أميركا تنتقل من محاولة منع «الحرب الشاملة» إلى إدارتها

«عواقب وخيمة» ضد إيران... وساؤلات عن نيات نتنياهو وسط مخاوف من الانزلاق إلى الصراع

مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي الثلاثاء (أ.ب)
مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي الثلاثاء (أ.ب)
TT

أميركا تنتقل من محاولة منع «الحرب الشاملة» إلى إدارتها

مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي الثلاثاء (أ.ب)
مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي الثلاثاء (أ.ب)

رأى مسؤولون أميركيون أن إدارة الرئيس جو بايدن نقلت جهودها من محاولة منع اتساع حرب غزة إلى «إدارة» ما يسمى اليوم «الحرب الشاملة» التي طالما خشيت حصولها - وربما التورط فيها - على امتداد الشرق الأوسط.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التاريخية التي تشهدها الولايات المتحدة الشهر المقبل بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب، دفع الرئيس بايدن الذي شارف عهده على الانتهاء، بقوة نحو إرسال مزيد من القوات والعتاد الحربي إلى المنطقة.

وبموازاة ذلك قدم المزيد من المساعدات لإسرائيل التي تخوض حرباً منذ عام ضد «حماس» في غزة، وبدأت في الساعات الأخيرة «غزواً برياً محدوداً»؛ سعياً إلى «تفكيك البنية التحتية» لـ«حزب الله»، بعد أشهر من العمليات العسكرية التي أدت إلى اغتيال عدد كبير من القيادات في الحزب، على رأسهم أمينه العام حسن نصر الله.

هذا فضلاً عن الهجمات التي تنفذها جماعة «الحوثي» في اليمن ضد إسرائيل، والملاحة في البحر الأحمر والمضائق الدولية القريبة، وغيرها من الجماعات الموالية لإيران في كل من سوريا والعراق، وصولاً إلى الضربات الصاروخية التي نفّذتها إيران بشكل مباشر ضد إسرائيل، مما أوصل التصعيد إلى مستويات لا سابق لها منذ حرب يونيو (حزيران) 1967، لينذر باشتعال حريق إقليمي لا يمكن التكهن بعواقبه في المنطقة.

وتساءلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الحرب، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيها بشكل مباشر، بعدما كان الرئيس بايدن يحذّر طوال الأشهر الـ12 الأخيرة من «حرب أوسع»، ليجد نفسه الآن محاولاً إدارتها في ظل مخاوف من احتمال رد إسرائيل على صواريخ إيران باستهداف منشآتها النووية، مما «قد يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة». ونقلت عن السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين، أن «هذه الحرب صارت الآن حرباً شاملة»، مضيفاً: «نحن في حرب من أجل بقائنا الوطني، نقطة».

ووسط المخاوف الأميركية من نيّات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى قبل تنفيذ إيران لهجومها الصاروخي الواسع النطاق ضد إسرائيل، ومن أن يكون لبنان ساحة «الحرب الشاملة» بين إسرائيل وإيران، قال مسؤول كبير في البيت الأبيض، إن الولايات المتحدة «تدعم بنشاط الاستعدادات للدفاع عن إسرائيل»، محذّراً من أن الهجوم المباشر على إسرائيل «سيحمل عواقب وخيمة على إيران».

الرئيس الأميركي جو بايدن يجلس في المكتب البيضاوي الاثنين الماضي (رويترز)

«عواقب وخيمة»

وتجلّى ذلك واضحاً في الموقف الذي أعلنه بايدن بعد الهجوم الإيراني، مكرّراً أن واشنطن «تدعم بالكامل» إسرائيل، بعد الهجوم الذي جرى «صده» بدعم من الولايات المتحدة، وأثبت «عدم فاعليته»، وأكّد أن المناقشات «مستمرة» مع إسرائيل في شأن الرد، مضيفاً أن العواقب على إيران «لم تُحدّد بعد».

وكذلك قال مستشار الأمن القومي لدى البيت الأبيض جيك سوليفان، إن الهجوم الإيراني «هُزِم وكان غير فعّال»، عازياً ذلك إلى الجهود المنسقة للقوات الأميركية والإسرائيلية التي أمضت أشهراً في التخطيط لكيفية اعتراض الصواريخ الإيرانية.

وأضاف: «أوضحنا أنه ستكون هناك عواقب، عواقب وخيمة، لهذا الهجوم، وسنعمل مع إسرائيل لإثبات ذلك».

وإذ أشار المسؤول الأميركي الكبير إلى المشاورات الواسعة النطاق مع إسرائيل، بما في ذلك مع مكتب نتنياهو لصوغ الاستجابة المناسبة، من دون أن يشير إلى الخلافات القديمة بين بايدن ونتنياهو على طريقة تعامل إسرائيل مع حرب غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان، ولكن مع دخول إيران - التي تشكّل «تهديداً مدمراً» لإسرائيل - المعركةَ بشكل مباشر، تغيّرت نبرة أميركا واستراتيجيتها.

