سنجار «قنبلة موقوتة» بعد 10 سنوات على «مذبحة» الإيزيديين

صراع الفصائل قد ينفجر في أي لحظة واتفاق التطبيع «معطل»

إيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بالإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» في الموصل في 3 يونيو 2024 (رويترز)
إيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بالإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» في الموصل في 3 يونيو 2024 (رويترز)
TT

سنجار «قنبلة موقوتة» بعد 10 سنوات على «مذبحة» الإيزيديين

إيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بالإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» في الموصل في 3 يونيو 2024 (رويترز)
إيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بالإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» في الموصل في 3 يونيو 2024 (رويترز)

قبل 10 سنوات، قام تنظيم «داعش» بقتل وآسر الآلاف من الإيزيديين العراقيين في هجوم عنيف وغير مسبوق على بلدة سنجار في صباح يوم 3 أغسطس (آب) 2014. اليوم، يخشى كثير من الناجين من تلك المجزرة العودة إلى موطنهم رغم دحر التنظيم في العراق.

وأظهرت مقابلات لـ«رويترز» مع عدد من الناجين أن القلق من الجماعات المسلحة التي تسيطر حالياً على المدينة يمنع كثيرين من العودة ومواجهة مصير مجهول بسبب نزاعات محتملة، وقابلة للتفجر.

وكان الهجوم بداية لما أصبحت حملة ممنهجة لقتل واسترقاق واغتصاب آلاف الإيزيديين، مما أصاب العالم بصدمة وأدى إلى تشريد معظم أفراد هذه الأقلية الدينية البالغ قوامها 550 ألف نسمة. وأُسر الآلاف وقتلوا في الهجوم.

ويُعتقد أن كثيرين آخرين لاقوا حتفهم في الأسر. وفر الناجون إلى سفوح جبل سنجار حيث ظل بعضهم لأسابيع بسبب حصار ضربه «داعش».

وكان هجوم التنظيم على الإيزيديين، وهم أقلية دينية قديمة تسكن شرق سوريا وشمال غرب العراق وتستمد معتقداتها من الزرادشتية والمانوية واليهودية والمسيحية والإسلام، في إطار جهوده لفرض سيطرته على شمال العراق وغربه.

وفي مرحلة ما، سيطر التنظيم على ثلث العراق وسوريا قبل أن يُدحر وينهار في عام 2019.

فهد قاسم (21 عاماً) ناجٍ إيزيدي يحمل هاتفاً يعرض صورة التقطت له أثناء اختطافه من قبل «داعش» (رويترز)

شهادة من أحد الناجين

كان فهد قاسم، أحد الذين قابلتهم «رويترز»، في الحادية عشرة من عمره حينما أسره مسلحو التنظيم في الهجوم على الإيزيديين.

ويعيش قاسم، وهو الآن في الحادية والعشرين من عمره، بشقة صغيرة على أطراف مخيم للاجئين بمنطقة كردستان العراق بعيداً عن مسقط رأسه.

وتدرب وهو طفل على أن يكون جندياً، وخاض معارك ضارية قبل تحريره مع انهيار التنظيم في الباغوز بسوريا عام 2019، لكنه كان قد فقد النصف الأسفل من ساقه في غارة جوية للقوات التي تقودها الولايات المتحدة.

وقال: «أُفضل أن أخرج من العراق»، موضحاً أنه ينتظر أنباء عن طلب تأشيرة إلى دولة غربية.

وأضاف: «بعد التعب مستحيل نبقى بمكان صار فيه كل هذا إللي شفناه (بعام) 2014»، موضحاً أن أولئك الذين يعودون يقولون إنهم يخشون أن يحدث لهم الشيء نفسه الذي حدث في عام 2014 مرة أخرى.

ويشارك كثيرون قاسم نفس شعور الإحجام عن العودة. وبعد 10 سنوات على ما وصفته العديد من الحكومات ووكالات الأمم المتحدة بأنه إبادة، لا تزال منطقة سنجار مدمرة إلى حد كبير.

والمدينة القديمة في سنجار عبارة عن أكوام من الحجارة الرمادية والبنية، كما تحولت أماكن مثل قرية كوجو، حيث قُتل المئات، إلى مدن أشباح متهدمة.

ويزيد من صعوبة العودة محدودية الخدمات وإمدادات الكهرباء والمياه الرديئة وشكوى السكان من التعويضات الحكومية غير الكافية لإعادة الإعمار.

صراع على السلطة

يزيد الوضع الأمني ​​من تعقيد الأمور، إذ بقيت مجموعة من الجماعات المسلحة التي قاتلت لتحرير سنجار في هذه الزاوية الاستراتيجية من العراق وتتمتع بالسلطة الفعلية على الأرض.

وذلك رغم اتفاق سنجار لعام 2020 التي دعت مثل هذه الجماعات إلى المغادرة وإلى تعيين رئيس بلدية وتشكيل قوة شرطة من السكان المحليين.

