قراءة في توجّه تونس شرقاً نحو الصين وآسيا

تغيير «الحلفاء» من دون التمرّد على «الأصدقاء»

الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
TT

قراءة في توجّه تونس شرقاً نحو الصين وآسيا

الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز

أعربت مصادر غربية خلال الأسابيع القليلة الماضية عن انشغالها «بتوجّه تونس شرقاً»، خصوصاً نحو الصين وروسيا وآسيا. وأثارت المصادر نفسها علامات استفهام حول امتناع الرئيس التونسي قيس سعيّد عن تلبية دعوة وُجِّهت له للمشارَكة في أشغال اليوم الثاني من قمة «مجموعة الدول السبع»، التي نُظّمت في إيطاليا، وحضرها كذلك «ضيوف شرف»، بينهم رؤساء الجزائر وموريتانيا وتركيا والبرازيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. وللعلم، سعيّد كلّف رئيس حكومته أحمد الحشّاني تعويضه، في خطوة انتقدتها أوساط إعلامية وسياسية غربية، لا سيما أنها جاءت بعد أول زيارة رسمية قام بها الرئيس التونسي إلى بكين في مرحلة تعدّدت فيها «المؤشرات» على توجّه تونس بنسق أسرع نحو الصين وروسيا اللتين ازداد دوراهما في الجزائر وليبيا وعدد من الدول الأفريقية.

فسّرت مصادر دبلوماسية أوروبية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» التوجّه المتزايد للسلطات التونسية نحو آسيا بأنه «رسالة احتجاج وتحذير لباريس وواشنطن وبقية العواصم الغربية»؛ بسبب امتناعها عن تقديم ما تحتاجه تونس من «دعم مالي» لاقتصادها المأزوم. وتابعت المصادر أن ثمة عنصراً آخر يمكن أن يفسّر «توجّه تونس شرقاً» هو الرد العملي «على انتقادات العواصم الغربية» للحكومة التونسية تحت يافطة «حقوق الإنسان».

مقابل ذلك، أعلنت قيادات عليا في بكين وموسكو، وأيضاً في بعض دول المشرق العربي الإسلامي، دعماً سياسياً «غير مشروط للسلطات التونسية في الخطوات التي قامت بها منذ قرارات 25 يوليو (تموز) 2021، التي تطوّرت إلى حلّ البرلمان السابق، والحكومة، ومؤسّسات منتخبة عدة.

في هذه الأثناء، كشف آخر الإحصاءات الرسمية التونسية أن كلاً من الصين وروسيا وتركيا والجزائر ضاعفت خلال العامين الماضيين مبادلاتها التجارية مع تونس، وأصبحت في المرتبة الأولى في قطاعات كثيرة.

هذا الأمر يطرح تساؤلات عمّا تعنيه هذه التطورات في علاقات تونس الخارجية... وهل تؤشر لـ«مسار جديد» هدفه تنويع الشركاء عالمياً، أم هي نوع من «التمرد» على «الشركاء التقليديين» في أوروبا الغربية والولايات المتحدة تمهيداً لانخراط في «محاور دولية جديدة» بقيادة بكين وموسكو، أم تراها مجرد «ورقة ضغط ذكية» على الشركاء الغربيين التقليديين، خصوصاً في باريس وبرلين وواشنطن؛ كي توقف انتقاداتها للسلطات التونسية بسبب «ملفات الحريات»؟

احترام السيادة الوطنية

وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار ألقى أخيراً محاضرةً في الجامعة التونسية تكلمّ فيها عن زيارة الرئيس سعيّد إلى الصين، وعن «فتح آفاق جديدة أمام الدبلوماسية التونسية». وممّا قاله عمّار بوضوح أن تونس ستقيم علاقاتها مع شركائها في العالم وفق مقاييس عدة، من بينها «احترام سيادتها الوطنية، والإحجام عن التدّخل في سياستها الداخلية».

