أولمبياد لندن 1948: القيامة من بين الأنقاض... والتحية للأم بلانكرز

فاني بلانكرز (أ.ف.ب)
فاني بلانكرز (أ.ف.ب)
TT

أولمبياد لندن 1948: القيامة من بين الأنقاض... والتحية للأم بلانكرز

فاني بلانكرز (أ.ف.ب)
فاني بلانكرز (أ.ف.ب)

اُختيرت لندن لتنظيم النسخة الرابعة عشرة للأولمبياد عام 1948 وكانت تمثّل الأمل والمقاومة في الوقت عينه خلال الحرب العالمية الثانية قبل نحو ثلاثة أعوام.

مثلّت إعادة إحياء ما تهدّم في الرياضة عموماً، علماً أنه كان من المقرّر أن تستضيف طوكيو دورة 1940، إلا أنها انسحبت لصالح هلسنكي على أن تنظّم لندن دورة 1944.

وتأثرت عدة دول بالحرب العالمية الثانية فغاب معظم أبطالها والذين شاركوا بدوا في مستوى ضعيف. وفي وقت اتّحد العالم من جديد، غيّبت تبعات الحرب ألمانيا واليابان عن الموعد الكبير، الذي استمرّت الولايات المتحدة في صدارة ترتيب قائمة ميدالياته مع 38 ذهبية بفارق كبير عن السويد (16) وفرنسا (10).

وللمرّة الأولى خطفت المرأة أضواء النجومية من الرجال، وانتزعت العداءة الهولندية «فاني» بلانكرز كون (30 عاماً وأم لثلاثة أولاد) أربع ذهبيات في 100م و200م والتتابع 4 مرات 100م و80م حواجز. وفاز التشيكوسلوفاكي إميل زاتوبيك بذهبية 10 آلاف م، معلناً بدء «عصره» وباتت مواطنته بطلة الجمباز ماري بروفازنيكوفا أول رياضية أولمبية شرقية تفرّ إلى الغرب، وتميّز الفنلندي فيكو هوهتانن في الجمباز، فحصد ثلاث ذهبيات.

وجمعت مصر خمس ميداليات في إنجاز كبير لها، إذ فاز إبراهيم شمس بذهبية رفع الأثقال للوزن الخفيف، محمود فياض بذهبية الريشة، عطية حمودة في فضية الخفيف، محمود حسن في فضية المصارعة اليونانية الرومانية لوزن الديك، وإبراهيم عرابي ببرونزية وزن الخفيف الثقيل.

سباق الـ100 متر للسيدات في أولمبياد 1948 (أ.ف.ب)

الملك واقفاً: جرى افتتاح ألعاب لندن في استاد ويمبلي الشهير، وأعلنه الملك جورج السادس الذي تسمّر واقفاً على مدى ساعتين محيّياً الوفود المشاركة في طابور العرض وكان محاطاً بالعائلة المالكة ومن ضمنها الملكة الراحلة إليزابيث الثانية. وواظب على حضور غالبية المسابقات كونه كان يعشق الرياضة ومنافساتها.

بذل الإنجليز جهوداً كبيرة لإنجاح الألعاب على رغم البؤس المنتشر عقب الحرب. قال الصحافي جيمس كوت من «ديلي تلغراف»، وكان يومها فتىً صغيراً «كانت الألعاب بالنسبة للشعب احتفالاً غير مسبوق ليس على الصعيد الرياضي فحسب، بل على صعيد الحياة اليومية لأنها الأولى من نوعها بعد الحرب».

تابع: «كان يعيش أوضاعاً صعبة ولا يمكن أن يكفي حاجاته اليومية من اللحوم والسكر، والفواكه شبه مفقودة في مدينة مدمّرة لا توجد فيها فنادق. لذا حرصت عدة وفود على إحضار طعامها معها. وأقام الرياضيون في معسكرات القوة الجوية».

وأجريت المنافسات وسط طقس متقلّب مزعج يتراوح بين المطر الغزير والشمس الحارة، وتميّز عدد من الوفود بكثافة مشاركة الضباط الرياضيين، خصوصاً إنجلترا وفرنسا.

