مصر تفضّل الخيار الدبلوماسي للتعامل مع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر

رغم أنها تسببت بخسائر ضخمة في عائدات قناة السويس

نيران تشتعل في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر مؤخراً (رويترز)
نيران تشتعل في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر مؤخراً (رويترز)
TT
20

مصر تفضّل الخيار الدبلوماسي للتعامل مع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر

نيران تشتعل في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر مؤخراً (رويترز)
نيران تشتعل في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر مؤخراً (رويترز)

مع استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وتداعياتها على المنطقة، تتواصل خسائر «قناة السويس» المصرية بسبب هجمات جماعة «الحوثي» اليمنية على السفن المارة في الممر الملاحي؛ ما أثار ويثير تساؤلات بشأن خطة مصر للتعامل مع هذه التوترات.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022 - 2023 إلى 7.2 مليار دولار خلال 2023 - 2024، بحسب تصريحات لرئيس «هيئة قناة السويس» الفريق أسامة ربيع، الأحد الماضي، أكد خلالها «حتمية» عودة حركة الملاحة بالقناة لطبيعتها، فور استقرار الأوضاع في المنطقة.

سفينة تحمل حاويات تمرّ عبر قناة السويس المصرية (هيئة قناة السويس)
سفينة تحمل حاويات تمرّ عبر قناة السويس المصرية (هيئة قناة السويس)

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غيرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبة المرور في البحر الأحمر؛ إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية، السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة».

وكرَّرت مصر شكواها من تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أخيراً، إن «بلاده فقدت ما بين 50 في المائة و60 في المائة، من دخل القناة خلال الـ8 الأشهر الماضية».

ووفق مجلة «إسرائيل ديفنس» الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، في تقرير نشرته أخيراً وتداولته وسائل إعلام عربية، فإنه «رغم ما تعانيه مصر من خسائر بسبب توترات البحر الأحمر، فإنها ترفض القيام بعمل عسكري ضد جماعة الحوثي»، مشيراً إلى أن «القاهرة تضع الاعتبارات الاستراتيجية والخوف من التصعيد الإقليمي والعلاقات السياسية مع العالم العربي، فوق أي اعتبار».

وأضافت المجلة: «مصر لم تتعاون مع التحالف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة في هذا الصدد»، مشيرة إلى أن «القاهرة تفضّل ممارسة الضغوط السياسية وتعزيز وقف شامل لإطلاق النار في المنطقة، على أساس أن هذا هو الحل الصحيح لإنهاء القتال، بدلاً من الدخول في حملة عسكرية أخرى من شأنها تصعيد الوضع».

ناقلة النفط اليونانية «سونيون» تعرّضت لسلسلة هجمات حوثية في البحر الأحمر (رويترز)
ناقلة النفط اليونانية «سونيون» تعرّضت لسلسلة هجمات حوثية في البحر الأحمر (رويترز)

وتابعت: «رغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد والضغوط الداخلية، فإن مصر تختار استراتيجية ضبط النفس، وتدرك جيداً التحديات الأمنية التي يفرضها الحصار البحري، لكنها تدرك أيضاً المخاطر الكامنة في التصعيد العسكري».

وشكّلت الولايات المتحدة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تحالف «حارس الازدهار» للرد على هجمات «الحوثي»، لكن مصر لم تنضم إليه.

وتدرك مصر أن «ما يحدث من هجمات في البحر الأحمر سببه الرئيسي إسرائيل وحربها ضد غزة ولبنان»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي. الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر ترى أنه بمجرد وقف الحرب في غزة ولبنان بشكل دائم ستنتهي أزمة البحر الأحمر»؛ لذلك تبذل القاهرة جهوداً متواصلة لوقف إطلاق النار ومنع التصعيد في المنطقة.

وتعتمد خطة مصر للتعامل مع هجمات الحوثي في البحر الأحمر، على «المسار الدبلوماسي»، بحسب الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء محمد عبد الواحد، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة حريصة على علاقات طيبة مع جميع الأطراف، وتنأى بنفسها عن الدخول في تحالفات من شأنها تأجيج الصراع في المنطقة».

