ألفرد هيتشكوك... سيد التشويق وسينما الألغاز

لا يغيب وأفلامه عن الحضور إلى اليوم

ألفرد هيتشكوك (يونيڤرسال بيكتشرز)
ألفرد هيتشكوك (يونيڤرسال بيكتشرز)
TT

ألفرد هيتشكوك... سيد التشويق وسينما الألغاز

ألفرد هيتشكوك (يونيڤرسال بيكتشرز)
ألفرد هيتشكوك (يونيڤرسال بيكتشرز)

تعرِض منصة «نتفليكس» الأسبوع الحالي فيلمين متميّزين من أفلام المخرج ألفرد هيتشكوك الذي لم يوازِه أحد بعد في مجال الرّعب والتشويق واللعب على الغموض.

الفيلمان هما «سايكو» (1960)، و«الطيور» (1963)، وهما من خيرة أفلام المخرج في السنوات الـ20 الأخيرة من حياته لجانب «دوخان» (Vertigo) (1958)، و«جنون» (Frenzy) الذي كان فيلمه ما قبل الأخير سنة 1972.

لم ينل «فرنزي» حقّه كاملاً من قِبل نقاد جيل السبعينات رغم أنه نضح بكل العناصر التي جعلت من أفلام هذا المخرج أعمالاً مشهودة ورائعة. لعب على حكاية المتهم البريء والقاتل الذي لا يرتاب به أحد إنما بتجديد بديع. بعد مرور نحو 50 سنة عليه، ارتقى الفيلم بين النّقاد (أو هل نقول ارتقوا هم إليه؟) وعدّوه بدوره أحد أفضل أفلامه الأخيرة.

من «الطيور» (يونيڤرسال بيكتشرز)

قيمة فنية

الواقع هو أنه، بعد مرور 90 سنة على أول فيلم نقل ألفرد هيتشكوك إلى الاهتمام العالمي، وهو «The 39 Steps» سنة 1935، لا تزال القيمة الفنية لأعماله كافّة تتحدّث عن نفسها بوضوح. هيتشكوك كان بالفعل سيد من أتقن التشويق، لكن التشويق نفسه، وإتقانه، ليسا فعل سري يدركه سينمائي واحد ويمتنع عن آخرين. ما أضافه المخرج هو الوسيلة التي تجعل من المُشاهد شريكاً فيما يدور. يشعر بالخطر ويتلصّص على شخصيات الأفلام كما لو أنه يراقبها في الحياة العادية.

ما جعل هيتشكوك منفرداً ومميّزاً، هو الكيفية الخالصة التي عالج بها المخرج ذلك التشويق وما احتوته أفلامه من مفادات ومضامين لم يوفّرها آخرون على نحو عميق ومتواصل خلال سنوات عمله الممتدة ما بين 1922 (عندما كان في الـ23 من العمر)، و1976 (قبل 4 سنوات من وفاته).

لم تكن تلك القيمة ظاهرة لكثيرين، إلى أن تدخل نقاد فرنسيون اكتشفوا في أفلام هيتشكوك ميزات لا يمكن نكرانها.

انتبه إلى هذه الميزات في البداية، المنظّر أندريه بازان في عام 1951 عندما بدأ يُعاين أعمال هيتشكوك من وجهة نظره. ليس أن بازان كان معجباً بكل ما شاهده من أفلامه حتى ذلك الحين، لكنه من أوائل الذين انتبهوا إلى فاعلية أسلوبه التشويقي ومنحاه في استخراج ما هو أكثر من المشهد الماثل.

التبنّي النقدي الكامل لسينما هيتشكوك تم عندما أعلن كلٌ من فرنسوا تروفو، وكلود شابرو، وإريك رومير إعجابهم غير المنقوص بأفلام المخرج، في منتصف الخمسينات وبذلك ضمّوا هيتشكوك إلى سينما المؤلّفين قبل سواهم.

