بغداد تصعّد ضد الفصائل المسلحة بعد إعلانها الانخراط في حرب محتملة على إسرائيل

لافتات «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل» تغزو شوارع العاصمة

قوات أميركية في العراق (رويترز)
قوات أميركية في العراق (رويترز)
TT

بغداد تصعّد ضد الفصائل المسلحة بعد إعلانها الانخراط في حرب محتملة على إسرائيل

قوات أميركية في العراق (رويترز)
قوات أميركية في العراق (رويترز)

بينما كشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن اتصالات مباشرة مع الأميركان بشأن تجنب التصعيد وعدم تحويل العراق إلى ساحة حرب، أعلنت ما تعرف بـ«تنسيقية المقاومة العراقية»، الاثنين، عن قيامها بالرد إذا ما تعرضت إيران لقصف أميركي عبر الأجواء العراقية.

وقالت التنسيقية التي لم تعلن عن أسماء الفصائل المنضوية تحت لوائها، في بيان لها، إنه «مع استمرار تمادي قوى الاستكبار في اعتداءاتها الوحشية والغادرة بحق الشعوب ورجال مقاومتها، فإنها تواصل رعايتها ودعمها لأمن الكيان الصهيوني على حساب أمن المنطقة، دون اعتبار لسيادة العراق أو الدول الرافضة لسياساتها الإجرامية».

وأضاف أن «(تنسيقية المقاومة العراقية) غير ملزمة بأي قيود، إذا ما تورطت قوات الاحتلال الأميركي مرة أخرى باستهداف أبنائنا في العراق، أو استغلال أجوائه لتنفيذ اعتداءات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فإن ردنا حينها لن توقفه سقوف».

وفي الوقت الذي يأتي هذا الموقف بعد أيام من قيام فصيل غير معروف أطلق على نفسه «ثوريون» باستهداف قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق بصاروخين أديا إلى إصابة عدد من الجنود الأميركان، فإنه يأتي كذلك بعد سلسلة من الاتصالات التي تقوم بها بغداد مع الجانب الأميركي لتجنب التصعيد والحيلولة دون الانزلاق في حرب شاملة بعد تهديد إيران بالثأر لمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران الأسبوع الماضي. وفي هذا السياق، فقد صعّدت بغداد ضد الفصائل المسلحة، في موقف هو الأقوى من نوعه بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال شهر فبراير (شباط) عن بدء مباحثات مع التحالف الدولي في العراق، تلته هدنة بين الفصائل والأميركان.

وفي لقاء متلفز مساء الأحد كشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين استمرار الاتصالات بين العراق والولايات المتحدة الأميركية لتجنب التصعيد.

وفي معرض عمليات الاستهداف التي تتعرض لها القواعد العسكرية العراقية التي تضم مقاتلين أميركان، قال حسين إن «الأميركان أبلغونا رسمياً أنهم لن يضربوا أحداً ما لم يقم بقصفهم»، مبيناً في الوقت نفسه أن «الأميركان ليسوا أعداء لنا، بل لدينا معهم علاقات تاريخية واستراتيجية».

وتابع الوزير العراقي قائلاً إن «الأميركان يقولون لنا دائماً إننا ندافع عن أنفسنا». وأكد حسين حرص الحكومة العراقية على «عدم تحويل الساحة العراقية إلى ساحة حرب».

وبينما يصف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين طبيعة العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة بأنها استراتيجية، فإن الوصف التقليدي لهم، سواء من قبل الفصائل المسلحة أو قوى شيعية أخرى منخرطة في العملية السياسية، هو أنهم «أعداء».

وتعزز هذا الوصف لافتات مرفوعة الآن في شوارع بغداد تقول: «الموت لأميركا»، بالإضافة إلى «الموت لإسرائيل»، وهي على ما يبدو لافتات استباقية لاحتمالية الرد الإيراني على إسرائيل. ويعد الموقف الذي أعلنته ما تسمى «تنسيقية المقاومة العراقية» أمس ليس تصعيداً غير مسبوق فقط، بل نسف للهدنة التي أعلنتها الحكومة العراقية ووافقت عليها الفصائل المسلحة الموالية لإيران في وقت سابق، ولا سيما أن هذه الفصائل أعلنت رفع سقف المواجهة بلا حدود، وهو ما يعني دخول العراق رسمياً الحرب في حال قصفت إيران إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات وردت إسرائيل عليها.

