اتهامات متلاحقة لإسرائيل بـ«تعذيب» الأسرى والمدنيين

مسؤولون في تل أبيب يتنصلون من الإفراج عن مدير «الشفاء»

بعينين جاحظتين روى بدر دحلان ما حصل له داخل السجون الإسرائيلية
بعينين جاحظتين روى بدر دحلان ما حصل له داخل السجون الإسرائيلية
TT

اتهامات متلاحقة لإسرائيل بـ«تعذيب» الأسرى والمدنيين

بعينين جاحظتين روى بدر دحلان ما حصل له داخل السجون الإسرائيلية
بعينين جاحظتين روى بدر دحلان ما حصل له داخل السجون الإسرائيلية

جدد إفراج إسرائيل عن مدير مستشفى «الشفاء» الطبي، محمد أبو سلمية، بعد نحو 7 أشهر على اعتقاله من قطاع غزة، الاتهامات المتلاحقة لإسرائيل بـ«تعذيب الأسرى»، والأوضاع المأساوية للمسجونين لديها.

وأثارت واقعة الإفراج عن أبو سلمية أيضاً عاصفة في إسرائيل؛ إذ تنصل مسؤولون من مسؤولية اتخاذ القرار؛ خصوصاً بعدما اتهمهم بعد وصوله إلى غزة، بممارسة «أشكال التعذيب كافة ضد المعتقلين المدنيين» معززاً اتهامات سابقة.

وأفرجت إسرائيل، الاثنين، عن أبو سلمية، مع 54 معتقلاً آخرين من قطاع غزة، من دون أي إعلان أو تمهيد سابقين؛ غير أن الرجل ظهر بتصريحات مصورة قال فيها إن «الوضع في السجون مأساوي»، مؤكداً تعرض الأسرى إلى «إهانات شخصية وجسدية، مع نقص في الأكل والمياه والاحتياجات الأخرى».

مدير مستشفى «الشفاء» في قطاع غزة الدكتور محمد أبو سلمية بعد الإفراج عنه

وعلى الجانب الإسرائيلي، بدأت ردود الفعل بنقاشات حادة، على مجموعة الوزراء في تطبيق «واتساب»، ثم انتقلت إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

وسأل وزير الشتات عميحاي شيكلي، زميله وزير الدفاع يوآف غالانت: «هل يمكننا الحصول على توضيح، لماذا تم إطلاق سراح هذا الرجل الذي قُتل رهائننا في مستشفاه، وعملت قيادة (حماس) فيه؟».

ثم طالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، والاستعانة بقيادة أمنية جديدة.

وعدَّ شيكلي الإفراج عن أبو سلمية «إهمالاً مضراً بأمن إسرائيل، وأمراً لا يطاق»، مطالباً بمحاسبة من يقف وراءه.

ووصف بن غفير الإفراج بأنه «تهور أمني»، وأضاف: «حان الوقت ليمنع رئيس الوزراء وزير الدفاع غالانت، ورئيس (الشاباك)، من تنفيذ سياسات مستقلة بعيدة عن مجلس الوزراء».

كما هاجمت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، ووزير الاتصالات شلومو كارعي، الخطوة، وطالبا بإجراءات وإقالات أمنية.

ولم يقف الهجوم عند الوزراء؛ بل انضم إليه قادة المعارضة.

نتنياهو يحقق

وعدَّ الوزير المستقيل من مجلس الحرب بيني غانتس، رئيس «معسكر الدولة»، أن إطلاق سراح أبو سلمية «كان خطأ عملياتياً وأخلاقياً ومعنوياً، وأن متخذ القرار يجب أن يعود إلى منزله»، ورأى رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، عضو «الكنيست»، أفيغدور ليبرمان، أن ما حدث «إهمال أخلاقي وأمني».

وفي وقت لاحق، هاجم أيضاً رئيس المعارضة، يائير لبيد، متخذي القرار، قائلاً إن «تجاهل مصير المخطوفين سلوك فاسق»، ولاحقاً أصدر منتدى المحتجزين بياناً، جاء فيه أن إطلاق سراح أبو سلمية هو «علامة عار أخلاقي».

وفي محاولة لتجنب العاصفة، تنصل جميع المسؤولين، وكذلك الهيئات المختصة، من المسؤولية عن إطلاق سراحه، وأمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بفتح تحقيق فوري.

وإضافة إلى نتنياهو، نأى وزير الدفاع يوآف غالانت بنفسه عن قرار إطلاق سراح أبو سلمية.

وبينما قال مكتب نتنياهو إنه يتم تحديد هوية السجناء المفرج عنهم بشكل مستقل من قبل المسؤولين الأمنيين، بناء على اعتباراتهم المهنية، وأنه أمر بإجراء تحقيق فوري في الأمر، قال مكتب غالانت إن «إجراءات حبس السجناء الأمنيين وإطلاق سراحهم تخضع لــ(الشاباك) ومصلحة السجون الإسرائيلية، ولا تخضع لموافقة وزير الدفاع».

ويخضع جهاز «الشاباك» لسلطة مكتب رئيس الوزراء، وتخضع مصلحة السجون الإسرائيلية لوزارة الأمن القومي برئاسة بن غفير.

اكتظاظ السجون

وحاول «الشاباك» التلميح إلى أن الإفراج عن أبو سلمية جاء بسبب «سوء إدارة مصلحة السجون للسجون». وقال الجهاز إنه اضطر إلى الإفراج عن السجناء إلى قطاع غزة، بسبب عدم وجود مساحة في السجون الإسرائيلية، وبسبب الخطط لإنهاء استخدام مرفق الاحتجاز في «سدي تيمان».

وأكد «الشاباك» أنه حذر وزارة الأمن القومي منذ فترة طويلة، من أن الاكتظاظ في السجون سيصل إلى لحظة يتم فيها إطلاق سراح المعتقلين الأقل خطورة؛ لكن الوزارة لم تستجب.

فلسطينيون اتهموا الجيش الإسرائيلي بتعذيبهم خلال اعتقالهم في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وردت مصلحة السجون الإسرائيلية قائلة إنه «خلافاً للادعاءات الكاذبة المنشورة في الساعات الأخيرة، فإن قرار الإفراج عن مدير مستشفى (الشفاء) اتخذه الجيش الإسرائيلي و(الشاباك)، وليس مصلحة السجون، وليس بسبب الاكتظاظ».

وتبادل مسؤولون أمنيون الاتهامات في وسائل الإعلام، حول ما إذا كان بن غفير أو غالانت أو «الشاباك»، المسؤولين عن ذلك أم لا.

قتل تحت التحقيق

واعتُقل أبو سلمية في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، قبل نحو 7 أشهر، وقال الجيش الإسرائيلي و«الشاباك»، آنذاك، إنه تم اعتقال أبو سلمية بعد الكشف عن أدلة كثيرة على أن المستشفى الخاضع لإدارته المباشرة، كان بمثابة مقر لـ«حماس».

وأكد أبو سلمية تعرضه وآخرين للتعذيب من قبل محققين وأطباء وممرضين إسرائيليين. وقال إن معتقلين كثيرين قُتلوا في التحقيقات، وإن الذين بقوا على قيد الحياة فقدوا نحو 30 كيلوغراماً من أوزانهم. واستغرب أبو سلمية الضجة المثارة حوله، وقال إنه خرج بطريقة رسمية.

وعززت إفادات أبو سلمية اتهامات سابقة حول تعرض الأسرى الفلسطينيين إلى التعذيب، وإبقائهم في ظروف صعبة، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد بدء إسرائيل حرباً في قطاع غزة.

واعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 9450 مواطناً من الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى جانب آلاف من المواطنين من غزة، ومئات من فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948.

فلسطينيون يقفون في طابور بعد اعتقالهم من القوات الإسرائيلية بالقرب من مدينة طولكرم في وقت سابق (إ.ب.أ)

وتجري الاعتقالات بشكل شبه يومي في الضفة، من خلال عمليات اقتحام وتنكيل واسعة، واعتداءات بالضرب المبرح، وتهديدات بحق المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة لمنازل المواطنين.

وحسب إحصاءات رسمية، قتلت إسرائيل 18 معتقلاً من الضفة في السجون، و36 من أسرى غزة الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي، وتوفوا «تحت التعذيب»، في سجن «سدي تيمان».

وكشف تصريحات أسرى، وتحقيقات سابقة، عن انتهاكات جسيمة تمارسها إسرائيل ضد المعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك موتهم تحت التحقيق القاسي.

انتهاكات متكررة

وقال رجلان فلسطينيان أصيبا خلال مداهمة بمدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، الأسبوع الماضي، لشبكة «بي بي سي» البريطانية، إن الجنود الإسرائيليين أجبروهما على الصعود فوق مقدمة سيارة «جيب» عسكرية، وقادوها بسرعة، على طول طرق الحي الذي يسكنان فيه.

جاء ذلك بعد أيام من انتشار مقطع فيديو يُظهر الفلسطيني مجاهد العبادي، البالغ من العمر 23 عاماً، وهو موثوق بغطاء محرك سيارة «جيب» عسكرية إسرائيلية مماثلة، ما أثار إدانة واسعة النطاق، وغضباً دولياً كبيراً. وتعليقاً على حادثة العبادي، قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده انتهكوا البروتوكول.

لقطة من فيديو يُظهر مجاهد العبادي وهو فوق مقدمة سيارة جيب عسكرية (أ.ب)

والأسبوع الماضي، أكدت صحيفة «هآرتس» أن المحكمة العليا الإسرائيلية أمرت السلطات بتوضيح ظروف اعتقال أسرى قطاع غزة في معتقل «سدي تيمان». ونقلت الصحيفة عن محامية إسرائيلية تأكيدها أن احتجاز المعتقلين في «سدي تيمان» من شأنه أن يرقى إلى جريمة حرب، مضيفة أن احتجاز المعتقلين فيه «لا يمكن أن يستمر دقيقة أخرى».

