أنتويرب 1920: أولمبياد للسلام وبزوغ نجم نورمي... والمناضل فيليب بيكر

كان من الصعب جداً وفي ظل مخلّفات الدمار والخراب التطلع لتنظيم المسابقات الكبيرة (الأولمبية الدولية)
كان من الصعب جداً وفي ظل مخلّفات الدمار والخراب التطلع لتنظيم المسابقات الكبيرة (الأولمبية الدولية)
TT

أنتويرب 1920: أولمبياد للسلام وبزوغ نجم نورمي... والمناضل فيليب بيكر

كان من الصعب جداً وفي ظل مخلّفات الدمار والخراب التطلع لتنظيم المسابقات الكبيرة (الأولمبية الدولية)
كان من الصعب جداً وفي ظل مخلّفات الدمار والخراب التطلع لتنظيم المسابقات الكبيرة (الأولمبية الدولية)

بعد مرور عامين على استئناف الحياة الطبيعية في أوروبا إثر الحرب العالمية الأولى التي حصدت البشر والحجر، كانت الألعاب الأولمبية الحديثة بدورها على موعد مع إقلاع جديد. والمحطة الجديدة هي مدينة أنتويرب البلجيكية التي احتضنت نسختها السابعة عام 1920.

وقتذاك، كان من الصعب جداً وفي ظل مخلّفات الدمار والخراب التطلع لتنظيم المسابقات الكبيرة، فكم بالحري بمناسبة مثل الألعاب الأولمبية التي بدأت تأخذ طابعاً مختلفاً منذ الدورة السادسة في استوكهولم، قبل ثمانية أعوام، وإن وقفت بعدها ويلات المعارك حاجزاً أنسى العالم الاستعداد النفسي للمنافسات لكنه لم يُنسِه حجم الدورة السابقة وأخبارها وأجواءها.

كانت الدورة السادسة المقرّرة في برلين عام 1916 مناسبة للاحتفال بمرور 20 عاماً على إحياء الألعاب الحديثة، لذا أعد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الفرنسي بيار دو كوبرتان، العَلم الأولمبي ذي الحلقات الخمس التي ترمز إلى القارات الخمس والألوان الخمسة الموجودة كلها في أعلام الدول، غير أن الحرب أجّلت هذه الإطلاقة.

وعوقب المنهزمون في الحرب، فلم توجّه دعوات إلى ألمانيا والنمسا وبلغاريا وهنغاريا وتركيا... وغابت روسيا البلشفية طوعياً «لأن الأولوية منصبّة على إعادة البناء».

وشهد الافتتاح رفع العَلم الأولمبي للمرّة الأولى وأُطلقت في الفضاء ألفا حمامة بيضاء رمزاً للسلام، ووقف الجميع دقيقة صمت على أرواح الرياضيين الذين قضوا في الحرب وبينهم العدَّاء الفرنسي جان بوان، الذي أُصيب في معركة فردان... ولمّا علم منافسه الفنلندي هانيس كوليهماينن الذي فاز عليه في سباق 5000م في دورة استوكهولم، بكى تأثراً. وهو شارك في سباق الماراثون وأحرز لقبه.

ميدانياً، شهدت دورة أنتويرب تألق الفنلندي بافو نورمي الذي انتزع ثلاث ذهبيات في جري المسافات المتوسطة والطويلة، وبقي الأميركي ديوك كاناهاموكو الأسرع في السباحة.

وحصد بطل المبارزة الإيطالي نيرو نادي خمسة ألقاب، وفازت الفرنسية سوزان لنغلن بكرة المضرب من دون أن تخسر أي مجموعة في مبارياتها.

وفي رصيد الميداليات، جمعت الولايات المتحدة 41 ذهبية، تلتها السويد (19) ثم بريطانيا وفنلندا وبلجيكا.

