وسط غياب الرعاية والإحصائيات... اضطرابات نفسية تخنق اليمنيات

منظمة أممية: ربع السكان إصاباتهم في حاجة إلى التدخل الصحي

جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
TT

وسط غياب الرعاية والإحصائيات... اضطرابات نفسية تخنق اليمنيات

جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)
جلسة توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في مخيمات النازحين في اليمن (الأمم المتحدة)

بينما تقدر تقارير دولية أن ربع سكان اليمن يعانون اضطرابات نفسية؛ تتضاعف معاناة النساء من تلك الاضطرابات، في ظل تدني إمكانية حصولهن على العلاج والدعم النفسيين لأسباب تتعلق بانهيار المنظومة الصحية والتمييز القائم على النوع الاجتماعي.

وتشهد المنظومة الصحية في اليمن انهياراً عاماً، خصوصاً تلك التي طالتها الحرب وآثارها، ومراكز تجمع النازحين، بالإضافة إلى عموم المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، حيث تعاني النساء ضغوطاً نفسية وعقلية نتيجة مضاعفة أعباء الحرب بسبب النزوح واضطرارهن إلى تحمل المزيد من الضغوط والقيود والمخاوف.

بسبب الحرب تضاعفت معاناة اليمنيات ووقعت غالبية الأعباء المعيشية على كواهلهن (رويترز)

تذهب أمل عبد النور، وهي ناشطة مجتمعية، إلى أن مخيمات النزوح وضواحي المدن تحظى بالقسط الأوفر من حالات الاضطرابات النفسية التي يكاد انتشارها يشبه الوباء، حسب تعبيرها، وبينما يكون لدى الذكور وسائل للتخفف أو الهروب من الضغوط المؤدية لتلك الاضطرابات، تكاد تلك الوسائل تنعدم تماماً لدى النساء.

من خلال عملها واطلاعها على بيانات عدد من المنظمات المحلية والدولية، وجدت أمل عبد النور أن العائلات في ضواحي المدن ومخيمات النزوح تحتل مرتبة الأشد فقراً، ويجد أفرادها صعوبة في الوصول للتعليم أو الترفيه، «بل إنها تعجز في الأصل عن توفير احتياجاتها الغذائية؛ ما يجعلها بيئة خصبة للاضطرابات النفسية».

«الاضطرابات النفسية التي تصيب الذكور بفعل الأوضاع المعيشية وتأثيرات الحرب، تنتقل تأثيراتها إلى النساء بأشكال مختلفة». هذا ما وصلت إليه عزة أحمد، وهي اختصاصية نفسية تشارك في المسوح الميدانية لعدد من المنظمات، وقد تكون تلك التأثيرات أشد خطورة بحسب الاختصاصية؛ «كونهن يواجهن اضطرابات الذكور، إما مدفوعات بالواجب الأسري أو خاضعات لممارسات الذكور وضغوط المجتمع».

أعباء مضاعفة

تظهر تقارير المنظمات الأممية أن معدلات انتشار الاضطرابات النفسية في اليمن تختلف بين الجنسين؛ إلا أنها لا تورد إحصائيات تكشف هذه التباينات.

وتبيّن عزة أحمد لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من النساء تضطرهن الحالات النفسية الصعبة لأولادهن أو أزواجهن أو أشقائهن إلى مواجهة المزيد من الأعباء المنزلية لرعايتهم وحمايتهم من المزيد من التدهور أو من إيذاء أنفسهم أو الآخرين، كما يحاولن توفير الراحة لهم ومنع تعرضهم للتنمر والمضايقات، في الوقت نفسه الذي يكون عليهن توفير الرعاية لآخرين وأحياناً اكتساب الرزق بأيديهن.

مرضى نفسيون يتجولون في ساحة في منشأة طبية مهملة في العاصمة صنعاء تحت سيطرة الجماعة الحوثية (رويترز)

«لكن الأسوأ من ذلك أن يكون الأب أو الشقيق الأكبر، وحتى الأصغر، أو الزوج، مصاباً باضطراب نفسي مرتبط بسلوك عنف»، تضيف الاختصاصية: «وفي بيئة يسيطر عليها التمييز القائم على النوع الاجتماعي، فإن النساء قد يتعرضن لتعنيف خطير يؤدي إلى إصابتهن باضطرابات نفسية يصعب التعافي منها».

