التوغل الأوكراني في روسيا يحرج بوتين... كيف سيؤثر الهجوم على مسار الحرب؟

جنود أوكرانيون يقودون دبابات «تي64» سوفياتية الصنع بمنطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا يوم 11 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
جنود أوكرانيون يقودون دبابات «تي64» سوفياتية الصنع بمنطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا يوم 11 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
TT

التوغل الأوكراني في روسيا يحرج بوتين... كيف سيؤثر الهجوم على مسار الحرب؟

جنود أوكرانيون يقودون دبابات «تي64» سوفياتية الصنع بمنطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا يوم 11 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
جنود أوكرانيون يقودون دبابات «تي64» سوفياتية الصنع بمنطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا يوم 11 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

يعد التوغّل الأوكراني السريع في منطقة كورسك الروسية أكبر هجوم عبر الحدود من قبل قوات كييف في الحرب المستمرة منذ نحو عامين ونصف العام، وهو مما كشف عن نقاط ضعف روسية، ووجّه ضربة مؤلمة للكرملين، وفق تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

لقد دفع التوغّل الأوكراني المفاجئ عشرات الآلاف من المدنيين الروس إلى الفرار من المنطقة، بينما يكافح الجيش الروسي لصد الهجوم.

بالنسبة إلى أوكرانيا، يقدّم التوغّل عبر الحدود دفعة معنوية مطلوبة بشدة، في وقت واجهت فيه القوات الأوكرانية، التي تعاني من نقص في العدد والتسليح، هجمات روسية لا هوادة فيها على طول خط المواجهة الذي يمتد لأكثر من ألف كيلومتر.

نظرة عامة على التوغّل الأوكراني وتداعياته... كيف تطور الهجوم الأوكراني؟

في 6 أغسطس (آب) الحالي، تدفقت القوات الأوكرانية إلى منطقة كورسك من اتجاهات عدة، وسرعان ما اجتاحت عدداً قليلاً من نقاط التفتيش والتحصينات الميدانية التي يحرسها حرس الحدود الروس المسلحون تسليحاً خفيفاً، وتخطت القوات الأوكرانية كذلك وحدات المشاة الروسية على حدود المنطقة الروسية التي يبلغ طولها 245 كيلومتراً (152 ميلاً) مع أوكرانيا.

وعلى النقيض من الهجمات السابقة التي شنتها مجموعات صغيرة من المتطوعين الروس الذين يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية، ورد أن التوغّل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية شمل وحدات من ألوية عدة من الجيش الأوكراني المخضرم.

وأفاد مدونون عسكريون روس بأن مجموعات أوكرانية متنقلة تتألف من مركبات مدرعة عدة، قادت كل منها بسرعة عشرات الكيلومترات (الأميال) إلى داخل الأراضي الروسية، متجاوزة التحصينات الروسية، وزرعت الذعر في جميع أنحاء المنطقة.

وقال ماثيو سافيل، مدير قسم العلوم العسكرية في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» بلندن، إن «القوات الأوكرانية توغلت حتى 30 كيلومتراً في بعض الاتجاهات، ويبدو أن المساحة الإجمالية التي غطتها التوغلات تبلغ نحو 400 كيلومتر مربع، على الرغم من أنه من غير الواضح مقدار تلك الأراضي التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية بالفعل».

وأضاف سافيل أن هناك أدلة على مشاركة قوات أوكرانية من 4 ألوية على الأقل وربما أكثر، يصل عددها إلى 10 آلاف وتستخدم معدات غربية مثل مركبات قتال المشاة.

وقد استخدمت القوات الأوكرانية على نطاق واسع طائرات من دون طيار لضرب المركبات العسكرية الروسية، واستخدمت الحرب الإلكترونية للتشويش على الطائرات من دون طيار الروسية ومنع الاتصالات العسكرية بين القوات الروسية.

وفي حين جابت مجموعات عسكرية أوكرانية صغيرة متنقلة منطقة كورسك دون محاولة تعزيز السيطرة، فقد أفادت التقارير بأن قوات أوكرانية أخرى بدأت في الحفر «للتحصّن» في الجزء الغربي من بلدة سودزا الروسية؛ على بعد نحو 10 كيلومترات (6 أميال) من الحدود مع أوكرانيا، وفي بعض المناطق الأخرى.