وبسبب عدم تجاوُبه مع نصائح بايدن منذ أشهر، ومنها ما يتعلق بوقف إطلاق في غزة، وإطلاق الرهائن، وفتح الجبهة اللبنانية على مصراعيها، تتلخّص المفاوضات خلف الكواليس الآن في نية نتنياهو ورسالته المرتقبة إلى إيران.

ضغط الكونغرس

في غضون ذلك، اقترح بعض المشرّعين فكرة مفادها أن الكونغرس يجب أن يعود إلى واشنطن من عطلته في أكتوبر (تشرين الأول)؛ لتمرير تمويل إضافي لإسرائيل في أعقاب هجوم إيران.

بينما ضاعف زعماء الحزب الجمهوري في الكونغرس ضغوطهم على الرئيس بايدن لاتخاذ موقف أكثر حزماً من إيران، داعين إلى تبنّي سلسلة من التدابير المحدّدة المصمّمة لشلّ القوى العسكرية لطهران ووكلائها.

وقال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل في بيان: «هدّدت إدارة بايدن إيران مراراً بـ(عواقب وخيمة) لحملتها الإرهابية ضد إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها فشلت في فرضها».

وخلف رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، قدّم زعماء الحزب تقييماً مشابهاً؛ إذ دعوا إدارة بايدن إلى ممارسة «أقصى قدر من الضغط» على طهران، بما في ذلك التطبيق الصارم للعقوبات الحالية التي يتّهم الجمهوريون بايدن بالفشل في القيام بها. وقال جونسون: «من النفاق أن تعبّر الإدارة عن دعمها لدفاع إسرائيل، بينما تستمر في استرضاء النظام الإيراني بمليارات الدولارات - أو مئات المليارات من الدولارات، في الواقع - في تخفيف العقوبات».

كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الجمهوري مايكل ماكول أكثر تحديداً، فدعا الإدارة إلى إرسال أسلحة أكثر قوةً إلى إسرائيل، وتبنّي تشريعه قانون السلام من خلال القوة في القرن الحادي والعشرين الذي يفرض قيوداً مالية وسفرية جديدة على أي شخص مرتبط ببرامج الصواريخ الإيرانية.

وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، في بيان: «شنّت إيران، العدو اللدود للولايات المتحدة، مرة أخرى هجوماً صاروخياً باليستياً ضد مواطنين إسرائيليين، وتقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، حليفتنا الديمقراطية في المنطقة، وحقها في الدفاع عن نفسها، إن التزام أميركا بسلامة وأمن إسرائيل قوي ولا ينكسر، كما أظهر الرئيس جو بايدن وجيشنا مرة أخرى».

المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء (أ.ب)

دور القوات الأميركية

وإلى الدعم الذي قدمته السفن الحربية الأميركية لإسرائيل في إسقاط الصواريخ الإيرانية، استعدت وزارة الدفاع (البنتاغون) لإرسال آلاف الجنود الأميركيين، بما في ذلك 3 أسراب طائرات إضافية، إلى الشرق الأوسط، علماً بأن الولايات المتحدة تمتلك سفينة هجومية برمائية و3 مدمرات صواريخ موجَّهة في شرق المتوسط، عند الجزء الذي يحُدّ إسرائيل ولبنان.

وكذلك غادرت حاملة الطائرات «هاري إس ترومان» فرجينيا، أواخر سبتمبر (أيلول)، في مهمة مقرّرة إلى ذاتها، وهي تعبر المحيط الأطلسي حالياً، وفي البحر الأحمر تحاول القوات الأميركية وقف هجمات الحوثيين على السفن التجارية.

وحتى الاثنين، نشرت البحرية الأميركية عديداً من مدمرات الصواريخ الموجّهة في هذا البحر، ولا تزال حاملة الطائرات «أبراهام لنكولن» وقوتها الضاربة التي تضم طائرات مقاتلة ومدمرات صواريخ موجّهة في مهمة موسّعة في خليج عُمان، بجنوب إيران.

ويتمركز في المنطقة نحو 40 ألف جندي أميركي في قواعد بكل أنحاء الشرق الأوسط، وأعلن «البنتاغون» أنه سيرسل «بضعة آلاف» من الجنود الإضافيين، من دون الإفصاح عن عددهم، علماً بأن نحو 2500 جندي موجودون في العراق، و900 في سوريا. وتستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، كما تستضيف البحرين والإمارات العربية المتحدة القريبتان قواعد أميركية، وكذلك جيبوتي، وكان لدى الكويت نحو 13500 جندي أميركي في قواعد اعتباراً من عام 2021.

