلية 1.2 مليون شخص، ووصل عدد الضحايا إلى 2367 قتيلاً و11088 جريحاً.

وجرت العادة أن يجتمع الناس لأجل العزاء عند حدوث حالة الوفاة، ويفتحوا منازلهم أو القاعات المخصصة لذلك، ويستقبلوا الناس الذين يقصدونهم من أماكن قريبة وبعيدة لمواساتهم، إلّا أن الحرب منعت غالبيّة النازحين من إقامة العزاء، أو أقله ليس بالشكل المعتاد.

تقول زهراء حمود لـ«الشرق الأوسط»: «اقتصرت الزيارات على الأقارب والأصدقاء الذين قصدونا للعزاء بزوج شقيقتي، القائد المسعف في الدفاع المدني يوسف حمدان، الذي قتلته إسرائيل أثناء تأديته مهام الإغاثة والإنقاذ في 30 سبتمبر، وذلك لمرة واحدة فقط، بسبب صعوبة التنقل في ظل الحرب المستمرة على لبنان».

«وديعة» مؤقتة

ويوسف حمدان واحد من أفراد كثر يعملون في الدفاع المدني اللبناني، قُتلوا بسبب الهجوم الإسرائيلي على لبنان؛ إذ لا تتوانى إسرائيل عن استهداف الفرق الإسعافية. وقد تم دفنه في قبر مؤقت في منطقة صور (جنوب لبنان) ريثما تنتهي الحرب. تقول زهراء: «هذا ما أراده يوسف في وصيته، وكذلك زوجته اختارت أن يوضع كوديعة حتّى تنتهي الحرب ونعود إلى قريتنا كي نقيم مراسم دفنه». وتضيف: «عندها سنقوم بدفنه مجدداً في جبانة القرية كي يكون على مقربة من أولاده. فهو أب لثلاثة أطفال، أكبرهم لم يبلغ بعد 12 سنة، وزوجته حامل في شهرها الثامن، ومن ثمّ سنقيم العزاء، وسنفتح منزله لتقبل التعازي لمدة أسبوع».

وقد اختار بعض النازحين دفن الضحايا كـ«وديعة» في مكانٍ ما بانتظار عودتهم إلى بلداتهم وقراهم، أو دفنهم عبر الهيئات المختصة. وتسببت الغارات الإسرائيلية العنيفة بتشوّه غالبيّة الجثث، وتفحّم بعضها، وذوبانها في أحيان كثيرة، أو بتقطّعها إلى أشلاء جُمعت وتمّ دفنها.

مشهد مصغّر

في قلب العاصمة بيروت، وتحديداً على مدخل حي الخندق الغميق، حيث افتُتحت مدرسة لإيواء النازحين، اختارت إحدى العائلات النازحة إقامة العزاء لضحاياها في مواقف أحد المباني غير المسكونة في المنطقة، حيث رصّت المقاعد، وبدأت باستقبال الناس الذين قدموا من المنطقة وخارجها. ويقول أحد النازحين إن «أخبار الفقد تتوالى على النازحين، وقد تصاعدت أصوات البكاء مرات عديدة وملأت المكان في الأيام القليلة الماضية».

تروي رمزية ملاح لـ«الشرق الأوسط» قصة قريبتها الستينيّة، ناهي مصطفى، التي هربت في أول يوم من العدوان إلى منزل غير مسكون في وادي بوداي (قضاء بعلبك) خوفاً من القصف الإسرائيلي، ليشاء القدر أن تموت هي وخمسة من أفراد عائلتها بغارة إسرائيلية استهدفتهم. واستمرت أعمال البحث عنهم قرابة ثلاثة أيام بسبب عدم توافر الآليات والمعدات اللازمة لإنقاذ الضحايا، خصوصاً أن الغارات الإسرائيلية كثيفة ويتمّ تنفيذها في نفس الوقت. تقول رمزية: «لقد ساعد الأهالي في إزالة الردم؛ إذ ليس لدينا في البقاع ما يكفي من التجهيزات؛ لذا فإن نسبة نجاة المصابين تكون ضئيلة».

إزالة أيّ أثر لنا

وتضيف رمزية: «عُثر على أشلاء وبقايا منهم، ليس أكثر. ولا ندري بماذا تقصفنا إسرائيل، لكن هي تتقصد إزالة أيّ أثر لنا». ولم تتمكن رمزية وباقي عائلتها حتى اليوم من زيارة قبر ناهي، حيث دفنها زوجها وولداها اللذان بقيا على قيد الحياة. وتختلف العادات قليلاً في شرق لبنان، حيث تبقى المجالس مفتوحة لفترة أسبوع، تقام أثناءها الولائم.

وتختم: «نزح معظمنا، ولم نقم بواجبهم. حتماً ستنتهي الحرب ونعيد فتح بيوتنا ونقيم مجالس عزاء لمن فقدنا في حرب لم نختبر مثلها طوال حياتنا؛ إذ تُمحى عائلات بأكملها من السجلات المدنية. سنزور جبانة البلدة ونضع البخور، بعد أن باتت مهجورة».