وهنا علّق السفير منذر الظريف، مدير عام المعهد الدبلوماسي سابقاً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «الصين شريك مميّز لتونس منذ أن كانت أول دولة اعترفت باستقلال تونس عن فرنسا عام 1956». وأردف موضحاً أنه سبق لبكين أن موّلت مشاريع زراعية وصحية وتجارية ضخمة في تونس، وهي راهناً تعدّ لإبرام صفقات مهمة في قطاعات الجسور والطرقات والبنية الأساسية والتعليم والدفاع والأمن.

«نظام دولي جديد»

وحقاً، يلاحظ أن كلمات الرئيس قيس سعيّد في العاصمة الصينية، وأيضاً في تونس والجزائر تضمّنت دعوات مباشرة إلى بناء «نظام دولي جديد». ومشيراً هنا إلى أن تونس عزّزت أخيراً شراكتها الاقتصادية مع الجزائر، التي تتعرّض بدورها إلى انتقادات فرنسية وأوروبية وغربية؛ بسبب مضاعفة مبادلاتها واستثماراتها المشتركة مع الصين وروسيا وتركيا وقطر على حساب علاقاتها التقليدية مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي.

كذلك دخلت تونس في «حلف ثلاثي مؤقت»، مع الجزائر وليبيا، كان قد أُعلن في أعقاب «القمة المغاربية المصغّرة» التي عُقدت قبل أسابيع في تونس، واختُتمت ببيان ختامي تكلّم عن «رفض التدخل الأجنبي في قضايا دول المنطقة»، بما فيها الأزمة الليبية، والنزاعات في أفريقيا.

«التموضع» التحالفي

وبالفعل، أثارت نتائج تلك «القمة المغاربية الثلاثية» انتقادات فرنسية وغربية جديدة لتونس والجزائر وحلفائهما في ليبيا. وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدها مباشرة مكالمةً هاتفيةً مع نظيره التونسي، فسّرها المراقبون بكونها «رسالة تطمينات» سياسية واضحة تحثّ تونس والجزائر على تحاشي الخروج من «الفضاء الفرنكوفوني والأوروبي المتوسطي».

وفي المقابل، صدرت أخيراً في كل من بكين وموسكو وطهران والجزائر انتقادات عديدة لما عدّته هذه العواصم «محاولة انتهاك للسيادة الوطنية التونسية» و«تدخلاً أجنبياً في شؤون البلاد»، وبالأخص، بعد البيانات الأوروبية والغربية الرسمية والحملات الصحافية على السلطات التونسية؛ بسبب ملفات الحريات وحقوق الإنسان».

القمة الفرنكوفونية المنعقدة عام 2022 في جزيرة جربة التونسية - رويترز

المواقف داخلياً

أما على الصعيد الداخلي، فقد دعّم زهير حمدي الأمين العام لحزب «التيار الشعبي»، وزهير المغزاوي الأمين العام لحزب «الشعب القومي»، ومعهما قياديون من حزب «مسار 25 يوليو»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» توجّه السلطات التونسية شرقاً وانفتاحها أكثر على الصين وروسيا وبقية الدول الآسيوية. ومن ناحية ثانية، رحّب هؤلاء أيضاً بقرار وزارة الخارجية التونسي أخيراً إلغاء تأشيرات الدخول بالنسبة للسياح الإيرانيين والعراقيين.

... وخارجياً

ولكن في سياق التطورات السريعة في علاقات تونس الخارجية مع «المحور الصيني – الروسي - الآسيوي» شنّ عددٌ من أبرز وسائل الإعلام الفرنسية والغربية حملة انتقادات جديدة للسلطات التونسية. وأبرزت مواقع تلفزيونية وصحافية قريبة من حكومة باريس تقارير جديدة عن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي لافروف قبل أشهر إلى تونس والمنطقة، وأسفرت عن إعلان «ترفيع» الشراكة بين البلدين، والاتفاق على تبادل الزيارات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وقيس سعيّد.