واشنطن من جهتها، لا تزال تلتزم الصمت حيال إصابة مجموعة من جنودها في «عين الأسد» قبل أقل من أسبوع بعد جهود بذلها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع الجانب الأميركي لتجنب التصعيد. لكنه طبقاً لما تناقلته وكالات الأنباء الأسبوع الماضي، فإن الأميركان عبروا في اتصالات مباشرة مع الجانب العراقي عن انزعاجهم مما حصل في «عين الأسد» وعدم سكوتهم عما يمكن أن يحصل مستقبلاً.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أجرى مؤخراً اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تمحور حول أهمية عدم التصعيد وبقاء قواعد الاشتباك دون تغيير. لكن واشنطن بدت منزعجة من عملية استهدافها في «عين الأسد»، وهو ما جعل السلطات العراقية تسارع في البحث عن مُطلقي الصواريخ بعد تتبع لإحدى عجلاتهم، الأمر الذي أدى إلى اعتقال عدد منهم، ويخضعون الآن للتحقيق لمعرفة الجهة التي تقف خلفهم.



تراشُق مصري - «حمساوي» يفاقم صعوبات مفاوضات «الهدنة»

عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق (رويترز)
عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق (رويترز)
TT

تراشُق مصري - «حمساوي» يفاقم صعوبات مفاوضات «الهدنة»

عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق (رويترز)
عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق (رويترز)

أثارت تصريحات متلفزة لعضو المكتب السياسي في «حماس» موسى أبو مرزوق، بشأن دور مصر ووساطتها في إنهاء «حرب غزة»، انتقادات برلمانيين وإعلاميين مصريين، استنكروا «المزايدة» على مواقف القاهرة، وذلك قُبيل محادثات مرتقبة يقودها الوسطاء، الخميس، لبحث إبرام صفقة هدنة.

وبينما استبعد السفير محمد العرابي، رئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تتأثر علاقة الحركة بالقاهرة في ضوء ذلك التراشق، أكّد خبراء بالشأن الفلسطيني؛ أحدهما مقرّب من «حماس»، لـ«الشرق الأوسط»، «أهمية الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

أبو مرزوق، الذي سبق أن استضافته القاهرة لسنوات، تحدث في مقابلة متلفزة، السبت، عن أن «مصر لا يمكن أن تعدّ نفسها محايدة، وألا تقف إلى جانب المظلومين الفلسطينيين»، لافتاً إلى أن «القاهرة هي التي فقدت قطاع غزة».

وباعتقاد أبو مرزوق أن «مصر قادرة على وقف إطلاق النار وهذه المجازر في يوم واحد، في حين يواجه الشعب الفلسطيني مذابح مستمرة عبر الصواريخ، وعبر منع الدواء والغذاء عن قطاع غزة»، وفق تصريحاته الإعلامية.

موقف أبو مرزوق غير المعهود من «حماس» منذ أن بدأت تعيد علاقاتها مع مصر قبل سنوات، قُوبل بهجوم من مصريين؛ حيث استنكر عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، في تغريدة عبر حسابه بمنصة «إكس»، الاثنين، تصريحات القيادي الحمساوي، مخاطباً إياه بالقول: «أنت تدرك أن مصر لم تتخلَّ ولن تتخلَّ عن القضية الفلسطينية، رغم كل الضغوط، والشعب المصري وقيادته أبداً لم يقصروا منذ اليوم الأول، ونحن لسنا وسيطاً، ولسنا محايدين في قضية تمسّ الأمن القومي المصري والعربي».

وقال الإعلامي أحمد الطاهري، رئيس تحرير مجلة «روز اليوسف» (حكومية)، السبت، عبر فضائية «القاهرة الإخبارية»: إن «مصر تحمَّلت ما لم يتحمله أحد، منذ 7 أكتوبر حتى الآن على المستويات كافةً، في كثير من الأحيان كادت المفاوضات أن تقترب من النقطة التي يمكن من خلالها وقف القتال، وخلقت (حماس) الذريعة للمحتل، وبعد كل محاولات مصر خرج موسى أبو مرزوق ليزايد على مصر».