قائد الإدارة الجديدة في سوريا التقى فاروق الشرع ودعاه لحوار وطني

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)
TT

قائد الإدارة الجديدة في سوريا التقى فاروق الشرع ودعاه لحوار وطني

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (تلغرام)

التقى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، اليوم الأحد، فاروق الشرع، نائبَ الرئيس السابق، والذي أُبعد عن المشهد السياسي في الأعوام الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، ودعاه لحضور مؤتمر حوار وطني، وفق ما أفاد به أحد أقرباء المسؤول السابق.

وقال مروان الشرع، وهو ابن عم فاروق، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في اتصال هاتفي: «منذ الأيام الأولى لدخول أحمد الشرع إلى دمشق، زار فاروق الشرع بمكان إقامته في إحدى ضواحي دمشق، ووجّه له دعوة لحضور مؤتمر وطني سيعقد قريباً».

وأضاف: «قبِل ابن عمي الأستاذ فاروق الدعوة وبصدر رحب. وللصدفة، فإن آخر ظهور علني لابن عمي كان في (مؤتمر الحوار الوطني) بفندق (صحارى) عام 2011، وأول ظهور علني له بعد ذلك سيكون في (مؤتمر الحوار الوطني) المقبل».

نائب الرئيس وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع مع الشاعر هادي دانيال (فيسبوك)

كان فاروق الشرع، على مدى أكثر من عقدين، أحد أبرز الدعامات التي رسمت السياسة الخارجية لسوريا. وشغل السياسي المخضرم منصب وزير الخارجية بدءاً من عام 1984 خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وبقي فيه مع تولّي نجله بشار السلطة في عام 2000.

عُيّن نائباً لرئيس الجمهورية عام 2006، وترأس مؤتمر حوار وطني في فندق «صحارى» بدمشق عام 2011، بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات المناهضة للأسد. وأدلى الشرع خلال المؤتمر بتصريحات تنادي بتسوية سياسية للنزاع، غاب بعدها عن المشهد السياسي والأنظار لفترة طويلة.

وأوضح قريبه أن فاروق الشرع البالغ حالياً (86 عاماً)، كان «قيد الإقامة الجبرية، وسُجِن سائقه ومرافقه الشخصي بتهمة تسهيل محاولة انشقاقه (عن حكم الأسد) ولم يسمح له طوال الفترة الماضية بمغادرة دمشق».

صورة تجمع (من اليمين) فارس بويز ورفيق الحريري وفاروق الشرع وإلياس الهراوي وعبد الحليم خدام وغازي كنعان (غيتي)

وتابع: «ابن عمي بصحة جيدة ويتحضّر حالياً لإصدار كتاب عن كامل مرحلة حكم بشار منذ عام 2000 وحتى الآن».

وطرح فاروق الشرع منذ بداية الاحتجاجات أن يؤدي دور الوسيط، بعدما وجد نفسه بين شِقَّي ولائه للنظام القائم، وارتباطه بمسقط رأسه درعا (جنوب) حيث اندلعت شرارة الاحتجاجات.

غاب عن عدسات وسائل الإعلام واللقاءات الرسمية منذ عام 2011، باستثناء مرات نادرة ظهر فيها بمجالس عزاء أو خلال زيارة شخصية؛ في صور بدت مسرّبة.

وأشار مروان، الذي يقول إنه مؤرّخ نسب العائلة، إلى وجود صلة قرابة بعيدة بين أحمد وفاروق الشرع، موضحاً: «نحن عائلة واحدة في الأساس، وشقيق جدّ أحمد الشرع متزوّج من عمّة فاروق».

وكان فاروق الشرع المسؤول الوحيد الذي أخرج إلى العلن تبايناته مع مقاربة الأسد للتعامل مع الاحتجاجات.

وقال في مقابلة مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية خلال ديسمبر (كانون الأول) 2012، إن الأسد «لا يخفي رغبته بحسم الأمور عسكرياً حتى تحقيق النصر النهائي». وأضاف: «ليس في إمكان كل المعارضات حسم المعركة عسكرياً، كما أن ما تقوم به قوات الأمن ووحدات الجيش لن يحقق حسماً».

ودعا فاروق الشرع، الذي طُرح اسمه مراراً في السابق لاحتمال تولي سدة المسؤولية خلفاً للأسد في حال التوافق على فترة انتقالية للخروج من الأزمة، إلى «تسوية تاريخية» تشمل الدول الإقليمية وأعضاء مجلس الأمن الدولي.

وأُبعد الشرع من القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في يوليو (تموز) 2013. وبعد نحو 25 عاماً في الرئاسة، انتهى حكم بشار الأسد في فجر 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي مع دخول فصائل معارضة تقودها «هيئة تحرير الشام» بزعامة أحمد الشرع، الذي كان يعرف باسم «أبو محمد الجولاني»، دمشق وفرار الرئيس.