البريء والمجرم في «جنون» (يونيڤرسال بيكتشرز)

نبرة ساخرة

اختيار «سايكو»، و«الطيور» لعروض «نتفليكس» سيهضم حق فيلمه الثالث بين أعماله الأهم وهو «ڤرتيغو». لكن من سينتهز الفرصة للتعرّف، من جديد أو للمرّة الأولى، على إبداعات مخرج قلّ نظيره من حيث إنه صاغ من كل فيلم له حالة دامجة من الرعب والتشويق والملاحظات الإنسانية. «سايكو» بحد ذاته يحمل في طيّاته العميقة سخرية يدركها البعض منا كوننا واجهنا هذه النبرة الساخرة في الكثير من أفلامه.

«سايكو» في الوقت ذاته فيلم رعب نفسي داكن. هذا أكثر أفلام المخرج عنفاً، ونُشر كثير عن مشهد القتل في الحمّام. كيف صُوّر ووُلّف بحيث لا ظهور للعري كاملاً، ولا للطعنات تدخل الجسد، ولا دماء تنزف منه. بعض المحلّلين كتبوا أن هذا المشهد لم يكن من إخراج هيتشكوك بل من إخراج سواه (وفي فيلم Hitchcock لساشا جرڤازي، 2012)، ادعاءُ آخر بأن زوجة هيتشكوك، ألما رَڤيل، هي التي أخرجت هذا المشهد فعلاً. إنه كما لو أن هيتشكوك وقف محتاراً كيف سيُنجزه، واعتمد على آخرين ليدلوه أو يحقّقوه عوضاً عنه.

لكن المهم هنا هو التدرّج صوب المفاجأة. مادلين تبتسم لنفسها وقد قررت أن تعود صباح يوم غد وتعيد الثروة المسروقة. تخلع ثيابها وتدخل الحمّام. فجأة شبح امرأة عجوز تقتحم الشقة (وكان نورمَن اقترحها على مادلين لأنه يستطيع التلصّص عليها من ثقب في الجدار) وفي يدها سكين وتبدأ بطعن مادلين.

طيور الجريمة

أما «الطيور» فهو نوع مختلف من أفلام الرعب، ومختلف بالنسبة لما سبق أن حققه هيتشكوك قبل ذلك. مثل «سايكو» استمد هيتشكوك هذا الفيلم من حادثة حقيقية وقعت عام 1961 عندما هاجمت طيور النورس أهالي بلدة سانتا كروز في كاليفورنيا. لا يزال سبب الهجوم هذا غامض، لكن هيتشكوك قرأ الحادثة في رواية للكاتبة البوليسية دافني دو مورييه، التي كانت وضعتها قبل حادثة سانتا كروز ببضع سنوات وأعجب بها.

شاشة الفيلم هذا، تترجم لحظات الهجوم بقوّة غير منظورة. لا شكّ أن هناك مؤثرات بصرية، لكنها لا تُقاس بما وصلت إليه حالياً. على ذلك، مشاهد هجوم الطيور على تيبي هيدرن، ورود تايلور، وعدد كبير من الأولاد والبنات الصغار لا يُفوّت، كذلك مشهد هجوم أكبر التقطه هيتشكوك من الجو للطيور البيضاء والسوداء وهي تُغير على المدينة متسببة بحريق هائل.

لكن لا «سايكو»، ولا «الطيور» كانا فيلمَي رعب فقط. في عمق كلٍّ منهما ناحية حرِص المخرج على توفيرها أكثر من مرّة وهي الجانب العائلي وتحديداً العلاقة بين الرجل والأم.

في «سايكو» المجرم قتل والدته التي كانت تسيطر عليه، لكنه احتفظ بجثتها محنّطة ووجد نفسه، بلا وعي، يقوم بدورها كونها كانت تمنعه من التعرّف على أنثى سواها.

في «الطيور» نجد الأم (جيسيكا تاندي) تحرص على إفساد علاقة ابنها (رود تايلور) في أي مناسبة غرامية متوقعة بسبب خوفها من خروج ابنها من حياتها وبقائها وحيدة.


