لطالما كانت كأس الأمم الأفريقية مسرحاً للدراما والمهارة وكرة القدم الهجومية التي لا تُنسى.
فمنذ انطلاقها عام 1957، شهدت البطولة مواجهات تمكنت فيها الهجمات من تمزيق الدفاعات وترك حراس المرمى بلا حول ولا قوة، مما أسفر عن مباريات سجلت بوصفها أكثر اللقاءات تهديفاً في تاريخ القارة.
من العروض المذهلة في ستينات القرن الماضي إلى إثارة العصر الحديث، جسدت هذه المباريات المتعة الخالصة والقدرة على مفاجأة الجماهير، مما جعل البطولة واحدة من أكثر المنافسات الكروية جاذبية في العالم.
وبعيداً عن مجرد عدد الأهداف، تروي هذه المواجهات قصصاً عن التألق الفردي والهيمنة الجماعية، ولحظات دخلت سجلات الفولكلور الكروي الأفريقي.
لقد ترك أساطير مثل صامويل إيتو، ولوران بوكو، ورابح ماجر بصماتهم في هذه اللقاءات الغزيرة بالأهداف، بينما قدمت منتخبات بأكملها دروساً في فنون الهجوم لا تزال الجماهير تحتفي بها بعد عقود.
وسلط الموقع الرسمي للاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) الضوء على أكثر المباريات إنتاجية في تاريخ البطولة، مع التذكير باللحظات التي حبست أنفاس المشجعين وأعادت تعريف مفهوم التسجيل ببراعة على الساحة القارية.
تظل مواجهة عام 1963 بين مصر ونيجيريا مباراة خالدة عبر الأزمان، حيث شهدت تسجيل تسعة أهداف، تمكن الهجوم المصري الكاسح من تفكيك الدفاع النيجيري، وأذهل «الفراعنة» الجماهير بتحركاتهم السلسة ولمساتهم الأخيرة الحاسمة، ولم تكن المباراة مجرد نتيجة ثقيلة، بل كانت رمزاً للإثارة في السنوات الأولى للبطولة، ولا يزال فوز مصر بنتيجة 6-3، يحتفل به أكثر المباريات تهديفاً في تاريخ المسابقة، وفي النسخة ذاتها، تغلبت إثيوبيا على تونس بنتيجة 4-2.
قدم منتخب كوت ديفوار عرضاً هجومياً مذهلاً في نسخة 1970، حيث اكتسح إثيوبيا بنتيجة 6-1، حينما سرق النجم لوران بوكو الأضواء بتسجيله خمسة أهداف كاملة (ميجاستر)، مستعرضاً القوة والسرعة والدقة، وأحرز لوسيني الهدف السادس «للأفيال»، فيما اكتفت إثيوبيا بهدف وحيد سجله منجيستو وركو، ليظل هذا اللقاء علامة فارقة في تاريخ الفاعلية الهجومية الفردية.
جمع نهائي 1972 بين الكونغو ومالي في معركة تكتيكية مثيرة، حيث واجه الأسلوب المعتمد على الكرات الطويلة للكونغو أسلوب التمريرات السلسة لمالي، وافتتحت مالي التسجيل عبر موسى دياكيتي، لكن الكونغو ردت بقوة في الشوط الثاني بهدفين سريعين من يان ميشيل مبونو، قبل أن يحسم فرانسوا مبيلي الفوز بالهدف الثالث، ولم يكن هدف موسى تراوري المتأخر لمالي سوى مجرد تعزية.
أنهت الكاميرون مشاركتها في نسخة 1972 بأسلوب رائع، حيث تغلبت على زائير 5-2 في مباراة تحديد المركز الثالث، ورغم خيبة الأمل بعد الهزيمة في نصف النهائي، أثبتت «الأسود غير المروضة» قدراتها الهجومية الفائقة، حيث استهل جان بول أكونو المهرجان بهدف من ركلة جزاء، ليعلن هذا الفوز بزوغ فجر الكاميرون قوةً قاريةً كبرى.