يزيد غياب الأمن والحماية القانونية القوية للنساء، من صعوبة الوصول إليهن لتقديم العون القانوني أو الرعاية الصحية، فبحسب إفادة الناشطة وداد عبده لـ«الشرق الأوسط»، لا تجرؤ النساء على البوح بمعاناتهن حتى لفرق المنظمات الدولية والمحلية خلال زياراتها النادرة والمحدودة لمخيمات النزوح والأحياء المزدحمة بالسكان الفقراء والمعدمين.

وتأسف الاختصاصية النفسية في تعز نجلاء سلطان من عدم الإفصاح عن الإحصائيات الخاصة بالاضطرابات النفسية للنساء اليمنيات، فطبقاً لمعلوماتها، توجد الكثير من الجهات التي عملت على مسوح بحثية ميدانية، وحصلت على بيانات كافية لتقييم الوضع النفسي لليمنيات بشكل عام.

امرأة تتلقى المشورة في مركز متخصص للصحة النفسية يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان (الأمم المتحدة)

لكن، وكما تقول نجلاء سلطان لـ«الشرق الأوسط»، تكتفي المنظمات والجهات بجمع تلك البيانات وتضمينها أبحاثها التي لم يتم الإعلان سوى عن القليل منها؛ وهو ما يساهم في حرمان النساء حتى من الكشف عن معاناتهن الخطيرة، وبقائهن قيد المعاناة دون الحصول على الدعم الكافي في مواجهة أوضاع قاسية تلحق بالمجتمع الكثير من الخسائر.

سكان بلا رعاية صحية

كشفت منظمة الصحة العالمية حديثاً عن أن نحو 25 في المائة من سكان اليمن يعانون اضطرابات نفسية تستدعي التدخل والرعاية، بعد أن ألحق الصراع والأزمة الإنسانية المطولة في اليمن أضراراً جسيمة بالصحة البدنية والعقلية للسكان.

ووفق تقديرات الصحة العالمية؛ فإن واحداً من كل أربعة أشخاص في اليمن يعاني اضطرابات نفسية تتطلب التدخل، وهذا العبء المرتفع من المرض؛ إلى جانب الوصمة والخرافات، ونقص الأطباء النفسيين وعلماء النفس، والمَرافق التي تحتاج بشدة إلى الإصلاح، يتسبب في حواجز مستمرة أمام الوصول إلى الرعاية.

وأكدت المنظمة الأممية أن تعزيز الرعاية الصحية العقلية يمثل مجال عمل رئيسياً لمنظمة الصحة العالمية كجزء من مشروع رأس المال البشري الطارئ مع البنك الدولي، والذي قال أرتورو بيسيجان، ممثل المنظمة في اليمن إنه يأتي بدعم من البنك الدولي من خلال مشروع الرعاية الصحية الأولية.

مرضى نفسيون في فناء إحدى منشآت الطب النفسي في مدينة تعز جنوب غرب اليمن (أ.ف.ب)

وأطلقت المنظمة والبنك الدولي استراتيجية وطنية للصحة العقلية، وشرَعَا في مراقبة الاضطرابات العقلية باستخدام نظام «DHIS2»، وهو أداة لجمع وتقديم البيانات الإحصائية المجمّعة والمرتكزة على المريض والتحقق منها وتحليلها، مصممة للأنشطة المتكاملة لإدارة المعلومات الصحية.

ووفقاً لبيسيجان؛ درّب البنك والمنظمة أكثر من 150 عاملاً صحياً على مستوى المرافق والمديريات لتحسين رعاية الصحة العقلية، وأنشآ 19 عيادة تركز على الرعاية المجتمعية، وإعادة تأهيل مناطق رئيسية بـ3 مستشفيات للأمراض النفسية، وهي: مستشفى عدن للأمراض النفسية، ومستشفى الطلح في صعدة، ومستشفى تعز للأمراض النفسية، بما يتماشى مع خطط الإدارة البيئية والاجتماعية التي أقرّها البنك الدولي.