بل ذهبت تقارير جديدة، نشرتها وسائل إعلام رسمية فرنسية، تلفزيونية ومكتوبة، حد نشر «إشاعات» عن فتح مطارات تونسية لقوات روسية نظامية وغير نظامية بينها ميليشيا «فاغنر»، بيد أن سفارة تونس في باريس كذّبت هذه «الإشاعات». وعدّ محسوبون على قصر قرطاج الرئاسي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الحملة الإعلامية على السلطات التونسية جزء من ضغوط خارجية؛ رداً على رفض الرئيس سعيّد الانصياع لـ«الشروط المجحفة» لصندوق النقد والبنك الدوليَّين.

ويذكر، هنا، أن سعيّد برّر موقفه الرافض بحرصه على ألا تشهد تونس اضطرابات أمنية واجتماعية خطيرة شبيهة بما وقع خلال المواجهات الدامية مع النقابات العمالية والعاطلين عن العمل والفقراء في عهدَي الرئيسَين الأسبقَين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

السفارة الفرنسية تتحرك

في أي حال، وفي تزامن مثير للانتباه مع تكثيف اجتماعات الرئيس التونسي ووزير خارجيته مع مسؤولين صينيين وروس وجزائريين وليبيين وإيرانيين وكوريين، ودعواته إلى «نظام عالمي جديد»، كثّفت السفارة الفرنسية في تونس تحركاتها ميدانياً وإعلامياً.

كذلك، نظّم المركز الثقافي التابع للسفارة معرضاً، بالاشتراك مع سفارة فلسطين في تونس و«معهد العالم العربي» بباريس، حول ما يقدمه الفن الفلسطيني والتراث الفلسطيني للعالم بحضور سفير فلسطين في تونس هائل الفاهوم. وجاء هذا التحرك بعد أشهر من المظاهرات أمام مقرَي السفارتَين الفرنسية والأميركية رُفعت فيها شعارات تتهم فرنسا بـ«المشارَكة في العدوان على غزة»، وتطالب بغلق السفارات والمصالح الفرنسية والغربية بتونس... والتوجه نحو الصين وآسيا.

هذه الشعارات والمظاهرات ذكّرت المراقبين الغربيين في تونس بتحركات مماثلة تشهدها منذ مدة دول الساحل والصحراء الكبرى، وكذلك بعض المناطق في ليبيا بـ«دعم من روسيا والصين، وميليشيا فاغنر الروسية غير النظامية».

ومن جانب آخر، أدلت السفيرة الفرنسية آن جيجين، بتصريح لقناة تونسية بالتزامن مع زيارة سعيّد إلى الصين، قالت فيه إن «فرنسا تظل الشريك الاقتصادي الأول لتونس» وإنها «المستثمر الصناعي الأجنبي الأول عام 2023». وأوضحت أن من بين 3800 شركة أجنبية مُستثمِرة في تونس فإن 1560 فرنسية، ومن ثم، أعلنت أن التجارة بين فرنسا وتونس تحقق فائضاً سنوياً مهماً بحجم يفوق مليارَي يورو لصالح تونس؟

نعم... ولكن

ولكن عدداً من أعضاء البرلمان التونسي الحالي، بينهم قادة الأحزاب والمنظمات التونسية اليسارية والقومية المساندة للرئيس سعيّد وللسلطات، يواصلون الضغط إعلامياً وسياسياً على السلطات كي «تتوجّه نحو الصين وبلدان آسيا». ولقد نظّم آلاف من النقابيين اليساريين والنشطاء في «التنسيقية التونسية لمساندة فلسطين»، قبل فترة قصيرة، مظاهرات جديدة أمام سفارات عدة تطالب بـ«قطع العلاقات مع عواصم الدول المشارِكة في حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني» بينها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا. غير أن البعض يقلل من قيمة هذه المظاهرات ويتهمها بـ«الظرفية»، رغم القرار الذي اتخذته طهران بإلغاء تأشيرة الدخول على المسافرين من 28 دولة بينها تونس. وجاء تفاعل تونس مع هذا القرار بإلغاء مقابل، وغير مسبوق، لشرط التأشيرة بالنسبة للسياح الإيرانيين والعراقيين.

