ألان ديلون «وحش» السينما الفرنسية الوسيم يغادر العُمر الصاخب

أبناؤه المتخاصمون اجتمعوا ليعلنوا رحيل مَن تخطَّت شهرته زلّاته

نال سعفة مهرجان «كان» الذهبية الشرفية عن مجمل مسيرته السينمائية (أ.ف.ب)
نال سعفة مهرجان «كان» الذهبية الشرفية عن مجمل مسيرته السينمائية (أ.ف.ب)
TT

ألان ديلون «وحش» السينما الفرنسية الوسيم يغادر العُمر الصاخب

نال سعفة مهرجان «كان» الذهبية الشرفية عن مجمل مسيرته السينمائية (أ.ف.ب)
نال سعفة مهرجان «كان» الذهبية الشرفية عن مجمل مسيرته السينمائية (أ.ف.ب)

عن 88 عاماً، انطفأ الممثل الفرنسي ألان ديلون بعد معاناة مع المرض بسبب جلطة في الدماغ. وأجمعت وسائل الإعلام المحلّية التي خصَّصت للخبر برامج خاصة، على وصف النجم الراحل بـ«الوحش المقدّس» للسينما الفرنسية.

الممثل الفرنسي ألان ديلون يرحل بعد معاناة مع المرض (أ.ف.ب)

وتوفّي ديلون في منزله ببلدة دوشي القريبة من باريس بخلاف رغبة ابنته أوشكا التي كانت تسعى لنقله إلى مقرّ إقامته الثاني في سويسرا، تفادياً لضريبة التركات؛ فقد جاء غياب الممثل ليضع نقطة النهاية لخلافات بين ولديه أنطوني وفابيان وابنته أنوشكا وصلت إلى المحاكم، واحتلّت صدارة الأخبار في الأشهر الماضية. لكن الإخوة المتخاصمين اجتمعوا ليعلنوا وفاة الأب، صباح الأحد.

ترك ديلون وراءه إرثاً سينمائياً مشهوداً، وبموازاة ذلك حياة عاطفية حافلة وشديدة التلوُّن؛ فقد ظهر في 88 فيلماً على الشاشة الكبيرة و7 أفلام تلفزيونية، كما أخرج فيلمين وأنتج 32 فيلماً و7 مسرحيات. وكان في سنّ 23 عاماً عندما مثَّل أول أفلامه عام 1957، مُعتمداً، في بداياته، على وسامته الظاهرة حيث وُصِف في صباه بأنّ «له وجهَ ملاك». ثم ترسّخت شهرته ممثلاً قادراً على أداء الأدوار الجادة بعد بطولته لأفلام دخلت تاريخ السينما مثل «روكو وإخوته»، و«الساموراي»، و«الفهد»، و«السيد كلاين». ولم تقتصر شهرة ديلون على فرنسا، بل كانت أفلامه تُحقّق مبيعات عالية في اليابان والشرق الأوسط وكندا والصين.

وُصف النجم الراحل بـ«الوحش المقدّس» للسينما الفرنسية (أ.ف.ب)

جمع ديلون مختلف أنواع الأدوار، لكنَّ حظه مع الجوائز الكبرى كان ضئيلاً. فهو لم ينل سوى جائزة «سيزار» وحيدة لأفضل ممثل عن دوره في «قصتنا» عام 1985. لكنه مهرجان برلين السينمائي كرَّمه، بعد ذلك بـ10 سنوات، بمنحه جائزة «دبّ الشرف». وكان عليه أن ينتظر حتى 2019 لينال سعفة مهرجان «كان» الذهبية الشرفية عن مجمل مسيرته السينمائية. وانتهز النجم العجوز المناسبة ليُلقي كلمة كانت بمثابة خطبة الوداع لجمهوره، قال فيها: «هذه ليست كلمة لنهاية الخدمة بل لنهاية الحياة. وأنتم تكرِّمون ميتاً حياً».

الوسامة التي لم يقهرها الزمن (أ.ف.ب)

اتسم النجم الراحل بشخصية حادّة، ولم يكن يخفي دعمه لليمين الذي جمعته بسياسييه صداقات قديمة، من أيام خدمته العسكرية في حرب الجزائر وهو شاب. عاش حياة مضطربة، وكان عاشقاً للأسلحة، وظهر اسمه في أكثر من قضية مشبوهة، وارتبط بعلاقات مع عدد من الخارجين على القانون. لكن شهرته غطَّت على زلّاته. وهو قد تزوّج مرتين؛ الأولى من الممثلة ناتالي ديلون التي منحته ابنه أنطوني، كما جمعته قصص حبّ عميقة بممثلات، مثل ميراي دارك، ورومي شنايدر، وآن باريو، قبل أن يتزوّج من عارضة الأزياء الهولندية روزالي فان بريمن التي عاشت معه 14 عاماً كانت ثمرتاها ابنته أنوشكا وابنه ألان فابيان.