أبهر المنتخب الجزائري جماهيره على أرضه في نسخة 1990 بفوز عريض على نيجيريا بنتيجة 5-1، بقيادة الأسطورة رابح ماجر الذي افتتح التسجيل وضاعف النتيجة في الشوط الثاني. كما سجل جمال مناد هدفين متتاليين، واختتم أماني الخماسية.
ولم يستطع هدف نيجيريا الوحيد عبر جاي جاي أوكوشا أن يقلل من روعة الأداء الجزائري الذي مهد الطريق للفوز باللقب.
شهدت نسخة 2004 واحدة من أكثر المباريات إمتاعاً، حيث قلبت الكاميرون تأخرها أمام زيمبابوي إلى فوز مثير بنتيجة 5-3، فرغم تقدم بيتر ندلوفو لزيمبابوي، ردت الأسود بوابل من الأهداف عبر باتريك مبوما وموديسانت مبامي قبل نهاية الشوط الأول، لتظل هذه المواجهة شاهدة على العمق الهجومي والروح القتالية للكاميرون.
افتتحت مصر مشوارها في نسخة 2008 بفوز كبير على الكاميرون 4-2، في مباراة أكدت سيطرة الفراعنة المطلقة في تلك الحقبة، حيث تألق محمد زيدان بتسجيله هدفين، وأضاف حسني عبد ربه هدفاً رابعاً حسم اللقاء، ورغم تسجيل صامويل إيتو لهدفين، فإن الجماعية المصرية كانت حاسمة في طريقهم نحو اللقب الثاني على التوالي.
قدمت أنجولا ومالي واحدة من أكثر المباريات إثارة في تاريخ دور المجموعات عام 2010، حيث تقدمت أنجولا برباعية نظيفة عبر أمادو فلافيو (هدفين) وزميليه سيباستياو ومانوتشو، لكن مالي حققت عودة إعجازية في الدقائق الأخيرة بقيادة سيدو كيتا وفريدريك كانوتيه لتنتهي المباراة بالتعادل 4-4، في لحظات درامية لا تنسى.
حققت جزر القمر فوزاً تاريخياً بنتيجة 3-2 على غانا في مدينة جاروا الكاميرونية في نسخة 2021، إذ افتتح بن نابوهان التسجيل مبكراً، ورغم محاولات غانا للعودة عبر بواكي ودجيكو، إلا أن موني سجل هدفين حاسمين، آخرهما في الدقيقة 85، ليمنح بلاده انتصاراً تاريخياً عكس مرونة المنتخبات الصاعدة وقدرتها على مقارعة كبار القارة.
تألق إيميليو إنسو بشكل لافت في نسخة 2023 بتسجيله لثلاثية (هاتريك) في شباك غينيا بيساو، ليقود غينيا الاستوائية للفوز 4-2، الأداء لم يمنح بلاه النقاط الثلاث فحسب، بل مهد الطريق لإنسو للفوز بجائزة الحذاء الذهبي هدافاً للبطولة، ليصبح بطلاً قومياً في بلاده.
في مباراة اتسمت بالندية العالية، قلبت أنجولا تأخرها أمام موريتانيا إلى فوز مثير بنتيجة 3-2 في نسخة 2023، إذ سجل دالا هدفين وصنع جيلبرتو هدف الفوز، ليحبطوا طموح المنتخب الموريتاني الذي تقدم في النتيجة مرتين، في لقاء شهد حضوراً جماهيرياً غفيراً وتألقاً هجومياً لافتاً.
وستبقى هذه المواجهات الغزيرة بالأهداف محفورة في ذاكرة القارة، حيث ارتبطت أسماء أساطير مثل صامويل إيتو، ورشيدي ياكيني، وباتريك مبوما بهذه اللقاءات عالية النسق. وتتصدر مصر قائمة أكثر المنتخبات تسجيلاً في تاريخ البطولة برصيد 175 هدفاً، تليها كوت ديفوار بـ151 هدفاً، ثم نيجيريا والكاميرون وغانا، لتستمر هذه الأرقام في تجسيد الهوية الهجومية لكرة القدم الأفريقية.