وأضاف: «مصر تواجه الأزمة عبر اتصالات سياسية متواصلة مع جميع الأطراف المعنية، تستهدف إنهاء الحرب في غزة، وبالتالي الحد من تداعياتها في البحر الأحمر».

من جانبه، أكد الأمين العام لـ«اتحاد الموانئ البحرية العربية»، اللواء عصام الدين بدوي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «إنهاء التوترات في البحر الأحمر مرتبط بإنهاء حرب غزة، من هنا تكمن أهمية جهود الوساطة الدولية في هذا الصدد»، مشيراً إلى أن «مصر تتحرك في هذه الأزمة دبلوماسياً عبر جهود وقف إطلاق النار، واقتصادياً بالتواصل مع شركات الشحن وتقديم تسهيلات للمرور عبر قناة السويس».

وخلال الفترة الماضية، كانت التوترات في منطقة البحر الأحمر محوراً رئيسياً على أجندة مباحثات المسؤولين المصريين مع الأطراف الدولية.

وفي أغسطس (آب) الماضي، عبَّرت مصر عن دعمها للعملية البحرية الأوروبية في البحر الأحمر (أسبيدس)، والتي أطلقها الاتحاد الأوروبي في فبراير (شباط)؛ بهدف حماية السفن التجارية من هجمات «جماعة الحوثي». وأكد وزير الخارجية المصري، آنذاك، «أهمية تضافر الجهود لخلق بيئة آمنة لمرور السفن بالبحر الأحمر».

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية (أرشيفية - رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية (أرشيفية - رويترز)

وشدد عبد الواحد، على أن «مصر دعمت التحالف الأوروبي؛ لأن هدفه دفاعي، لكنها لم تشارك فيه وتكتفي بمشاركتها في القوة (153)».

والقاهرة عضو في قوة المهام المشتركة (153)، وتولت قيادتها أواخر عام 2022. وأكدت آنذاك، أنها «إحدى أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، ومجابهة التهديدات بكل أنماطها».

ولا تقتصر الخطة المصرية على التحركات الدبلوماسية، بل تمتد أيضاً إلى المسار الاقتصادي، حيث شهدت الفترة الماضية اتصالات مكثفة مع شركات الشحن، وأعلنت «هيئة قناة السويس» عن حوافز تسويقية وتخفيضات؛ لتنشيط حركة الملاحة وتجاوز تداعيات تراجع الإيرادات.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تعترض مسيّرة وسقوط أُخرى في الأردن... والحوثيون يعلنون مسؤوليتهم

شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يجلسون فوق مركبات عسكرية على الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)

إسرائيل تعترض مسيّرة وسقوط أُخرى في الأردن... والحوثيون يعلنون مسؤوليتهم

أعلن الجيش الإسرائيلي أمس الجمعة اعتراض طائرة مسيّرة اقتربت من إسرائيل من الشرق، بينما أفاد مصدر عسكري في الأردن المجاور بسقوط مسيّرة تسبب حطامها في اندلاع حريق

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي طائرة المراقبة «هوك آي» تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» (الجيش الأميركي) play-circle

الجيش الأميركي: حاملة الطائرات «ترومان» تواصل عملياتها رغم «ادعاءات» الحوثيين

قالت القيادة المركزية الأميركية إن مجموعة حاملة الطائرات «هاري ترومان» تواصل عملياتها رغم «ادعاءات» الحوثيين. 

