السودان: غارات على «الدعم السريع»... ومطالبات بحظر الطيران

دعوات أممية لعمل حاسم يوقف الحرب إلى الأبد

مرضى سودانيون يعانون الكوليرا يتلقون العلاج يوم الأربعاء في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد (أ.ف.ب)
مرضى سودانيون يعانون الكوليرا يتلقون العلاج يوم الأربعاء في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

السودان: غارات على «الدعم السريع»... ومطالبات بحظر الطيران

مرضى سودانيون يعانون الكوليرا يتلقون العلاج يوم الأربعاء في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد (أ.ف.ب)
مرضى سودانيون يعانون الكوليرا يتلقون العلاج يوم الأربعاء في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد (أ.ف.ب)

دوّت أصوات انفجارات، وتصاعدت ألسنة الدخان من مناطق عدة تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم، جرّاء غارات شنّها الطيران الحربي التابع للجيش، صباح الأربعاء، في وقت طالَب مسؤول رفيع في «الدعم» بفرض حظر فوري على طيران الجيش.

ولم يُخفِ أزيز الطائرات الحربية أصوات ودويّ المقذوفات والمدفعية الثقيلة التابعة لـ«الدعم السريع» التي تستهدف منطقة شمالي أم درمان وكرري التي يسيطر عليها الجيش من المدينة، وتُلحق خسائر فادحة بالمدنيين الذين يتكدّسون هناك.

ولا توجد إحصائية دقيقة لأعداد القتلى والجرحى منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، لكن منسّقية الشؤون الإنسانية «أوتشا» تقدِّر أن «20 ألفاً قُتلوا منذ اندلاع الحرب».

وقال شهود عيان تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الطيران المقاتل شنّ هجمات عنيفة على أحياء (المنشية، والامتداد، والديوم، ومحيط سلاح المدرعات) في الخرطوم»، وأكّدوا أن الطائرات المقاتلة ظلّت تحلّق بكثافة في مناطق سيطرة «الدعم» التي ردّت باستخدام المضادات الأرضية.

وذكر شهود آخرون أن «الدعم السريع» قصفت بشراسة لليوم الرابع على التوالي عدة أحياء في محلية كرري، شملت أحياء الثورات، وبعض مناطق مدينة أم درمان الواقعة تحت سيطرة الجيش، مُلحِقةً خسائرَ فادحة بالمواطنين والبنى التحتية، ولم تصدر حصيلة بأعداد القتلى والجرحى من السلطات الصحية.

عناصر من «الدعم السريع» أمام مقر سلاح المدرعات في أغسطس (آب) 2023 (الشرق الأوسط)

ومساء الثلاثاء، أغار الطيران الحربي التابع للجيش السوداني على مدينتَي الضعين شرق دارفور، والطينة شمالها، وقالت «قوات الدعم السريع» على منصة «إكس»، إن الطيران الحربي واصل ما أسمَته «غاراته المسعورة» ضد مدينتَي الضعين والطينة بدافور، و«حُمرة الشيخ» في شمال كردفان، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى.

وطلب مستشار «الدعم السريع»، الباشا طبيق، عبر حسابه على «إكس»، من المجتمع الدولي «فرْض حظرٍ على الطيران الحربي»، وقال: «أكرّر مطالبتي للمجتمع الدولي ابتداءً من (الاتحاد الإفريقي)، و(مجلس الأمن) فرْضاً فورياً لحظر الطيران الحربي لجيش (عبد الفتاح) البرهان (...)، من أجل حماية المدنيين»، مشيراً إلى أن ذلك تَحدٍّ للمجتمع الدولي.

أكبر أزمة جوع

وفي السياق، دعت منسقية الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة «أوتشا»، الدول الأعضاء المجتمعين في الجمعية العامة لاتخاذ خطوات فورية لحماية المدنيين، وزيادة التمويل الإنساني والوصول إليه، وإنهاء القتال مرةً واحدة، وإلى الأبد في السودان.

