آمال ملايين الإيرانيين معلقة على بزشكيان لاتخاذ مواقف معتدلة

مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)
مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)
TT

آمال ملايين الإيرانيين معلقة على بزشكيان لاتخاذ مواقف معتدلة

مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)
مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)

يعلق الملايين في إيران، خصوصاً الأطراف السياسية في التيار الإصلاحي والمعتدل، آمالهم على الرئيس الإصلاحي المنتخب مسعود بزشكيان في تغيير مسار البلاد في السياسة الداخلية والخارجية، والتوجه نحو البراغماتية، فضلاً عن تخفيف القيود على الحريات الاجتماعية.

وتبرز مواقف بزشكيان، الذي يبلغ من العمر الآن 69 عاماً الفائز برئاسة ايران، ازدواجية كونه سياسياً إصلاحياً يدفع دائماً للتغيير لكنه لا يتحدى المؤسسة الحاكمة التي يشرف عليها المرشد علي خامنئي بشكل جذري.

ولم يكن بزشكيان يتوقع الفوز بالرئاسة عندما قدم أوراقه لمقر الانتخابات الإيرانية، الشهر الماضي، ومع رفض الوجوه البارزة في التيار الإصلاحي، والموافقة المفاجئة على طلب بزشكيان، تحوّل إلى مرشح الإصلاحيين والمعتدلين، لمواجهة المحافظين الذين شددوا قبضتهم على أجهزة الدولة في السنوات الأخيرة.

ورجحت وكالة «رويترز» أن يلقى بزشكيان، الذي تغلب على منافسه المتشدد سعيد جليلي، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس (الجمعة)، ترحيباً من القوى العالمية التي تأمل في أن يلجأ إلى سبل سلمية للخروج من أزمة توتر العلاقات مع طهران؛ بسبب برنامجها النووي الذي يشهد تطوراً سريعاً، حسب «رويترز».

وتمكّن بزشكيان من الفوز بثقة قاعدة انتخابية يُعتقد بأنها تتألف من أبناء الطبقة الوسطى الحضرية والشبان المصابين بخيبة أمل كبيرة من الحملات الأمنية التي خنقت، على مدى السنين، أي معارضة علنية للحكم الديني.

الرئيس الإيراني المنتخب المعتدل مسعود بزشكيان (د.ب.أ)

وتعهد جراح القلب البالغ من العمر 69 عاماً بتبني سياسة خارجية براغماتية، وتخفيف التوتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية.

ويقول بزشكيان: «لن نكون مناهضين للغرب ولا للشرق»، آملاً خروج إيران من «عزلتها»، لكنه انتقد في إحدى المناظرات التلفزيونية «بيع النفط بسعر منخفض إلى العسكريين الصينيين».

وفي ظل الحكم الثيوقراطي في إيران، لا يستطيع الرئيس إحداث تحول كبير في السياسة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، أو دعم الفصائل المسلحة في أنحاء الشرق الأوسط؛ إذ يتولى خامنئي كل القرارات في شؤون الدولة العليا. غير أن بإمكان رئيس البلاد التأثير من خلال ضبط إيقاع السياسة الإيرانية، والمشارَكة بشكل وثيق في اختيار خليفة لخامنئي البالغ من العمر الآن 85 عاماً.

وبزشكيان مُوالٍ للحكم في إيران، ولا يعتزم مواجهة الصقور الأمنيين الأقوياء، وسبق أن تعهد في مناظرات ومقابلات تلفزيونية بعدم معارضة سياسات خامنئي.

وقال بزشكيان في رسالة مصورة للناخبين: ​​«إذا حاولت ولم أنجح في الوفاء بوعودي الانتخابية، فسأقول وداعاً للعمل السياسي ولن أستمر. لا جدوى من إضاعة حياتنا وعدم القدرة على خدمة شعبنا العزيز».

الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان (أ.ف.ب)

وبعد أن عاد إلى الظهور بعد سنوات من العزلة السياسية، أيّد المعسكر الإصلاحي بقيادة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، بزشكيان في الانتخابات بعد وفاة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو (أيار) الماضي.

وتتباين رؤى بزشكيان مع رؤى رئيسي، الذي كان موالياً لخامنئي، ويشدد على تطبيق قانون يقيد ملابس النساء، ويتخذ موقفاً صارماً في مفاوضات متوقفة تماماً في الوقت الحالي مع قوى كبرى لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015.

وفي 2018، انسحب الرئيس الأميركي حينئذٍ دونالد ترمب من الاتفاق، وأعاد فرض عقوبات على إيران. ودفع تحركه طهران إلى أن تنتهك بالتدريج القيود النووية للاتفاق.

مسعود بزشكيان يظهر بعد إدلائه بصوته في الانتخابات (أ.ف.ب)

سلطة محدودة

تعهّد بزشكيان بإنعاش الاقتصاد المتعثر الذي يئن تحت وطأة سوء الإدارة، والفساد الحكومي، والعقوبات الأميركية.

وبما أن صلاحيات الرئيس المنتخب مقيدة بسلطات خامنئي، يتشكك كثير من الإيرانيين الحريصين على التعددية السياسية في الداخل وإنهاء عزلة إيران في الخارج، في أن الحكم الثيوقراطي للبلاد سيسمح لبزشكيان بإجراء تغييرات كبيرة حتى لو حاول.

وقال سهراب حسيني، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 45 عاماً من جزيرة كيش الإيرانية: «قد يكون بزشكيان قادراً على جلب بعض الحريات الاجتماعية. لكنه سيكون رئيساً ضعيفاً؛ لأن خامنئي وحلفاءه أقوى بكثير من الرئيس». وأضاف: «منحت صوتي له حتى لا يفوز جليلي».

وبصفته نائباً برلمانياً منذ 2008، ينتقد بزشكيان قمع المؤسسة الدينية للمعارضة السياسية والاجتماعية. وينتمي بزشكيان إلى أقلية من العرق الأذري، ويدعم حقوق الأقليات العرقية.

سيدات يفرزن بطاقات الاقتراع في مركز بطهران (أ.ب)

في 2022، طالب بزشكيان السلطات بتوضيحٍ لوفاة مهسا أميني، وهي امرأة توفيت وهي رهن الاحتجاز بعد القبض عليها بدعوى «سوء الحجاب». وأثارت وفاتها احتجاجات شعبية استمرت شهوراً في أنحاء البلاد.

كتب بزشكيان أن «اعتقال فتاة بسبب حجابها وتسليم جثتها لعائلتها أمر غير مقبول في الجمهورية الإسلامية». بعد أيام، ومع تصاعد الاحتجاجات على مستوى البلاد وقمع دموي لجميع أشكال المعارضة، حذّر من أن «إهانة المرشد (خامنئي)... لن تخلق سوى غضب وكراهية طويلة الأمد في المجتمع».

وقال بزشكيان بعد الإدلاء بصوته في الجولة الأولى: «سنحترم قانون الحجاب، لكن يجب ألا يكون هناك أي سلوك تطفلي أو غير إنساني تجاه النساء».

واقتبس شعار حملته الانتخابية «من أجل إيران»، من أغنية «براي (من أجل)» للفنان شروين حاجي بور، التي أصبحت تنشد في الاحتجاجات. واحتج حاجي بور على نسخ شعاره.

لكن بزشكيان قال: «السجناء السياسيون ليسوا ضمن اختصاصي، وإذا كنت أريد فعل شيء، فلا سلطة لدي»، وذلك رداً على سؤال عن طلاب مسجونين بتهم مرتبطة باحتجاجات مناهضة للحكومة خلال اجتماع الشهر الماضي في جامعة طهران.

