هرباً من الحرب... لبنانيون يلجأون إلى البحر والبر بديلاً عن رحلات جوية «خطرة ومكتظة»

الخط الشمالي من بيروت إلى عمان الأكثر طلباً... والرحلات البحرية إلى تركيا وقبرص تلقى رواجاً

مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)
مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT

هرباً من الحرب... لبنانيون يلجأون إلى البحر والبر بديلاً عن رحلات جوية «خطرة ومكتظة»

مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)
مسافرون قادمون من لبنان يسيرون عند معبر جديدة يابوس الحدودي في جنوب غربي سوريا (أ.ف.ب)

يعيش اللبنانيون منذ أكثر من أسبوعين حالة من القلق النفسي والإحباط وسط تصاعد حدة القصف الإسرائيلي الذي طال مناطق عدة في البلاد، حيث لم تقتصر الضربات العنيفة على الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية فحسب، بل امتدت إلى بلدات وقرى مختلفة في جبل لبنان والبقاع والشمال.

وتسببت الأحداث الأخيرة في ظهور موجة من النزوح الداخلي. تتحدث الأرقام عن نحو مليون و200 ألف نازح لبناني، حملوا أحلامهم وآمالهم وبضعة أمتعة في سياراتهم، ولجأوا إلى منازل مستأجرة بعضها بمبالغ ضخمة، أو إلى مراكز إيواء عادةً ما تكون عبارة عن مدارس رسمية فتحت أبوابها لاستقبالهم.

ووسط حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأجواء في لبنان، تبرُز مشكلة يواجهها الأشخاص الذين يبحثون عن سُبل لمغادرة البلاد هرباً من الحرب، حيث أوقفت جميع شركات الطيران الأجنبية رحلاتها التجارية إلى مطار رفيق الحريري الدولي، ولا يمكن لأي مسافر الآن حجز تذاكر إلا عبر شركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية، وهي الوحيدة التي لا تزال تسيّر رحلات من وإلى بيروت.

«لا ضمانات»

يعود سبب امتناع شركات الطيران من الهبوط في بيروت للقصف الكثيف الذي يصيب أحياناً أهدافاً قريبة جداً من المطار، حيث إن الطريق من وإلى المطار يعد غير آمن بحد ذاته.

وقال وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، الثلاثاء، إن السلطات تلقت خلال اتصالاتها الدولية «تطمينات» بخصوص عدم استهداف إسرائيل مطار بيروت، لكنها لا ترقى إلى «ضمانات»، على وقع تواصُل شَنّ غارات كثيفة في محيط المرفق الجوي منذ الأسبوع الماضي.

وكثّفت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي غاراتها الجوية، خصوصاً على ضاحية بيروت الجنوبية التي يقع مطار رفيق الحريري، الوحيد في البلاد، عند أطرافها. وشنّت إسرائيل غارات في جنوب البلاد وشرقها، استهدفت إحداها منطقة المصنع الحدودية؛ ما أدى إلى قطع المعبر البري الرئيسي بين لبنان وسوريا. وأكد حمية أن الحكومة اللبنانية «تسعى إلى أن تُبقي المرافق العامة براً وبحراً وجواً سالكة، وأولها مطار رفيق الحريري الدولي»، بوابة لبنان جواً إلى العالم.

مسافرون ينتظرون رحلاتهم الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي (أ.ف.ب)

وفي خضم حالة الخوف والهلع المنتشرة بين اللبنانيين، يلجأ كثير من الأشخاص مؤخراً إلى البر والبحر للوصول إلى بلدان مجاورة، إمّا للاستقرار فيها مؤقتاً، وإما للسفر عبرها إلى وجهات أخرى.

ووفقاً لمعلومات نشرتها قناة محلية، الثلاثاء، عَبَرَ نحو 60 ألف لبناني نقطة المصنع الحدودية مع سوريا منذ 23 سبتمبر، أي تاريخ بداية تصعيد إسرائيل القصف الجوي على مناطق لبنانية عدة، بعدما كانت الضربات تقتصر تقريباً على بلدات جنوبية حدودية منذ بداية حرب غزة قبل عام.

الهرب براً

بعد فشل الشاب اللبناني الثلاثيني وئام في الحصول على تذاكر سفر خلال مدة زمنية قريبة لعائلته المكونة من 3 أفراد بسبب زيادة الطلب على الرحلات الجوية، وعدم قدرة «طيران الشرق الأوسط» على تسيير مزيد من الرحلات اليومية، لجأ إلى أحد مكاتب السفر في جبل لبنان لتأمين مقاعد على متن حافلة، والسفر براً إلى الأردن.