ولفت الأنظار في لندن الحضور الأميركي الذي تميّز مرّة جديدة، وتمكّن السباح والتر ريس من إحراز ذهبية 100 متر حرة (57.3 ث)، وحقق ويليام سميث رقماً أولمبياً في 400م حرة (4:41 د)، وبرز مالفن ويتفيلد في جري 800م وأحرز الذهبية مسجّلاً زمناً قدره 1:49.2د.

وعاد الذهب في المسابقة العشارية للأميركي بوب ماتياس، وحلّ ثانياً الفرنسي أنياس هنريش، الذي جند إجبارياً في الجيش الألماني خلال الحرب كونه من الألزاس، فعاش الجحيم على الجبهة الشرقية، وأسر مع مجموعة من الفرنسيين من قبل الروس، «واعتبرونا متطوعين لمقاتلتهم لأننا من بروسيا الشرقية، فأساءوا معاملتنا».

آلان ميمون (أ.ف.ب)

الجندي زاتوبيك: وفي الدورات السابقة، كانت سيادة المسافات المتوسطة والطويلة عموماً للفنلنديين، غير أن الجندي التشيكوسلوفاكي زاتوبيك (27 عاماً) حضر ليسطّر تاريخاً جديداً لألعاب القوى.

تواجد في لندن الفرنسي ألان ميمون، شاب نحيف لا يلفت الأنظار، عامل مقهى فقير كان يتدرّب صباحاً قبل بدء دوام عمله الممتد حتى منتصف الليل، وهو العداء العصامي الذي لم يحظَ بمساعدة أحد أو دعمه.

اُختير ميمون في صفوف المنتخب الفرنسي عن طريق «الصدفة» وقال «المرض أخّر استعدادي، فلم أوفّق في سباق 10 آلاف متر في بطولة فرنسا، وفي الليلة ذاتها قرّرت خوض سباق 5 آلاف متر، وحللت ثانياً من دون أي تخطيط مسبق. وفي لندن كانت الأنظار مصوّبة على زاتوبيك، حتى أن مدلك البعثة الفرنسية رفض تمديد ساقي قبل سباق 10 آلاف مت، لان مهمّته ببساطة محصورة بالأبطال».

كانت الحرارة شديدة خلال سباق 10 آلاف متر وكان هم ميمون تحقيق نتيجة جيّدة لا أكثر «وجدت نفسي صامداً في مقابل تراجع كثر أو توقفهم وبينهم عدد من المرشحين، لم أصدق أنني كنت في كوكبة المقدمة، ولمحت زاتوبيك يسرّع الخطى ويتقدّمني ثم يفوز وأنا خلفه، أمر عجيب!».

لكن ما أذهل ميمون وأزعجه تعليق الصحافة الفرنسية في اليوم التالي وتساؤلها عن خلفية هذا «المغمور»، الذي حلّ ثانياً «إنه من أفريقيا الشمالية استفاد من الطقس الحار ليحقق هذه النتيجة!».

يتحدّر ميمون من عائلة متواضعة، لكنه موهوب رياضياً منذ الصغر، كان قائد فريق لكرة القدم في سن العاشرة، وتفوّق في سباقات الدراجات، وهو في الخامسة عشرة على من هم في العشرين، لكنه كان يلعب الكرة حافي القدمين، وحذاء الرياضة الذي اشترته له والدته مخصّص لذهابه إلى المدرسة، ومرّة لما شاهده والده ينتعله ليلعب الكرة، كان نصيبه الضرب.

حقق زاتوبيك مبتغاه الأوّل وصوّب أنظاره نحو ذهبية سباق 5 آلاف متر، لكن البلجيكي غاستون ريف كان له بالمرصاد. وأقيم السباق في 12 أغسطس (آب)، وعمد ريف إلى «الالتصاق» بزاتوبيك، وتجاوزه خلال اللفة الأخيرة، محققاً رقماً أولمبياً جديداً.

وبات ريف أول بلجيكي يحصد ذهبية أولمبية في ألعاب القوى، وحمل أحد شوارع مدينته برن هالن اسمه، كما أطلق على ملعبها.

