استمرار توترات البحر الأحمر «يعمِّق» أزمة قناة السويس المصرية

«الهيئة» أعلنت تراجع الإيرادات

حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)
حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)
TT

استمرار توترات البحر الأحمر «يعمِّق» أزمة قناة السويس المصرية

حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)
حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)

تحولت «المخاوف» من تأثير توترات البحر الأحمر على قناة السويس المصرية إلى «واقع» مع إعلان القاهرة، الخميس، عن تراجع كبير في الإيرادات «يعمِّق» أزمة خامس أكبر مصدر للدخل بالعملات الأجنبية في البلاد.

ووفق بيان رسمي للهيئة، الخميس، فإن إيرادات قناة السويس المصرية، خلال العام المالي 2023-2024 انخفضت بنسبة 23.4 بالمائة، مقارنة بالعام المالي السابق عليه، مع اتجاه بعض شركات الشحن إلى طرق بديلة لتجنب هجمات «الحوثيين» في البحر الأحمر.

ويبدأ العام المالي في مصر في الأول من يوليو (تموز) وينتهي في 30 يونيو (حزيران) من كل عام.

وتستهدف جماعة «الحوثي» في اليمن، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سفناً بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، تقول إنها «مملوكة أو تشغلها شركات إسرائيلية»، وتأتي الهجمات رداً على الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتجنب المرور في البحر الأحمر وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، رغم ما يسببه هذا التغيير من ارتفاع في تكلفة الشحن المالية والزمنية.

وكانت إيرادات قناة السويس في المتوسط لا تتجاوز 7 مليارات دولار، قبل أن تحدث طفرات وتسجل نحو 10 مليارات، إثر زيادة رسوم العبور من جهة، وزيادة مرور ناقلات النفط عقب تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية في 2022، قبل أن تدفع هجمات الحوثيين إيرادات القناة لتراجع لافت.

وعقب شهرين من الحرب وتصاعد هجمات الحوثيين، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، «انخفاض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 42 في المائة»، قبل أن تتحدث وزارة المالية المصرية في مايو (أيار) عن تراجعات بعائدات القناة بنسبة بلغت 60 في المائة.

أرقام رسمية

والخميس، كشف الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، في لقاء بالإسماعيلية (شرق) مع الفريق أول مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأميركية، أن «حركة الملاحة العابرة بالقناة تأثرت بشدة من تداعيات أزمة البحر الأحمر»، وفق بيان للهيئة.

ووفق ربيع، «دفعت التحديات الأمنية العديد من ملاك ومشغلي السفن إلى اتخاذ طرق بديلة للقناة بما انعكس سلباً على معدلات عبور السفن بالقناة».

ويعكس ذلك التراجع، إحصاءات الملاحة بالقناة خلال العام المالي 2023/ 2024؛ إذ سجلت عبور 20148 سفينة بإجمالي حمولات صافية قدرها مليار طن محققة إيرادات قدرها 7.2 مليار دولار، مقابل عبور 25911 سفينة خلال العام المالي 2022/ 2023 بإجمالي حمولات صافية قدرها 1.5 مليار طن، محققة إيرادات قدرها 9.4 مليار دولار، وفق بيان لهيئة قناة السويس.

وباعتقاد المسؤول المصري، فإن تلك التوترات «أثبتت أنه لا يوجد بديل حقيقي لقناة السويس حيث أدى اتخاذ طرق بديلة للقناة إلى زيادة مدة الرحلة البحرية وارتفاع التكاليف التشغيلية، والتأثيرات البيئية الضارة مع ارتفاع نسبة الانبعاثات الكربونية، وتكدس الموانئ البحرية وتأخر وصول البضائع».

ولمحاولة تقليل تأثير الأوضاع الراهنة، تعمل قناة السويس بالتواصل المباشر مع العملاء واستحداث حزمة من الخدمات الملاحية الجديدة لم تكن متاحة من قبل، وفق الفريق أسامة ربيع، دون توضيح تفاصيل أكثر بشأنها.

خطط استراتيجية

الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال إن تراجع الإيرادات رغم أنه يعمق أزمة الهيئة كمصدر مهم للعملة، فإن الحكومة عند وضع خطتها تعرف أن هناك حداً أدنى وحداً أعلى وفق الظروف الطارئة التي قد تحدث، وكذلك تضع خططاً استراتيجية للتعامل مع الأزمات، وهو ما بدأته القاهرة بالفعل عبر تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كأحد المحاور التنموية الواعدة لتعظيم موارد البلاد وعدم الاكتفاء فقط بمرور السفن الذي بات مهدداً.

ويعتقد أن الحكومة المصرية جادة في مسألة تنويع مصادر إيرادات قناة السويس، وكذلك لدى الفريق أسامة ربيع رؤية مهمة في هذا الصدد شملت حزمة من الحوافز الاستثمارية الجديدة لمستثمري المنطقة لتعزيز تنافسيتها ضمن مثيلاتها الإقليمية.

