مرزوق بن تنباك... «البدوي» الخارج عن النسق

كرّمه وزراء الثقافة الخليجيون لجهوده طيلة نصف قرنٍ في خدمة اللغة والفكر والأدب

المفكّر والأكاديمي السعودي د. مرزوق بن صنيتان بن تنباك
المفكّر والأكاديمي السعودي د. مرزوق بن صنيتان بن تنباك
TT

مرزوق بن تنباك... «البدوي» الخارج عن النسق

المفكّر والأكاديمي السعودي د. مرزوق بن صنيتان بن تنباك
المفكّر والأكاديمي السعودي د. مرزوق بن صنيتان بن تنباك

كرّم وزراء الثقافة في مجلس التعاون الخليجي، مساء اليوم في الدوحة، المفكّر والأكاديمي السعودي الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك؛ نظير جهوده طيلة نصف قرنٍ في خدمة اللغة العربية والفكر والأدب.

جاء تكريم بن تنباك، جنباً إلى جنب مع تكريم كوكبة من المبدعين الخليجيين في المجال الثقافي، في حفل أقيم بعد انعقاد أعمال الاجتماع الثامن والعشرين لوزراء الثقافة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الدوحة، والذي تم خلاله بحث الموضوعات المتعلقة بتطوير العمل الخليجي المشترك في المجال الثقافي.

فتوحات فكرية

والأكاديمي والباحث السعودي الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك (مواليد 1950)، الحاصل على جائزة مكتب التربية العربي التابع لدول الخليج قبل 30 سنة، جمع بين الفكر والأدب والنقد، ويُعتبر من جيل رواد الأدب والصحافة في السعودية، وهو أستاذ محاضر في كلية الآداب بجامعة الملك سعود.

قدّم مجموعة من المؤلفات التي اعتُبرت «فتوحات فكرية» أحدثت ارتدادات واسعة وسجالاً كبيراً في الوسط الأكاديمي والثقافي في العالم العربي، من بينها كتابه «الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة» (168 صفحة) (طُبع أول مرة عام 2004 وأُعيد طباعته مؤخراً)، وهو دراسة تستقصي حقيقة الوأد عند العرب، وتنتهي إلى نفي هذه التهمة عن المجتمعات العربية قبل الإسلام. وفي دفاعه عن فكرة كتابه «الوأد عند العرب»، رأى بن تنباك في حوار صحافي أنه لم يستغرب «الرفض الذي واجه ما جاء في الكتاب من أدلة دامغة تؤكد أن الوأد الذي تصفه الروايات الإسلامية لم يحدث قَطّ. (لأننا) أمة نقدس الماضي ونصدق كل ما يقال فيه وعنه».

وكان بن تنباك أكدّ أن قضية وأد البنات «وهمٌ تاريخي وكذبة لفّقها بعض الرواة للعصر الجاهلي، واخترعوها من الخيال الشعبي لأغراض التذكير والتفضيل»، مشيراً إلى أن ما تضمنه كتابه جاء «نتيجة لسبعة أعوام من البحث والتمحيص».

ويعيد بن تنباك تفسير لفظ «(يتوارى) من الناس» إذا بُشّر أحد العرب في الجاهلية بالأنثى، والتي وردت في القرآن الكريم؛ إذ يرى أن «الكثير من التفاسير جعلت من كلمة (يتوارى) قصة غياب وهروب من البيت وانتظار لمقدم الولد وجنسه حتى يعلم ما يكون، في حين أن بلاغة النص القرآني هي وصف لحالة الغاضب أو الكاره أو الحزين الذي ينحرف بوجهه وينطوي على نفسه ويخلو بها عن مجلس القوم، وليس ذلك الهرب الذي أوحت به كلمة (يتوارى)».

كذلك الحال بالنسبة لعبارة «يدسّه في التراب»؛ إذ يرى بن تنباك أن الدسّ في التراب عند ولادة الأنثى تعبير عن الشعور بـ«الهوان المعنوي»، كما «يدسّ» الكثير من العرب اليوم أسماء بناتهم.

