تحديث برمجي أمني يعطل ملايين الأجهزة العاملة بنظام «ويندوز 10» حول العالم

شلل في حركة الملاحة والاتصالات والخدمات المالية عالمياً

تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)
تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)
TT

تحديث برمجي أمني يعطل ملايين الأجهزة العاملة بنظام «ويندوز 10» حول العالم

تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)
تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)

لم يكن ما أصبح عليه الملايين حول العالم يوم الجمعة إلا دليلاً آخر على أن حياتنا تعتمد على شيء واحد؛ تكنولوجيا الإنترنت. ففي اللحظة التي تتوقف فيها الإنترنت تتوقف أعمال كثيرين، بل حياتهم.

وهذا ما حدث بالفعل عندما أعلنت عدة المطارات وشركات ووسائل نقل ومواقع إنترنت عن تعطيل أصاب أجهزة الكومبيوتر التي تعمل بنظام التشغيل «ويندوز 10» لديها.

يتم تحديث المنتجات بانتظام للتعامل مع التهديدات الإلكترونية الجديدة المحتملة وغالباً ما تتم إضافة أدوات جديدة تلقائياً إلى أجهزة الكومبيوتر (أ.ف.ب)

ماذا حدث؟

لم يكن هجوماً سيبرانياً كما يظن البعض عادة عند حدوث وضع كهذا، بل المشكلة تتعلق بالجانب البرمجي في إحدى شركات الأمن السيبراني التي تسمى «كراود سترايك».

لكن ما علاقة «كراود سترايك» بأنظمة «ويندوز»؟

المسألة تتعلق بأحد البرامج الكثيرة التي تقدمها «كراود سترايك» لعملائها يدعى «كراود سترايك فالكون» (CrowdStrike Falcon). تصف الشركة البرنامج بأنه يوفر «مؤشرات هجوم في الوقت الفعلي، وكشفاً دقيقاً للغاية، وحماية آلية» من التهديدات السيبرانية المحتملة، وتستخدمه آلاف الشركات حول العالم لحماية بياناتها، وليس «مايكروسوفت» فقط. ويُعتقد أن الخادم الخاص بذلك المنتج قد تعطل، وأدى إلى العطل العالمي في منتجات «مايكروسوفت».

من المعروف أن شركات الأمن السيبراني تجري تحديثات منتظمة لمنتجاتها للتعامل مع التهديدات الإلكترونية، لكن كيف يمكن أن يؤدي تحديث إلى تعطل بهذا الشكل؟ يقول ماركو مسعد، الخبير في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» من واشنطن، إن «المشكلة قد تعود إلى (الكود) الذي تم استخدامه لبناء التحديث، ولم تظهر أي مشاكل فيه بالشكل الصحيح خلال مراحل الاختبار والجودة». وبما أن «كراود سترايك» لم تنشر تحليلاً تقنياً مفصلاً عن الحادث بعد، يشكّ مسعد في أن التحديث نفسه قد جعل مستشعر «فالكون» يعمل بشكل أكبر، وطريقة أحسن، ما يؤدي إلى تداخل مع نظام الحماية الخاص بـ«ويندوز»، الذي يكون قد رأى أن هذا التحديث هو « تهديد» بحد ذاته، ما أدى إلى توقيفه عن العمل نتيجة عدم وجود ربط بين نقاط النهاية بين «فالكون» ونظام الحماية في «ويندوز».

ولتوضيح ذلك، يضرب مسعد مثالاً بأن يكون لديك جهاز إنذار في منزلك، ويأتي حارس للتأكد من وجود خطر ما، فيعدّ جهاز الإنذار أن الحارس هو التهديد بحد ذاته، فيقوم بقفل الأبواب.

محللون: الشركة المسؤولة عن انقطاع خدمة «مايكروسوفت» ليست في الواقع شركة «مايكروسوفت» على الإطلاق (إ.ب.أ)

شركة الأمن السيبراني الأميركية أعلنت في وقت سابق من هذا الأسبوع عن تحديث «Falcon»، مشيرة إلى أنه سيوفر «سرعة ودقة غير مسبوقة» لكشف الاختراقات الأمنية. ولم تذكر حتى الآن إذا كانت لذلك التحديث علاقة مباشرة بالتعطل الذي حدث يوم الجمعة.

وفور الحادث، سارعت «كراود سترايك» عبر منصة «X» إلى القول إنها «على علم بتقارير الأعطال التي تحدث على نظام التشغيل (ويندوز) فيما يتعلق بمستشعر (فالكون)»، مؤكدة أن مستخدمي «ماك» و«لينكس» لم يتأثروا بذلك.

وفي مقابلة مع شبكة «NBC» يوم الجمعة، قال جورج كورتز، الرئيس التنفيذي ورئيس «كراود سترايك»، إن الشركة «تأسف بشدة للتأثير الذي سبّبناه للعملاء والمسافرين وأي شخص تأثر بهذا الأمر».