وتشن تركيا ضربات متكررة بطائرات مسيرة على مقاتلين متحالفين مع «حزب العمال الكردستاني» المحظور. وسقط قتلى من المدنيين في هذه الهجمات مما يعزز الشعور بعدم الأمان.

وتدافع آختين انتقام (25 عاماً)، وهي قائدة في «وحدات حماية سنجار» التابعة لـ«حزب العمال الكردستاني»، وهي أحد الفصائل المسلحة في المنطقة، عن استمرار وجودهم هناك.

وقالت: «نحن نسيطر على هذه المنطقة ونحن مسؤولون عن حماية سنجار من كل الهجمات الخارجية».

وفي حديثها من غرفة مزينة بصور زملائها الذين قتلوا، وعددهم يزيد عن 150، شككت آختين في اتفاقية سنجار.

وقالت: «سنقاتل بكل قوتنا ضد كل من يحاول تنفيذ هذه الخطة. لن تنجح أبداً».

مدينة سنجار (رويترز)

جهود حكومية

ومع استمرار الجمود، تعاني سنجار من غياب أي شكل من أشكال التنمية. وتتلقى الأسر العائدة مبلغ ثلاثة آلاف دولار تقريباً من الحكومة يُدفع لمرة واحدة.

فيما لا يزال أكثر من 200 ألف إيزيدي في كردستان يعيش العديد منهم في مخيمات متهالكة. وتسعى الحكومة العراقية إلى تفكيك هذه المخيمات، وتصر على أن الوقت قد حان لعودة الناس إلى ديارهم.

ونقلت «رويترز» عن خلف سنجاري مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الإيزيديين «لا يمكنك إلقاء اللوم على الناس لفقدان الأمل. حجم الضرر والنزوح كبير للغاية وعلى مدار سنين لم يحدث شيء يذكر لمعالجته».

وأوضح سنجاري، وهو إيزيدي، أن الحكومة مهتمة حقاً بتطوير سنجار.

وتخطط الحكومة لإنفاق مئات الملايين من الدولارات، بما في ذلك الميزانيات التي لم تنفق منذ عام 2014، على التطوير والبنية التحتية، بما يشمل دفع التعويضات وبناء مستشفيين جديدين وجامعة وربط سنجار بشبكة المياه في البلاد لأول مرة. وأضاف سنجاري: «هناك أمل في إعادة الحياة».

إيزيديون عراقيون يشاركون في طقوس دينية بمعبد لالش في قضاء شيخان بالقرب من دهوك بالعراق (رويترز)

التاريخ قد يعيد نفسه

ومع ذلك، فإن وجود ما يقدر بنحو 50 ألف مقاتل من تنظيم «داعش» وعائلاتهم عبر الحدود في سوريا في مراكز احتجاز ومخيمات يثير المخاوف من أن يعيد التاريخ نفسه.

كما أن مساعي بعض المشرعين العراقيين لإقرار قانون عفو ​​عام يمكن أن يؤدي لإطلاق سراح العديد من السجناء المنتمين للتنظيم من السجون العراقية يغذي هذه المخاوف، كما يعبر نواب من قوى شيعية.

كما توقفت مساعي الإيزيديين لتحقيق العدالة، إذ أنهت الحكومة هذا العام مهمة للأمم المتحدة سعت إلى المساعدة في تقديم مقاتلي تنظيم «داعش» للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم دولية، مشيرة إلى عدم وجود تعاون بينها وبين البعثة.

ورغم التحديات، اختار بعض الإيزيديين العودة. فقرر فرهاد بركات علي، وهو ناشط وصحافي إيزيدي نزح بسبب تنظيم «داعش»، العودة قبل عدة سنوات.

وقال من منزله في مدينة سنجار في ظل حر خانق ناجم عن انقطاع التيار الكهربائي: «لا أشجع الكل على العودة إلى سنجار، ولكنني لا أشجعهم أيضاً على البقاء في مخيمات النازحين».

وأضاف: «العيش في مسقط رأسك هو أمر يمكن للناس أن يفخروا به».


مقالات ذات صلة

تقرير: ميليشيات عراقية تهدد بمعاودة استهداف القوات الأميركية مع تصاعد التوترات الإقليمية

المشرق العربي جنود أميركيون في بلدة الكوير شمال العراق (رويترز)

تقرير: ميليشيات عراقية تهدد بمعاودة استهداف القوات الأميركية مع تصاعد التوترات الإقليمية

كشفت مجلة «نيوزويك» الأميركية، الجمعة، عن تحذير ميليشيات عراقية من أنها يمكن أن تستأنف المشاركة في الهجمات على القوات الأميركية مع استمرار تصاعد التوترات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
شؤون إقليمية لقطة جوية لميناء «الفاو» منطلق مشروع «طريق التنمية» العراقي (أرشيفية - رويترز)