ويقول وئام في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لم تتحمل زوجتي أصوات القصف التي نسمعها كل ليلة، حيث يشتد الضرب في ساعات الفجر، ووسط حالة الرعب من المستقبل وما قد ينتظرنا من مآسٍ، قررنا السفر إلى الأردن لمحاولة إيجاد مكان آمن لنا ولطفلتنا البالغة من العمر بضعة أشهر فقط».

ويضيف: «حجزنا مقاعد على متن حافلة تُقل اللبنانيين من بيروت إلى عمّان، حيث يسلك السائق طريق الشمال - من طرابلس - بعدما تَعَرَّضَ الطريق الرئيسي إلى سوريا (المصنع) للقصف».

وعن أسعار التذكرة وصعوبة الرحلة، يوضح الشاب الذي يعمل عن بُعد خبيراً مالياً في إحدى الشركات الأجنبية: «طلب المكتب منا مبلغاً قدره 200 دولار للشخص الواحد لتوصيلنا إلى عمّان، وقضينا نحو 15 ساعة على الطريق. ومع التوقف في كثير من النقاط للاستراحة، إلا أن الرحلة أرهقتنا بالفعل، خصوصاً مع وجود ابنتنا التي تحتاج إلى رعاية كبيرة بسبب سنها الصغيرة».

وفي هذا السياق، تشرح خبيرة الحجوزات سارة البنا، التي تعمل في شركة «نخال» للسياحة والسفر اللبنانية، أن إقبال الناس على الرحلات البرية، من لبنان إلى سوريا والأردن ازداد كثيراً وسط الأوضاع الصعبة.

وتوضح لـ«الشرق الأوسط» أنهم يتلقون يومياً عشرات الاتصالات من عائلات تطلب المغادرة «بأي وسيلة».

وتتابع: «نُسيّر أسبوعياً أكثر من 3 حافلات - بسعة 40 شخصاً للواحدة - من بيروت إلى عمّان عبر شمال لبنان بعد تعرُّض طريق المصنع للقصف، وتتراوح أسعار التذاكر بين 150 و250 دولاراً للشخص الواحد، فالسعر يحدده الطلب على كل رحلة وفقاً لموعدها وساعة الانطلاق... وما إلى ذلك».

وتضيف البنا: «يحتاج الطريق البري من 15 إلى 18 ساعة عبر طرابلس، ومن ثم حمص السورية وصولاً إلى عمّان، ولكن هناك أكثر من محطة للاستراحة، بسبب وجود كثير من كبار السن والصغار على متن الحافلات».

إعلان أصدرته إحدى وكالات السفر اللبنانية للترويج لرحلات برية من بيروت إلى عمَّان

من جهتها، تصف لارا، المسؤولة عن الحجوزات في مكتب سفريات «يلا ترافيل» في بيروت الإقبال الكثيف على الرحلات البرية عبر الحافلات إلى عمان، وتقول: «نتلقى يومياً المئات من الرسائل عبر (واتساب) للاستفسار عن الرحلات، حيث قررت عائلات كثيرة السفر معاً، والهرب من لبنان وسط الأوضاع الصعبة».

وتضيف: «حافلاتنا تسير يومياً عبر الطريق الشمالي وصولاً إلى طرابلس ومن ثم سوريا والأردن، وتكون المقاعد محجوزة بشكل كامل».

وعن الحالة النفسية للعائلات، تقول لارا إن معظم المسافرين تظهر عليهم ملامح الحزن عند صعودهم على متن الحافلات، وتستطرد: «الركاب نازحون من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، ولكنهم أيضاً سكان مناطق جبلية وشمالية في لبنان تعد آمنة نوعاً ما، والكل يحلم بليلة نوم هادئة واحدة بعيدة عن أصوات القصف، في بلدان أخرى للأسف».

«برايفت تاكسي»

لا تقتصر الرحلات البرية من لبنان إلى سوريا والأردن على الحافلات الكبيرة، حيث تظهر أيضاً شركات نقل تتيح سيارات أجرة خاصة، معروفة بـ«برايفت تاكسي»، لنقل الأشخاص إلى الوجهة التي يريدونها، ولكن بأسعار مرتفعة.

وتكلفة سيارة الأجرة الخاصة التي يمكنها نقل 6 مسافرين حداً أقصى مع أمتعتهم، تتراوح بين ألف و100 دولار، وألف و500 دولار للرحلة، وفقاً لسائق سيارة أجرة رفض الكشف عن اسمه.

ويوضح: «هناك طلب على هذا النوع من الرحلات من قِبل العائلات التي تضم أطفالاً صغاراً، أو مرضى كباراً بالسن، حيث إن السيارة الخاصة أكثر راحةً وخصوصية مقارنةً بالحافلات، ويمكن للمسافرين تحديد مدة الاستراحات والأماكن التي يرغبون في التوقف عندها».

ولم يكن لخالة فاطمة، شابة لبنانية من سكان العاصمة بيروت، مَفَرٌّ إلا اللجوء إلى سيارة أجرة خاصة للنزوح إلى سوريا، وذلك بسبب وضعها الصحي الصعب. وتشرح: «خالتي تعاني شللاً نصفياً، وتحتاج إلى رعاية طبية دائمة وأدوية كثيرة. وخوفاً من الحرب وانقطاع الأدوية في لبنان، لجأت إلى سوريا عبر سيارة أجرة، ومن هناك ستقرر وجهتها التالية».

السفر بحراً

للبنانيين الراغبين في السفر بحراً وجهتان أساسيتان: قبرص وتركيا. وعن هذه الرحلات، توضح البنا من شركة «نخال»: «الوجهة الأكثر رواجاً اليوم عبر البحر هي منطقة ميرسين في تركيا، حيث تحتاج الرحلة لنحو 18 ساعة. أما قبرص، التي يلجأ إليها الكثيرون أيضاً، فتحتاج لـ7 ساعات تقريباً فقط».

لبنانيون يفرون من القصف الإسرائيلي على متن قارب متجه إلى قبرص (رويترز)

وتشرح الخبيرة: «تتنوع الرحلات البحرية، وهناك في لبنان عدد من السفن التي تنقل الناس إلى وجهات بعيدة، فالقوارب الصغيرة التي يمكنها ضمّ نحو 10 أشخاص هي الأكثر تكلفةً - نحو 3 آلاف دولار على الشخص الواحد».

وتقول البنا: «نقطة التجمع الأساسية لهذه الرحلات هي مرفأ ضبية في بيروت، وعلى اللبنانيين المسافرين إلى قبرص الحصول على تأشيرة كالعادة، وهي تحتاج إلى نحو 8 أيام عمل، أو إبراز تأشيرة (شينغن) صالحة».

ولكن كحال النقل البري، هناك دائماً خيارات أقل تكلفةً، وهي البواخر الكبيرة التي تنطلق من ميناء طرابلس في شمال البلاد، ووجهتها الأساسية منطقة تاشوجو بالقرب من ميرسين في تركيا.

ويوضح أحمد الموظف في إحدى شركات السفر بلبنان والمشارك في تنظيم الرحلات هذه: «تبدأ الرحلة من مرفأ طرابلس في شمال لبنان، وتبلغ التكلفة 350 دولاراً للشخص الواحد، والآن لدينا نحو 3 رحلات أسبوعياً يمكنها نقل 400 مسافر في كل مرة. ولكن هناك خطط لرفع عدد الرحلات إلى 5 بسبب الضغط».

مجموعة من اللبنانيين يفرون من البلاد على متن قارب متجه إلى قبرص من ميناء ضبية (رويترز)

«طائرات خاصة»

تتحدث سارة البنا من شركة «نخال» عن حلول إضافية للخروج من لبنان، ولكنها لا تناسب إلا «الطبقة الثرية» على حد تعبيرها.

وتشرح: «هناك طائرات خاصة صغيرة توصلك من مطار بيروت الدولي إلى أنطاليا أو إسطنبول في تركيا، بشكل مريح وسريع».

وعن تكلفة هذه الرحلات، تقول: «الرحلة الجوية الخاصة (سعة 4 أشخاص) إلى إسطنبول، تبلغ تكلفتها نحو 28 ألفاً و500 دولار، أما الرحلة إلى مدينة أنطاليا فتُكَلف المسافرين نحو 18 ألف دولار».

وعن الإقبال على هذه الرحلات، تقول البنا: «الطلب ضعيف، ولكنه ليس منعدماً».


مقالات ذات صلة

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

أكدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلة جديدة بإدخال مدني إليها.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام، خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

طالب الرئيس اللبناني جوزيف عون وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب من جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

وصفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.


قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.


سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
TT

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)
جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (الجمعة)، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل بعد انتهاء ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بنهاية عام 2026.

وذكرت الرئاسة اللبنانية في بيان أن سلّام طرح خلال اللقاء مع وفد مجلس الأمن إمكانية أن تعمل هذه القوة تحت إطار «هيئة الأمم المتحدة» لمراقبة الهدنة، أو أن تكون قوة حفظ سلام محدودة الحجم ذات طابع مشابه للقوة العاملة في هضبة الجولان بسوريا.

وقرر مجلس الأمن الدولي في أغسطس (آب) الماضي تمديد ولاية «اليونيفيل»، التي أنشئت في 1978 بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، حتى نهاية العام المقبل. ومن المنتظر أن تبدأ «اليونيفيل» عملية انسحاب تدريجي من جنوب لبنان بعد انتهاء ولايتها.