مقالات ذات صلة

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل مهرجان «الجونة» (إدارة المهرجان)

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

في حين طالب بعضهم بإلغاء المهرجانات الفنية لإظهار الشعور القومي والإنساني، فإن فنانين ونقاد رأوا أهمية استمرار هذه الأنشطة وعدم توقفها كدليل على استمرار الحياة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق البرنامج يقدم هذا العام 20 فيلماً تمثل نخبة من إبداعات المواهب السعودية الواعدة (مهرجان البحر الأحمر)

«سينما السعودية الجديدة» يعكس ثقافة المجتمع

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي برنامج «سينما السعودية الجديدة»؛ لتجسيد التنوع والابتكار في المشهد السينمائي، وتسليط الضوء على قصص محلية أصيلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)

شاشة الناقد: أفلام رعب

عندما أقيمت الدورة الأخيرة من مهرجان «أنيسي» للرسوم المتحركة في فرنسا هذا العام، لفتت المشاركات الإسبانية النظر لحجم ما عرضته، وتنوّعه.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق الفنان لطفي لبيب يعبر عن سعادته بالتكريم خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

«الإسكندرية السينمائي» يتحدى «ضعف الميزانية»... ويراهن على التنوع

يواجه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته الأربعين (1-5 أكتوبر) الجاري، أزمة متكررة تتمثل في ضعف الميزانية المخصصة له.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان المصري إسلام إبراهيم (إنستغرام)

إسلام إبراهيم: الجزء الثاني من «أعلى نسبة مشاهدة» أكثر جرأة

كشف الفنان المصري إسلام إبراهيم عن مساعي فريق عمل مسلسل «أعلى نسبة مشاهدة»، الذي حقق نجاحاً لافتاً في الموسم الرمضاني الماضي، لتقديم جزء ثانٍ منه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

شاشة الناقد: أفلام رعب

«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
TT

شاشة الناقد: أفلام رعب

«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)

BLACK BUTTERFLIES ★★

• «فراشات سوداء»: أنيميشن عن ثلاثة مهاجرين في ثلاث دول | إسبانيا (2024)

عندما أقيمت الدورة الأخيرة من مهرجان «أنيسي» للرسوم المتحركة في فرنسا هذا العام، لفتت المشاركات الإسبانية النظر لحجم ما عرضته، وتنوّعه. أحد هذه الأفلام هو «فراشات سوداء» الذي أنجزه ديڤيد باوت حول موضوع الهجرة في ثلاث قصص متوازية. تقع إحداها في فرنسا، والثانية في دولة أفريقية غير مُسمّاة، والثالثة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ما هو وراء قصصه هذه محاولة لتقديم المتغيّرات البيئية، وهذا حسب ما صرّح به المخرج حين قدّم فيلمه هناك. لكن هذا الهدف مموّه لحد كافٍ عبر الحديث عن ثلاث نساء مهاجرات ومتاعبهن في الأماكن التي حلّوا بها والتي تبتعد عمّا قد يكون له علاقة حتمية بتغيير المناخ. في حين يقدّر الناقد عدم قيام المخرج بتوفير معالجة وعظية، فإن التغيير المناخي يبقى حاضراً عن بعد في أغلب الأحيان.

يوظّف المخرج بطلاته (واحدة أوروبية، والثانية أفريقية، والثالثة هندية وهذه تنتقل للعمل في دبي بنظام الكفالة) ليتحدّث عن مشاكلهن الخاصّة وليس البيئية فقط. هذا جيد لولا أن طريقته في استعراض هذه الحكايات المنفصلة هي الانتقال من واحدة إلى أخرى بقطع مبتورٍ بين الفقرات. بذلك يبدو الفيلم غير قادر على التعامل فنياً مع متاعب السّرد. الرسوم نفسها مشكلة أخرى، فهي غير متقنة في المشاهد التي تصوّر شخصيات الفيلم وتعابيرها، وحين تتحدث يميل الفيلم لأقل الحركات وأسهلها وإلى روتين غير خلّاق، لكنها أفضل في المشاهد التي تصوّر الطبيعة وبعض المشاهد الفانتازية.

• عروض: مهرجان أنيسي.