وُلد بزشكيان في 29 سبتمبر (أيلول) 1954 في مهاباد بشمال غربي إيران لأب أذري وأم كردية. يتحدث الأذرية، وركز منذ فترة طويلة على شؤون القوميات غير الفارسية في إيران. ومثل كثيرين، خدم في الحرب الإيرانية - العراقية، حيث أشرف على فرق طبية توزّعت على جبهات الحرب.

وفقد بزشكيان زوجته وأحد أبنائه في حادث مروري في 1994. وعمل على تنشئة ولدَيه الناجيَين وابنته بمفرده، وفضّل ألا يتزوج من جديد. ويعدُّ نفسه «صوت الذين لا صوت لهم».

وتعهّد بالعمل، إذا تم انتخابه رئيساً، لتحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر حرماناً.

أصبح جراح قلب وعمل رئيساً لكلية العلوم الطبية في جامعة تبريز. ودخل بزشكيان السياسة لأول مرة نائباً لوزير الصحة في البلاد، ثم وزيراً للصحة في إدارة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. وعلى الفور وجد نفسه متورطاً في الصراع بين المتشددين والإصلاحيين، حيث حضر تشريح جثة زهرا كاظمي، المصورة المستقلة التي كانت تحمل الجنسيتين الكندية والإيرانية. واعتُقلت في أثناء التقاطها صوراً في احتجاج، وتعرّضت للتعذيب وتوفيت في سجن «إيفين» سيئ السمعة في طهران، حسب وكالة «أسوشييتد برس».

ومنذ عام 2008، يمثّل مدينة تبريز في البرلمان، وأصبح معروفاً بانتقاداته للحكومة، لا سيما إبان الحركة الاحتجاجية واسعة النطاق التي أثارتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022، بعد توقيفها بدعوى سوء الحجاب.

ووجه بزشكيان انتقادات لاذعة لسياسة حكومة حسن روحاني في مواجهة جائحة فيروس «كورونا».

وُلد بزشكيان في 29 سبتمبر في مدينة مهاباد الواقعة في محافظة أذربيجان الغربية، ويتحدث الأذرية والكردية، ما يشكّل حافزاً له للدفاع عن القوميات.

واحتج الإصلاحيون بشدة عندما انتقد عزلة القوميات. وطالبته وسائل إعلام إيرانية بالابتعاد عن خطاب الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي خاطب الفئات الفقيرة والمهمشة، والتوجه نحو مخاطبة النخبة، في إشارة إلى أنصار التيار الإصلاحي في طهران.

وانعكس تحالفه مع ظريف على خطابه في الحملة الانتخابية؛ إذ دعا إلى تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بغية التوصل إلى رفع عقوبات تلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد.

وقال بزشكيان في مناظرة إنه «محافظ، توجهاتي إصلاحية». وتعهّد بالانخراط في مفاوضات مباشرة مع واشنطن؛ لإحياء المحادثات حول ملف البرنامج النووي الإيراني، المتوقفة منذ انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من الاتفاق الدولي بعد 3 سنوات على إبرامه.

في عام 2013، سجّل بزشكيان للترشح للرئاسة، لكنه انسحب من ترشحه. وفي عام 2021، وجد نفسه مع مرشحين بارزين آخرين ممنوعين من الترشح من قبل السلطات، مما أتاح فوزاً سهلاً لرئيسي.

وقبل انتخابات البرلمان في مارس (آذار) الماضي، كان بزشكيان من بين مشرّعين في البرلمان السابق، رفض مجلس صيانة الدستور أهليتهم؛ بسبب «عدم الالتزام بمبادئ الثورة»، لكنه حصل في نهاية المطاف على موافقة لخوض الانتخابات البرلمانية بعد تقديم احتجاج.

وقال بزشكيان حینها: «لولا تدخل المرشد، كان من الممكن استبعادي، لكن لماذا يجب أن يتدخل المرشد؟».


