​الزادمة لـ«الشرق الأوسط»: حكومتنا تسيطر على ثلثي ليبيا

نائب «الاستقرار» قال إن الأزمة السياسية تُحل بـ«حوار يراعي مخاوف الجميع»

سالم الزادمة نائب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الشرق الأوسط)
سالم الزادمة نائب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الشرق الأوسط)
TT

​الزادمة لـ«الشرق الأوسط»: حكومتنا تسيطر على ثلثي ليبيا

سالم الزادمة نائب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الشرق الأوسط)
سالم الزادمة نائب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الشرق الأوسط)

وضع سالم الزادمة، نائب رئيس الحكومة الليبية المكلف من مجلس النواب، ما يشبه «روشتة» لمعالجة الأوضاع المتأزمة في بلده، وقال إن «الحل الوحيد يكمن في حوار شامل يأخذ بعين الاعتبار مخاوف الأطراف السياسية كافة».

ودافع الزادمة في حوار مع «الشرق الأوسط» عن موقف سلطات شرق ليبيا بشأن إغلاق الحقول والموانئ النفطية، وقال إنها «حاولت الحفاظ على قوت المواطنين»، ورد على من يصفون حكومته بـ«حكومة أبناء حفتر»، بالقول إنها «تمثل الليبيين كافة؛ فضلاً عن أنها تبسط نفوذها الإداري على ثلثي الأراضي الليبية».

وإلى نص الحوار:

* بداية هل نجح إجراء غلق النفط في حل أزمات ليبيا السياسية والاقتصادية؟

- إغلاق النفط جاء نتيجة للخطوات الأحادية الأخيرة، التي أجراها المجلس الرئاسي بالمخالفة للتشريعات الليبية النافذة والاتفاق السياسي، مما اضطر الحكومة لإعلان حالة (القوة القاهرة) على الحقول والموانئ النفطية، بسبب ارتفاع مخاطر سيطرة أفراد لا يحملون صفة قانونية على إيرادات الدولة الليبية. ما أريد قوله هو أن الحكومة الليبية لم تستخدم النفط ورقة ضغط سياسية، وإنما حاولت الحفاظ على قوت الليبيين.

الزادمة أكد أن إغلاق النفط جاء «نتيجة للخطوات الأحادية الأخيرة التي أجراها المجلس الرئاسي» (الشرق الأوسط)

* البعض يتساءل من أين تأتي حكومتكم بالموارد المالية للإنفاق؟

- حكومتنا قدمت مشروع الميزانية إلى مجلس النواب، الذي قام بدوره بإجازته وإصدار قانون الميزانية. بعد ذلك، تم تحويل جزء من مخصصات (باب التنمية) إلى حساب وزارة التخطيط والمالية من قبل مصرف ليبيا المركزي، مما يوفر الموارد اللازمة للإنفاق الحكومي.

* هناك من يتهم حكومتكم بأنها «حكومة أبناء حفتر»... هل من تعليق؟

- الحكومة الليبية هي نتاج مسار واتفاق بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، وفق ما ينص عليه (الاتفاق السياسي) الذي عقد بمدينة الصخيرات المغربية؛ وبالتالي فهي حكومة شرعية تمثل جميع الليبيين. والآن باتت تبسط نفوذها الإداري على ثلثي الأراضي الليبية، وقد نفذت مشاريع تنموية، بالإضافة إلى أنها تباشر عملية إعادة الإعمار في مناطق بغرب وشرق وجنوب البلاد.

ومن العيب أن ينزل مستوى الخطاب والحوار السياسي لهذا المستوى عند بعض الأطراف، ورغم ذلك نحن نعمل من أجل إثبات جدارة هذه الحكومة بتمثيل جزء كبير من الشعب الليبي.

الزادمة نفى اتهام حكومته بأنها «حكومة أبناء حفتر» (أ.ف.ب)

* ما السبيل لإحياء العملية السياسية في ليبيا؟

- أرى أن الحل الوحيد للأزمة السياسية في ليبيا يكمن في حوار شامل، يأخذ بعين الاعتبار مخاوف جميع الأطراف السياسية. وهذا الحوار يجب أن يسعى لإلغاء المعادلة الصفرية، ويهدف إلى الوصول لاتفاق سياسي يُفضي في نهايته لعقد انتخابات رئاسية وتشريعية، تضمن تمثيل الجميع.