كيف استجاب الجيش الروسي؟

فشلت القوات الروسية - التي فوجئت - في شن استجابة سريعة ضد التوغل. ومع انخراط الجزء الأكبر من الجيش الروسي في الهجوم بمنطقة دونيتسك الشرقية في أوكرانيا، لم يتبقَّ سوى عدد قليل من القوات لحماية منطقة كورسك الحدودية. وكانت الوحدات الروسية على طول الحدود تتألف في الغالب من مجندين غير مدرّبين تدريباً جيداً، والذين تغلبت عليهم الوحدات الأوكرانية المخضرمة بسهولة. وقد قُبض على بعض من هؤلاء المجندين.

ودفع نقص القوى العاملة القيادة العسكرية الروسية إلى الاعتماد في البداية على الطائرات الحربية وطائرات الهليكوبتر الحربية لمحاولة وقف الهجوم الأوكراني. ووفقاً لمدونين عسكريين روس، فقد أسقطت القوات الأوكرانية المتقدمة مروحية روسية واحدة على الأقل وتضررت أخرى.

وبدأت التعزيزات الروسية؛ بما فيها وحدات القوات الخاصة (النخبة) والمحاربون القدامى من شركة «فاغنر» العسكرية، في الوصول لاحقاً إلى منطقة كورسك، لكنها فشلت حتى الآن في إزاحة القوات الأوكرانية من سودزا ومناطق أخرى بالقرب من الحدود.

وافتقر بعض القوات الروسية الوافدة حديثاً للمنطقة إلى المهارات القتالية وعانت من إصابات. في أحد الأمثلة، توقفت قافلة من الشاحنات العسكرية الروسية دون مبالاة على جانب الطريق بالقرب من منطقة القتال، وتعرضت لقصف ناري أوكراني.

أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم الجمعة أن أوكرانيا خسرت 945 جندياً في 4 أيام من القتال. ولم يتسنَّ التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل، ولم تقدّم وزارة الدفاع أي بيانات عن الخسائر الروسية، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

جنود أوكرانيون يصلحون ناقلة جند مدرعة بالقرب من الحدود الروسية بمنطقة سومي بأوكرانيا يوم 11 أغسطس 2024 (رويترز)

ماذا قالت السلطات الأوكرانية عن التوغّل؟

قال قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي إن كييف تسيطر على نحو 1000 كيلومتر مربع من منطقة كورسك الروسية في أول تصريحات معلنة لسيرسكي منذ أن شنت أوكرانيا أكبر هجوم عبر الحدود في الحرب الشاملة المستمرة منذ نحو عامين ونصف.

وامتنع المسؤولون في العاصمة الأوكرانية في البداية عن التعليق على الغارة عبر الحدود، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أشاد بالقوات المسلحة نظراً إلى «أفعالها لدفع الحرب إلى أراضي المعتدي».

وقال في خطاب فيديو ليلي: «تثبت أوكرانيا أنها تعرف حقاً كيف تستعيد العدالة وتضمن بالضبط نوع الضغط المطلوب؛ الضغط على المعتدي».

وعدّ ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الخميس، أن مثل هذه العملية من شأنها أن تحسّن موقف كييف في أي مفاوضات مستقبلية مع موسكو. وقال بودولياك: «متى سيكون من الممكن إجراء عملية تفاوض بطريقة يمكننا عبرها صد الروس أو الحصول على شيء منهم؟ فقط عندما لا تستمر الحرب وفقاً لسيناريوهات الروس».

ماذا قال الكرملين عن الهجوم الأوكراني؟

وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوغّل الأوكراني بأنه «استفزاز واسع النطاق» تضمّن «قصفاً عشوائياً للمباني المدنية والمنازل السكنية وسيارات الإسعاف».

وفي حديثه إلى كبار المسؤولين الروس يوم الاثنين، تعهّد بوتين بأن تحقق موسكو جميع أهدافها العسكرية.

وقال القائم بأعمال حاكم كورسك، أليكسي سميرنوف، إن القوات الأوكرانية تسيطر حالياً على 28 مستوطنة داخل روسيا. وقال إن 12 مدنياً قُتلوا وأصيب 121 آخرون؛ بينهم 10 أطفال، منذ بدء التوغل، وإن نحو 121 ألف شخص أُجلُوا أو غادروا مناطق القتال بمفردهم.

وأعلنت روسيا حالة الطوارئ الفيدرالية في منطقة كورسك، وأعلنت عملية لمكافحة إرهاب في المنطقة وكذلك في منطقتي بيلغورود وبريانسك المجاورتين، مما يمنح السلطات المحلية مزيداً من الصلاحيات لتنسيق الاستجابة للطوارئ بسرعة وتشديد الأمن.

أفراد من الجيش الأوكراني فوق ناقلة جند مدرعة بالقرب من الحدود الروسية بمنطقة سومي بأوكرانيا يوم 11 أغسطس 2024 (رويترز)

ما أهداف أوكرانيا من التوغّل وكيف يمكن أن يتكشف الموقف؟

عبر شن هذا التوغّل، ربما تهدف كييف إلى إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا، حيث شنت القوات الروسية هجمات في قطاعات عدة وحققت مكاسب بطيئة ولكن ثابتة، بالاعتماد على تفوقها في القوة النارية. وإذا تمكنت أوكرانيا من التمسك ببعض مكاسبها من التوغّل داخل روسيا، فإن هذا من شأنه أن يعزز موقف كييف في محادثات السلام المستقبلية، وقد يسمح لها بتبادل هذه المكاسب مقابل الأراضي الأوكرانية التي تحتلها موسكو.

كما وجّهت أوكرانيا ضربة للكرملين، حيث سلّطت الضوء على فشله في حماية أراضي البلاد، وحطّمت رواية بوتين بأن روسيا ظلت غير متأثرة إلى حد كبير بالأعمال العدائية.

كما أرسل التوغّل الأوكراني في روسيا إشارة قوية إلى حلفاء كييف بأن الجيش الأوكراني يمكن أن ينتزع زمام المبادرة ويهزم الجيش الروسي، وهي رسالة مهمة بشكل خاص قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ولكن على الرغم من النجاحات الأولية للتوغّل الأوكراني، فإن التوغّل في روسيا قد يتسبب في استنزاف بعض الوحدات الأكثر قدرة في أوكرانيا ويترك القوات الأوكرانية في دونيتسك (شرق أوكرانيا) دون تعزيزات حيوية، كما أن محاولة إقامة وجود أوكراني دائم في منطقة كورسك قد تكون تحدياً للقوات الأوكرانية، التي ستكون خطوط إمدادها عُرضة للنيران الروسية.

وقال سافيل من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، ومركزه لندن: «الحفاظ على قوة أوكرانية بأي حجم في روسيا وصدّ الهجمات الروسية المضادة أمر صعب، نظراً إلى الاحتياطات المحدودة المتاحة لأوكرانيا».

وأشار سافيل إلى التقارير التي تشير إلى أن كييف سحبت قواتها من الخطوط الأمامية في الشرق لأنها كانت على مستوى أعلى من الجاهزية، محذّراً بأن ذلك قد «يؤدي إلى مكسب قصير الأجل للجيش الأوكراني، مقابل عيب طويل الأجل».

ما احتمالات السلام؟

لا تزال مواقف موسكو وكييف التفاوضية متباعدة؛ يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استسلام أوكرانيا، ويطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القوات الروسية بمغادرة بلاده.

يسعى الجانبان إلى الاستفادة من موقف ساحة المعركة للمساعدة في نهاية المطاف في تحقيق اتفاق سلام مقبول.

ويبدو أن بوتين سعيد بمواصلة تأجيج صراع منخفض الحدّة نسبياً، يأمل من خلاله أن يستنزف تدريجاً رغبة الغرب في الاستمرار في إرسال مليارات الدولارات مساعدات إلى أوكرانيا. ومن خلال هذا التوغّل الأوكراني المستمر، ينقل زيلينسكي الصراع إلى روسيا، وهو ما قد يجعل الحرب غير مرغوبة بين المواطنين الروس العاديين.

وفي الخلفية، تأتي الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، التي قد تغير حظوظ الجانبين الروسي والأوكراني في الحرب. وفي الخريف، قد يُعقد اجتماع دبلوماسي دولي ثانٍ محتمل لإنهاء الحرب، وقد تحصل روسيا هذه المرة على مقعد إلى طاولة المفاوضات.


مقالات ذات صلة

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

أوروبا المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

قال ممثل لوزارة الدفاع الأوكرانية، إن روسيا تقوم ﺑ«ممارسات تنم عن إبادة» من خلال استخدام الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا، وذلك خلال قمة دولية في كمبوديا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد لقائهما في أثينا الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أمين عام «الناتو»: الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» في دعمه أوكرانيا

قال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الثلاثاء، إن الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
أوروبا أضرار في موقع هجوم صاروخي روسي ضرب مبنى إدارياً لبنك متوقف عن العمل جنوب غربي أوكرانيا 25 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

قال مسؤولون أوكرانيون، الثلاثاء، إن القوات الروسية شنّت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيّرة على أوكرانيا الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ (رويترز)

تقرير: الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على شركات صينية تدعم روسيا

كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على عدة شركات صينية يُزعم أنها ساعدت شركات روسية في تطوير طائرات مسيرة هجومية تم استخدامها ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين (أرشيفية - رويترز)

مدير المخابرات الروسية: نرغب في «سلام راسخ وطويل الأمد» في أوكرانيا

قال مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية إن بلاده تعارض تجميد الصراع في أوكرانيا؛ لأن موسكو بحاجة إلى «سلام راسخ وطويل الأمد».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

كييف تسعى إلى إقناع ترمب بجدوى الاستثمار في مواردها لمواصلة دعمها

مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)
مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)
TT

كييف تسعى إلى إقناع ترمب بجدوى الاستثمار في مواردها لمواصلة دعمها

مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)
مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

في الوقت الذي يؤكد فيه العديد من المحللين والمدونين أن القوات الروسية تتقدم في أوكرانيا بأسرع وتيرة منذ الأيام الأولى للغزو عام 2022، حيث سيطرت على منطقة كبيرة خلال الشهر الماضي وحده، تكافح أوكرانيا من أجل الاحتفاظ بأوراقها التي قد تتيح لها التوصل إلى اتفاق متوازن قدر الإمكان، بعدما بات من شبه المؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة مقبلة على هذا الخيار.

وتدخل الحرب في أوكرانيا، بحسب ما يصفه بعض المسؤولين الروس والغربيين، المرحلة الأكثر خطورة، بعد أن حققت قوات موسكو جانباً من أكبر المكاسب فيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي، وبعد أن سمحت الولايات المتحدة لكييف بالرد باستخدام صواريخ أميركية.

الرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع عبر الفيديو مع رئيس أركان الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي في كييف الاثنين (أ.ف.ب)

حالة عدم اليقين في كييف

ومع ذلك، تسيطر حالة من عدم اليقين في أوكرانيا بسبب الغموض الذي لا يزال يحيط بخطط الرئيس دونالد ترمب، بحسب ما تنقله تقارير إعلامية عن مسؤولين أوكرانيين. ويسعى هؤلاء إلى التواصل مع فريق إدارته الجديد، والمسؤولين والمديرين التنفيذيين في شركات، يمكنهم بيع فكرة لترمب، مفادها أن أوكرانيا القوية مفيدة لأهدافه السياسية، في الوقت الذي تعرب فيه كييف عن تفاؤل حذر بأنه قد يتصرف بشكل أسرع وأكثر حسماً من الرئيس جو بايدن.

وتأمل كييف في إقناع ترمب بأن المساعدات المقدمة لها ليست صدقة أو خيرية، ولكنها فرصة اقتصادية وجيوستراتيجية فعالة من حيث التكلفة، من شأنها في نهاية المطاف تأمين مصالح الولايات المتحدة. وتأمل أوكرانيا أنه من خلال تبني نهج ترمب الدبلوماسي القائم على المعاملات، بما في ذلك تقديم فرص عمل مربحة للشركات الأميركية، سيساعده في الطلب من روسيا وقف تقدمها العسكري.

وبحسب مجموعات إخبارية روسية، فقد تمكنت القوات الروسية من السيطرة على نحو 235 كيلومتراً مربعاً في أوكرانيا، خلال الأسبوع الماضي، وهي مساحة قياسية أسبوعية في عام 2024. وأضافت أن القوات الروسية سيطرت على 600 كيلومتر مربع في نوفمبر (تشرين الثاني)، نقلاً عن بيانات من مجموعة «ديب ستيت» التي تربطها صلات وثيقة بالجيش الأوكراني، وتدرس صوراً ملتقطة للقتال، وتوفر خرائط للخطوط الأمامية، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع لهما في اليابان عام 2019 (رويترز)

روسيا تتقدم بأسرع وتيرة

وقال محللون في معهد دراسة الحرب، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، في تقرير: «تتقدم القوات الروسية في الآونة الأخيرة بمعدل أسرع بكثير مما سجلته في عام 2023 بأكمله». وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية في تحديث يوم الاثنين، إن 45 معركة متفاوتة الشدة دارت بمحاذاة كوراخوف على خط المواجهة في فترة المساء.