مقالات ذات صلة

مقتل 9 أشخاص في إيران بحادث اصطدام حافلة بشاحنة وقود

شؤون إقليمية عمال إنقاذ ورجال شرطة في موقع حادث حافلة مميت في إيران 21 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 9 أشخاص في إيران بحادث اصطدام حافلة بشاحنة وقود

قُتل تسعة أشخاص على الأقل، اليوم (الاثنين)، بحادث اصطدام حافلة بشاحنة وقود في جنوب شرقي إيران، وهو ثاني حادث يسفر عن قتلى وإصابات جماعية خلال أيام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يتحدث خلال  قمة بريكس التي عقدت في كازان، أكتوبر الماضي (رويترز)

طهران وموسكو توقعان اتفاقية شراكة شاملة الشهر المقبل

وصل وفد روسي إلى طهران في زيارة تشمل اجتماعاً مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وذلك في ظل استعداد البلدين لتوقيع اتفاق تعاون شامل.

«الشرق الأوسط» (طهران- موسكو)
المشرق العربي طفل سوري خلال احتفالات انتصار الثورة في إدلب أمس (إ.ب.أ)

إيران «ليس لديها اتصال مباشر» مع القيادة الجديدة في سوريا

أكدت إيران الاثنين أنه «ليس لديها اتصال مباشر» مع القيادة الجديدة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: إيران لا تحتاج وكلاء في المنطقة

قال المرشد الإيراني علي خامنئي إنَّ إيران ليست بحاجة إلى قوات بالوكالة في المنطقة.

فاضل النشمي (غداد) «الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)

سوليفان: إيران قد تطور سلاحاً نووياً بعد انتكاسات إقليمية

تشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق من سعي إيران، التي اعتراها الضعف بعد انتكاسات إقليمية، إلى امتلاك سلاح نووي.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)

مقتل 9 أشخاص في إيران بحادث اصطدام حافلة بشاحنة وقود

عمال إنقاذ ورجال شرطة في موقع حادث حافلة مميت في إيران 21 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
عمال إنقاذ ورجال شرطة في موقع حادث حافلة مميت في إيران 21 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقتل 9 أشخاص في إيران بحادث اصطدام حافلة بشاحنة وقود

عمال إنقاذ ورجال شرطة في موقع حادث حافلة مميت في إيران 21 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
عمال إنقاذ ورجال شرطة في موقع حادث حافلة مميت في إيران 21 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

قُتل تسعة أشخاص على الأقل، اليوم (الاثنين)، بحادث اصطدام حافلة بشاحنة وقود في جنوب شرقي إيران، وفق ما أفادت وكالة «إرنا» الرسمية للأنباء، وهو ثاني حادث يسفر عن قتلى وإصابات جماعية خلال أيام.

وأفاد مدير جمعية الهلال الأحمر في سيستان وبلوشستان محمد مهدي سجادي لوكالة «إرنا» بأن «تسعة أشخاص لقوا حتفهم وأصيب 13 آخرون في الحادث الذي اصطدمت فيه حافلة بشاحنة وقود قرب زاهدان».

والسبت، قتل 10 أشخاص إثر سقوط حافلة ركاب في وادٍ في مقاطعة لرستان في غرب إيران، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وسجلّ إيران ضعيف في مجال السلامة المرورية، إذ سقط أكثر من 20 ألف قتيل في حوادث سير بين مارس (آذار) 2023 ومارس 2024، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية عن منظمة الطب الشرعي التابعة للقضاء الإيراني.

وفي أغسطس (آب)، قُتل ما لا يقلّ عن 28 باكستانيا كانوا في طريقهم إلى العراق لأداء مراسم زيارة دينية عندما تحطمت حافلتهم في وسط إيران.

وفي يونيو (حزيران) 2004، قضى أكثر من 70 شخصاً في حريق هائل نجم من اصطدام صهريج بنزين بحافلة ركاب في محافظة سيستان وبلوشستان.