* حال الموافقة على «الحكومة الموحدة» التي ينادي بها مجلس النواب... هل سينتهي الانقسام أم ستكون في ليبيا حكومة ثالثة؟

- أنا أؤمن أكثر من أي وقت مضى بأن توحيد السلطة التنفيذية أصبح ضرورة مُلحة لتجاوز الانقسام السياسي والمؤسساتي. ولضمان نجاح هذا المسار، من الضروري أن يتم اختيار (الحكومة الموحدة)، عبر حوار سياسي شامل تحت رعاية البعثة الأممية، وبآليات واضحة تضمن التوافق الشامل، الذي يعكس ثراء وتنوع المشهد السياسي الليبي.

* يشتكي سكان الجنوب من «الإقصاء والتمييز» منذ سنوات... ماذا أعدت الحكومة لهم من توفير للخدمات وفرص العمل لأبنائهم؟

- منذ اليوم الأول لتولي مهام العمل عملنا على إزالة الاختناقات ودعم الاستقرار. قمنا بتعزيز مديريات الأمن، وتوفير بيئة عمل ملائمة، بالإضافة إلى إصلاحات على مستوى القيادات الإدارية، وتلبية احتياجات القطاعات الأساسية، مثل الصحة والتعليم. ورغم محدودية الموارد، فقد قدمت الحكومة الحالية للجنوب ما لم تقدمه الحكومات السابقة.

* عقدتم مؤتمراً لإعادة إعمار الجنوب. ما خطتكم المستقبلية لتنفيذ ذلك؟

- مؤتمر إعادة إعمار الجنوب تم بإشراف مباشر من صندوق التنمية، وإعادة إعمار ليبيا بالتنسيق مع الحكومة. ونسعى حالياً لتطوير البنية التحتية، وإقامة مشاريع استثمارية كبرى، تأخذ بعين الاعتبار البُعد المكاني للعملية التنموية. الهدف هو الحد من هجرة الليبيين من الجنوب إلى الشمال، بل وتشجيع الهجرة العكسية.

* في ظل ما شهدته بعض مدن الجنوب مؤخراً من سيول... كيف ستتم عملية إعادة الإعمار هذه؟

- نحن على تواصل مستمر مع صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا الذي يقود مشاريع التحول التنموي في المدن والقرى الليبية. والبنية التحتية في الجنوب تأتي على رأس أولوياتنا في هذه الجهود.

* هل تتوقعون مواجهة أزمات هناك؟

- يمثل عدم الاستقرار السياسي تحدياً كبيراً لمسار التنمية والإعمار، وبالتالي فإن التوزيع العادل للثروة يعد مسألة حيوية. لذلك، من المهم تحديث نظام الحكم، بما يضمن تفتيت المركزية، وتوسيع صلاحيات الإدارة المحلية قصد ضمان تنفيذ المشاريع الضرورية، التي تلبي احتياجات المناطق المختلفة.

فضلاً عن ذلك، فإن السيول التي ضربت الجنوب كشفت عن تردي البنية التحتية في معظم المناطق، وانعدامها في مناطق أخرى... البنية التحتية تُشكّل الأساس لبرامج التنمية والتطوير، والمطالب بإصلاح وتطوير هذه المرافق أصبحت أولوية للمواطنين، من أجل مستوى معيشي لائق لحياة كريمة. ولطالما سعت الحكومة، رغم محدودية إمكاناتها، والظروف والتحدّيات التي تواجهها، لتحسين أوضاع البنية التحتية، وإطلاق التنمية في عموم البلاد، خصوصاً في الجنوب.

الزادمة قال إن حكومته تسعى حالياً لتطوير البنية التحتية وإقامة مشاريع استثمارية كبرى في مناطق الجنوب (أ.ف.ب)

* كيف تقرأ العملية العسكرية التي أجرتها رئاسة الأركان البرية التابعة للجيش الوطني بالجنوب الغربي في ظل ما تردد بأنها تغوّل على حساب سلطات طرابلس؟

- هذه العملية جزء من خطة القيادة العامة برئاسة المشير خليفة حفتر لتأمين الحدود الجنوبية، وتعزيز الأمن القومي في هذه المنطقة الاستراتيجية. وقد شملت العمليات مدن سبها وغات وأوباري ومرزق والقطرون وبراك والشاطئ وأدري، الموجود فيها أساساً وحدات تابعة للقيادة العامة. وبالتالي فإن الهدف الأساسي كان تأمين الحدود في ظل التوترات التي تشهدها بعض دول الجوار، وتعزيز الأمن المحلي. لم يكن لهذه العملية العسكرية بُعد سياسي أو نية استفزازية. لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُفهم على أنها عملية استفزازية أو ذات بُعد سياسي، فسياقها الأمني واضح، وهو تحقيق سلامة الوطن والمواطنين.


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.