وانتقد الإعلامي نشأت الديهي، خلال برنامجه «بالورقة والقلم»، المذاع عبر شاشة «TEN»، السبت، أبو مرزوق، قائلاً: «نحن نتعامل بشرف وحكمة بالغة، لكن أن يأتي أقدم زعيم لحركة (حماس)، موسى أبو مرزوق، الذي كان مقيمًا في القاهرة، ويوصَف بأنه رجل عاقل، ويخطئ، فهذا أمر لا يمكن السكوت عنه، خطأ لا يجب أن يمرّ مرور الكرام».

لم يرد موسى أبو مرزوق، أو «حماس» على انتقادات الإعلاميين المصريين، بينما طالبت «حماس»، في بيان الأحد، الوسطاء بتقديم خطة لتنفيذ ما قاموا بعرضه على الحركة، ووافقت عليه في 2 يوليو (تموز) الماضي، استناداً لرؤية الرئيس الأميركي جو بايدن في نهاية مايو (أيار) الماضي، وإلزام الاحتلال بذلك، بدلاً من الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات، أو مقترحات جديدة توفر الغطاء لعدوان الاحتلال.

وبينما لم تعلق مصر رسمياً، على «عتاب أبو مرزوق»، أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الاثنين، خلال لقاء مع نظيره الرواندي، أوليفيي ندوهونجيريهي، بأن «هناك جهوداً مصرية دؤوبة لإنهاء الأزمة بغزة، من خلال التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، والحيلولة دون اندلاع حرب إقليمية واسعة»، وفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية.

وزير الخارجية المصري الأسبق ورئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية» محمد العرابي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر أفعال لا أبواق»، مؤكّداً أن «مصر هي السند، وتعمل لصالح الشعب الفلسطيني بكامله، وليس لفصيل معين».

وأكّد أهمية «ألا يكون هناك تغيير في موقف (حماس) في ظل قيادة جديدة لها»، في إشارة لتولّي يحيي السنوار رئاسة مكتبها السياسي خلفاً لإسماعيل هنية، الذي اغتِيل في طهران نهاية يوليو الماضي.

ويأتي ذلك التراشق بينما تقترب جولة مفاوضات جديدة يوم الخميس المقبل، دعت لها قادة الوساطة؛ الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وتوقع العرابي ألا يؤثر ذلك التراشق على العلاقة مع «حماس»، مستدركاً: «لكن المفاوضات القادمة قد تتأثر، ومع طلب (حماس) الذي يستلزم إعداداً جديداً قد يحتاج وقتاً، ليس بالضرورة أن تتم في الموعد المحدد».

وتعليقاً على تصريحات أبو مرزوق، قال الأكاديمي بالعلوم السياسية والقيادي بحركة «فتح»، جهاد الحرازين: «أي تصريحات من أي شخصية كانت لا يجب أن تؤثر على العلاقات بين الفلسطينيين ومصر، التي لم تتخلَّ عنهم في أي مرحلة، وفتحت أبوابها على مصراعيها لدعم حقوقهم».

فمصر قدّمت مساعدات إغاثية لغزة، وأنشأت مخيمات للنازحين، وتقود المطالب بحقوق الفلسطينيين في المنابر الدولية وعبر الوساطة، حسب الحرازين، الذي دعا لـ«عدم خلق عداء غير مبرَّر مع مصر»، بينما استنكر عدم انتقاد «حماس» دولاً، لم يسمّها، ترفع شعارات، ولم تقدّم أي شيء للقضية الفلسطينية، وتُضرّ بها.

في المقابل، يرى إبراهيم المدهون، المحلل السياسي الفلسطيني، المقرّب من «حماس»، أن تصريحات أبو مرزوق «حُرّفت عن معناها وقصدها الحقيقي، ولا تحمل أي إساءة لمصر»، مؤكداً أن «حماس وأبو مرزوق يحملان كل التقدير والثقة في الدور المصري».

ويعتقد أن تصريحات أبو مرزوق كانت تتطلع لتدخل مصري ودور مصري أكبر، بوصفها الدولة الأقدر على لَجْم إسرائيل، مشيراً إلى تصريحات سابقة له تشيد بالدور المصري، وتعتزم إهداء انتصار غزة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ويحث المدهون إعلاميّي مصر على عدم التراشق في تلك المرحلة الحرجة والجرح الفلسطيني غائر، مؤكداً أن «مصر هي الدواء، وهي التي تطبّب جروح فلسطين، ولا أحد يقبل لها أي إساءة».