حظه مع الجوائز الكبرى كان ضئيلاً (أ.ف.ب)

كان من حظّ صاحب الوجه الملائكي أنه لم يفقد وسامته مع مرور السنوات؛ فقد كان مطلوباً للظهور في البطولات السينمائية بعد أن تجاوز سنّ الكهولة. وفي سنّ الـ74، تعاقد مع شركة شهيرة للعطور الباريسية ليكون الوجه الذي يظهر في إعلاناتها، باستخدام صورة قديمة له. وما زال الإعلان يتكرّر. لكنه ابتعد عن الاستوديوهات في السنوات الأخيرة، معلناً أنه لم يعد يعرف ولا يحبّ السينما بشكلها الحالي، ولا يجد مخرجاً فرنسياً ورث موهبة المخرجين السابقين. وكان آخر ظهور علني له في صيف 2021، في جنازة رفيقه اللدود الممثل جان بول بلموندو، شريكه في عدد من أشهر أفلامه.

انقطع ديلون عن العالم مُحتمياً بمنزله قرب باريس الذي حوَّله إلى متحف خاص بالمئات من صوره وملصقات أفلامه. كما نقل إقامته المالية إلى سويسرا تهرّباً من ضريبة الدخل الفرنسية الباهظة. وهو لم يكن نجماً سينمائياً شهيراً فحسب، بل الأكثر أجراً بين ممثلي الصف الأول على مدى عقود؛ الأمر الذي أتاح له أن يستثمر أمواله في أكثر من مجال، وأن يجمع ثروة تُقدّر بنحو 300 مليون يورو. تابع وقائع الخلاف بين ورثة المغنّي جوني هاليداي، واستهجن المعارك القضائية بين أبنائه بعد رحيله. وهو كان يتمنّى أن يفارق الحياة بسلام لولا أن ورثته كرروا الفيلم ذاته، وانتهت سيرة ألان ديلون بخاتمة محزنة.

ومنذ إعلان الخبر، تواترت كلمات التأبين، كالعادة، من الفنانين زملاء ديلون، وكذلك من أبرز السياسيين الذين اقتطعوا دقائق من إجازاتهم الصيفية لينشروا نعياً في مواقع التواصل.


مقالات ذات صلة

النساء في حياة ديلون... حبيبات وصديقات وابنة

يوميات الشرق الممثلة الأميركية شيرلي ماكلين مع ديلون في موقع تصوير فيلم «The Yellow Rolls-Rovce» إنجلترا في 5 أغسطس 1964 (أ.ب)

النساء في حياة ديلون... حبيبات وصديقات وابنة

من دون النساء والممثلات، سواء كنّ حبيبات أو صديقات أو ابنة، ما كان آلان ديلون، بحسب تعبيره، سوى «ظل الممثل والرجل» الذي كان عليه.

«الشرق الأوسط» (باريسفرنس)
سينما من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

فيلم فرنسيس فورد كوبولا الجديد «ميغالوبوليس»، الذي سيعرض خلال مهرجان تورنتو الحالي من 5 سبتمبر إلى 15 منه، ليس فيلماً سياسياً، بيد أنه يتضمن فكرة سياسية الجوهر

محمد رُضا‬ (لندن)
سينما «جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«حي الدّمج صمد أمام الجيش الذي لا يُقهر أكثر ممّا صمدت الجيوش العربية سنة 1967». ملاحظة يطلقها أحد المتحدّثين في فيلم محمد بكري الجديد «جَنين جِنين»

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق في وداع ماثيو بيري (رويترز)

خيوط وفاة ماثيو بيري تُكشَف... مساعده وطبيبان لم يتردّدوا بتعريضه لخطر كبير

خيوط تتّضح تباعاً في قضية وفاة نجم مسلسل «أصدقاء» (فريندز) ماثيو بيري، ويبدو أنّ للواقعة فصولاً يُنتَظر كشفها، تُبيّن جوانب رحيله الذي أحزن الملايين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تصميم أزياء الأفلام يبدأ من مرحلة قراءة النص والاجتماع مع المخرج (الصورة من منسج)

الأزياء في الأفلام السعودية... مشاريع جديدة ببُعد سينمائي

الملابس ليست مجرد أشياء يرتديها الممثلون في الأفلام، وإنما هي لغة سينمائية بصرية في حد ذاتها، وهو ما تفطّنت له جهات سعودية واعدة.