وعموماً كان نورمي وبلاده فنلندا حديث الألعاب لا سيما أن «أبطال القوى الشماليين» حصدوا 9 ذهبيات، أي بمقدار ما جمعه الأميركيون، ما حدا بكوبرتان إلى التعليق: «مَن قال إن الدول والأمم الكبيرة تستطيع وحدها السيطرة، وبمقدار ما تنفقه تحصد النتائج وتجني أبطالاً!».

شكّل كوليهماينن ونورمي ثنائياً لا يُقهَر، وأجمع رجال الصحافة على أن نورمي ظاهرة استثنائية في سباق 5000م تحديداً، إذ إنه «يفرض إيقاعه ويكيّفه وفق مقتضيات ظروفه».

غير أن رأي الفرنسي جوزيف غيمو (20 عاماً) كان مختلفاً؛ فقد تجاوز نورمي في اللفة الأخيرة، وتقدّم عليه بمسافة 30 متراً عند خط النهاية، «كأن سيارة ليموزين فارهة تتجاوز عربات الخيل!».

ويتذكّر غيمو في فيلم وثائقي صوّر أواخر السبعينات من القرن الماضي أنه «قبل ثلاثة أسابيع من موعد السباق الأولمبي في إطار تحضيراتي اليومية المكثفة، خضت سباقاً اختبارياً بمفردي عند الخامسة صباحاً، واجتزت المسافة في زمن مقداره 13:57 دقيقة فأيقنت أن استعدادي جيد، علماً بأني توجسّت من إمكانية الخطأ في احتساب اللفات خشية أن أكون جريت مسافة أقصر لأن الرقم المسجل كان ممتازاً». ويضيف غيمو: «الطريف أن الفنلنديين أُعجبوا بأسلوبي في الجري وكيفية تجاوزي نورمي وكانوا أول من هنأني».

ويكشف العدَّاء الفرنسي أن الإقامة لم تكن مريحة: «كنا في نُزُل مؤلَّف من غرف كبيرة يحتوي كل منها على 15 سريراً. لكنَّ الدورة تميزت بأوقات السهر والاحتفالات الليلية في الساحات. واحتفاءً بفوزي تقرّر تكريمي من عدد من أفراد البعثة الفرنسية في أحد المطاعم، لكنني لم أهْنأ بهذا الامتياز، فعند الساعة الواحدة والنصف فوجئت بأحدهم يطلب مني الإسراع إلى الملعب لأن موعد سباق 10 آلاف متر المقرّر عند الخامسة مساءً قُدِّم إلى الثانية والربع، ليتسنى للملك ألبير الأوّل حضوره وذلك نزولاً على رغبته».

تابع: «لم أصدّق في البداية، لكنهم أكدوا لي التعديل، باعتبار أن العاهل البلجيكي كان يدشّن معرضاً للوحات الزيتية وفضّل متابعة مجريات السباق بعده مباشرةً على غرار مشاهدته لوقائع سباق 5 آلاف متر».

أسرع غيمو ليحضر ثيابه من مقرّ إقامة البعثة الفرنسية، فلم يجد حذاء الجري واستعار آخر لم يكن ملائماً «وكانت معدتي منفوخة» من الطعام... انطلق السباق وكنت بجوار الإنجليزي ويلسون وتركنا نورمي يتقدّم. شعرت بالانزعاج منذ الأمتار الأولى، ورغم ذلك قاومت وتحاملت على نفسي وتقدمت بنحو 30 متراً في الصدارة... حتى الكيلومتر الأخير، لكني تمهلت قليلاً بعدما شعرت بأنني على وشك أن أتقيأ كلّ ما في معدتي لو أكملت على هذا الإيقاع من السرعة... وبالطبع استفاد نورمي وتقدّم متصدراً، لكنني صممت على ألا أدعه يرتاح في الطليعة ودخلت خلفه خط النهاية بنحو نصف متر فقط. لو كان هناك متر واحد إضافي لفزت بالطبع».

