تشكيلة «نارما» تستمد من العقال قوة أنوثتها

المصممة نوف الراشد تعتمد على رمز رجولي في أول مجموعة نسائية

تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)
تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)
TT

تشكيلة «نارما» تستمد من العقال قوة أنوثتها

تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)
تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)

في عرض أقيم في لندن منذ أيام، قدمت المصممة نوف الراشد، وهي أيضاً مؤسسة استوديو التصميم «نارما» أول مجموعة نسائية لها بعنوان العقال. قالت إنها تعكس شغفها بالموضة والثقافة والاستدامة. في كل قطعة، يظهر العقال في جزء منها يُزينها ويحدد شخصيتها من جهة، ويؤكد على فكرة الشمولية من جهة أخرى. تقول المصممة إنها برغم ما قد يعنيه عنوانها من إيحاءات تقليدية أو ذكورية، فإنها بعيدة كل البعد عن ذلك. فهي «تلبي أحدث صيحات الموضة»، وفي الوقت ذاته تستند على رؤيتها الفنية في التصميم من ناحية تقديرها للمواد.

استعملت العقال كضفائر شعر لتخرجه من عالم الرجل وتقدمه لشريحة أكبر من الناس (تصوير: إيلي رزق الله)

تضيف قائلة: «صحيح أن العقال كان تاريخياً لصيقاً بالرجل ولم يدخل عالم المرأة من قبل، لكني حرصت على تقديمه على شكل ضفائر طويلة تُزين رأس المرأة». وتشرح أنها لعبت على هذا الرمز الثقافي لتثير فضول محبات الموضة من النساء «فهذه مجموعة (تُعبِر عن امرأة يُحرِكها الفضول والمرح، قبل أن تعكس تناغم الطبيعة والثقافة معاً). من هذا المنظور جعلته أكثر شمولية على أمل أن يصل هذا الإكسسوار المكتنز بالدلالات والرموز الثقافية إلى أكبر شريحة من الناس ويترك بصمته على الساحة العالمية».

هدفها ليس إحداث الصدمات بل فتح آفاق جديدة قوامها التوازن والانسجام (تصوير: إيلي رزق الله)

أكثر ما تعتمد عليه نوف للتميز، اعتمادها على مواد غير تقليدية، تُوظِفها بشكل فني لكسر المتعارف عليه وخض التقاليد. لكنها تؤكد أن هدفها ليس إحداث الصدمات بل فتح آفاق جديدة قوامها التوازن والانسجام. فهذا ما تقوم عليه «نارما» بالأساس بحسب رأيها. اسم لم يتم اختياره لسهولته بل لدلالاتها؛ كونه يدمج كلمتي «نار» و«ما» أي (الماء) في اللغة العربية، وبالتالي يعكس فلسفة الدار في خلق تناغم من حُضن التناقض مستلهم من نسيج ثقافي غني وتعبيرات فنية متنوعة.

قطعت نوف على نفسها وعداً بأن تقدم كل ما هو مستدام ورفيع المستوى (تصوير: إيلي رزق الله)

وبما أن الاستدامة من المبادئ الأساسية التي تحرص عليها المصممة، فقد قطعت وعداً على نفسها لإنتاج ملابس متينة وأنيقة في الوقت ذاته، تحقق للمرأة العصرية تطلعها لأزياء تتميز بذوق رفيع ووعي بيئي في الوقت ذاته. وهذا ما تعكسه مجموعة العقال بكل تفاصيلها، وفق تصريح نوف الراشد.

بعد لندن، ستحمل نوف الراشد تشكيلتها إلى الشرق الأوسط لتحتفل مع أكبر عدد من الأنيقات بالتراث والابتكار والاستدامة في أجمل حالاتهم.


مقالات ذات صلة

البدلة تسترجع شخصيتها الذكورية

لمسات الموضة تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

البدلة تسترجع شخصيتها الذكورية

كانت البدلة في الثمانينات أداة استعملتها المرأة لفرض نفسها في عالم المال والأعمال. الآن هي وسيلة لفرض شخصيتها وثقتها بنفسها

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة هنيدة الصيرفي مع العارضة العالمية حليمة بتصميم من مجموعة «كوزمو»... (خاص)

سعودية تنسج التاريخ بخيوط التراث

هناك نقاط تحول في مسيرة كل مصمم... نقاط تسلط الضوء على مكامن قوته، ومن ثم تأخذه إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور والانتشار. بالنسبة إلى المصممة السعودية، هنيدة…

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة من كل قصر وجزئية فيه استلهم حرفيو دار «بوغوصيان» مجوهرات تصرخ بالفخامة والإبداع (بوغوصيان)

مجوهرات «بوغوصيان»... رحلة قصور تصل إلى العالم من طريق الحرير

لكل قصر قصة، ولكل قطعة أحجارها الكريمة المستلهمة من المقرنصات المزخرفة في قصر الباهية بمراكش أو المرايا والزجاج الساحر في قصر غولستان في طهران.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة المعجبون أشادوا بماكياجها الهادئ وتسريحة شعرها المتماوجة (أ.ف.ب)