وقوبل المتصلون بالخط الهاتفي للدعم الفني للشركة برسالة هاتفية مسجلة، تفيد بأنهم على علم بالمشكلات صباح اليوم. كما نصحت «كراود سترايك» العملاء المتأثرين بتسجيل الدخول إلى بوابة خدمة العملاء الخاصة بهم للحصول على المساعدة.

أما «مايكروسوفت» فقالت، في بيان، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنها « على علم بالمشكلة، التي حدثت في 18 يوليو (تموز)، والتي أثّرت على مجموعة فرعية من عملاء (أزور) Azure الذين لديهم موارد في منطقة جنوب وسط الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مجموعة فرعية من عملاء (Microsoft 365) في أميركا. سيشهد جميع العملاء تقريباً انتعاشاً في هذه المرحلة». إلا أن ماركو مسعد يرى، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك جانباً من المسؤولية يقع على عاتق «مايكروسوفت»، إذ «كان يجب أن تحمي نفسها ولا تلجأ إلى طرف آخر»، في إشارة إلى الحماية الأمنية التي تقدمها «كراود سترايك» لنقاط النهاية الخاصة بـ«مايكروسوفت»، ما قد يؤدي إلى الاختراقات وتعطل الخوادم.

يرى خبراء تقنيون أن معظم أجهزة الكومبيوتر المتأثرة ستحتاج إلى إعادة الضبط اليدوي إلى نقطة زمنية سابقة واحداً تلو آخر (شاترستوك)

ما الحل إذن؟

بالرغم من أن «كراود سترايك» تراجعت عن التحديث الذي سبّب المشكلة، فإن هذا لا يحل الأمر لدى أجهزة الكومبيوتر التي تأثرت بالفعل وعرضت «شاشة الموت الزرقاء»، ما يشير إلى خطأ فادح، وتم إجبارها على الدخول في عملية تمهيد ومنعها من التشغيل.

وما يزيد من تفاقم المشكلة أنه لا يبدو أن هناك حلاً عالمياً وسهلاً لهذه المشكلة. ستحتاج معظم أجهزة الكومبيوتر المتأثرة إلى إعادة ضبطها يدوياً لنقطة زمنية سابقة، واحداً تلو آخر. وإلى أن تصبح تلك الأجهزة قابلة للتشغيل، لن تتمكن من تلقي آخر تحديث من «كراود سترايك». ونصحت الشركة عملاءها بتشغيل الأجهزة المتأثرة في «الوضع الآمن»، ومن ثم حذف ملف معين. وقال متحدث باسم الشركة: «نحيل العملاء إلى بوابة الدعم للحصول على آخر التحديثات، وسنستمر في تقديم تحديثات كاملة ومستمرة على موقعنا الإلكتروني».

هل هو الحادث الأول؟

لا، بل إن آخر مرة حدث فيها انقطاع للإنترنت على نطاق واسع كان عندما تعطلت خدمة تسمى «فاستلي» (Fastly) عام 2021، وقتها نتج هذا الانقطاع عن خلل برمجي في أنظمة «فاستلي»، مزودة شبكة توصيل المحتوى (CDN). وقد تأثر عدد كبير من مواقع الويب والخدمات عبر الإنترنت نتيجة ذلك لمدة ساعة فقط! وقد سلطت تلك الحادثة حينها الضوء على أهمية إجراء اختبار قوي للبرامج، والتأثير المحتمل لأخطاء البرامج البسيطة على البنية التحتية الحيوية. وتم تنفيذ التغييرات بسرعة على أنظمة «فاستلي» لمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.

من هي «كراود سترايك»؟

إنها واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا الأمن السيبراني في العالم، تقدر قيمتها بأكثر من 80 مليار دولار. وتُعرف تقنيتها النموذجية باسم اكتشاف نقطة النهاية والاستجابة لها، وهو نوع من برامج مكافحة الفيروسات يستخدم للتعامل مع تهديدات القرصنة. تأسست «كراود سترايك» منذ 11 عاماً في ولاية تكساس الأميركية، وغالباً ما يتم استدعاؤها من قبل المنظمات بعد حدوث انتهاكات كبيرة للأمن السيبراني للتحقيق في الأخطاء التي حدثت. وتشمل هذه الأحداث اختراق شركة «Sony Pictures» عام 2014.

ما حدث الجمعة هو تذكير بمدى دعم الإنترنت من خلال البنية التحتية المشتركة، ما يجعلها عرضة لمشكلات واسعة النطاق مثل هذه. والآثار التي شهدناها في تراجع أسعار أسهم كثير من الشركات وتعطل أعمالها، أثّرت أيضاً على كثير من الأشخاص على المستوى الفردي، بدءاً من تعطيل خطط العطلات إلى منع الوصول إلى خدمات الطوارئ.