مقالات ذات صلة

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

العالم العربي خلال سنوات التمرد الحوثية اكتشف الجيش اليمني شبكة أنفاق في محافظة صعدة (إعلام محلي)

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مع تصاعد تهديد إسرائيل للحوثيين فرَّ قادة الجماعة إلى كهوف صعدة شمالاً وتحصّن آخرون في حي الجراف شمال صنعاء، واستنفروا قطاع الصحة، وسط مخاوف السكان من التداعيات

محمد ناصر (تعز)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)
رياضة عربية فرحة عبد الله الحمدان بهدفه القاتل في شباك اليمن (تصوير: سعد العنزي)

خليجي 26: رغم الفوز... الأخضر باهت

حقق المنتخب السعودي الفوز على منتخب اليمن 3-2، الأربعاء، ليحصد أول ثلاث نقاط له في المجموعة الثانية بكأس الخليج لكرة القدم (خليجي 26) التي تستضيفها الكويت

«الشرق الأوسط» (الكويت)
العالم العربي عناصر حوثيون يحملون مجسماً لصاروخ وهمي خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

إسرائيل تستقبل خامس هجوم حوثي خلال أسبوع

نفّذ الحوثيون خامس هجماتهم هذا الأسبوع باتجاه إسرائيل على الرغم من الردود الانتقامية المتوقعة من جانب تل أبيب والمخاوف التي تسيطر على الشارع اليمني.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يستنفرون استعداداً لضربات إسرائيلية أشدّ

الحوثيون يستنفرون استعداداً لضربات إسرائيلية أشدّ

رفع الحوثيون حالة الجاهزية القتالية إلى أعلى مستوياتها، ودفعوا بأغلب قواتهم إلى مناطق خطوط التماس مع القوات الحكومية تحسباً لضربات إسرائيلية أكثر شدة.

محمد ناصر (تعز)

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)
مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)
TT

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)
مسيرة للمجندين الحوثيين في شوارع صنعاء (إعلام حوثي)

مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن، وإعلان الجماعة المدعومة من إيران حالة الطوارئ القتالية والطبية، بات السكان في صنعاء والحديدة يخشون مصيراً مماثلاً لما حدث في لبنان، خصوصاً أن قادة الجماعة فروا وتحصنوا في كهوف صعدة، في حين تحول حي الجراف شمال العاصمة المختطَفة إلى نسخة من الضاحية الجنوبية في بيروت.

وبينما كرَّر المسؤولون الإسرائيليون تهديداتهم بتوجيه ضربات مماثلة لتلك التي استهدفت «حزب الله»، وحددوا أهدافهم في مدينتي صنعاء والحديدة، أبدى سكان في المدينتين مخاوفهم من مصير مجهول، إذا مضت تل أبيب في تنفيذ تهديدها.

واتهم السكان الحوثيين بتركيز اهتمامهم على تأمين قادتهم ومخازن أسلحتهم وترك المدنيين يواجهون مصيراً مجهولاً في ظل انعدام الأمن الغذائي؛ حيث يحتاج 80 في المائة من السكان إلى المساعدات الغذائية.

وتقول إسرائيل إن الحوثيين أطلقوا، منذ أكتوبر (تشرين الأول)، عام 2023، المئات من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة والصواريخ على أراضيها، مستهدفين مدناً ومدارس ورياض أطفال، كما شنوا اعتداءات على نحو 100 سفينة كانت تبحر في مضيق باب المندب.

وبحسب وزير الخارجية الإسرائيلي، غدعون ساعر، فإن الحوثيين يشكلون تهديداً؛ ليس فقط على إسرائيل بل على المنطقة والعالم برمته، وأن تهديدهم المباشر لحرية الملاحة في أحد مسارات الإبحار الأكثر اكتظاظاً يُعد تحدياً للمجتمع الدولي والنظام العالمي، وأن أول ما يجب عمله هو الإعلان عن هذه الحركة منظمة إرهابية، وفق تعبيره.

وترى تل أبيب أن الحوثيين يشكلون ذراعاً لإيران التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة؛ حيث تقوم طهران بتمويل وتزويد هذا النظام بالأسلحة وتساعده من الناحية العملياتية.