كذلك أثار كتابه «بدعة الأدب الإسلامي»، الذي صدر مضمونه في كتاب «إشكالية الأدب الإسلامي» والذي ألّفه «بالاشتراك مع الباحث السوري الدكتور وليد قصاب»؛ إذ مثَّل فيه الدكتور قصّاب جانب الدفاع عن الأدب الإسلامي، في حين مثَّل الدكتور مرزوق بن تنباك جانب المعارض لمصطلح الأدب الإسلامي.

وعن «بدعة الأدب الإسلامي»، رأى بن تنباك أن «الموقف كان اعتراضاً على مبدأ التصنيف واختيار صنف واحد وتجريم غيره من المضامين والموضوعات، (لأن) فنون الأدب موضوعاته كثيرة متنوعة منذ عُرف الأدب، ولم يعترض أحد على ممارسة المضامين المعروفة، فمنذ صدر الإسلام عُرف الشعر العذري وشعر الغزل المكشوف والهجاء وغيره من أنواع الشعر المرغوب والمرفوض، ولم ينكر أحد ممارسة هذه الفنون أو يجرمها أو يدعو لإلغائها والتحذير منها».

ومن مؤلفاته كذلك، كتاب «حالة المجتمع السعودي وتحولاته»، وكتاب «الفصحى ونظرية الفكر العامي».

من مؤلفات د. مرزوق بن تنباك

خارج عن النسق

والدكتور بن تنباك، كاتب معروف في الصحافة السعودية، كثيراً ما أثارت آراؤه نقاشاً في الساحة الثقافية؛ فقد كتب مدافعاً عن العلمانية في مقال نُشر في عام 2016، أكد فيه أنّ «العلمانية في ممارساتها المعاصرة حامية للأديان وصديقة للإنسان، وليس أوضح مما يعرفه الناس كافة في الدول التي تطبقها»، وفي محاضرة له بنادي نجران الأدبي قال بن تنباك إن «العلمانية تحافظ على كرامة الإنسان، وعلى شعائره، وحقه في الوجود»، وإن «علمانية بريطانيا اليوم لم تمنع 1500 مسجد ومركز إسلامي، ولم تمنع أيضاً أكثر من 3 ملايين مسلم يعيشون فيها»، مشيراً إلى أن «تطبيق الليبرالية في أوروبا اليوم لم يمنع ما يمثّل أصول ومظاهر الدين الإسلامي الحقيقية»، وهي التصريحات التي أثارت غضباً من قبل المحافظين.

ومن مقالات بن تنباك الشهيرة، مقاله «القراءة النجدية» في صحيفة «مكة» (5 يوليو/ تموز 2022)، الذي دعا فيه للخروج من ضيق الإقليم إلى سعة الوطن، فـ«العقل يقول إننا بحاجة إلى تقوية عُرى الوحدة الوطنية ورصّ الصفوف والانتماء للوطن الكبير وللمواطنة، وإماتة أسباب النعرات الإقليمية والجهوية والشوفينية التي بدأ الثراء يظهرها ويعلنها على ألسنة بعض الذين لا يقدرون نتائجها».

وُلد مرزوق بن تنباك الحربي في قرية «المديرا» بوادي الفرع جنوب المدينة المنورة عام 1950، وأسرته كان لها نفوذ في وادي الفرع والأشدة من بلاد المسروح، ثم انتقل مع أسرته وهو طفل إلى ذي الحليفة في وادي العقيق، ثم أكمل دراسته المتوسطة والثانوية في المدينة المنورة. ودرس على شيوخ المسجد النبوي، من بينهم: محمد الأمين الشنقيطي، وعبد القادر شيبة الحمد، وأبو بكر الجزائري.

والتحق بجامعة الملك سعود - كلية الآداب - وتخرج فيها، ثم عُيّن معيداً فيها، وابتُعث إلى بريطانيا لدراسة الدكتوراه، وحصل عليها من جامعة أدنبره في أسكوتلندا، ثم عاد إلى جامعة الملك سعود وعُيّن أستاذاً مساعداً فيها، وترقى إلى درجة أستاذ مشارك، ثم حصل على الأستاذية في الآداب.


مقالات ذات صلة

مع الجواهري من النجف إلى الرياض

ثقافة وفنون في بيت الجواهري بدمشق

مع الجواهري من النجف إلى الرياض

تمكنه من اللغة العربية والشعر القديم جعله قادراً على «ابتداع» اشتقاقات لغوية في سيميائيته الشعرية.

