تسلط ساحات لعب الاطفال الضوء على نموذجين متطرفين من الآباء. فمن ناحية، نجد آباء لا يكترثون إذا أقدم أبناؤهم على سرقة أغراض ما تخص أطفالاً آخرين، أو إذا دفعوهم فوق ألعاب التسلق، طالما لم يزعجهم أحد بينما ينهمكون في التعامل مع هواتفهم الذكية. ومن ناحية أخرى، هناك آباء يراقبون أطفالهم باهتمام بالغ، ويرافقونهم في كل تحركاتهم، ويساعدونهم للحفاظ على توازنهم عندما يتسلقون الالعاب.
بالطبع يقع أغلب الآباء في مكان ما بين هذين الحدَّين، لكن الخبراء يقولون إن عدد الآباء المبالغين في حماية أبنائهم ارتفع خلال الاعوام الأخيرة، وإأن هذا قد يؤثر سلبا على التمارين الرياضية التي يحصل عليها أطفالهم، مما قد يضر بصحتهم.
وظهرت أدلة جديدة على ذلك في دراسة حديثة تم فيها استطلاع آراء 645 من الآباء أو الأوصياء الأستراليين لأطفال في سن المدرسة الابتدائية بشأن موقفهم تجاه الأخطار أو الإصابات اليومية أو اللعب الذي يتسم بالمغامرة لأطفالهم، ونشاطهم البدني المعتدل إلى القوي.
وأعرب 78% من المشاركين في الاستطلاع عن مقدار أقل من تحملهم للأخطار في ما يتصل بسيناريوهات اللعب مثل تسلق الأشجار، بحسب الدراسة التي نشرت في مجلة «سيكولوجية الرياضة والتمارين». وكان من غير المرجح أن يفي النشاط البدني اليومي المعتدل إلى القوي الذي يقوم به أطفالهم، بالحد الأدنى الموصى به، كما كانت ممارستهم للعب تتسم بمغامرة أقل.
وبحسب إرشادات منظمة الصحة العالمية، يجب على الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما ممارسة نشاط بدني معتدل إلى قوي لمدة لا تقل عن 60 دقيقة يوميا في المتوسط - ومعظمها تمارين هوائية - على مدار الأسبوع.
ويقول ياكوب ماسكي، المتحدث باسم «الجمعية المهنية الألمانية لأطباء الأطفال»، إن هناك قلة قليلة في ألمانيا يفعلون ذلك، موضحاً أنه «بالنسبة إلى معظم الأطفال، لا يستغرق الأمر حتى 30 دقيقة يومياً»، ويلقي اللوم في ذلك على أسلوب حياتهم وعلى والديهم الذين «ينقلونهم من مكان إلى آخر بالسيارة، وهو ما ينعكس على الأطفال من حيث أسلوبهم في ممارسة التمارين الرياضية».
كما يوصل الكثير من الآباء أطفالهم بالسيارة إلى المدرسة أو إلى تدريب كرة القدم أو لتلقي دروس الموسيقى، وذلك ليس من أجل راحتهم فحسب، بل أيضا خوفا من أن يتعرضوا لشيء سيئ إذا لم يفعلوا ذلك. ويصل الامر إلى أن بعض تلامذة المدارس الابتدائية يحملون معهم هاتفا ذكيا أو يضعوا ساعة ذكية حتى يتمكن آباؤهم من الوصول إليهم أو معرفة مكانهم في أي وقت، بفضل خدمات تحديد الموقع الجغرافي.
ويحوم هؤلاء الآباء المبالغون في حماية أبنائهم حولهم ويراقبونهم ويتابعون حياتهم باستمرار رغبة منهم في حماية أطفالهم من كل الأخطار والتجارب السلبية.
وتقول كلاوديا نويمان، خبيرة اللعب والتمارين الرياضية لدى صندوق رعاية الأطفال الألماني: «لم نعد نعيش في تلك الأوقات التي كان فيها الآباء يربون أطفالهم بمنتهى السهولة، وإذا جاز التعبير، يكونون خمسة أو ستة أطفال في وقت واحد. أما اليوم، فغالبا ما يكون هناك لدى الآباء طفل واحد، يعشقونه ويرغبون في أن يفعلوا كل شيء من أجله».
وتوضح نويمان أن هذا التطور له جانب إيجابي، لأنه يعطي الطفولة قيمة خاصة، «لكن في بعض الأحيان، يزيد الأمر عن حده أكثر مما ينبغي».
وهكذا نرى الآباء في ساحات لعب الأطفال لا يسمحون لأطفالهم باللعب بين الشجيرات خوفا من أن تلدغهم حشرة ما، أو يهرعون بمجرد أن يصل الطفل إلى ارتفاع كبير على إطار التسلق. ويعد ذلك تصرفا خاطئا من وجهة نظر نويمان التي تقول: «على الآباء أن يسمحوا لأطفالهم بأن يشعروا بأنهم قادرون على التصرف. عليهم أن يراقبوهم في البداية، بالتأكيد، لكن عليهم أن يقفوا إلى جانبهم للأبد ليكونوا بمثابة شبكة أمان لهم».
وتلفت خبيرة اللعب والتمارين الرياضية إلى أن تعرض الاطفال للصدمات أو الكدمات أو نزف أنوفهم أو خدش ركابهم هي كلها أمور تعد جزءا من طفولتهم، مضيفة أن الطفل «لا يتعلم معنى السقوط إلا إذا سقط».
وأخيرا تؤكد نويمان أن الأطفال يجب أن يتعلموا بالطريقة الصعبة مدى الارتفاع الذي يمكنهم الصعود إليه، ومدى سرعتهم في الركض، وطريقة التدحرج لتجنب السقوط، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الالمانية.