لأول مرة... ميغان ماركل تعيد تدوير فستان قديم بعد تفكيك تفاصيله

في بادرة غير مسبوقة، حضرت دوقة ساسيكس، ميغان ماركل، حفلاً خاصاً في مستشفى للأطفال يوم السبت الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

أعلنت دار «سيلين» اليوم خبر مغادرة مديرها الإبداعي هادي سليمان بعد ست سنوات. لم يفاجئ الخبر أحداً، فإشاعات قوية كانت تدور في أوساط الموضة منذ مدة مفادها أنه…


تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025
TT

تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

كم تغيَرت صورة المرأة بين الأمس واليوم، وكم زادت ثقتها ووضوحها في مواجهة المجتمع. مصطلحات مثل الجنس اللطيف والجنس الخشن أصبحت تبدو من الكليشيهات القديمة، في عالم الموضة على الأقل. صحيح أن المرأة لم تصل بعد إلى تلك المرحلة التي تقرِر فيها مصيرها بالمطلق، إلا أنها حالياً تعيش حياتها بعيداً عن إملاءات المجتمع والثقافة الذكورية التي كبَلتها لقرون. فهذه كانت حتى منتصف القرن الماضي، تفرض عليها العيش بازدواجية، لتُخفي إما ميولاً شخصية، أو لفرض نفسها في وظائف وأعمال كان يُنظر إليها أنها تقتصر على الرجل وحده ولا تؤخذ فيها هي على محمل الجد. الدليل؟ أديبات تخفين وراء أسماء مستعارة من ماريان إيفانز التي اشتهرت باسم جورج إليوت، وأمانتين أورو لوسيل التي تخفّت وراء اسم جورج ساند وشارلوت برونتي التي كانت تكتب تحت اسم كوريل بل، وأختها إميلي برونتي وغيرهن كثيرات.

كانت عارضات «سان لوران» يستحضرن صورة إيف نفسه (سان لوران)

من هذا المنظور تغيرت الصورة والثقافة على حد سواء، وهو ما التقطته مجموعة من المصممين في هذا الموسم بدءاً من أنطوني فاكاريللو، مصمم دار «سان لوران» وإيرديم وماثيو بلايزي مصمم دار «بوتيغا فينيتا»، الذي استضاف إيمان خليفة بطلة الملاكمة، وكأنه يريد أن يعيد لها اعتبارها لما تعرَضت له من تنمُر. وطبعاً لا يمكن عدم التطرق هنا لجيورجيو أرماني، الذي منح المرأة أهم أداة لتدخل بها عالم الرجل في الثمانينات، البدلة النسائية أو التايور، والذي لا يزال يطرحها في كل موسم بشكل ولون.

«سان لوران» تستعيد إيف

اللعب على الازدواجية بين الذكورة والأنوثة ليس جديداً على الدار لكن أنطوني فاكاريللو رفع من نسبة هرمون الذكورة هذه المرة (سان لوران)

بالنسبة لأنطوني فاكاريللو، الذي حقن هذه القطعة بجُرعة عالية من هرمون التستوستيرون، فإن العملية كانت طبيعية بحكم جينات الدار التي قدّم فيها الراحل إيف سان لوران، إبداعات يختلط فيها الذكوري بالأنثوي بأسلوب كان ثورة في عصره. في السبعينات مثلا، وعندما قدم «التوكسيدو» للمرأة، اعتبره الرجال غزواً لتصميم يخصهم. قاوموا لكي لا يخرج عن سيطرتهم، إلا أن رغبة المرأة فيه، غلبت. فقد أضفى عليها قوة وأنوثة لم تستشعرهما من قبل. هذه المرأة بالنسبة لفاكاريللو ليست عادية. بالعكس هي ذات شخصية متناقضة ومتمردة، تميل إلى خض المتعارف عليه. وحسب الدار «تميل إلى المخاطر وكل ما يمنحها المتعة غير آبهة بآراء الغير» وهذا ما ترجمه في هذه التشكيلة، من خلال عدد هائل من التايورات بصفوف مزدوجة أو بصف أزرار واحدة، وبأكتاف عريضة تلعب على الجانب الذكوري للمرأة.

كانت عارضات «سان لوران» يستحضرن صورة إيف نفسه (سان لوران)

والحقيقة أنها لم تكن سوى مرآة تعكس صورة إيف نفسه، بالنظر إلى ألوانها وقصاتها والنظارات الطبية ذات الإطارات السميكة وربطات العنق، التي ظهرت بها العارضات، إضافة إلى شعرهن المصفوف إلى الوراء أو المنسدل على الأكتاف.

كان واضحاً أن المصمم لم يستلهم من نساء احتضن البدلة الرجالية والتوكسيدو من مثيلات مارلين ديتريش أو كاثرين هيبورن وغيرهما، بل من صورة إيف سان لوران نفسه. أفليس هذا الأخير من قال: «أنا امرأة سان لوران؟». التقط فاكاريللو هذا التصريح ولعب عليه بأريحية. استحضر أسلوبه الخاص وجعل كل عارضة تبدو وكأنها بطلة تمسك بزمام أمور حياتها وفي الوقت تُذكرنا بالراحل إيف.

منذ أن طرح إيف التوكسيدو والمرأة تتمسك بالأسلوب الذكوري لما يمنحها من أنوثة لا تثير الغرائز (سان لوران)

بيد أنه في قوة هذه الصورة التي رسمها فاكاريللو يكمن ضُعفها أيضاً. جرعتها القوية لا تناسب كل امرأة أو مناسبة. وهذا ما أكده ماثيو بلايزي، مصمم دار «بوتيغا فنيتا» الإيطالية الذي قدم لها هو الآخر مجموعة من البدلات الرجالية، مُعلِقاً أنها خاصة بتلك المناسبات الخاصة جداً، التي ترغب فيها المرأة أن تكشف عن جانبها الجريء.

فاكاريللو وافقه الرأي رغم أنه لم يُعبِر عنه علانية، وذلك بطرحه مجموعة موازية رسمها ببوهيمية، هي أيضاً تُمثِل جانباً من عالم إيف سان لوران وعشقه لألوان مدينة مراكش. تنورات قصيرة وأخرى بكشاكش وأقمشة جاكار مطرزة كلها بألوان تستمد نكهتها من التوابل الدافئة.

إيرديم... قصة قديمة جديدة

في تشكيلة إيرديم اجتمع الذكوري بلمسات أنثوية خفيفة تتجلى أحياناً في الورود والتطريزات (إيرديم)

إيرديم مصمم عودنا على أن يسرد لنا قصصاً وحكايا مقتبسة من التاريخ يُلوِنها بالورود ويطرزها بشتى التفاصيل التي تزيد من إثارتها وتجعلها واقعاً حالماً. لعب هو الآخر في تشكيلته لربيع وصيف 2025 على الازدواجية بين الذكورة والأنوثة من خلال تايورات مفصلة بنعومة، وفساتين تتداخل فيها الرقة بالصرامة. مصدر إلهامه مختلف. يشرح لنا في بيانه الصحافي أنه استلهمها من «بئر الوحدة» The well of Loneliness للكاتبة رادكليف هول. رواية تحكي قصة امرأة عاشت كرجل طوال حياتها. تلبس ملابسه وتتصرف مثله. أتقنت دورها وتعايشت مع وضعها إلى حد أنه لا أحد كشف أمرها.

استعان إيرديم بخياط في سافيل رو للتأكد من كل التفاصيل الدقيقة (إيرديم)

إيرديم لم يكتف بالإيحاءات التي فصلها وطرزها للعصر الحديث، بل كتب أيضاً عنوان الرواية على حاشية البدلة. قال إن من بين الأشياء التي حفَزت فضوله وعلقت في ذهنه بعد قراءة الرواية أن البطلة كانت تُفصل بدلاتها في شارع سافيل رو الشهير بالتفصيل الإنجليزي، الأمر الذي جعله يستعين بالخياط المعروف إدوارد سيكستون للتأكد من أن البدلات مفصلة على أحسن وجه. ومع ذلك لم يتقيد إيرديم تماماً بالأسلوب القديم الذي صورته الرواية. طعَمه بخفة، منحته نعومة. ولأن الرواية نشرت في 1928، فإنه لم ينس أن هذه الفترة شهدت بداية تحرر المرأة من بعض القيود مثل الكورسيهات وظهور تصاميم أكثر اتساعاً تمنحها حرية أكبر للحركة والتعبير عن نفسها. ترجم هذا في فساتين تستحضر تلك الحقبة بخصورها المنخفضة وألوانها الهادئة وتطريزاتها التي تجعلها تبدو مثل لوحات مائية تتماوج مع أي خطوة وحركة.

جيورجيو أرماني يرسم مستقبلاً مثالياً

جيورجيو أرماني كان من أدخل البدلة عالم المرأة اليومي تزامناً مع اقتحامها عالم الرجل في العمل (إمبوريو أرماني)

إذا كان إيف سان لوران أهدى المرأة التوكسيدو، فإن جيورجيو أرماني هو من أهداها بدلة العمل. كان ذلك في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما اقتحمت أماكن العمل لتتبوأ مناصب مهمة كانت حكراً على الرجل.

قدمها لربيع وصيف 2025، بأسلوب قديم جديد، بمعنى أنه لم يُخضعها لتغيير جذري. فالصورة الرمزية لعارضة مرتدية بدلة رجالية مع ربطة عنق تجسد قوة الأنوثة لأنها «خلاصة ما تم إنجازه من قبل، وفي الوقت نفسه إعلان صريح لما سيأتي». ربطة العنق، مثلاً، قد تؤكد المساواة بين الجنسين، إلا أنها ستكون إحدى صيحات الموضة تُضيف بعض الشقاوة و«خفة الروح» على السترات المفصلة والسراويل الفضفاضة أو سراويل ركوب الخيل.