تجنّب «حرب شاملة»؟

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنهم قادرون على إقناع نتنياهو بإثبات وجهة نظره من دون إشعال حرب شاملة، لكنهم يعترفون بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يرى الأسابيع الـ5 المقبلة حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية بمثابة لحظة حاسمة لمحاولة تأخير هذا البرنامج لسنوات، بعد كل شيء لن يشكو الرئيس السابق دونالد ترمب من هجوم كبير على البنية التحتية العسكرية الإيرانية، ولا يستطيع الديمقراطيون أن يتحملوا اتهامهم بكبح جماح إسرائيل بعد الهجوم الصاروخي، الثلاثاء.

ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية للتلفزيون عن القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الجنرال ويسلي كلارك: «ستبذل إسرائيل قصارى جهدها لتكون غير متناسبة» في ردّها، فيما يتبنّى مسؤولو البيت الأبيض وجهة نظر معاكسة تفيد بأن نتنياهو لا يستطيع إلا أن يكون الرد متناسباً.

ونقلت «نيويورك تايمز» عن مدير مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط بمجلس الأطلسي، جوناثان بانيكوف، أن «الحرب الشاملة، أو حتى الحرب الأكثر محدوديةً، يمكن أن تكون مدمرة للبنان وإسرائيل والمنطقة، ولكن من خلالها سوف تأتي فرص غير متوقعة أيضاً لتقويض النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة، على سبيل المثال، من خلال عرقلة جهودها لإعادة تشكيل (حزب الله)، وينبغي للإدارة الجديدة أن تكون مستعدّة للاستفادة من هذه الفرص».

ولكن يظل الخطر قائماً في أن الحروب الأوسع نطاقاً، بمجرد أن تبدأ، تستمر سنوات لإعادتها إلى وضعها الطبيعي، كما أن وجود الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية وغريزة التصعيد تخلق مزيجاً ساماً بشكل خاص.


مقالات ذات صلة

خامنئي: ليست لدينا قوات وكيلة في المنطقة

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: ليست لدينا قوات وكيلة في المنطقة

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن بلاده ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، مشدداً على أنها «ستتخذ أي إجراء بنفسها دون الحاجة إلى قوات تعمل بالنيابة».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

تحاول الحكومة الإيرانية استعادة بعض نفوذها مع القادة الجدد في سوريا، حيث تواجه طهران صدمة فقدان سلطتها المفاجئ في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شمال افريقيا وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت» في القاهرة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شؤون إقليمية المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي (أرشيفية - وكالة مهر الإيرانية)

إيران تدين مقتل موظف بسفارتها في دمشق

أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، مقتل سيد داوود بيطرف، الموظف المحلي في سفارة إيران بدمشق.

شؤون إقليمية العلمان الإيراني والأميركي (رويترز)

«الخارجية الإيرانية» تحتج على اعتقال أميركا اثنين من مواطنيها

ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن طهران استدعت السفير السويسري لديها، الذي يمثل المصالح الأميركية في البلاد، ودبلوماسياً إيطالياً كبيراً على خلفية اعتقال إيرانيَّين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مقتل 10 جنود إيرانيين إثر سقوط حافلة غرب البلاد

جنود إيرانيون خلال احتفال في طهران (أرشيفية - رويترز)
جنود إيرانيون خلال احتفال في طهران (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 10 جنود إيرانيين إثر سقوط حافلة غرب البلاد

جنود إيرانيون خلال احتفال في طهران (أرشيفية - رويترز)
جنود إيرانيون خلال احتفال في طهران (أرشيفية - رويترز)

ذكرت وسائل إعلام إيرانية، الأحد، أن 10 جنود إيرانيين شباب لقوا حتفهم في حادث سقوط حافلة في واد غرب إيران، وفق ما أوردته «وكالة الأنباء الألمانية».

وقالت التقارير إن 17 شخصاً آخرين كانوا على متن الحافلة أصيبوا بجروح، حيث جرى نقلهم إلى مستشفيات في المنطقة.

وأضافت التقارير أن الجنود العشرة الذين لقوا حتفهم كانوا في طريقهم إلى ثكنة عسكرية في مدينة بل دوختار على مسافة نحو 100 كيلومتر من الحدود مع العراق.

وقالت الشرطة المحلية إن السائق فقد السيطرة على الحافلة؛ ما أسفر عن سقوطها في وادٍ.

وتُودِي حوادث الطرق بحياة نحو 20 ألف شخص في إيران سنوياً. وتعزو الشرطة ارتفاع معدل الحوادث إلى المركبات القديمة وغير الآمنة، وعدم الالتزام بقواعد المرور، وتجاوُز السرعة.