APARTMENT 7A ★★☆

• «الشقّة 7A»: إخراج: نتالي أريكا جيمس (الولايات المتحدة - 2024)

يعود الفيلم هذا إلى أحداث ما قبل فيلم «طفل روزماري» الذي حققه رومان بولانسكي سنة 1968 عن امرأة تتزوج من رجل ينتمي وجيرانه إلى طائفة تعبد الشيطان. تضع بطلة ذلك الفيلم مولوداً لا ينتمي إلى الآدميين. ميا فارو لم تمثّل فيلماً داكن المواصفات، لكن بولانسكي تمرّس أكثر من مرّة في هذا النوع من الأفلام.

جوليا غارنر في «الشقة 7A» (باراماونت +)

تلعب جوليا غارنر دور الشابّة تيري الذي لعبته حينها فارو، ما يجعل الفيلم خلفية لما سبق. نتعرّف على تيري راقصة باليه تُكسر قدمها حينما كانت تؤدي استعراضاً مسرحياً فتتحطم آمالها بممارسة هوايتها. يتم رفضها بعد أشهر؛ كونها لم تعد قادرة على استعادة مهارتها. يستقبلها زوجان ويعرضان عليها الإقامة في دارهما الواسعة. بعد حين، ستجد تيري نفسها وسط عصبة شيطانية ترغب في تزويجها لإنجاب طفل شيطاني. الباقي معروف لمن شاهد فيلم بولانسكي لأن المخرجة، على براعة ما تسرده، لا تستطيع إلّا توجيه الدفّة لتلتقي ببدايات الفيلم السابق. من شاهد ذلك الفيلم سيعرف بالتأكيد ما حصل بعد نحو ثلاثة أرباع الساعة مشدودة الوتيرة إلى حد كافٍ. لكن من لم يشاهد فيلم بولانسكي، سينجو من هذا الاستشراف وسيُعدّ الفيلم عملاً مستقلاً بنفسه.

هناك إخراج جيد ومتمهّل من نتالي إريكا جيمس، وقدرة على تطويع التكلفة المحدودة عبر أحداث يقع معظمها في مشاهد داخلية.

• عروض: منصة باراماونت +.

SALEM‪’‬S LOT ★★

• «باحة سالم» إخراج: غاري داوبرمان (الولايات المتحدة - 2024)

اقتباس آخر عن واحدة من أكثر أعمال الروائي ستيفن كينغ شهرة. تدور حول كاتب اسمه بن ميرز (لويس بولمان) يعود إلى البلدة الصغيرة التي وُلد فيها بحثاً عن الإلهام بعدما فشلت رواياته الأخيرة في تحقيق المبيعات (بداية قريبة من بداية The Shining عن ذلك الكاتب الذي يقصد العزلة في مكان ناءٍ بحثاً عن الإلهام).

«باحة سالم» (نيو لاين سينما)

يقصد مكتبة البلدة ويقضي فيها كثيراً من الوقت؛ ما يجعله حديث البلدة. هناك يتعرّف على سوزان (مكنزي لي) والاثنان يتحابان ويصبحان معاً حديث البلدة.

الأمور ستتعقد بعد اختفاء صبي ومقتل آخر. الظنون تحوم حول الكاتب؛ كون البلدة كانت آمنة إلى أن وصل إليها. وبينما عليه تبرئة نفسه والبحث عن مَخرج آمن له ولمن يحب، على الفيلم أن يصل إلى تلك المناطق العويصة حيث لا تكفي الحكاية لإحداث الرعب المنشود، بل على المخرج ابتكارها بأسلوب فعّال.

يكاد المخرج أن يفعل ذلك، وهناك دراية لا بأس بها في هذا الشأن بما في ذلك توفير بداية واعدة تستفيد من تأسيس الشخصيات والأماكن. لكنه لا يسبر الموضوع على نحو حثيث، بل يصرف كثيراً من الوقت في التمهيد والإيحاء بما هو قادم. وهذا المنوال يستمر لفترة أطول من المفترض حتى إذا ما وصل الفيلم إلى ذروته خسر الفيلم أنيابه وتحوّل سرداً ميكانيكياً. أفضل ما في الفيلم نفحات ناجحة لوصف الأماكن المعتمة وبضعة مشاهد تحيط بالخطر الذي تتعرض له الشخصيّتان الرئيسيّتان.

• عروض: منصات إلكترونية.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز