«جذور حرة»... صرخة تشكيلية ضد «قطع الأشجار»

المعرض المصري يضم 15 لوحة ومجموعة من المجسمات

عيون الأشجار (إدارة الغاليري)
عيون الأشجار (إدارة الغاليري)
TT

«جذور حرة»... صرخة تشكيلية ضد «قطع الأشجار»

عيون الأشجار (إدارة الغاليري)
عيون الأشجار (إدارة الغاليري)

ترتحل الفنانة رانيا أبو العزم في عالم النباتات والطبيعة الساحرة من خلال 15 لوحة ومجموعة من المجسمات النحتية، تجمع ما بين التجريد والتأثيرية، وتثير الكثير من التساؤلات حول مصير البشرية في ظل قضية تغير المناخ.

وتظهر الأعمال التي يضمها المعرض المقام بعنوان «جذور حرة» بغاليري «موشن» في القاهرة اندماج التشكيلية المصرية في الطبيعة وانعكاس تعمقها فيها على فنها، لا سيما الأشجار التي تنشغل كثيراً بتراجع أعدادها في العالم وقطعها لأسباب مختلفة.

يثير المعرض الكثير من التساؤلات حول مصير البشرية (إدارة الغاليري)

تقول أبو العزم في كلمتها التي حرصت على أن تصاحب لوحاتها بالمعرض: «ماذا لو تكلمت؟ كيف اقتلعت من جذورها، هل هي من اختارت مكانها، أو حتى موعد رحيلها، هل كانت تشعر باغترابها، هل وقف معها من تظلل بظلها أم اكتفى بالنظر إليها أو حتى لم يبال لما حدث لها؟».

العيون المفتوحة ذات النظرات الحزينة والمترقبة والحائرة تطل علينا من خلال مجموعة من لوحات المعرض ومجسماته؛ فتارة توحي بأنها عيون الأشجار التي لم تعد تعرف مصيرها، وكأنها تتساءل هل ينتظرها البقاء أم القطع لتتحول إلى ذكرى أو مجرد شيء من الماضي، أم أنها عيون البشر الذين تسيطر عليهم هم أيضاً الحيرة حول مستقبلهم، في ظل التغيرات التي يشهدها كوكب الأرض على جميع الأصعدة، وفي مقدمتها ما يتعلق بالمناخ وملوثات البيئة.

من هنا، فإن الحدث هو أكثر من مجرد معرض فني؛ حيث يتحدى المتلقي لمواجهة القضايا المثيرة للقلق التي تهدد الأرض وسكانها، بما في ذلك ظاهرة الاحتباس الحراري وحماية البيئة، ومن ثم لا يجد نفسه أمام منظر معين مأخوذ من جمال الطبيعة، بقدر ما هو أمام رمزيات مشهدية مستمدة منها بتجليات مختلفة مثل الأغصان المتكسرة وأكوام مهملة في الأحراش وأوراق الشجر المتناثرة والصخور والوديان والمياه وغير ذلك، التي تقدّمها بشكل تجريدي يلامس مشهديات الأعمال الانطباعية، من دون الغوص فيها.

الفنانة رانيا أبو العزم (إدارة الغاليري)

ورغم أن الفنانة تقدم قضايا بيئية متعددة، ومنها مشكلات الأشجار وما طالها من اقتلاع وتشوهات وتراجع حضورها في دول عدة بالعالم، فإن إصرارها على تجسيد جمال الطبيعة يظهر واضحاً في أعمالها، عبر دمج الخطوط الممتدة مع اللون الأخضر واليابس والماء والتكوينات الملونة المحكمة والغنية بالبوح والحكي، مع مساحات الفراغ الموحية بالصمت والحزن في آن واحد؛ وذلك انطلاقاً من أن الفن لم يعد يقيم في كونه عدسة مصورة للطبيعة، بقدر تجسيده لعلاقة الإنسان بالطبيعة وعالمه الخارجي من نواح متعددة.

تقول أبو العزم في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «مصر غنية بالطبيعة الساحرة، الملهمة للفنان، تأثرت بها كثيراً، وأحزن للغاية أمام أي مشهد لشجرة اقتلعت من جذورها، كان ذلك يثير في داخلي عدداً ضخماً من التساؤلات، بعضها ذات بعد فلسفي أو نوستالجي حول تاريخ هذه الأشجار، ومن سار أسفلها ذات يوم، أو تظلل بها أو استمتع بمظهرها».

عبر دمج الخطوط الممتدة مع اللون الأخضر (إدارة الغاليري)

وكانت الدكتورة رانيا أبو العزم، المدرس بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالزمالك قد حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن عمل قدمته في معرض «محمود أبو العزم وأسرته الفنية» بغاليري «ضي» عام 2019؛ حيث تنتمي لأبوين تشكيليين تخرجا في الكلية نفسها.

ويجسد العمل الشكل الهرمي؛ تأثراً بالحضارة المصرية، وعلى قمة ذلك الهرم يظهر طائر كرمز للحرية والسلام، تقول رانيا: «عبرت من خلال هذا العمل عن مفهوم أننا كلنا نولد محملين بالأرقام والبيانات التي تبقى معنا من الميلاد وحتى الوفاة».

الاحتفاء بجماليات الطبيعة في بعض اللوحات (إدارة الغاليري)

وتضيف: «في العمل يظهر (الباركود) على سطح يشبه الجدار؛ انطلاقاً من فكرة فلسفية مفادها بأن البشر جميعاً يحملون داخلهم جداراً يقومون ببنائه يوماً بعد يوم، محاولين الاحتماء به ضد كل محاولات المساس بشخصيتهم وأصالتهم وذكرياتهم، آملين أن يستطيعوا صد تحديات المستقبل والاحتفاظ بذاتهم وحريتهم».

المعرض لم يغفل جمال الطبيعة (إدارة الغاليري)

هذا الشغف بالقضايا الإنسانية والفلسفية يستوقف المتلقي من جديد في هذا المعرض المستمر حتى 6 يوليو (تموز) الجاري؛ حيث يتواصل مع مجسمات ترمز إلى الكرة الأرضية من خامة البوليستر؛ وكأنها تطلق من خلاله صرخة للحفاظ على الأرض من تغير المناخ، وغير ذلك من مخاطر، كما تبرز بعض الأعمال تضامن الفنانة مع القضية الفلسطينية عبر معالجة تشكيلية تجمع ما بين الأرض والجذور والوطن.


مقالات ذات صلة

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق ملالا مع لوحاتها (دليل باريس للمعارض)

جدارية بعرض 60 متراً تعكس تحولات البشرية نحو العولمة

في أكبر صالات «قصر طوكيو» في باريس، تعرض حالياً وحتى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل، جدارية استثنائية للفنانة ملالا أندريالافيدرازانا.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
TT

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)

وقّع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان، الجمعة، مذكرة تفاهم في المجال الثقافي، عقب مباحثات جمعتهما في العاصمة اليابانية طوكيو، تناولت أهمية تعزيز العلاقات الثقافية المتينة التي تربط بين البلدين.

وتهدف «مذكرة التفاهم» إلى تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الرياض وطوكيو في مختلف القطاعات الثقافية، وذلك من خلال تبادل المعرفة في الأنظمة والتنظيمات المعنية بالشؤون الثقافية، وفي مجال الرسوم المتحركة، والمشروعات المتعلقة بالمحافظة على التراث بجميع أنواعه، بالإضافة إلى تقنيات الحفظ الرقمي للتراث، وتطوير برامج الإقامات الفنية بين البلدين، وتنمية القطاعات الثقافية.

بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية (الشرق الأوسط)

وكان الأمير بدر بن عبد الله، التقى الوزيرة توشيكو في إطار زيارته الرسمية لليابان، لرعاية وحضور حفل «روائع الأوركسترا السعودية»؛ حيث بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية.

وهنّأ وزير الثقافة السعودي، في بداية اللقاء، نظيرته اليابانية بمناسبة توليها منصب وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية، مشيراً إلى أن مشاركة السعودية بجناحٍ وطني في معرض «إكسبو 2025» في أوساكا تأتي في ظل العلاقات الوطيدة التي تربط بين البلدين، متمنياً لليابان حكومة وشعباً التوفيق في استضافة هذا الحدث الدولي الكبير.

وتطرّق اللقاء إلى أهمية تعزيز التعاون القائم بين هيئة الأدب والنشر والترجمة والجانب الياباني، لتدريب الطلبة السعوديين على فن صناعة القصص المصورة «المانغا».

وتأتي مذكرة التفاهم امتداداً لعلاقات الصداقة المتميزة بين السعودية واليابان، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون عبر مجموعة من البرامج والمشروعات والمبادرات المشتركة. كما تأتي المذكرة ضمن جهود وزارة الثقافة في تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية السعودية 2030».

حضر اللقاءَ حامد فايز نائب وزير الثقافة، وراكان الطوق مساعد وزير الثقافة، وسفير السعودية لدى اليابان الدكتور غازي بن زقر.