بعد سنين طويلة كانت فيها أحزاب «اليهود المتدينين (الحريديم)» («أغودات يسرائيل» و«ديغل هتوراه» المنضويان تحت كتلة «يهوديت هتوراه» لليهود الأشكناز، وحزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين) قد بايعت نتنياهو وأقامت معه حلفاً متيناً، كشف رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، ورئيس حزب «شاس»، آرييه درعي، عن مباحثات تجري بينهما في الأيام الأخيرة للتعاون المحتمل في عدد من القضايا، في مقدمتها طرح مشروع قانون مشترك يحظر دخول اليهود إلى باحات الحرم القدسي الشريف وإقامة صلاة يهودية فيها.
ونشرت الصحيفة الدينية لـ«الحريديم» «يتد نئمان»، اليوم الأربعاء، تقريراً على صدر صفحتها الأولى، تدين فيه انتهاك الوضع القائم في الحرم القدسي بقيادة وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وكتبت في عنوانها الرئيسي: «التجول في جبل الهيكل (الاسم التوراتي للحرم القدسي) يعرض حياة اليهود للخطر»، مضيفة أن «حاخامات وشخصيات عامة تطالب بإعادة النظر في الشراكة الائتلافية؛ بسبب السلوك المنفلت لأعضاء الائتلاف؛ جماعة بن غفير التي يمكن أن تؤدي إلى مضاعفة سفك الدماء، بسبب صمت وتقاعس رئيس الحكومة».
ويقول متابعون للسياسة الإسرائيلية إن هذا الرد من «الحريديم» يجب أن يقلق نتنياهو؛ فهذه أول مرة يخرجون فيها بموقف حاد كهذا. وإذا أضيف هذا إلى عجز نتنياهو عن إقناع بن غفير بالتصويت على قوانين يحتاجها «الحريديم» في الكنيست، مثل إعفاء شبانهم من الخدمة العسكرية وقانون الحاخامات، فإن هناك احتمالاً لإدخال نتنياهو أزمة ائتلافية لم يتعرض لها منذ 10 سنوات.
جاء هذا التطور، في أعقاب قيام الوزير إيتمار بن غفير بزيارته الاستفزازية العدائية للمسجد الأقصى يوم الثلاثاء، وإقامة الصلاة فيه، بمناسبة «ذكرى خراب الهيكل» في 9 أغسطس (آب) من كل عام. وقالت مصادر مطلعة إن يائير لبيد ودرعي ينويان إصدار بيان مشترك لهما، في البداية يتبناه الكنيست (البرلمان)، وينص على منع اليهود من اقتحام باحات المسجد الأقصى في مدينة القدس. وسيسعيان في المرحلة التالية إلى تحويله إلى قانون. وعدّ هذا التعاون مبادرة مهمة تؤشر لشيء ما.
ووفق ما كشفت عنه «القناة12» الإسرائيلية، فإن «هذا التعاون في موضوع المسجد الأقصى يمكن أن يكون بداية تعاون في مواضيع أخرى يجب أن تقلق نتنياهو». ولمحت إلى أن هذا التعاون يعبر عن وجود صدع كبير في العلاقات بين «الحريديم» ونتنياهو.
المعروف أن «الحريديم» بغالبيتهم الساحقة يرفضون دخول المسجد الأقصى وباحاته؛ لأنهم يعتقدون أن «هيكل سليمان» كان هناك (تحت مسجد قبة الصخرة) قبل تدميره مرتين، واليهودي الذي يدوس على الأرض في هذا المكان يدنس المكان المقدس. وقد أصدر الحاخام السفاردي الأكبر لإسرائيل، عوفاديا يوسف، قبل 30 سنة، فتوى دينية واضحة، تحظر على اليهود اقتحام أو زيارة المسجد الأقصى أو إقامة الصلاة فيه.
وكان درعي قد توجه بشكل شخصي إلى نتنياهو يطلب منه منع بن غفير من اقتحام الأقصى، مؤكداً أنه بهذه الخطوة يسيء إلى «الحريديم»، ويمس بذكرى الحاخامات، ويلحق الأذى بحزب «شاس» وقادته. وقال له إن دخول بن غفير الأقصى يحرج قادة «الحريديم» السياسيين أمام حاخاماتهم، ويظهرهم دون تأثير على الحكومة. وحذره: «لا تستبعد أن يكون رد فعلنا على زيارة كهذه الانسحاب من الائتلاف الحكومي». لكن نتنياهو لم يتحرك ولم يقدم على أي إجراء يوقف بن غفير عند حده، مثيراً بذلك غضب درعي الذي كان أخلص حلفاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، خصوصاً بعدما تبين أن نتنياهو ادعى كذباً أنه لا يعرف عن زيارة بن غفير. فقد قال أحد الوزراء الذين رافقوا بن غفير، إنهم نسقوا الزيارة مع مكتب نتنياهو.
وفي ضوء هذه المعارضة وردود الفعل الدولية ضد الزيارة، أصدر نتنياهو بياناً قال فيه: «ما حدث هذا الصباح في الحرم القدسي يشكّل استثناء للوضع القائم. فسياسة إسرائيل فيما يتعلق بالحرم القدسي لم تتغيّر؛ هكذا كانت، وهكذا ستظل». لكن بن غفير رد عليه: «سياسة وزير الأمن القومي هي السماح بحرية العبادة لليهود في كل مكان؛ بما في ذلك جبل الهيكل (الحرم القدسي)، وسيستمر اليهود في فعل ذلك في المستقبل».
وإزاء هذا الاستهتار بنتنياهو و«الحريديم»، جاء هذا التعاون بين لبيد ودرعي (بعد سنوات من القطيعة). وخلال المحادثات بينهما جرى الاتفاق على أن يدعم درعي مشروع قانون يقدمه حزب لبيد «ييش عتيد»، يطرح للتصويت بعد العطلة الصيفية للكنيست مطلع الدورة المقبلة للبرلمان، على أن يتوافق القانون في صياغته مع الفتوى المذكورة للرئيس الروحي السابق لحركة «شاس» الحاخام عوفاديا يوسف.
ولفتت «القناة12» إلى معارضة «الأحزاب الحريدية الآيديولوجية» اقتحام الأقصى؛ وأشارت إلى أن اقتحام بن غفير الأقصى في «ذكرى خراب الهيكل»، وفق التقويم العبري، وهو يوم للصوم والحداد على تدمير «هيكل سليمان» أو «الهيكل الأول»، أثار استياء الأحزاب الحريدية إلى درجة أن رئيس حزب «ديغل هتوراه»، موشيه غفني، هدد بالانسحاب من الحكومة.
يذكر أن زيارة بن غفير، الثلاثاء، اتسمت باقتحامات بأعداد غير مسبوقة. فقد اقتحم الباحات نحو 3 آلاف مستوطن (بزيادة قدرها 36 في المائة مقارنة بالعام الماضي)، يتقدمهم بن غفير. وفي باحة المسجد الأقصى انبطحوا أرضاً وأدّوا صلوات تلمودية وسط حماية الشرطة.