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)
العالم العربي أشخاص يتفقدون مبنى تضرر بعد غارة جوية أميركية على صنعاء (إ.ب.أ) play-circle

إعلام حوثي: قصف هدفين في يافا... وأميركا تشن 6 غارات على الحديدة وصنعاء

أعلن إعلام تابع للحوثيين، الجمعة، قصف هدفين عسكريين في مدينة يافا الإسرائيلية، وذلك بعد ساعات من قيام طائرات أميركية بشن 6 غارات على اليمن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي إطلاق سابق لصواريخ دفاع جوي من نظام القبة الحديدية الإسرائيلي (أرشيفية - د.ب.أ)

إسرائيل تعلن اعتراض طائرة مسيّرة اقتربت من جهة الشرق

أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض طائرة مسيّرة اقتربت من إسرائيل من الشرق، في حين أفاد مصدر عسكري في الأردن المجاور بسقوط مسيّرة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي صورة مأخوذة من مقطع فيديو قدمته البحرية الأميركية تظهر طائرة تنطلق من حاملة طائرات لضرب الحوثيين (أ.ب) play-circle

«الحوثي»: استهدفنا حاملة الطائرات الأميركية «ترومان» في البحر الأحمر

قال المتحدث العسكري باسم جماعة «الحوثي» اليمنية إن قواتهم نفذت عملية عسكرية استهدفت فيها عدداً من القطع الحربية في البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (صمعاء)

زيادة أسعار الوقود تفاقم تكلفة المواصلات في مصر

شهدت المواقف إجراءات تفتيش مكثفة (محافظة أسوان)
شهدت المواقف إجراءات تفتيش مكثفة (محافظة أسوان)
TT
20

زيادة أسعار الوقود تفاقم تكلفة المواصلات في مصر

شهدت المواقف إجراءات تفتيش مكثفة (محافظة أسوان)
شهدت المواقف إجراءات تفتيش مكثفة (محافظة أسوان)

في رحلتها الأسبوعية من المنصورة في دلتا مصر إلى العاصمة القاهرة، تستقل هالة مصطفى، الموظفة بإحدى شركات القطاع الخاص، السيارة الأجرة بسعر 60 جنيهاً (الدولار يساوي 51.3 جنيه في البنوك)، لكن هذه الرحلة قبل زيادة أسعار المحروقات التي دخلت حيز التنفيذ، صباح الجمعة.

وأعلنت وزارة البترول المصرية زيادة أسعار الوقود بأنواعه المختلفة بواقع جنيهين ضمن المراجعة الدورية لأسعار المحروقات، في إطار خطة رفع الدعم الكامل عنها تدريجياً، وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة مع «صندوق النقد الدولي».

تقول هالة وهي فتاة عشرينية لـ«الشرق الأوسط» إن «السائقين يتم إجبارهم على الالتزام في الأيام الأولى من أي زيادة بالأسعار المعلنة، لكن بعد أيام قليلة يبدأون وضع السعر المناسب لهم، ويحددون سعراً أعلى عند استخدام الطريق الدائري الإقليمي الذي أنشئ، أخيراً، بدلاً من الطريق الزراعي الذي يستغرق وقتاً أطول».

وأضافت أن الشركة التي تعمل بها في القاهرة لن تقوم بزيادة راتبها الذي يقل عن 5 آلاف جنيه، مشيرة إلى أنها ستكون مضطرة على التأقلم مع الزيادة الجديدة على حساب ما تشتريه من احتياجات خلال إقامتها بالقاهرة، بجانب البحث عن ساعات عمل إضافية لزيادة دخلها الذي لم تعد تستطيع الادخار منه بسبب زيادات الأسعار المتتالية، وفق قولها.

وتراوحت زيادات أسعار الوقود بين 11.76 و14.81 في المائة على مجموعة واسعة من منتجات الوقود، إذ ارتفع بنزين 80 إلى 15.75 جنيه للتر الواحد، وزاد بنزين 92 إلى 17.25 جنيه، وارتفع بنزين 95 إلى 19 جنيهاً، بزيادة مقدارها جنيهان لكل نوع.

تبدو إسراء محمد، الفتاة العشرينية التي تعمل بفرع لإحدى الشركات الدولية في مصر، أفضل حالاً من هالة، فالشركة التي تعمل بها في القرية الذكية بالجيزة توفر لها وسيلة انتقال في موقع قريب من منزلها.