اختباء القادة

على غرار الضاحية الجنوبية في بيروت، يذكر سكان ومصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين حوَّلوا حي الجراف القريب من مطار المدينة إلى منطقة مغلقة على قادتهم وأنصارهم، مستنسخين تجربة «حزب الله» اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبينت المصادر أنه وإلى ما قبل اجتياح صنعاء كانت عائلات تنتمي لسلالة الحوثي قد حولت الحي إلى مكان شبه مغلَق عليها حيث كانت تمتلك مساحات من الأرض هناك منذ عهد حكم أسلافهم قبل 1962. وبعد ذلك عمدت هذه الأسر إلى شراء مساحات إضافية حتى أصبحت تهيمن على الحي.

خلال سنوات التمرد الحوثية اكتشف الجيش اليمني شبكة أنفاق في محافظة صعدة (إعلام محلي)

ووفق هذه المصادر، فإن الحوثيين، وعند اجتياحهم صنعاء، كانوا ينظمون مظاهراتهم في شارع المطار المقابل لذلك الحي الذي يتمركز فيه قياداتهم وأنصارهم، لتوافر ما يعدونها الحاضنة الشعبية، خلافاً لبقية أحياء المدينة. ومع الأيام، أصبح مقرهم المركزي في هذا الحي الذي يسكنه أيضاً أبرز قادتهم السياسيين؛ حيث فرضت الجماعة قبضة أمنية مشددة عليه ترصد تحركات سكانه والداخلين إليه.

من جهتها، رجحت مصادر أمنية يمنية، بينها مسؤولون أمنيون سابقون في محافظة صعدة، حيث المعقل الرئيسي للجماعة الحوثية (شمال) وجود عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة ومكتبه في الكهوف الجبلية في منطقة مطرة التابعة لمديرية مجز في صعدة.

وبينت المصادر أن الجماعة عملت طوال سنوات التمرد على الحكومة المركزية، منذ عام 2004، وبمساعدة من خبراء إيرانيين وآخرين من «حزب الله»، على بناء مراكز للقيادة والسيطرة في الكهوف الجبلية الحصينة في تلك المنطقة.

وبحسب هذه المصادر، فإنه، وعقب مقتل حسين الحوثي مؤسس الجماعة، قرَّر والده، بدر الدين الحوثي، الانتقال، برفقة نجله عبد الملك، الذي عيَّنه خلفاً لأخيه في قيادة الجماعة إلى منطقة مطرة الجبلية، والإقامة فيها مستفيداً من تضاريسها الحصينة.

وخلال إقامة الجماعة هناك، تحصَّنوا في كهوفها من ضربات القوات الحكومية، قبل أن يستعينوا بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني وآخرين من «حزب الله» لتوسعة هذه الكهوف وتهيئتها لتكون ملائمة للإقامة والعمل؛ حيث لم تتمكن القوات الحكومية خلال 5 سنوات من المواجهات من اقتحام المنطقة.

مخابرات الحوثيين واصلت تحذير السكان من الحديث عن المواقع المستهدفة بالضربات (إعلام حوثي)

المصادر ذكرت أن عبد الملك الحوثي حافظ على بقائه في تلك المنطقة، وأنه كان ينتقل في بعض الأوقات إلى صنعاء، لكنه مستمرّ في مقابلة زائريه بمنطقة ضحيان التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن مدينة صعدة، وهذه المنطقة تتبع أيضاً مديرية مجز.

أما بخصوص القادة العسكريين للجماعة الانقلابية، فتذكر المصادر أن هؤلاء اعتادوا على استخدام الفنادق أو المباني الجامعية أو مرافق ملحقة بالمستشفيات كمقار للاختباء وقيادة العمليات العسكرية. وكانت القوات الحكومية تتجنَّب ضرب هذه المواقع خشية وقوع ضحايا في أوساط المدنيين.

مخاوف السكان

أبدى سكان في مناطق سيطرة الحوثيين خشيتهم من أن يكونوا ضحايا لأي عملية عسكرية إسرائيلية جديدة. ويقول عبد الله يحيى، وهو أحد سكان صنعاء، إنهم «سلموا أمرهم لله؛ فلم يعد لديهم إمكانية لشراء المواد الغذائية لمواجهة أي طارئ»، كما أنه وأسرته المكونة من 8 أفراد لا يستطيعون مغادرة المدينة إلى مكان آخر، لأنهم لا يمتلكون تكاليف السفر ولا أقرباء يهربون إليهم.

المخاوف ذاتها تحدث عنها عبد الله طاهر، أحد سكان الحديدة، متمنياً احتواء الموقف وتجنيب البلاد حرباً جديدة. ويقول إن الناس لم يعد بمقدورها تحمل أي حرب، لأن غالبيتهم عاجزون عن توفير لقمة العيش.

ويتهم طاهر الحوثيين بالانشغال بتأمين قيادتهم وأتباعهم وترك ملايين السكان في مناطق سيطرتهم يواجهون قدرهم وحيدين. وقال إن الوضع سيكون أكثر مأساوية، في حال نفَّذت تل أبيب تهديدها.

استنفار صحي

وجَّهت وزارة الصحة في الحكومة الحوثية غير المعترَف بها جميع مكاتب الصحة في مناطق سيطرتها برفع حالة الاستعداد في جميع الأقسام وبنوك الدم وخدمات الإسعاف في كل المحافظات لمواجهة حالات الطوارئ، بسبب ما سمته «العدوان الإسرائيلي».

كما منحت الجماعة شركات توريد الأدوية والأدوات الجراحية تسهيلات غير مسبوقة سُمِح لهم بموجبها بإدخال شحنات الأدوات والأدوية من دون قيود.

وذكرت مصادر عاملة في قطاع الصحة لـ«الشرق الأوسط» أن وزارة صحة الحوثيين أمرت بإلغاء الإجازات للأطباء، وطلبت تقارير يومية عن أوضاع المستشفيات وبنوك الدم وجاهزية سيارات الإسعاف، بسبب ما سمتها «الظروف الاستثنائية المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي».

كما وجهت الجماعة الهيئة العليا للأدوية الخاضعة لها في صنعاء بإلغاء القيود التي كانت مفروضة على الأدوات وأدوات العمليات الجراحية، وبما يساعد على دخول أكبر كمية منها خلال هذه الفترة، تحسباً لذلك الهجوم.

الحوثيون أخرجوا العاملين في مستشفيات الحديدة للتظاهر دعماً لهم (إعلام حوثي)

ووفقاً لما ذكره اثنان من العاملين في توريد الأدوية والأدوات الطبية لـ«الشرق الأوسط»، فإنه، وبعد 4 أشهر، من رفض الهيئة العليا للأدوية في مناطق سيطرة الحوثيين دخول شحنات من هذه الأدوات والأدوية، أبلغوا أخيراً بإمكانية دخول ما بحوزتهم والسماح لهم باستيراد كميات أخرى تقديراً للظرف الاستثنائي. وأوضح المصدران أن الهيئة الحوثية كانت في السابق تتعنَّت في منحهم التراخيص المطلوبة، وتفرض اشتراطات معقدة وجبايات غير مسبوقة.

وفي حين شكا طلاب في الجامعات من الضغط الذي يُمارَس عليهم من قبل المشرفين الحوثيين لإرغامهم على الالتحاق بدورات عسكرية استعداداً للقتال، ذكرت 3 مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط» أن مشرفي الجماعة يفرضون على طالبات المدارس الخضوع لدورات تدريبية في الإسعافات الأولية ضمن الاستعدادات لضربات إسرائيلية جديدة.

ووفق هذه المصادر، فإن الحوثيين يساومون الطالبات بالحصول على 5 درجات في نهاية الاختبارات في كل مادة إذا حضرت أمهاتهن دورات تدريبية في الإسعافات الأولية بدلاً عن بناتهن.

كما ذكرت المصادر أن قادة الجماعة الحوثية فرضوا على طلاب المرحلة الثانوية حضور دورات طائفية والتدريب على استخدام الأسلحة ضمن الإجراءات لحشد المزيد من المقاتلين، استعداداً لما تزعمه الجماعة من الاستعداد للحرب مع إسرائيل.