وقالت في نشرة موجّهة لاجتماع الجمعية العمومية، إن السودان يمثّل أكبر أزمة جوع في العالم، وإن نحو 26 مليوناً يعانون مستويات عالية من الجوع الحادّ، بينما تأكدت المجاعة في معسكر «زمزم» للنازحين في شمال دارفور، وإن نحو 5 ملايين شخص وامرأة حامل ومرضعة يعانون سوء التغذية الحادّ، وسط تدمير للبنى الصحية والخدمية، ما أدى لزيادة معدلات الإصابة بالكوليرا والأمراض الأخرى، وبقاء الأطفال خارج المدارس للعام الثاني على التوالي.

مرضى سودانيون يعانون الكوليرا يتلقّون العلاج يوم الأربعاء في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد (أ.ف.ب)

ووصفت «أوتشا» الأوضاع في السودان أنها واحدة من حالات الطوارئ التي تُعدّ الأسوأ في التاريخ الحديث، بجانب استمرار مستويات مثيرة للقلق من العنف الجنسي، والقائم على النوع ضد المدنيين، ولا سيما النساء والفتيات.

عمل دولي

وكشفت المنسقية عن استضافة مكتبها، بالاشتراك مع مفوضية اللاجئين، اجتماعاً وزارياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك حالياً، يضم كلاً من المملكة العربية السعودية، ومصر، والولايات المتحدة الأميركية، والاتحادين الأفريقي والأوروبي، ويستهدف تحديد الخسائر البشرية المدمّرة حال فشل المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات عاجلة وجماعية لوقف الأزمة الإنسانية، ووقف القتال في السودان.

وتسعى خطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة للعام الجاري إلى جمع 2.7 مليار دولار أمريكي، لتقديم المساعدات 14.7 مليون دولار، إلى جانب 1.5 مليار جنيه ضمن خطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين، البالغ عددهم نحو 3.3 مليون، بجانب المجتمعات المضيفة في 7 دول مجاورة للسودان. وقالت «أوتشا» إن التمويل الحالي في حدود 25 في المائة من الخطة.

ودعت وكيلة الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسّقة الإغاثة الطارئة بالإنابة جويس مسويا، وفقاً لنشرة «أوتشا» إلى عمل دولي حاسم، يمكّن من الوصول الإنساني للمحتاجين وزيادة التمويل والاستجابة، وإلى «التزامات صارمة بحماية المدنيين»، واتخاذ خطوات حقيقية وشاملة لإنهاء الحرب المدمّرة.


مقالات ذات صلة

السعودية تطالب بوقف القتال في السودان وتنفيذ «إعلان جدة»

شمال افريقيا جانب من الاجتماع التشاوري حول السودان في نواكشوط الأربعاء (الخارجية الموريتانية)

السعودية تطالب بوقف القتال في السودان وتنفيذ «إعلان جدة»

احتضنت العاصمة الموريتانية نواكشوط، اجتماعاً تشاورياً بين المنظمات متعددة الأطراف الراعية لمبادرات السلام في السودان، في إطار مساعي توحيد هذه المبادرات.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا آثار قصف سابق على مدينة الفاشر (مواقع التواصل)

مقتل وجرح العشرات من المدنيين في قصف على مدينة الفاشر

تعرضت مدينة الفاشر، الأربعاء، لقصف مدفعي وغارات جوية أدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وأدانت مسؤولة أممية الهجمات، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز)

السودان... دولة واحدة بعملتين ومخاوف من تكريس الانقسام

عزز مُضي الحكومة السودانية في إجراءات التبديل الجزئي لعملات وطنية، مخاوف من تكريس الانقسام.

أحمد يونس (كامبالا)
تحليل إخباري عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

تحليل إخباري عقوبات جديدة ضد المتحاربين السودانيين... هل تفتح باباً للتفاوض؟

أدرج الاتحاد الأوروبي مجدداً عناصر من طرفي الحرب في السودان، على لائحة العقوبات، غير أن محللين وخبراء سودانيين قدروا أنها ربما تكون محاولة لفتح باب التفاوض.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز) play-circle 02:09

تحليل إخباري السودان... دولة واحدة بعملتين

منذ أعلنت الحكومة بدء التبديل الجزئي لعملات وطنية في العاشر من الشهر الحالي، أصبح السودان عملياً «بلداً واحداً بعملتين»، ما استدعى ذكرى انفصال الجنوب.

