باتت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس أول امرأة من أصول أفريقية وهندية يرشحها حزب رئيسي رسمياً لقيادة الولايات المتحدة، لتنطلق من شيكاغو حيث انعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في سباق انتخابي طاحن مع خصمها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، للعودة إلى البيت الأبيض هذه المرة بلقب الرئيسة الأميركية.
ولئن حظيت هاريس (59 عاماً) ومرشحها لمنصب نائب الرئيس على بطاقتها حاكم مينيسوتا تيم والز (61 عاماً) بزخم استثنائي تعاظم خلال الأيام الأربعة للمؤتمر الذي بدأ الاثنين الماضي، فإن الذروة جاءت ليلة الخميس حين شهدت القاعة العملاقة ترحيباً هادراً بصعودها إلى المنصة لمخاطبة الأميركيين جميعاً والطلب منهم أن يتحدوا، وأن يمنحوها - أصواتهم في صناديق الاقتراع في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل - فرصة لدخول التاريخ مجدداً من باب البيت الأبيض بعدما دخلته عام 2020 لأول مرة بصفتها امرأة غير بيضاء تحتل منصب نائبة الرئيس.
ومع قبولها الترشيح رسمياً، أنعشت هاريس آمال الديمقراطيين في النصر على ترمب (78 عاماً) ورفيقه لمنصب نائب الرئيس السناتور جاي دي فانس (40 عاماً)، بعد تحوّل دراماتيكي وصفته بنفسها بأنه «غير معتاد» تمثل بانسحاب الرئيس جو بايدن الشهر الماضي من السباق وتسليمها الشعلة الرئاسية.
وفي خطابها المصمم لإظهار قوتها، قدمت هاريس للمرة الأولى تصوراً شاملاً لرئاستها المحتملة، محاولةً شق طريق جديدة إلى الأمام، ومحذرة من الأخطار التي تحملها أفكار ترمب على أميركا. وقالت في خطابها التاريخي: «أميركا، إن الطريق التي قادتني إلى هنا في الأسابيع الأخيرة كانت بلا شك غير متوقعة»، مؤكدة أنها «ليست غريبة عن الرحلات غير المتوقعة».
واستشهدت بتاريخ أسرتها، قائلة إن «والدتي شيامالا هاريس كانت لديها رحلة خاصة بها»؛ إذ إنها كانت في الـ19 من عمرها عندما عبرت العالم بمفردها، مسافرة من الهند إلى كاليفورنيا «بحلم لا يتزعزع بأن تكون العالمة التي ستعالج سرطان الثدي». وعرضت طريقة العيش البسيطة لوالدتها قبل أن تتمكن من شراء منزل عند خليج كاليفورنيا.
الحملة على ترمب
كذلك، قالت هاريس إنه «مع هذه الانتخابات، تحظى بلادنا بفرصة ثمينة وعابرة لتجاوز المرارة والسخرية ومعارك الماضي الانقسامية»، معتبرة أن تلك «فرصة لرسم طريق جديدة للمضي قدماً. ليس كأعضاء في أي حزب أو فصيل، ولكن كأميركيين». وأضافت: «أعلم أن هناك أشخاصاً لديهم وجهات نظر سياسية مختلفة يشاهدوننا الليلة. وأريدكم أن تعرفوا: أعدكم بأن أكون رئيسة لجميع الأميركيين». ووعدت: «سأكون رئيسة توحد (الأميركيين) حول أعلى تطلعاتنا. رئيسة تقود - وتستمع، واقعية، عملية، وتتمتع بالفطرة السليمة. وتقاتل دائماً من أجل الشعب الأميركي. من المحكمة إلى البيت الأبيض، كان هذا هو عمل حياتي».