ومسك ختام استعراض «ذكريات» دورة لندن عن النجمتين الهولندية الطائرة فاني بلانكرز كون والفرنسية «الفنانة» ميشلين أوسترماير.

فاني بلانكرز (أ.ف.ب)

هيمنت فاني، واسمها الأصلي فرنسينا، على سباقات السرعة حاصدة أربع ذهبيات على غرار العداء الأميركي جيسي أوينز في دورة برلين 1936، وهي حققت 11.9 ث في 100م و24.4 ث في 200 م، وأسهمت في فوز بلادها في التتابع 4 مرات 100 م، وسجلت 11.2 ث في 80م حواجز، وبين التصفيات والنهائيات، فازت «فاني» في 11 سباقاً على مضمار موحل في غضون ثمانية أيام.

واللافت أن «فاني» شاركت في دورة برلين قبل 12 عاماً، حيث حلّت سادسة في الوثب العالي وفي البدل 4 مرات 100م، وكان أفضل إنجازاتها في ذلك العام، حصولها على توقيع الأسطورة أوينز.

أما عازفة البيانو الفرنسية أوسترماير، فنالت ذهبيتي مسابقتي الكرة الحديد (13.75 م) ورمي القرص (41.92 م) وحلّت ثالثة في الوثب العالي، فارضةً التساؤل كيف تزاول عازفة مرهفة ألعاب القوى، لا سيما أن الموسيقيين يخافون على أيديهم؟ وهي كانت تجد في الرياضة راحةً لهما.

اعتبرت أوسترماير «فلتة» رياضية منذ صغرها، موهوبة ومجتهدة، حفظت أحرف الأبجدية في عمر السنتين ونصف السنة، وباتت في سن السابعة تسبق أقرانها الفتيان في الجري وقدّمت حفلتها الموسيقية الأولى في سن الثانية عشرة، حتى أنها أحرزت الجائزة الأولى للكونسرفتوار الفرنسي عام 1946 في باريس.

في اليوم التالي توجت بطلةً لفرنسا في الكرة الحديد في بوردو، وقبل ثلاثة أسابيع من ألعاب لندن، لم تكن قد زاولت رمي القرص فتعلّمت مبادئه سريعاً وتأهلت للمسابقة وفيها راحت تحسّن رقمها في المحاولات تباعاً حتى أحرزت اللقب.


مقالات ذات صلة

«البريميرليغ»: سيتي يواصل السقوط

رياضة عالمية لاعبو مانشستر سيتي يخرجون من الملعب في حزن بعد الهزيمة من فيلا (أ.ب)

«البريميرليغ»: سيتي يواصل السقوط

واصل مانشستر سيتي حامل اللقب تدهوره أكثر فأكثر، وذلك بسقوطه على أرض أستون فيلا 1 - 2، السبت، في المرحلة السابعة عشرة من الدوري الإنجليزي.

«الشرق الأوسط» (برمنغهام)
رياضة عالمية لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان (رويترز)

لويس إنريكي: من الصعب تحسين تشكيلتنا لأنها قوية بالفعل

قال لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، إن فريقه سيركز على تطوير المواهب الشابة بدلاً من البحث عن تعزيزات في فترة الانتقالات الشتوية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية مدرب يوفينتوس تياغو موتا (إ.ب.أ)

موتا: آمل أن أرى شيئاً جيداً ضد مونزا

يأمل مدرب يوفينتوس، تياغو موتا، في العودة إلى طرق الانتصارات عندما يستضيف مونزا صاحب المركز 19 الأحد.

«الشرق الأوسط» (تورينو)
رياضة عالمية كارلو أنشيلوتي يؤكد أن فترة تأقلم كيليان مبابي قد انتهت (أ.ف.ب)

أنشيلوتي: أحذِّر المنافسين... فترة تأقلم مبابي انتهت

حذَّر المدرب الإيطالي لريال مدريد، كارلو أنشيلوتي، منافسي فريقه من أن فترة تأقلم النجم الفرنسي كيليان مبابي قد انتهت الآن.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية مدرب إيفرتون شون دايك (رويترز)

دايك: أحظى بدعم ملّاك إيفرتون الجدد

قال شون دايك، مدرب إيفرتون المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، إنه يحظى بدعم ملّاك النادي الجدد.