أحمد يونس (كامبالا)

«إزاحة» المنفي والدبيبة... محاولة ليبية على وقع انقسام سياسي

جانب من اجتماع أعضاء مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في مدينة بوزنيقة المغربية (رويترز)
جانب من اجتماع أعضاء مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في مدينة بوزنيقة المغربية (رويترز)
TT

«إزاحة» المنفي والدبيبة... محاولة ليبية على وقع انقسام سياسي

جانب من اجتماع أعضاء مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في مدينة بوزنيقة المغربية (رويترز)
جانب من اجتماع أعضاء مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في مدينة بوزنيقة المغربية (رويترز)

فيما عدّه البعض قفزاً على «العملية السياسية»، التي أطلقتها البعثة الأممية، انفتح المشهد الليبي على «اتفاق جديد» بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، من شأنه إعادة تشكيل «السلطة التنفيذية»، على حساب تلك القائمة في طرابلس حالياً.

وينظر إلى هذا الاتفاق، الذي انتهى إليه وفد من المجلسين في مدينة بوزنيقة المغربية، مساء الأربعاء، على أنه قد يزيد من طول الفترة الانتقالية، في ظل تجاهل سلطات طرابلس التعاطي معه وتمسكها بالسلطة، والاتجاه إلى الاستفتاء الدستوري، بينما رحب به أسامة حمّاد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب.

واعتبر أعضاء الوفد الليبي الممثل للمجلسين أن اتفاقهم، الذي جاء تالياً لمبادرة أطلقتها ستيفاني خوري، يهدف إلى كسر الجمود السياسي في ليبيا، و«إنجاز الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة». غير أن مقربين من سلطات طرابلس، التي لم تعلق على الاتفاق حتى مساء الخميس، يرون فيه محاولة «لإزاحتها من السلطة»، سيما بعد تصاعد خلافاتها مع جبهة شرق ليبيا.

ووفقاً للبيان الصادر عن الوفد الليبي بالمغرب، فقد جرى الاتفاق على «إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، تأسيساً على (المادة 4) من الاتفاق السياسي، المعتمد بقرار مجلس الأمن رقم 2259 لسنة 2015»، في إشارة إلى اتفاق الصخيرات بالمغرب.

من اللقاء التشاوري بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في المغرب (رويترز)

وبحسب المادة الثانية من الاتفاق، ستشكل لجنة عمل مشتركة تتكفل بإعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة، وستعنى بمراجعة آلية الاختيار المقترحة في لقاء القاهرة بين المجلسين، وتقديم مقترحات للتعديل في حال حقق ذلك مزيداً من التوافق، فضلاً عن تقديم مقترح بالضوابط الكفيلة بضمان عمل الحكومة، وفق معايير تدعم الشفافية واللامركزية ومسار الانتخابات.

وطبقاً للاتفاق، ستشكل لجان أخرى، منها لجنة عمل مشتركة للحكم المحلي ودعم الشفافية، تتولى وضع معايير وآليات شفافة لتوزيع عادل لبرامج وميزانيات التنمية، ووضع آليات لدعم كفاءة الهياكل المحلية في تنفيذ مخصصات التنمية، ومقترحات لدعم الشفافية ومحاربة الفساد ودعم اللامركزية.

وسيشكل المجلسان أيضاً لجنة عمل مشتركة بشأن الملف الأمني، تتولى التواصل مع لجنة «5+5» العسكرية للاطلاع على عملها، والعوائق والتحديات أمام استكمال مهامها، وتقديم خطة عملية لدعم عمل اللجنة، بما يخدم سيطرة الدولة على الحدود والمواني والمعابر، بالإضافة لمناقشة ما تم من قبل لجنة (5+5) بشأن إخراج كافة القوى الأجنبية.

من اجتماع سابق للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وبخصوص المناصب السيادية، اتفق المجلسان على تشكيل لجنة رابعة تعنى بوضع معايير الترشح لهذه المناصب، وتقديم الطلبات وآلية الاختيار، بما يضمن تحقيق التوافق حول المناصب السيادية. وتشكيل لجنة خامسة تختص بمتابعة ملف الأموال المهربة، وغسل الأموال، واقتراح التشريعات حولها، ومتابعة تنفيذها.