عبد الله العبيدي، الدبلوماسي التونسي السابق في ألمانيا، قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه لا يوافق على «تضخيم» التقارب بين تونس والصين وروسيا ودول آسيا.

ورجّح العبيدي تمسّك السلطات التونسية «بثوابت الدبلوماسية التونسية الكلاسيكية لأسباب موضوعية»، من بينها أن أكثر من 70 في المائة من شراكات تونس الاقتصادية الخارجية، تجارة واستثماراً وسياحة، لا تزال مع أوروبا وأميركا وبقية الدول الغربية. وتابع أن «الانفتاح أكثر على الأصدقاء لا يكون على حساب الشراكة الاستراتيجية مع الحلفاء». ومن ثم، توقّع العبيدي أن تكون «السلطات التونسية بصدد استخدام ذكي لورقة الضغط» على شركائها الأوروبيين والأميركيين، بهدف حثهم على تقديم ما تحتاجه من دعم مالي، وتحذيرهم من سيناريو «اقترابها أكثر من بكين وموسكو وطهران والدول الآسيوية».

وفي حين قال الوزير السابق خالد شوكات في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن الدبلوماسية التونسية انخرطت رسمياً في مسار «تنويع الشركاء» والانفتاح أكثر على الصين وبلدان آسيا، بما فيها «مجموعة شنغهاي» التي أُسست قبل 15 سنة بزعامة الصين، وتطوّرت إلى «تكتل تضم أسواقه نحو ثُلث سكان الكرة الأرضية»، فإن معظم المؤشرات ترجّح انتصار «الواقعية» على «المغامرات»، خصوصاً في مرحلة تتأهب فيها البلاد لتنظيم دورة جديدة من الانتخابات الرئاسية. على الرغم

من كل شيء... مراقبون يتوقّعون انتصار «الواقعية» على «المغامرات»

أضواء على التجارة التونسية مع الصين وروسيا

> أعلنت مصادر غربية وتونسية أن عجز الميزان التجاري سنوياً بين تونس وكل من الصين وروسيا ارتفع عام 2023 إلى أكثر من 15 مليار دينار تونسي، أي نحو 5 مليارات دولار أميركي، بينما قُدّر العجز مع الجزائر وتركيا بنحو 8 مليارات دينار تونسي، أي بأكثر من ملياري دولار ونصف.في المقابل تورد الإحصائيات الجديدة لـ«معهد الإحصاء الحكومي» التونسي أن تونس حققت فائضاً تجارياً مع فرنسا وبلدان الاتحاد الأوروبي، بفضل صادرات المؤسسات الصناعية التونسية المشتركة. وهذه الصادرات «تحتل المرتبة الأولى بين موارد الدولة التونسية من العملات الأجنبية قبل السياحة وتحويلات نحو مليوني تونسي مهاجر غالبيتهم في أوروبا»، حسب تصريح الخبير غازي معلى لـ«الشرق الأوسط». وما يستحق الإشارة السفيرة الفرنسية لدى تونس آن جيجين ذكرت أن «المجلس الأعلى للتعاون والشراكة التونسية الفرنسية» سيعقد قريباً.هذا، ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الرئيس التونسي قيس سعيّد لحضور «القمة السنوية للبلدان الفرنكوفونية» في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في باريس، وكانت القمة الأخيرة قد عقدت في جزيرة جربة التونسية. ومن المقرّر أن يحضر سعيّد هذه القمة لتسليم الرئاسة إلى الرئيس الفرنسي، وهذا رغم مؤشرات تراجع الدور العالمي لماكرون وحلفائه الأوروبيين بعد «زلزال» فوز اليمين المتطرف في الانتخابات.بالتوازي، كشف السفير السابق أحمد بن مصطفى عن تراجع إقبال السياح الروس على تونس من نحو 700 ألف سائح إلى بضعة مئات بسبب «حرب أوكرانيا» والحصار الدولي المفروض على روسيا. وهذا الواقع، يقرأه رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط»، بأن الإحصائيات الرسمية تبرّر مواصلة الرهان على فرنسا والشركاء الأوروبيين.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».