محمد رضا نصر الله
يوميات الشرق ضمت 20 عملاً موزعة على فئات الرواية والسيناريو والرواية المترجمة (هيئة الترفيه)

الإعلان عن القائمة القصيرة لـ«جائزة القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً

أعلنت هيئة الترفيه السعودية عن القائمة القصيرة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً، وضمت 20 عملاً موزعة على فئات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الوتر السادس أبناء منصور الرحباني يطلقون فعاليات مئوية والدهم (الشرق الأوسط)

أبناء منصور الرحباني يُطلقون مئويته ووزارة التربية تتعاون لترسيخ إرثه في المدارس

بحضور حشدٍ من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية، أطلق أبناء منصور الرحباني برنامج مئويته من بيروت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق «مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

تختتم «نتفليكس» عامها بمسلسل من الطراز الرفيع يليق باسم الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ورائعتِه «مائة عام من العزلة».

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته

سوسن الأبطح (بيروت)

وفاة جوسلين ويلدنستين «المرأة القطة» الشهيرة بعمليات التجميل

جوسلين ويلدنستين (أ.ف.ب)
جوسلين ويلدنستين (أ.ف.ب)
TT

وفاة جوسلين ويلدنستين «المرأة القطة» الشهيرة بعمليات التجميل

جوسلين ويلدنستين (أ.ف.ب)
جوسلين ويلدنستين (أ.ف.ب)

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن سيدة المجتمع جوسلين ويلدنستين، التي كان يطلَق عليها «المرأة القطة»، المعروفة بإجراء عمليات تجميل كثيرة وقضية طلاق شهيرة، تُوفيت عن عمر ناهز 84 عاماً، جراء إصابتها بانسداد رئوي.

وأضافت الصحيفة أن ويلدنستين أُطلق عليها لقب «المرأة القطة»؛ لأنها أجرت كثيراً من عمليات التجميل بهدف أن تبدو مثل القطط.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، ذكرت صحيفة باريس ماتش أن «شريكها لويد كلاين كان حزيناً لإعلان وفاة جوسلين ويلدنستين في قصر بباريس، يوم الثلاثاء».

وبَدَت ويلدنستين، المولودة باسم جوسلين بيريسيت، تتمتع بصحة جيدة عندما شوهدت آخِر مرة في العاصمة الفرنسية مع كلاين قبل أسبوعين فقط.

ولفتت الصحيفة إلى أن ويلدنستين، التي وصفت نفسها بأنها بائعة أعمال فنية على «إنستغرام» حيث كان لديها 1.1 مليون متابع، معروفة أيضاً بقضية طلاقها التي حصلت بسببها على 2.5 مليار دولار.

جوسلين ويلدنستين (أ.ف.ب)

ووُلدت ويلدنستين في 5 أغسطس (آب) 1940، في لوزان بسويسرا، ولا يُعرَف الكثير عن نشأتها في عائلة من الطبقة المتوسطة في سويسرا، بخلاف أنها كانت ابنة صاحب متجر كبير. وفي سن السابعة عشرة تغيرت حياتها بعدما بدأت قصة حب مع المنتِج السينمائي السويسري سيريل بيجيه، ثم أحبت لاحقاً المخرج السينمائي سيرجيو جوبي لمدة خمس سنوات، وقضت كثيراً من وقتها في استكشاف أفريقيا؛ القارة التي وقعت في حبها.

وأتاحت لها حياتها بصفتها امرأة اجتماعية التحرك في دوائر النخبة بجميع أنحاء العالم، وتعرفت على زوجها الراحل أليك ويلدنستين، أثناء رحلة سفاري مع الأصدقاء في كينيا عام 1977.

وبعد زواجها من الملياردير الأمريكي، المولود في فرنسا وتاجر الفن السابق، في عام 1978، انفصلت عنه في أواخر التسعينات، في واحدة من كبرى تسويات الطلاق في التاريخ، وعُرف عنها ميلها إلى إجراء عمليات جراحية لجعل وجهها يشبه وجه القطة لإرضاء زوجها السابق.