ويُفترض أن تكون إسرائيل قد بدأت تقليص نشاط سجن «سدي تيمان»؛ لكن ذلك لن يشمل أي إجراءات أخرى في السجون المتبقية. وكان بن غفير قد طالب، الأحد، بـ«إعدام الأسرى» برصاصة في الرأس، وليس مناقشة تحسين ظروفهم.


مقالات ذات صلة

خلافات نتنياهو مع الجيش تهدد بإفشال مفاوضات الدوحة

المشرق العربي نازحون في خان يونس بجنوب قطاع غزة يوم الخميس (أ.ب)

خلافات نتنياهو مع الجيش تهدد بإفشال مفاوضات الدوحة

لم تمض بضع ساعات على بثّ روح التفاؤل بشأن استئناف مفاوضات الدوحة بخصوص هدنة غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين، حتى عادت مخاوف إجهاضها مرة أخرى.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي يتم إجلاء المرضى من «المستشفى الأوروبي» لنقلهم إلى «مستشفى ناصر» (د.ب.أ)

«الصحة العالمية» تحذر من «كارثة» نقص الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات في غزة

حذر مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من أن نقص الوقود يشكل خطرا «كارثيا» على النظام الصحي في غزة الذي أنهكته الحرب الدائرة منذ حوالى تسعة أشهر.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي أنقاض المباني المدمرة في غزة وسط الصراع المستمر بين «حماس» وإسرائيل (رويترز)

«حماس»: نرفض أي تصريحات تدعم دخول قوات أجنبية إلى غزة

أعلنت حركة «حماس»، اليوم (الجمعة)، أنها ترفض أي تصريحات أو مواقف تدعم خطط دخول قوات أجنبية إلى قطاع غزة تحت أي مسمى أو مبرر، وفق «رويترز».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مسلحون خلال تشييع ضحايا العملية الإسرائيلية في جنين الجمعة (رويترز) play-circle 00:38

إسرائيل تقتل 6 نشطاء من «فتح» في جنين

قتل 6 أشخاص وأصيب آخرون، الجمعة، خلال عمليات قصف جوي واقتحام لقوات من الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين ومخيّمها بالضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جنود إسرائيليون برفقة مركبة عسكرية في مكان لم يُكشف عنه بالقرب من الحدود مع قطاع غزة جنوب إسرائيل - 2 يوليو 2024 (إ.ب.أ)

مقتل 5 فلسطينيين في هجوم عسكري إسرائيلي على جنين

أفادت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم (الجمعة)، بأن خمسة فلسطينيين قُتلوا في هجوم عسكري إسرائيلي على مدينة جنين بالضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (جنين)

الأمم المتحدة: 250 ألف شخص نزحوا في جنوب غزة بسبب أمر الإخلاء الإسرائيلي

فلسطينيون يفرون من مدينة رفح بجنوب غزة خلال هجوم بري وجوي إسرائيلي على المدينة (أرشيفية - ا.ب)
فلسطينيون يفرون من مدينة رفح بجنوب غزة خلال هجوم بري وجوي إسرائيلي على المدينة (أرشيفية - ا.ب)
TT

الأمم المتحدة: 250 ألف شخص نزحوا في جنوب غزة بسبب أمر الإخلاء الإسرائيلي

فلسطينيون يفرون من مدينة رفح بجنوب غزة خلال هجوم بري وجوي إسرائيلي على المدينة (أرشيفية - ا.ب)
فلسطينيون يفرون من مدينة رفح بجنوب غزة خلال هجوم بري وجوي إسرائيلي على المدينة (أرشيفية - ا.ب)

قال عاملون في مجال الإغاثة تابعون للأمم المتحدة، الجمعة، إن ما يقدر بنحو 250 ألف شخص في أجزاء من شرق خان يونس ورفح في جنوب غزة بدأوا في التحرك بموجب أمر إخلاء إسرائيلي.

وقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بتعديل تقديراته للمنطقة السكانية المتضررة من ثلث إلى ربع قطاع غزة، أو من 117 إلى 85 كيلومتراً مربعاً. وتحرك النازحون نحو غرب خان يونس ودير البلح، وهي مناطق مكتظة بالفعل وتفتقر إلى الخدمات الأساسية والبنية التحتية الحيوية ومواد الإيواء وحتى المساحة الكافية.

وقال (أوتشا) إن تقديراته أظهرت أن أكثر من 9 آلاف عائلة نازحة يعيشيون في منطقة في خان يونس وأن نحو ألف إضافيين يعيشون في منطقة في دير الزور بـ650 خيمة فقط.

وأضاف المكتب الأممي: «كل هذه العائلات في حاجة ماسة إلى مياه شرب نظيفة، حيث يقضي الناس، وخاصة الأطفال ساعات طويلة في طوابير للحصول على المياه كل يوم».