«الشرق الأوسط» (ليفربول)

مرة أخرى... أوسيك البطل بلا منازع

أوسيك يرفع جائزة السيف السعودي بعد فوزه باللقب (رويترز)
أوسيك يرفع جائزة السيف السعودي بعد فوزه باللقب (رويترز)
TT

مرة أخرى... أوسيك البطل بلا منازع

أوسيك يرفع جائزة السيف السعودي بعد فوزه باللقب (رويترز)
أوسيك يرفع جائزة السيف السعودي بعد فوزه باللقب (رويترز)

مرة أخرى، أثبت الأوكراني أليكسندر أوسيك أنه ملاكم لا يشق له غبار، بعدما انتصر على البريطاني تايسون فيوري في نزال الإعادة ليحافظ على لقب الوزن الثقيل.

 

آل الشيخ وإلى جانبه الممثل جيسون ستاثام (دازن)

 

وفاز أوسيك بقرار الحكام وبـ"الإجماع" بعد 12 جولة خيالية على الحلبة المقامة خصيصا لهذا الحدث في ملعب المملكة أرينا.

وبعد نهاية النزال العالمي والذي شهده العديد من مشاهير الرياضة والفن داخل الحلبة ومن بينهم الممثل جيسون ستاثام. توج المستشار تركي آل الشيخ أوسيك باللقب على أرض الحلبة.

 

 

السعودي محمد العقل بعد تغلبه على أوكامبو (موسم الرياض)

 

وفي النزالات الأخرى، فاز لي مكغريغور على إسحاق لوي في نزال، والأوكراني "بوهاتشوك" على البريطاني "ديفز" بالنقاط ضمن نزالات مواجهة الإعادة . كما دخل الملاكم السعودي محمد العقل التاريخ بعد انتصاره على جوشوا أوكامبو في أول نزالات.

 

النزال امتد إلى 12 جولة بين الملاكمين (رويترز)

 

يذكر أن المواجهة الأولى بين فيوري وأوسيك التي أُقيمت في مايو (أيار) 2024، شهدت فوز أوسيك بقرار منقسم بين الحكام، ليحقّق لقب بطل العالم الموحد في الوزن الثقيل. وكانت هذه النتيجة نقطة تحول كبيرة في عالم الملاكمة، خصوصاً بالنظر إلى مكانة فيوري بطلاً للمنظمة العالمية للملاكمة.

 

ملعب المملكة أرينا كما بدا قبل النزال (رويترز)

 

ولم يشهد هذا القرن نزاعاً على لقب بطل العالم للوزن الثقيل غير المنازع، حتى تمكّن آل الشيخ من حل القضايا المستعصية والتوصل إلى اتفاق بشأن أول مباراة بين فيوري وأوسيك وكذلك الثانية.

 

 

وقد استضاف «استاد المملكة» الكثير من الأحداث المهمة، بما في ذلك مباريات الملاكمة، ودورات كرة القدم، والحفلات الموسيقية، مما عزّز سمعة الرياض بصفتها وجهة مميزة للأحداث العالمية.

وكان «المجلس العالمي للملاكمة» قد منح آل الشيخ جائزة «رجل العام»، تقديراً لإسهاماته الكبيرة، وبفضل جهوده في هذه الرياضة.

وأصبحت الرياض الآن أكثر من مجرد مدينة في الشرق الأوسط، فهي مركز حيوي ومتطور يجذب أفضل الرياضيين والأحداث الدولية، ويحظى باهتمام عالمي.

 

 

ومع استمرار الرياض في استضافة أحداث رياضية كبرى، مثل مباراة فيوري وأوسيك، من الواضح أن دور المدينة في المشهد الرياضي العالمي سيستمر في النمو. ومن المؤكد أن مستقبل الرياض بصفتها عاصمة رياضية عالمية سيكون أكثر إشراقاً من أي وقت مضى.