كما اتفق المجلسان أيضاً على أن تتولى رئاسة مجلس النواب مخاطبة مصرف ليبيا المركزي، بشكل استثنائي، لتخصيص المبالغ اللازمة لتنفيذ مشروع التعداد الوطني العام، ومشروع إعادة تنظيم الرقم الوطني.

وبحسب الاتفاق ذاته، ستقدم اللجان الخمس تقاريرها النهائية للاعتماد من قبل المجلسين، خلال شهر من تاريخ التكليف، على أن يعقد الاجتماع المقبل للمجلسين بمدينة درنة في 19 يناير (كانون الثاني) المقبل لإصدار الاتفاق النهائي للمرحلة التمهيدية، والإعلان عن بدء تنفيذ نتائج عمل اللجان.

مجلس النواب في جلسة سابقة (النواب)

وأوضح المجتمعون بالمغرب في بيانهم الختامي، اليوم (الخميس)، أن «الحل في ليبيا، وإنهاء المراحل الانتقالية، واستعادة الاستقرار لا بد أن يمر عبر العودة إلى الليبيين بانتخابات حرة ونزيهة، استناداً إلى قوانين (6+6) التي اعتمدتها المؤسسات الرسمية، وأكد عليها مجلس الأمن في قراراته، ورحبت بها كل مكونات المجتمع ومؤسساته الأهلية والأحزاب السياسية».

كما أكد الأعضاء على «الترحيب بالتعاون مع البعثة، والحرص على دعمها وفق اختصاص وصلاحيات كل من المجلسين، والبعثة لحل الأزمة، وتضمين خريطة بمواعيد محددة، وصياغة مواءمة تحقيق التكامل بين خطتها والتوافق الدولي، وتضمن الملكية الليبية للعملية السياسية عبر مؤسساتها الرسمية».

وتجاهلت السلطات في طرابلس ممثلة في رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة التعليق على الاتفاق، لكن غريمهما في بنغازي حمّاد تفاعل معها سريعاً، مطالباً برقابة دولية لتنفيذ مخرجات الاتفاق.

وعبّر حماد عن ارتياحه وترحيبه بالاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي، وحكومة جديدين، مشدداً على ضرورة أن يتم ذلك «بإشراف الاتحاد الأفريقي والدول الشقيقة والصديقة، الداعمة لحل النزاع وإنهاء الانقسام السياسي في ليبيا».

لكن رغم تفاؤل جبهة شرق ليبيا بما انتهى إليه اجتماع بوزنيقة، فإن متابعين اعتبروا أن هذا الاتفاق «يدخل البلاد في دوامة من تشكيل اللجان»، مشيرين إلى أنه «سيوسّع حدة الخلاف»، فضلاً عن «افتقاده إلى دعم دولي».

ومنتصف الأسبوع الماضي، أعلنت المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني خوري، عن «عملية سياسية» جديدة لكسر الجمود السياسي، لذا رأى بعض السياسيين في اجتماع المغرب أنه «قفز على المبادرة الأممية».

وتشمل مبادرة خوري «تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين لوضع خيارات تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، بما يضمن كيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن».

وشهدت ليبيا المنقسمة بين حكومتين في شرق ليبيا وغربها، عدداً من المبادرات، وتشكيل لجان وإطلاق عمليات سياسية، لكن الأوضاع ما زالت تراوح مكانها في ظل اتهام الأطراف الحاكمة جمعيها بـ«التمسك بالسلطة، وعدم الرغبة في تقديم تنازلات».

في غضون ذلك، وجه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الدعوة إلى أعضاء مجلسه لحضور جلسة رسمية الاثنين المقبل. وقال المتحدث باسم المجلس عبد الله بليحق، اليوم (الخميس)، إن جدول أعمال الجلسة يشمل مناقشة مقترح قانون إنشاء الهيئة الليبية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، ومناقشة مقترح قانون المصالحة الوطنية، بالإضافة إلى مناقشة قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وما يستجد من أعمال.