«اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر

الاختلافات في الحمض النووي لدى الأطفال تؤثر بقوة على النمو المبكر

«اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر
TT

«اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر

«اختراقات علم الوراثة» لدراسة الرضّع... يمكن أن تغير حياة البشر

في دراسة حديثة من جامعة «سري» بالمملكة المتحدة، حدد الباحثون مجموعة من الأدلة التي تثبت أن علم الوراثة يلعب دوراً في التأثير على نمو الأطفال الرضع.

نقص في أبحاث الطفولة المبكرة

وفي حين أن كثيراً من التركيز موجه بالفعل نحو الاضطرابات الوراثية النادرة، فإن الباحثين يرون أن الاختلافات في «الحمض النووي (دي إن إيه)» التي توجد عادة لدى الأطفال وتشكل التركيب الجيني للفرد، لديها أيضاً القدرة على المساعدة في دعم تطوير التدخلات العلاجية المبكرة والمساعدة في فهم أفضل لمرحلة الطفولة لدى جميع الأطفال.

ويوضح الباحثون في الدراسة، المنشورة بمجلة «نيتشر جينيتكس (Nature Genetics)» في 17 يوليو (تموز) 2024، أنه مقارنة بمراحل الحياة اللاحقة، لم تُبحث مرحلة الطفولة إلى حد كبير على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يمكن أن تقدمها الأبحاث الجينية.

وفي حين أنه من المسلم به منذ مدة طويلة أن البيئة تلعب دوراً محورياً في نمو الرضع، فقد حلل فريق البحث الدراسات الجينية التوأمية والجزيئية المنشورة، ووجدوا أدلة تدعم فكرة أن الجينات مهمة في تشكيل نمو الأطفال في السنوات الثلاث الأولى بعد الولادة. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم كيفية ارتباط الحمض النووي بالفروق الفردية في النمو.

دراسة مرحلة نمو الرضّع

وقالت البروفسورة أنجليكا رونالد، أستاذة علم النفس وعلم الوراثة المؤلفة المشاركة للورقة البحثية من كلية علم النفس بجامعة «سري»، إن نمو الرضع وقت حاسم مع التقدم السريع في المهارات الحركية والاجتماعية واللغوية من بين أمور أخرى، وإن «توظيف علم الوراثة أمر بالغ الأهمية في معرفة تشكيل الخصائص المبكرة، فمن خلال فهم وتحديد التأثيرات الجينية في وقت مبكر، يمكننا أن نحدث فرقاً كبيراً لكثير من الأطفال وأسرهم.

ويمكن لهذه المعرفة أن تساعد الآباء ومقدمي الرعاية الصحية والمعلمين في تقديم دعم أفضل لنمو الطفل، وإنشاء استراتيجيات لمواجهة التحديات المحتملة في الأمد الطويل».

التأثيرات الوراثية على التنمية المبكرة

وحلل فريق البحث الدراسات الجينية التوأمية والجزيئية الموجودة، ووجد أدلة قوية على أن الجينات تلعب دوراً محورياً في تشكيل النمو خلال مرحلة الطفولة. أما الاختلافات في الحمض النووي التي توجد عادة لدى الأطفال، فلديها القدرة على التأثير على النمو المبكر بشكل كبير. وقالت الدكتورة آنا غوي، المؤلفة المشاركة في الدراسة والمحاضرة في جامعة إسيكس بالمملكة المتحدة، إن النتائج التي توصلوا إليها توفر أدلة قوية من دراسات التوائم وأبحاث التبني ونتائج الجينات المتعددة وفحص سمات الرضع، على أن الوراثة تؤثر بشكل كبير على النمو المبكر.

وتُظهر النتائج متعددة الجينات، التي تلخص تأثيرات كثير من المتغيرات الجينية، كيف تؤثر السمات الجينية على المعالم الرئيسية، مثل المشي والتحدث. وهذا النوع من المعرفة يمكن أن يفيد حياة الأطفال بشكل كبير.

تسريع «اختبار الجينوم الكامل» للرضع

وفي تقدم كبير بمجال الرعاية الصحية لحديثي الولادة، وجد الباحثون، بدراسة سابقة نشرت في «مجلة الجمعية الطبية الأميركية (Journal of the American Medical Association)» يوم 11 يوليو (تموز) 2023، أن اختبار الجينوم الكامل يمكن أن يحسن بشكل كبير تشخيص الاضطرابات الوراثية لدى الرضع، مما قد ينقذ الأرواح؛ حيث إن قدرة الاختبار على التقاط صورة وراثية أكثر شمولاً يمكن أن تفيد بشكل كبير الأطفال الذين يعانون من حالات نادرة ويصعب تشخيصها.

وكشفت تجربة سريرية شملت 400 رضيع في المستشفى عن أن اختبارات الجينوم الكاملة حددت التشوهات الجينية في 49 في المائة من الحالات، مقارنة بنحو 27 في المائة مع الاختبارات التقليدية الأضيق نطاقاً. ويسلط هذا الاختلاف الجوهري الضوء على القيود المفروضة على الاختبارات الجينية المستهدفة، التي تغطي فقط نحو 1700 من الجينات البشرية البالغ عددها 20 ألفاً.

وأعرب الدكتور جون ديفيز، أستاذ طب الأطفال رئيس قسم طب الأطفال حديثي الولادة في «مركز تافتس الطبي» في بوسطن بالولايات المتحدة الباحث الرئيسي بالدراسة، وزملاؤه عن إمكانات هذا البحث في إحداث ثورة بالممارسة السريرية لتشخيص وعلاج الرضع الذين يعانون من حالات معقدة؛ حيث يسمح النطاق الأوسع لاختبار الجينوم الكامل باكتشاف المتغيرات الجينية التي قد تفشل فيها الاختبارات الأضيق نطاقاً؛ مما يؤدي إلى تشخيصات أسرع وأكثر دقة.

يمثل «اختبار الجينوم الكامل» خطوة كبيرة إلى الأمام في تشخيص وعلاج الاضطرابات الوراثية لدى الرضع، ومن خلال توفير رؤية شاملة للتركيب الجيني للفرد يمكن لهذه التقنية تحديد الحالات التي قد تفشل فيها الاختبارات الأضيق نطاقاً؛ مما يؤدي إلى علاجات أسرع وأكثر فاعلية.


مقالات ذات صلة

تشخيص وراثي لأمراض نادرة جديدة بالذكاء الاصطناعي

علوم تشخيص وراثي لأمراض نادرة جديدة بالذكاء الاصطناعي

تشخيص وراثي لأمراض نادرة جديدة بالذكاء الاصطناعي

يؤكد التطبيق الناجح لمشروع تسلسل الجينوم، خصوصاً في فحوصات الأطفال المبكرة، إمكانات الذكاء الاصطناعي في التشخيص والتدخل المبكر.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

الجينات المرتبطة بالتوتر والإجهاد قد تساهم في الإصابة بسرطان البروستاتا

دراسة جديدة حللت 105 جينات منها

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم تباين طبيعي جيني يؤثر على نجاح دواء لعلاج الآلام المزمنة لدى النساء

تباين طبيعي جيني يؤثر على نجاح دواء لعلاج الآلام المزمنة لدى النساء

حاملات «نيوريجولين 3» الأكثر استفادة منه.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم نقل الجينات لعلاج اضطراب «الثلاسيميا ألفا»

نقل الجينات لعلاج اضطراب «الثلاسيميا ألفا»

طوّر الباحثون نموذجاً مبتكراً يبشر بتطوير علاجات جديدة لعلاج ثلاسيميا «ألفا»، وهو اضطراب دموي حاد يؤثر على آلاف الأطفال سنوياً.

د. وفا جاسم الرجب (نموذج مبتكر يبشّر بتطوير علاجات جديدة)
علوم الإجراء يهدف لمنع الأم من نقل الجينات المعيبة في الميتوكوندريا لطفلها (رويترز)

دراسة وراثية تشير إلى الأوكسيتوسين بوصفه علاجاً محتملاً للسمنة واكتئاب ما بعد الولادة

حددت دراسة حديثة جيناً معيناً بعدّه عاملاً حاسماً في تطور السمنة والمشكلات السلوكية واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات. 

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

«يكفي لملء محيطات»... اكتشاف خزان مياه تحت سطح المريخ

كوكب المريخ (رويترز)
كوكب المريخ (رويترز)
TT

«يكفي لملء محيطات»... اكتشاف خزان مياه تحت سطح المريخ

كوكب المريخ (رويترز)
كوكب المريخ (رويترز)

اكتشف باحثون دليلاً على وجود خزان كبير من الماء السائل تحت سطح المريخ، يكفي لملء محيطات على سطح الكوكب، وفق تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.

وباستخدام بيانات من المركبة «إنسايت» التابعة لوكالة «ناسا»، قدر العلماء أن كمية المياه الجوفية قد تكون كافية لتغطية كامل سطح المريخ بعمق يتراوح بين كيلومتر واحد واثنين، بحسب وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا).

ومع ذلك، يقول الخبراء إن الخزان من غير المحتمل أن يكون ذا فائدة كبيرة لأولئك الذين يسعون للاستفادة منه لتوفير المياه لمستعمرة مستقبلية على المريخ.

ويقع هذا الخزان في الشقوق الصغيرة والمسام بالصخور في وسط قشرة المريخ، على عمق يتراوح بين 11.5 و20 كيلومتراً تحت السطح. وحتى على الأرض، فإن حفر حفرة بعمق كيلومتر واحد يمثل تحدياً.

وقال فاشان رايت، زميل ما بعد الدكتوراه السابق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، والذي يعمل الآن أستاذاً مساعداً في معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «فهم دورة الماء على المريخ أمر حاسم»، ونقطة انطلاق مفيدة لتحديد مواقع المياه وكمية ما هو موجود منها.

وأرسل العلماء على الأرض كثيراً من المسبارات والمركبات الفضائية إلى المريخ، لاكتشاف ما حدث للماء الذي كان موجوداً على الكوكب قبل نحو 3 مليارات عام، وكذلك لمعرفة متى حدث ذلك، وما إذا كانت هناك حياة على الكوكب أو كانت موجودة في السابق.