وانطلقت هاريس من هذه النقطة لتقريع ترمب على كل سياسته، متهمة إياه مراراً بأنه سيقضي على القيم الديمقراطية للولايات المتحدة بشكل منهجي إذا عاد إلى البيت الأبيض. وخاطبت الأميركيين: «فكّروا بما ينوي القيام به إذا منحناه السلطة مرة أخرى. فكّروا في نيته الصريحة في إطلاق المتطرفين العنيفين الذين اعتدوا على ضباط إنفاذ القانون في الكابيتول»، في إشارة إلى أنصار ترمب الذين اقتحموا الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) 2021؛ سعياً إلى منع المشرعين من المصادقة على انتخاب جو بايدن رئيساً عام 2020. ورأت أن «نيته الصريحة كانت سجن الصحافيين والمعارضين السياسيين وأي شخص يراه عدواً. نيته الصريحة نشر قواتنا العسكرية ضد مواطنينا». وأضافت: «تخيلوا فقط (...) لا رباط على دونالد ترمب». وأوضحت أنه «من نواحٍ كثيرة، دونالد ترمب رجل غير جاد. لكن عواقب إعادة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض خطيرة للغاية». وقالت للأميركيين: «فكّروا في القوة التي سيتمتع بها - وخصوصاً بعدما قضت المحكمة العليا للولايات المتحدة للتو بأنه سيكون محصناً من الملاحقة الجنائية».
الطبقة الوسطى
واتهمت خصمها تكراراً بأنه يدعم الأثرياء على حساب الطبقة الوسطى، ويعرقل مشروع قانون الحدود بين الحزبين لأنه سيكون مؤذياً لفرصه الانتخابية، ويسعى إلى حظر الإجهاض في كل أنحاء البلاد وإجبار الولايات على الإبلاغ عن حالات الإجهاض. وإذ تطرقت إلى أحوال الأميركيين الاقتصادية، أكدت هاريس أن «الطبقة الوسطى القوية كانت دائماً حاسمة لنجاح أميركا»، مضيفة أن «بناء هذه الطبقة الوسطى سيكون هدفاً محدداً لرئاستي». وزادت أن «هذا أمر شخصي بالنسبة لي»؛ لأن «الطبقة الوسطى هي المكان الذي أتيت منه». وقالت إن أنصاره «ببساطة، فقدوا عقولهم».
السياسة الخارجية
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، حاولت هاريس إيجاد أرضية مشتركة في شأن قضية تفرق حزبها: الحرب بين إسرائيل و«حماس»، فتعهدت أنها تضمن ألا تضطر إسرائيل مرة أخرى إلى مواجهة «الرعب الذي أحدثته منظمة إرهابية تسمى (حماس) في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي». لكنها قالت أيضاً إن «ما حدث في غزة على مدى الأشهر العشرة الماضية مدمر» ويجب أن يتوقف على الفور، وإنه يجب في نهاية المطاف منح الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير.
وأكدت أنها «كرئيسة، سأقف بقوة إلى جانب أوكرانيا وحلفائنا في حلف شمال الأطلسي، (ناتو)»، موضحة تباينها مع سياسة ترمب، الذي ضغط على دول الحلف للمساهمة بشكل أكبر في «ناتو» بعدما «هدد ترمب بالتخلي» عنه.
واتهمته أيضاً بالرغبة في أن يكون «ديكتاتوراً» يفشل في محاسبة المستبدين. وفي إشارة إلى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، قالت: «لن أتقرب من الطغاة والدكتاتوريين، مثل كيم جونغ أون الذي يشجع ترمب».
وفي بعض أقوى تصريحاتها حتى الآن في شأن السياسة الخارجية، قالت إنها ستتخذ أي إجراء ضروري للدفاع عن المصالح الأميركية ضد إيران، ولن تتقرب من الطغاة والدكتاتوريين.
«أنا مستعدة»
وخاطبت مواطنيها الأميركيين، قائلة: «أحب بلادنا من كل قلبي. وفي كل مكان أذهب إليه - ومع كل من ألتقيه -أرى أمة مستعدة للمضي قدماً. أنا مستعدة للخطوة التالية، في الرحلة المذهلة التي تدعى أميركا»، مؤكدة التمسك بما سمته «قوة بالإيمان الشجاع الذي بنى أمتنا، والذي ألهم العالم». وذكّرت العالم بأن «كل شيء ممكن هنا، في هذه البلاد. لا شيء بعيد المنال».
واختتمت كلمتها بمناشدة الناخبين اختيار التفاؤل بدلاً من الظلام في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.