إيمان الخطاف (الدمام)

أصحاب «أصح القلوب في العالم»... ماذا نعرف عن «شعب تسيماني»؟

أفراد من «شعب تسيماني» (رويترز)
أفراد من «شعب تسيماني» (رويترز)
TT

أصحاب «أصح القلوب في العالم»... ماذا نعرف عن «شعب تسيماني»؟

أفراد من «شعب تسيماني» (رويترز)
أفراد من «شعب تسيماني» (رويترز)

في أعماق غابات الأمازون المطيرة، على بُعد 600 كيلومتر شمال لاباز، أكبر مدينة في بوليفيا، يوجد «أصحاب أصح القلوب في العالم»، الذين يُعرَفون باسم «شعب تسيماني».

وبحسب شبكة «بي بي سي» البريطانية، يضم «شعب تسيماني» نحو 16 ألف شخص يمارسون القنص وصيد الأسماك والزراعة، حتى في سن الشيخوخة، حيث لاحظ العلماء أن لديهم نشاطاً قوياً جداً لا يتناسب مع أعمارهم.

وأظهرت دراسة أُجريت عام 2017 أنه لا يوجد أي شخص تقريباً من أبناء «شعب تسيماني» لديه علامات على انسداد الشرايين، حتى في سن الشيخوخة، لافتين إلى أن لديهم «أصح الشرايين التي تمت دراستها على الإطلاق، وأن أدمغتهم تتقدم في العمر بشكل أبطأ من أدمغة الناس في أميركا الشمالية وأوروبا وأماكن أخرى».

وقال فريق الدراسة إنهم «شعب لا يُصدَّق» يقضي أقل من 10 في المائة من ساعات النهار في أنشطة مستقرة، مقارنة بـ54 في المائة في المجتمعات الصناعية.

ويسير الرجال من أبناء هذا الشعب، الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً، نحو 17 ألف خطوة يومياً، والنساء 16 ألف خطوة. أما مَن تزيد أعمارهم على الستين فيسيرون أكثر من 15 ألف خطوة.

وبالمقارنة، يجاهد معظم الناس العاديين في مناطق أخرى من العالم للاقتراب من 10 آلاف خطوة في اليوم.

ويعيش «شعب تسيماني» على «نهر مانيكي»، على بُعد نحو 100 كيلومتر من أقرب مدينة، وهذا البُعد عن النشاط الصناعي قلل من وصولهم إلى الأطعمة المصنعة والكحول والسجائر.

ووجد الباحثون أن 14 في المائة فقط من السعرات الحرارية التي يتناولها هذا الشعب تأتي من الدهون، مقارنة بـ34 في المائة في الولايات المتحدة. كما أن أطعمتهم غنية بالألياف، بينما تأتي البروتينات من الحيوانات التي يصطادونها، مثل الطيور والقرود والأسماك. وعندما يتعلق الأمر بالطهي، فإن هذا الشعب لا يلجأ للقلي على الإطلاق.

ومع تقدم البشر في السن، يمكن أن يؤدي تراكم الدهون والكوليسترول والمواد الأخرى إلى سماكة الشرايين أو تصلبها.

وأظهرت الدراسة أن 65 في المائة من «شعب تسيماني» فوق سن 75 عاماً ليس لديهم أي كالسيوم في الشرايين التاجية. وبالمقارنة، فإن معظم الأميركيين في ذلك العمر (80 في المائة) لديهم علامات على ذلك.

وقال فريق الدراسة: «إن شرايين التسيمانيين الذين يبلغون من العمر 75 عاماً تشبه شرايين الأميركيين الذين يبلغون من العمر 50 عاماً».

وتم إجراء مرحلة ثانية من الدراسة في عام 2023، وقد وجدت أن التسيمانيين المسنين أظهروا ضموراً في المخ أقل بنسبة 70 في المائة عن الأشخاص في العمر نفسه في البلدان الصناعية مثل المملكة المتحدة واليابان والولايات المتحدة.

وقال الطبيب البوليفي دانييل عيد رودريغيز، الذي قاد فريق الدراسة: «لقد وجدنا صفر حالة من مرض ألزهايمر بين إجمالي السكان البالغين. إنه أمر رائع».

ويعتقد الباحثون بأن أفراد «شعب تسيماني» جميعاً قد أُصيبوا بنوع من العدوى بالطفيليات أو الديدان خلال حياتهم. كما وجدوا مستويات عالية من مسببات الأمراض والالتهابات، مما يشير إلى أن أجساد أفراد «شعب تسيماني» كانت تقاوم العدوى باستمرار.

وقد دفعهم هذا إلى التساؤل عمّا إذا كانت هذه العدوى المبكرة يمكن أن تكون عاملاً آخر - بالإضافة إلى النظام الغذائي وممارسة الرياضة - وراء صحة أفراد «شعب تسيماني» المسنين.