وإلى جانب مفارقات غيمو - نورمي، تجلّت ظاهرة النموذج البريطاني في سباق 1500م العداء فيليب نويل بيكر، موحي الفيلم السينمائي الشهير «عربات النار».

جسّد بيكر بداية البروز البريطاني في ألعاب القوى وتحديداً في المسافات المتوسّطة، بفضل تألق طلاب جامعتي كامبريدج وأوكسفورد الذين كانوا العمود الفقري للمنتخب البريطاني ما بين 1912 و1928، فشكّلوا غالبية نجومه، وللمفارقة فإن فريق القوى البريطاني في دورة أتلانتا 1996 أي بعد 76 عاماً، ضمّ اثنين فقط من الجامعتين.

وكان بيكر متمسّكاً بعقيدة السلام والأولوية للمفاوضات ودور الرياضة والمثل الأولمبية في التربية والتعليم والثقافة، والريادة في التضحية والعطاء... وفي المهمات كلّها التي أنيطت به والمناصب التي تولاها، كرّس حياته للسلام ونزع السلاح، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1959.

حلّ بيكر في استوكهولم سادساً في سباق 1500م، وكان قد التقى زوجته نويل في خضمّ الحرب عام 1915. ولمّا اقترن بها قرّر أن يجعل اسمه ثلاثياً، بحيث يضمّ اسمها إلى جانب اسمه فأصبح «فيليب نويل بيكر».

وبعدما كان من المفاوضين لإعلان وقف الحرب، عاد نويل بيكر إلى المضمار واستأنف الإعداد ليتأهل من جديد للدورة الأولمبية التالية، حيث أنهى السباق بفارق 5 في المائة من الثانية خلف الفائز به مواطنه ألبير هيل بطل الـ800م أيضاً.

كان بيكر أحد أعمدة حزب العمّال البريطاني وتولى حقائب وزارية عدة، وانتُخب نائباً على مدى 36 عاماً، ومُنح لقب بارون عام 1977 أي قبل خمسة أعوام من وفاته. وهو خطيب مفوّه، كما يقول مواطنه روجير بانيستر الوزير السابق (حزب المحافظين)، ظلّ يزاول التمارين الرياضية حتى أيامه الأخيرة «لأنه مؤمن بأهمية اللياقة البدنية وحريص على حسن مظهره».

بانيستر طبيب الأعصاب ذائع الصيت وأوّل من كسر حاجز الدقائق الأربع في سباق الميل، علّق على محاولتَي بيكر الأولمبيتين بوصفه بأنه «عدَّاء جيّد وقائد ممتاز لكن ليس بالقدر الذي يؤهله لقطف الفوز». وكان قد ترأس نادي أشيل كلوب الذي أسّسه بيكر وتولى إدارته على مدى 60 عاماً، وهو ضمّ الرياضيين الأولمبيين المتخرجين من أوكسفورد وكامبريدغ.


مقالات ذات صلة

رام يتطلع لتعزيز النجاح الإسباني في الغولف

رياضة عالمية لاعب الغولف الإسباني جون رام يسعى للفوز ببطولة بريطانيا (أ.ف.ب)

رام يتطلع لتعزيز النجاح الإسباني في الغولف

يتطلع لاعب الغولف الإسباني جون رام المصنف الأول على العالم سابقاً إلى تعزيز النجاح الرياضي لبلاده... عبر بطولة بريطانيا المفتوحة للغولف.

