ازدهار السوق السوداء لجوازات السفر السورية المزيفة

على الحدود التركية ـ السورية يباع جواز السفر الجديد مقابل 1800 دولار

جواز سفر سوري مزور عثر عليه بموقع تفجيرات باريس قبل أسبوع (واشنطن بوست)
جواز سفر سوري مزور عثر عليه بموقع تفجيرات باريس قبل أسبوع (واشنطن بوست)
TT

ازدهار السوق السوداء لجوازات السفر السورية المزيفة

جواز سفر سوري مزور عثر عليه بموقع تفجيرات باريس قبل أسبوع (واشنطن بوست)
جواز سفر سوري مزور عثر عليه بموقع تفجيرات باريس قبل أسبوع (واشنطن بوست)

يحمل الإرهابي الذي فجر نفسه خارج استاد فرنسا بصمات أصابع تضاهي بصمات رجل وصل إلى الشواطئ الأوروبية في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، برفقة مهاجرين يائسين جاءوا من تركيا، حسبما يفيد مسؤولون فرنسيون ويونانيون.
لكن جواز السفر السوري الذي وجد بجوار جثته، والذي سرعان ما أثار جدلاً سياسًيا في أوروبا والولايات المتحدة، كان مزيفًا.
جوازات السفر السورية المزورة ليست أمرا جديدا على طريق الهجرة من تركيا عبر أوروبا. في الواقع، لقد قدر مسؤولون ألمان هذا العام بأن نحو ثلث طالبي اللجوء زعموا بغير وجه حق أنهم سوريون.
يأتي ذلك لأن جواز السفر السوري أصبح غرضًا قيمًا، حيث تعهدت عدة دول أوروبية بمنح حق اللجوء للقادمين من هذا البلد الشرق أوسطي.
ويسعى طيف متنوع من الأفراد إلى الحصول على وثائق سورية مزيفة. كثيرون من بين هؤلاء يعرفون باسم المهاجرين الاقتصاديين الذين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى أوروبا بحثًا عن حياة أفضل، لكنهم لا يحظون بنفس الترحاب الذي يلقاه الفارون من أتون الصراع في سوريا والعراق وإريتريا. كانت «واشنطن بوست» قد ذكرت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي أنه بين فيض السوريين الهاربين من الحرب في بلادهم والذين يطلبون اللجوء في أوروبا، هناك مهاجرون آخرون - إيرانيون وباكستانيون ومصريون وصوماليون وكوسوفيون - ممن يدعي بعضهم أنهم سوريون.
ويبلغ الكثير من طالبي اللجوء الصحافيين وموظفي الإغاثة أنهم قادمون من سوريا، حتى لو لم يكونوا كذلك، على افتراض أن إسكافيًا سوريًا هرب من غارات القصف في حلب سيحظى بترحاب لن يناله مبرمج كومبيوتر قادم من كوسوفو.
وأصبح من المعروف على مسار الهجرة أن بعضًا من الذين لم يأتوا من سوريا يمزقون جوازات سفرهم الحقيقية في تركيا ويكتفون بالادعاء فحسب.
كان صحافيان، أحدهما لغته الأم هي العربية، قد تجولا عبر محطات السكك الحديدية في فيينا ووجدا أن الكثير من الوافدين الجدد لا تتطابق لهجاتهم مع رواياتهم، ورواياتهم ليست منطقية.
من جهته، قال رئيس وكالة الحدود الأوروبية (فرونتيكس) فابريس ليجيري إن مثل هؤلاء الأفراد يرون أن جوازات السفر السورية هي بطاقتهم لدخول الاتحاد الأوروبي.
وصرح ليجيري لمحطة الإذاعة الفرنسية «أوروبا 1» في سبتمبر بأن «هناك أشخاصًا في تركيا الآن يشترون جوازات سفر مزورة لأنهم يعرفون أن السوريين لديهم الحق في اللجوء إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي». وأضاف في تصريحاته، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن «الأشخاص الذين يستخدمون جوازات سفر سورية مزورة يتحدثون عادة العربية. وربما يأتون من شمال أفريقيا أو الشرق الأوسط، لكنهم ينتمون إلى فئة المهاجرين الاقتصاديين».
السوريون أنفسهم دخلوا إلى سوق الوثائق السورية المزيفة، أو جوازات السفر الرسمية التي تخص أناسًا آخرين. وصرحت إيفا مونكويور، الناطقة باسم فرونتيكس، لمحطة «إن بي آر» الإذاعية، في سبتمبر بأن «معظم جوازات السفر السورية المزيفة يستخدمها سوريون» وأن المهاجرين الذين يحملون بالفعل وثائق قانونية «هم الاستثناء».
وقالت مونكويور «لقد قدموا من بلد مزقه الحرب... وربما اضطر كثيرون منهم إلى مغادرة منزله على عجل. وربما لا يملك بعضهم جوازات سفر، كما أن الحصول على جواز سفر سوري في الوقت الراهن - ربما يكون شديد الصعوبة».
لقد اكتسبت تلك الجوازات قيمة كبيرة حتى أن السوريين الذين يحملون وثائق قانونية يمكن أن يكونوا عرضة للاستهداف من قبل المهربين. وتروي صحيفة «الغارديان» قصة مهاجر سوري يدعى محمد تعرض لسرقة جواز سفره.
كما أن مراسلاً يعمل مع صحيفة «ديلي ميل» البريطانية دفع 2000 دولار مقابل جواز سفر وبطاقة هوية ورخصة قيادة سورية اشتراها جميعًا في تركيا.
وعرض مهرب سوري، 38 عامًا، يعرف باسم «ملك البحار» لمجموعة من الكتاب في مجلة «نيو ريبابليك» الأميركية في تركيا مجموعة من وثائق الهوية التركية والسورية والأوروبية المزيفة التي تساوي آلاف الدولارات. كما أجرى مراسل لموقع «فوكاتيف» الإخباري مقابلة مع «تاجر» في السوق السوداء يبيع جوازات السفر السورية المزيفة على الحدود التركية - السورية. ويبيع جواز السفر الجديد مقابل 1800 دولار.
لكن جوازات السفر تلك ليست مزيفة من الناحية الفنية. وبحسب التاجر، عندما استولى المتمردون على بلدة أعزاز الحدودية السورية من أيدي القوات الحكومية، قاموا أيضًا بـ«تحرير» مكتب طباعة جوازات السفر. والآن أصبح هو وطاقمه من السماسرة والمهربين لديهم المعدات اللازمة لطباعة جوازات سفر جديدة، أو تغيير الجوازات القائمة. ويقول مبتسمًا عن ماكينة الطباعة «لقد صنعت في ألمانيا».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.