مقالات ذات صلة

هدايا لعشاق الألعاب الإلكترونية

تكنولوجيا جهاز «بلايستيشن 5 برو»

هدايا لعشاق الألعاب الإلكترونية

قد يكون من الصعب شراء هدايا لأصدقائك من عشاق الألعاب الإلكترونية المتمرسين فيها، فربما يمتلكون بالفعل اللعبة أو الأدوات المكملة لها، التي اشتريتها لهم أو ربما…

جيسون كاتشو (واشنطن)
تكنولوجيا «إيكو» من أمازون

أفضل مساعدات الصوت الذكية

تتحكم بالأجهزة الذكية الأخرى بأمر صوتي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا سماعات أذن لاسلكية حقيقية

سماعات أذن لاسلكية حقيقية

مصممة لمحبي الأنشطة الخارجية

غريغ ايلمان (واشنطن)
تكنولوجيا معالج «غوغل ويلو» الكمومي الأسرع بالتاريخ

أبرز المنجزات التقنية خلال عام 2024

انتهى عام 2024 الذي شهد كثيراً من المنجزات والأخبار التقنية على صعيد الأجهزة الشخصية وخدمات الذكاء الاصطناعي وشبكات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية…

خلدون غسان سعيد (جدة)
علوم اختبار تشخيص السكري يعتمد على تسجيل صوتي بسيطة مدته 25 ثانية (معهد لوكسمبورغ للصحة)

إنجازات 2024 العلمية: الذكاء الاصطناعي يقود «ثورة»... واكتشافات فلكية «غير مسبوقة»

حقبة من التحولات الكبيرة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا والطب مع انتشار الذكاء الاصطناعي

محمد السيد علي (القاهرة)

«سبيس إكس» تختبر مركبة «ستارشيب» في نشر نماذج أقمار اصطناعية

صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)
صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)
TT

«سبيس إكس» تختبر مركبة «ستارشيب» في نشر نماذج أقمار اصطناعية

صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)
صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» (حساب الشركة عبر منصة «إكس»)

قالت شركة «سبيس إكس»، المملوكة لإيلون ماسك، اليوم الجمعة، إن رحلة الاختبار التالية لمركبة «ستارشيب» ستشمل أول محاولة للصاروخ لنشر حمولات في الفضاء تتمثل في 10 نماذج من أقمار «ستارلينك» الاصطناعية، وهذا يمثل دليلاً محورياً على قدرات «ستارشيب» الكامنة في سوق إطلاق الأقمار الاصطناعية.

وذكرت «سبيس إكس»، في منشور عبر موقعها على الإنترنت: «أثناء وجودها في الفضاء، ستنشر (ستارشيب) 10 نماذج لأقمار ستارلينك الاصطناعية تُماثل حجم ووزن الجيل التالي من أقمار ستارلينك الاصطناعية، بوصفه أول تدريب على مهمة نشر أقمار اصطناعية»، وفقاً لوكالة «رويترز».

ومن المقرر مبدئياً أن تنطلق رحلة مركبة «ستارشيب»، في وقت لاحق من هذا الشهر، من منشآت «سبيس إكس» مترامية الأطراف في بوكا تشيكا بولاية تكساس.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عادت المرحلة الأولى من صاروخ «سوبر هيفي» إلى الأذرع الميكانيكية العملاقة في منصة الإطلاق للمرة الأولى، وهذا يمثل مرحلة محورية في تصميمها القابل لإعادة الاستخدام بالكامل.

وحققت رحلة الاختبار السادسة للصاروخ، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التي حضرها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، أهدافاً مماثلة للمهمة، إلى جانب عودة الصاروخ «سوبر هيفي» الذي اضطر للهبوط على الماء في خليج المكسيك بسبب مشكلة بمنصة الإطلاق.

ومركبة «ستارشيب» هي محور أعمال إطلاق الأقمار الاصطناعية في المستقبل لشركة «سبيس إكس»، وهو المجال الذي يهيمن عليه حالياً صاروخها «فالكون 9» القابل لإعادة الاستخدام جزئياً، بالإضافة إلى أحلام ماسك في استعمار المريخ.

وتُعد قوة الصاروخ، التي تتفوق على صاروخ «ساتورن 5» الذي أرسل رواد «أبولو» إلى القمر في القرن الماضي، أساسية لإطلاق دفعات ضخمة من الأقمار الاصطناعية إلى مدار أرضي منخفض، ومن المتوقع أن تعمل على توسيع شبكة «ستارلينك» للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية التابعة للشركة بسرعة.

ووقّعت شركة «سبيس إكس» عقداً مع إدارة الطيران والفضاء «ناسا» لإرسال رواد فضاء أميركيين إلى القمر، في وقت لاحق من هذا العقد، باستخدام مركبة «ستارشيب».

وأصبح ماسك، مؤسس شركة «سبيس إكس» ورئيسها التنفيذي، حليفاً مقرَّباً من ترمب الذي جعل الوصول إلى المريخ هدفاً بارزاً للإدارة المقبلة.