«الشرق الأوسط» (غلاسغو)
رياضة عالمية تباينت ردود الفعل حول استقالة غاريث ساوثغيت من تدريب منتخب إنجلترا لكرة القدم (أ.ب)

ستارمر: شكراً ساوثغيت… كنت مرشداً للمواهب الإنجليزية

تباينت ردود الفعل حول استقالة غاريث ساوثغيت من تدريب منتخب إنجلترا لكرة القدم، بعد الخسارة 1 - 2 أمام إسبانيا في نهائي بطولة أوروبا لكرة القدم 2024.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية المهاجم الغيني الدولي سيرهو غيراسي هداف شتوتغارت في طريقه لدورتموند (د.ب.أ)

الفحص الطبي يهدد صفقة غيراسي ودورتموند بالفشل

رجحت تقارير صحافية الثلاثاء أن يحسم فريق بوروسيا دورتموند صفقة ضم المهاجم الغيني الدولي سيرهو غيراسي هداف شتوتغارت بحلول يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (دورتموند)
رياضة عالمية غاريث ساوثغيت رحل عن تدريب إنجلترا وخليفته مجهول (إ.ب.أ)

خليفة ساوثغيت... إنجليزي مضمون أم مغامرة أجنبية؟

بدأ البحث عن مدرب إنجلترا المقبل، الثلاثاء، مع طرح كثير من الأسماء والتكهنات حول من قد يحل محل غاريث ساوثغيت.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية من سيخلف غاريث ساوثغيت في تدريب إنجلترا؟ (إ.ب.أ)

بعد استقالة ساوثغيت... من سيخلفه لتدريب إنجلترا؟

هذا الصباح، انتشر الخبر: سيتنحّى ساوثغيت عن منصب المدير الفني لمنتخب إنجلترا.

ذا أتلتيك الرياضي (لندن)

رام يتطلع لتعزيز النجاح الإسباني في الغولف

لاعب الغولف الإسباني جون رام يسعى للفوز ببطولة بريطانيا (أ.ف.ب)
لاعب الغولف الإسباني جون رام يسعى للفوز ببطولة بريطانيا (أ.ف.ب)
TT

رام يتطلع لتعزيز النجاح الإسباني في الغولف

لاعب الغولف الإسباني جون رام يسعى للفوز ببطولة بريطانيا (أ.ف.ب)
لاعب الغولف الإسباني جون رام يسعى للفوز ببطولة بريطانيا (أ.ف.ب)

استمد لاعب الغولف الإسباني جون رام المصنف الأول على العالم سابقاً، الإلهام من فوز منتخب بلاده بلقب بطولة أوروبا لكرة القدم 2024 وفوز مواطنه كارلوس ألكاراس ببطولة «ويمبلدون» للتنس خلال هذا الأسبوع، ويتطلع إلى تعزيز النجاح الرياضي لبلاده عبر بطولة بريطانيا المفتوحة للغولف التي تنطلق، يوم الخميس المقبل.

وحافظ ألكاراس على لقب «ويمبلدون»، يوم الأحد الماضي، قبل ساعات قليلة من تتويج إسبانيا ببطولة أوروبا بالفوز 2 - 1 على إنجلترا في المباراة النهائية.

كذلك أحرز لاعب الغولف الإسباني سيرجيو غارسيا أول لقب له خلال 4 أعوام عندما تُوج ببطولة ليف غولف الأندلس، وقال رام إنه شهر رائع للرياضة الإسبانية.

وقال رام للصحافيين، الثلاثاء: «جرى تحقيق إنجازات تاريخية كبيرة، فقد أصبح ألكاراس سادس لاعب يفوز ببطولتي فرنسا المفتوحة و(ويمبلدون) في نفس العام، وقد أحرز بذلك 4 ألقاب في البطولات الأربع الكبرى في عمر صغير للغاية، كما فازت إسبانيا ببطولة أوروبا للمرة الرابعة».

واستطرد: «وما فعله سيرجيو وفريقه يوم الأحد كان مميزاً للغاية. وعند العودة إلى هذا المكان بعد كتابة مثل هذا التاريخ، سيكون من المذهل الفوز ببطولة مفتوحة في ملعب الغولف هذا، وعبر هذه البطولة. يمكن قول إن هذه هي المنافسة المفضلة بالنسبة لي في لعبة الغولف. وسيكون من الرائع أن أواصل هذا التألق الكبير للرياضة الإسبانية».