تستقل إسراء سيارة أجرة بالقرب من منزلها إلى مكان تجمع سيارة الشركة بـ5 جنيهات، لكن السعر زاد مع زيادة البنزين ليكون 7 جنيهات، وفق تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أنها لا تعرف ما إذ كانت الزيادة ستستمر بهذا المقدار أم لا؟

تبدو إسراء أكثر حظاً من غيرها مع تحديد أجرها بالشركة وفق سعر صرف اليورو؛ الأمر الذي سيجعلها تحصل على زيادة في الراتب نهاية الشهر الحالي بسبب انخفاض قيمة الجنيه، أمام العملات الأجنبية.

وسجّل الجنيه المصري تراجعاً خلال الأيام الماضية من مستوى 50.40 جنيه لكل دولار، إلى متوسط 51.3 جنيه لكل دولار في البنوك المصرية.

وأكدت إسراء أن عدداً من زملائها الذين كانوا يستقلون سياراتهم للشركة سجلوا أسماءهم للانتقال عبر الأتوبيسات التي توفرها مجاناً للموظفين، بديلاً عن استخدام سياراتهم، خصوصاً مع شكواهم في الفترة الأخيرة من ارتفاع تكلفة صيانة السيارات وزيادة أسعار قطاع الغيار.

يختلف الوضع قليلاً بالنسبة لياسر محمود الذي يعمل عن بعد من الزقازيق بمحافظة الشرقية مع التوجه إلى القاهرة يومين في الأسبوع. الشاب الثلاثيني الذي يعول طفلين يقول لـ«الشرق الأوسط» إن شركته لن تزيد راتبه بسبب زيادة المواصلات، مشيراً إلى أنه سيحاول مع زملائه الضغط على المدير للاكتفاء بالحضور ليوم واحد، نظراً لارتفاع تكلفة السفر من المحافظات المختلفة إلى القاهرة.

محافظ القاهرة خلال تفقد الحركة في موقف عبد المنعم رياض (محافظة القاهرة)
محافظ القاهرة خلال تفقد الحركة في موقف عبد المنعم رياض (محافظة القاهرة)

وأضاف أن «الأجرة ستزيد على الأقل 3 جنيهات بخلاف زيادة المواصلات الداخلية بالقاهرة التي أستقلها من الموقف للشركة، وكذلك زيادة تعريفة الميكروباص الذي ينقلني من منزلي إلى موقف سيارات القاهرة»، متوقعاً أن تصل تكاليف رحلته بعد الزيادة الجديدة لأكثر من 150 جنيهاً، بعدما كانت تتراوح بين 100 و120 جنيهاً عن اليوم الواحد، بينما راتبه الشهري لا يزيد على 8 آلاف جنيه.

وعدّ أمين لجنة «الخطة والموازنة» بمجلس النواب (البرلمان المصري) عبد المنعم إمام «الزيادات الأخيرة استمراراً لسياسات الحكومة في تجاهل مشاكل المواطنين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تكرار تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة نفسها تؤدي لإثقال كاهل المواطن وتجعله يعمل للإنفاق على الحكومة».

وتوقع إمام إخفاق الحكومة في ضبط الأسعار وغياب الرقابة والتفتيش على الأسعار بعد أيام فقط من إعلان الأسعار؛ لتترك المواطنين يواجهون مصيرهم مع الزيادات من دون تدخل كما حدث في المرات السابقة، وفق تعبيره.

وأبدى متابعون على «السوشيال ميديا» تعجبهم من إعلان الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، على الرغم من تراجع أسعار النفط عالمياً.

وقال مدير مركز «العدل للدراسات الاقتصادية» كريم عادل إن التراجع المستمر في سعر الصرف يغيّب أي استفادة حقيقية من انخفاضات أسعار النفط عالمياً، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «استمرار تراجع الجنيه سيجعل الاقتصاد المصري بعيداً عن الاستفادة من انخفاض الأسعار العالمية». وتابع أن «المؤشرات تتجه إلى استمرار انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار حتى نهاية العام الحالي ليسجل الدولار ما بين 55 و58 جنيهاً؛ الأمر الذي قد ينذر بزيادة أخرى يتحملها المواطن في أسعار المواصلات وغيرها من الخدمات والسلع».