حرب غزة

وعن الربط بين حرب غزة وأزمة قناة السويس، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد حجازي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن القاهرة تبذل كل طاقتها للحفاظ على الممر الحيوي دون تأثر وبشكل لا يحول دون توقف تدفق الموارد النقدية الأجنبية، وذلك عبر تقديم حوافز وتعزيز الخدمات.

وتدرك مصر، وفق السفير محمد حجازي، أن استمرار التوترات في البحر الأحمر وتراجعات القناة نتيجة ما يحدث في غزة، وتعول على دور دولي في إنهاء الحرب وعودة الملاحة البحرية لطبيعتها، مؤكداً أن المواجهات المندلعة بين الولايات المتحدة والحوثيين في البحر الأحمر بمثابة «رد خاطئ لسؤال إجابته واضحة»، وتتمثل في دفع واشنطن لإسرائيل لوقف الحرب وليس فتح جبهات صراعات جديدة. إلا أن النحاس يتوقع أن الحوثيين بعد انتهاء أزمة الحرب «لن يخرجوا من البحر الأحمر بلا مقابل»؛ وبالتالي تعظيم إيرادات القناة عبر تنويع مصادرها أمر مهم في الفترة المقبلة، ضارباً المثل بإنشاء منطقة بالقناة لاستقبال السفن السياحية للمرور والاستفادة من الإنفاق المتوقع منه خلال الاستراحة بالممر المصري.

وتعوق هجمات الحوثيين حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي يمر عبره 12 في المائة من التجارة العالمية، ما استدعى تدشين أميركا لـ«تحالف الازدهار» في ديسمبر (كانون الأول) لمواجهة التهديدات الأمنية في البحر الأحمر، والذي شن ضربات متكررة على مواقع للحوثيين في اليمن، قالت إنها «تستهدف تعطيل وإضعاف قدرة الجماعة على تهديد الملاحة وتقويض حركة التجارة العالمية»، تلاه إعلان أوروبا في فبراير (شباط) إطلاق مهمّة للمساعدة في حماية الملاحة الدولية تحت اسم «أسبيدس».

وحول ما يثار بشأن أهمية وجود دور إيراني لإيقاف هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر والحديث عن تقارب القاهرة وطهران، قال السفير محمد حجازي، إنه «يجب النظر بشكل شامل للأزمة، فمساعي إعادة العلاقات المصرية - الإيرانية (الحالية) أكبر من أزمة الحوثيين، وتأتي ضمن رؤية شاملة لمحاور استقرار المنطقة».


مقالات ذات صلة

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

شؤون إقليمية فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

في سابقة تاريخية، كرست مذكرة اعتقال أصدرتها «المحكمة الجنائية الدولية»، أمس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «مطلوباً دولياً» جراء اتهامه مع آخرين

«الشرق الأوسط» (عواصم)
المشرق العربي هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي (وزارة الدفاع)

إسرائيل تستقبل هوكستين بغارات على ضاحية بيروت

استقبلت إسرائيل، المبعوث الأميركي آموس هوكستين، بغارات مكثفة على الضاحية الجنوبية لبيروت ومدينة صور في الجنوب، بعد ساعات على وصوله إلى تل أبيب قادماً من بيروت،

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي كتائب «حزب الله» العراقية رهنت مصير «وحدة الساحات» بما يقرره «حزب الله» اللبناني (إكس)

العراق يحمّل أميركا مسؤولية أي هجمات إسرائيلية عليه

أفادت الحكومة العراقية بأن الولايات المتحدة، تتحمّل، وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية، مسؤولية «الردع والرد على أي هجمات خارجية تمس الأمن

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب (أ.ب)

إلغاء زيارة وزير الخارجية الهولندي لإسرائيل

ذكرت وكالة الأنباء الهولندية «إيه إن بي»، اليوم الخميس، أن زيارة مقررة لوزير الخارجية الهولندي إلى إسرائيل أُلغيت.

«الشرق الأوسط» (أمستردام )

الرئيس الصيني زار المغرب والتقى بولي العهد

الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
TT

الرئيس الصيني زار المغرب والتقى بولي العهد

الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)

ذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قام بزيارة قصيرة إلى المغرب في وقت سابق الخميس.

وقالت الوكالة إن ولي العهد الأمير مولاي الحسن يرافقه رئيس الحكومة عزيز أخنوش استقبلا الرئيس الصيني في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء مشيرة إلى أن الزيارة تعكس روابط الصداقة والتعاون والتضامن القوية بين الشعبين المغربي والصيني. وقام شي بالزيارة بعد حضوره قمة مجموعة العشرين في البرازيل.

كثفت الصين استثماراتها في قطاع البنية التحتية والسكك الحديدية في المغرب في السنوات الأخيرة. ويجذب المغرب مصنعي بطاريات السيارات الكهربائية الصينيين في ظل موقعه الجغرافي بالقرب من أوروبا، واتفاقياته للتجارة الحرة مع أسواق رئيسية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وصناعة السيارات القائمة في المملكة.

وفي يونيو (حزيران)، اختارت شركة "جوشن هاي تك" الصينية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية المغرب مقرا لأول مصنع ضخم في إفريقيا بتكلفة إجمالية تبلغ 1.3 مليار دولار.