انفجارات في سماء كييف خلال هجوم روسي بالمسيرات أمس (أ.ب)

وذكر تقرير معهد دراسة الحرب ومدونون عسكريون موالون لروسيا أن القوات الروسية موجودة في كوراخوف. وقالت مجموعة «ديب ستيت» عبر «تلغرام»، الاثنين، إن القوات الروسية موجودة بالقرب من كوراخوف.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يعتقد أن الأهداف الرئيسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي احتلال منطقة دونباس بأكملها، التي تشمل منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وطرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك التي تسيطر على أجزاء منها منذ أغسطس (آب).

إقناع ترمب

تنقل صحيفة «واشنطن بوست» عن أوساط مسؤولين أوكرانيين قولهم إن الآمال في أن يساعد ترمب في إنهاء الحرب بطريقة تعدّها كييف عادلة، لا تزال قائمة، على الرغم من الآراء التي عبر عنها والعديد من دائرته الداخلية، بأن الصراع يكلف دافعي الضرائب الأميركيين الكثير من المال، ويجب إنهاؤه بسرعة. وقد أثار هذا الخطاب مخاوف من أن يقطع ترمب فجأة الدعم الأميركي للجيش الأوكراني، ويدفعه إلى التنازل عن أراضٍ لروسيا.

ورغم إحباط الأوكرانيين من بطء إدارة بايدن في تقديم المساعدات، فإن العديد منهم يتجاهل التعليقات السلبية الأخيرة لترمب ليركزوا بدلاً من ذلك على كيف كان ترمب هو أول رئيس أميركي يبيع أسلحة فتاكة مباشرة لأوكرانيا. وخلال فترة ولايته الأولى، حصلت أوكرانيا على صواريخ جافلين المضادة للدبابات، والتي رفضت إدارة أوباما بيعها منذ فترة طويلة، والتي ساعدت في منع القوات الروسية من الاستيلاء على العاصمة في أوائل عام 2022. وأشار ترمب لاحقاً إلى تلك المبيعات، ليزعم أنه كان أكثر صرامة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الديمقراطيين.

السلام من خلال القوة

أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)

وقال دميتري كوليبا، الذي شغل منصب وزير خارجية أوكرانيا حتى سبتمبر (أيلول): «الأسلحة الأولى التي تلقتها أوكرانيا من الولايات المتحدة جاءت من رئيس يكره أوكرانيا». وقال إنه على الرغم من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب، فإن رئاسته قد تكون بداية حقبة من التغيير الإيجابي لأوكرانيا.

ورأى الأوكرانيون أن نهج إدارة بايدن المقيد تجاه المساعدات يضر بمصداقية الولايات المتحدة بوصفها ضامنةً للأمن العالمي. كما شعروا بالإحباط لأن بايدن أعرب عن دعمه لأوكرانيا، ولكن عندما يتعلق الأمر بقرارات الأسلحة الرئيسية اتخذ نهجاً متحفظاً، معرباً عن مخاوفه بشأن الانتقام الروسي. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ الأوكرانيون في التحدث عن حقبة جديدة لسياسة أميركا تجاه أوكرانيا، تقوم على مبدأ «السلام من خلال القوة». ويأملون أن يتردد صدى هذه الرسالة لدى ترمب، بخلاف ما كان الحال عليه مع بايدن.

موارد أوكرانيا أمام ترمب

وقال ميخايلو بودولياك، مستشار المكتب الرئاسي الأوكراني، إنه سيكون على كييف أن تشرح لترمب البراغماتية السياسية وراء دعم أوكرانيا. وقال: «نحن بحاجة إلى تزويد ترمب وممثلي إدارته بالمعلومات الأكثر شمولاً حول منطق العملية».

وتخطط أوكرانيا لوضع احتياطيات مواردها كفرص عمل مثمرة للأميركيين، مثل تخزين الغاز الطبيعي، وهو الأكبر في أوروبا، والمعادن، بما في ذلك الليثيوم، بوصفه أمراً قد يغير قواعد اللعبة في صناعة الرقائق الدقيقة والسيارات الكهربائية، وهو أمر قد يكون موضع اهتمام إيلون ماسك وأعماله في مجال السيارات الكهربائية أيضاً.

وفي حديثه على قناة «فوكس نيوز»، الأسبوع الماضي، وصف السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، أوكرانيا التي زارها مرات عدة طوال الحرب، بأنها موطن لتريليونات الدولارات من المعادن الأرضية النادرة. وقال: «أوكرانيا مستعدة لإبرام صفقة معنا، وليس مع الروس. لذا فمن مصلحتنا التأكد من عدم سيطرة روسيا على المكان».