تركيا والعراق لإكمال «طريق التنمية» في 2025

أكد وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أن عام 2025 سيشهد استكمال البنى التحتية لمشروع «طريق التنمية» الممتد من أقصى جنوب العراق إلى تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عنصر من «الحشد الشعبي» يبكي أمام صورة زميله الذي قتل بهجوم «جرف الصخر» (إ.ب.أ)

رد عراقي «منضبط» على هجوم «جرف الصخر»

لا يتوقع وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أن تُكثف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران هجماتها في العراق وسوريا.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
الولايات المتحدة​ جندي أميركي يقف حاملاً سلاحه في قاعدة عسكرية قرب الموصل بالعراق (رويترز)

وزير الدفاع الأميركي: لا نتوقع تزايد الهجمات على قواتنا في العراق وسوريا

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (الأربعاء)، إنه لا يتوقع حاليا أن تكثف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران هجماتها ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي السوداني يتوسّط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض ورئيس أركانه «أبو فدك» (أرشيفية - إعلام حكومي)

النجباء تتوعّد بـ«أبواب جهنم»... و«الحشد» لإخراج الأميركيين «فوراً»

طالب «الحشد الشعبي» بإخراج القوات الأميركية من العراق «فوراً» رداً على اغتيال زعيم حركة «حماس» إسماعيل هنية، والغارة الجوية التي استهدفت فصائل مسلحة جنوب بغداد.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

إسرائيل تقبض على الشيخ عكرمة صبري بعد خطبة تحدث فيها عن إسماعيل هنية

الشيخ عكرمة صبري إمام وأحد خطباء المسجد الأقصى في القدس خلال وصوله لمركز التحقيق في 8 مايو 2023 (أ.ف.ب)
الشيخ عكرمة صبري إمام وأحد خطباء المسجد الأقصى في القدس خلال وصوله لمركز التحقيق في 8 مايو 2023 (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقبض على الشيخ عكرمة صبري بعد خطبة تحدث فيها عن إسماعيل هنية

الشيخ عكرمة صبري إمام وأحد خطباء المسجد الأقصى في القدس خلال وصوله لمركز التحقيق في 8 مايو 2023 (أ.ف.ب)
الشيخ عكرمة صبري إمام وأحد خطباء المسجد الأقصى في القدس خلال وصوله لمركز التحقيق في 8 مايو 2023 (أ.ف.ب)

أوقفت الشرطة الإسرائيلية، الجمعة، إمام وأحد خطباء المسجد الأقصى في القدس الشيخ عكرمة صبري للتحقيق معه بشبهة «التحريض على الإرهاب»، بعد خطبه تحدث فيها عن إسماعيل هنية، وفق ما أفاد به محاميه.

وأكّدت الشرطة، في بيان، أنه «بعد موافقة النيابة العامة، فتحنا تحقيقاً مع إمام يشتبه في أنه أدلى بتصريحات تتعلّق بإسماعيل هنية، الزعيم السابق لمنظمة (حماس) الإرهابية، وبدأت الشرطة في فحص الاشتباه بالتحريض ودعم الإرهاب خلال خطبة صلاة ظهر الجمعة».

وقال المحامي حمزة قطينة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الشيخ عكرمة صبري من منزله في القدس الشرقية، واقتادته إلى المسكوبية (مركز تحقيق تابع للأمن العام الداخلي شين بيت). وسيتناول التحقيق الاشتباه بأنه حرّض على الإرهاب».

وأضاف قطينة: «نعى الشيخ عكرمة صبري خلال خطبة الجمعة إسماعيل هنية ووصفه بالشهيد». وكان الشيخ صبري (85 عاماً) قد قال في وقت سابق إنه يتعرض للملاحقة منذ عام 2001، مشيراً إلى استدعائه المتكرّر للتحقيق، ومنعه من السفر ودخول الضفة الغربية المحتلة وغيرها.

وقالت الشرطة: «هذه ليست المرة الأولى التي تحيل فيها الشرطة الخطيب للاشتباه بقيامه بأعمال تحريض إلى التحقيق». وقدّمت النيابة العامة الإسرائيلية في نهاية الشهر الماضي لائحة اتهام ضد الشيخ عكرمة صبري «بعد أن حرّض على الإرهاب، وأشاد بالإرهابيين»، وفق ما أعلنت في حينه.

وجاءت لائحة الاتهام بعد زيارته عدداً من عائلات شبّان فلسطينيين نفّذوا هجمات بإطلاق النار على قوات إسرائيلية. وقال بيان النيابة، آنذاك: «إن صبري قام خلال الزيارتين بتصوير مقاطع فيديو أشاد خلالها بالإرهابيين والأعمال الإرهابية، وتعاطف معهم».

وأكد صبري، الشهر الماضي، أن «تقديم التعازي أمر ديني... لا يعني أننا نؤيد ما قام به الأبناء، ولا يحقّ لأحد تجييره إلى شأن سياسي أو أن يعده إرهابياً».

ويقع المسجد الأقصى في صلب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وتسيطر القوات الإسرائيلية على مداخل الموقع الذي تتولّى إدارته دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن.