غموض حول مصير لقاء البرهان و«حميدتي» في كامبالاhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/5035184-%D8%BA%D9%85%D9%88%D8%B6-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7
قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو في أثناء تحالفهما سابقاً (أرشيفية)
توقع سياسيون سودانيون أن يجري لقاء وشيك بين قيادة الجيش السوداني وقيادة «قوات الدعم السريع»، استجابة إلى قرار «مجلس السلم والأمن الأفريقي» ودعوة اللجنة الرئاسية للمجلس بقيادة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وقادة دول الأقاليم الأفريقية، للجمع بين قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي».
وأشار البعض إلى صمت قيادة الجيش وعدم توضيح موقفه من اللقاء، على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على صدور الإعلان، وفسّروا ذلك الغموض بوجود «انقسام في معسكر الجيش» بين الراغبين في إنهاء الحرب ومن يريدون استمرارها، «بدعم من مجموعة الإسلاميين المتشددين داخل الجيش».
وأصدر «مجلس السلم والأمن الأفريقي» في 21 يونيو (حزيران) الحالي، قراراً بإنشاء لجنة برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، لتسهيل التواصل المباشر بين قادة الجيش السوداني وقادة «قوات الدعم السريع» في أقرب وقت ممكن.
موسيفيني والبرهان في لقاء سابق (موقع الرئيس الأوغندي على «إكس»)
الجيش لم يعلّق
وعلى الرغم من مرور أكثر من أسبوع على صدور قرار المجلس، لم يعلّق الجيش السوداني أو الحكومة المؤقتة بالرفض أو الإيجاب، كما اعتادت في مثل هذه الظروف، وهو ما فسّره المحلل السياسي والحقوقي حاتم إلياس، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بقوله إن «القرار السياسي والعسكري ربما خرج عن يد الجيش، فمنذ مدة طويلة هناك مؤشرات على وجود تأثير قوي للحركة الإسلامية داخل الجيش». وأضاف قائلاً: «لو وافق الجيش على دعوة موسيفيني فربما سيواجه مخاطرة ويدخل في مواجهة مع الإسلاميين».
وأوضح إلياس أن سر الصمت ربما يعود إلى اعتبارات ترتبط بـ«خوف قيادة الجيش من مواجهة غير محسوبة مع الإسلاميين، خصوصاً مجموعة الأمين العام للحركة الإسلامية، علي كرتي. فإذا قررت قيادة الجيش المضي قدماً في عملية سياسية تنهي الحرب، بعيداً عن رضا الإسلاميين، فقد يتعرضون لمخاطر ربما تصل إلى حد التصفية».
ويرفض الجيش التعامل مع مبادرات الاتحاد الأفريقي تحت ذريعة «تجميد عضوية السودان» في الاتحاد، ويشترط لقبول هذه المبادرات إعادة عضوية السودان التي علّقها الاتحاد الأفريقي عقب انقلاب 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، الذي نفّذه قائدا الجيش و«الدعم السريع» ضد حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
لقاء سابق بين حميدتي وموسيفيني في عنتيبي أثار جدلاً في الخرطوم («إكس»)
شرط البرهان
ووفق تسريبات نقلتها منصات اجتماعية مؤيدة لقيادة الجيش، فإن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان اشترط للقاء غريمه قائد «قوات الدعم السريع» محمد دقلو، «أن يكون اللقاء على انفراد». وعدّ الصحافي الإسلامي الداعم للجيش عادل الباز، دعوة القادة الأفارقة، بأنها «تهديد من مجموعات المرتشين وداعمي التمرد. والغريب أن الاتحاد الأفريقي يفعل ذلك ولا يستحي من استجداء الحكومة ذاتها، التي عُلقت عضويتها لتقبل بسلسلة مبادراتهم الفارغة التي لا تنتهي».
كما قال المحلل السياسي عادل إبراهيم حمد، في تصريحات إعلامية، إن دعوة الاتحاد الأفريقي جاءت في وقت استنزفت فيه الحرب طرفيها، وكلفت الشعب السوداني كثيراً، وفقدت بسببها الدولة منشآتها ومرافقها المهمة. وتابع: «أي دعوة إلى إيقاف الحرب لا بد أن تجد استجابة من طرفي الحرب، لما وصلت الحال إليه من سوء، ولا يمكن ألاّ يقبلها عاقل أو حريص على الوطن ومستقبله».
ووصف القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» شهاب إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»، دعوة مجلس السلم والأمن الأفريقي بأنها «دعوة جادة»، قائلاً: «من المؤكد أن الدعوات وصلت للطرفين بسرية تامة». وأرجع إبراهيم عدم تعليق الجيش وحكومة الأمر الواقع التي يرأسها البرهان من مدينة بورتسودان الساحلية، على قرارات الاتحاد الأفريقي، إلى ما سماه «حالة انقسام معسكر الجيش»، مؤكداً أن اللقاء سيُجرى ولن يعلن ذلك قبل انعقاده، وأن الموقف من الاتحاد الأفريقي لن يمنع الانعقاد لوجود أطراف كثيرة تضغط على الطرفين من أجل اللقاء المرتقب. وقال: «الطرفان سيذهبان إلى كامبالا».
محاولات سابقة
محاولة موسيفيني ليست المحاولة الأفريقية الأولى لجمع قيادة الجيش وقيادة «قوات الدعم السريع»، إذ في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023 أعلنت الهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» موافقة البرهان وحميدتي على لقاء ثنائي بينهما، لكن اللقاء لم يتم، وقال الجيش في 27 من الشهر ذاته إن جيبوتي، التي تترأس «إيغاد»، أبلغته بتأجيل اجتماع القائدين قبل يوم واحد من موعده. ومنذ ذلك الوقت واصلت قيادة الجيش اتهاماتها لقائد «الدعم السريع»، بـ«المماطلة وعدم تحكيم صوت العقل، وعدم الرغبة في إيقاف تدمير السودان وشعبه».
وأعلنت قيادة الجيش رفضها أي ترتيبات مماثلة وتمسّكها بمواصلة القتال حتى القضاء على «قوات الدعم السريع»، في حين دأب قائد «الدعم السريع» على تأكيد رغبته في وقف الحرب عبر التفاوض، واستعداده للمشاركة في أي محادثات من أجل وقف القتال.
تزداد الحرب السودانية، وهي تدخل اليوم عامها الثالث، بشاعة كل يوم؛ إذ ترتفع وتائر القتل الميداني، وإطلاق الرصاص على الهوية والعِرق والجهة... والمواطن هو الهدف.
قال وزير شؤون الرئاسة في حكومة الثورة في السودان، خالد عمر يوسف، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن الحرب في السودان أكبر مهدد للمنطقة والجوار ما لم يتم وقفها.
حرب السودان في عامها الثالث... «البندقية» تلاحق المدنيينhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/5132244-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86
حرب السودان في عامها الثالث... «البندقية» تلاحق المدنيين
عناصر في الجيش السوداني يحتفلون بعد استعادتهم القصر الجمهوري في الخرطوم 21 مارس (أ.ب)
تزداد الحرب السودانية، وهي تدخل اليوم عامها الثالث، بشاعة كل يوم بل كل ساعة؛ إذ ترتفع وتائر القتل الميداني، وتنتشر بكثافة مقاطع تصور المآسي والإعدامات الميدانية، وإطلاق الرصاص على الهوية والعِرق والجهة. الكل يقتل المواطن الذي لا يستطيع فتح عينيه ليرى، أو فمه ليقول، فهناك رصاصة في مكان ما، أو سكين ما تنتظره لتقتله.
الأرقام تشير إلى حقيقة ثابتة، وهي أن الحرب بين الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه من جانب، و«قوات الدعم السريع» من جانب آخر، والتي بدأت كمواجهة بين طرفين عسكريين، تحولت بسرعة إلى حرب يعاني من ويلاتها الشعب السوداني بأكمله على امتداد الوطن، شماله وجنوبه، شرقه وغربه. من يموت فيها في كلتا الحالتين هو المواطن... وتدمر مستشفياته ودور العلم والجسور وبنية الوطن التحتية.
«البندقية» لم تكن موجهة نحو الجنود فحسب، بل كانت موجهة أيضاً نحو المدنيين الأبرياء. فالجيشان لا يتواجهان في ساحة معركة تقليدية، فهي حرب مدن. كل منهما متحصن في معسكره، بينما يتم توجيه المدافع والبراميل المتفجرة الطائشة، إلى قلب المواطن المسكين... هي حرب على المواطن بجدارة، كما تقول الامم المتحدة ومنظماتها.
حصاد الدمار
قدرت تقارير أممية وإعلامية خسائر الحرب الاقتصادية الكلية بنحو 200 مليار دولار أميركي، والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى، مع دمار لنحو 60 في المائة من البنية التحتية للدولة، وتشريد نحو ثلث السكان بين نازح ولاجئ (يقدر عدد السكان بنحو 42 مليون نسمة). أزمة إنسانية وصفها الإتحاد الأوروبي بأنها الأسوأ في القرن الواحد والعشرين.
تدخل حرب السودان عامها الثالث من دون حلول تلوح في الأفق القريب، على الرغم من «التقدم اللافت» الأخير للجيش. وألحقت الحرب دماراً غير مسبوق على المستويات كافة، فإضافة إلى إزهاق أرواح 60 ألفاً وعدد غير محصى من الجنود في الطرفين، وإصابة وإعاقة مئات الآلاف، وتشريد نحو ثلث سكان البلاد.دمرت الحرب أيضاً البنى الاقتصادية والتحتية للدولة، وأصبح نحو نصف السكان تحت خط الفقر، بينما يهدد الجوع نحو 20 مليون شخص، وفقاً للأمم المتحدة، ونزوح ولجوء نحو 14 مليون مواطن داخلياً وإلى دول الجوار.
قتل المتعاونين من الجانبين
في بلدة «طيبة الحسناب»، جنوب الخرطوم، أودت رصاصات غاشمة بحياة شيخين في التسعين من عمرهما؛ لأنهما أفصحا عن انتمائهما الإثني، فتم «ذبحهما» بدم بارد من قبل «متطرفين» بتهمة «التعاون» مع «الآخر». ترجع أصول هذين الشيخين «عثمان محمد» وشهرته «شورى» ورفيق موته، حسب الله أبو طاقية، إلى غرب السودان، ويقيمان في بلدة طيبة الحسناب في منطقة جبل الأولياء (جنوب الخرطوم)، التي يقع جوارها أحد أهم معسكرات «قوات الدعم السريع»، وهو «معسكر طيبة»، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى ما قبل الحرب وقبل سقوط نظام الإسلامويين عام 2018.
الرجلان ورفاقهما لا يدرون أن مجرد الانتماء لجهة وإثنية سودانية، جريمة كافية للقتل والتصفية.
المتطرفون من الجانبين يعدّون كل من لم ينزح، أو من ينتمي عرقياً لواحد من المكونات المتهمة بتأييد «الآخر» «حواضن اجتماعية»، فيسارعون إلى سؤاله: «ما قبيلتك؟»، أو قد يكتفون بملامحه لإعدامه.
«المتطرفون» استباحوا الخرطوم، عوضاً عن «طمأنة» المواطنين الذين ذاقوا الأمرّين إبان سيطرة «الدعم السريع» على مناطقهم، شنت حرباً انتقامية عليهم. لا تشفع للمتهم بالتعاون مع الغير، لحيته البيضاء، أو صراخ أطفال للحيلولة دون تصفيته. لا شيء يوقف الرصاصات التي تتجه إلى الرؤوس والقلوب لتقتل «المتعاونين» من دون رحمة.
جنود يصلون إلى منطقة استعادها الجيش السوداني جنوب الخرطوم 27 مارس (أ.ب)
«الدعم السريع» قتل وانتهك الآلاف
أيام سيطرة «قوات الدعم السريع» على الخرطوم، أو المدن الأخرى في ولاية الجزيرة، لم تكن «الأفضل»، فكل من يؤيد الجيش هو «فلول» تتم تصفيته أيضاً، أو في الحد الأدنى يتم إلقاؤه في سجن «عشوائي»، يموت داخله جراء التعذيب والجوع والعطش. فـ«قوات الدعم السريع» هي الأخرى قتلت الآلاف بدءاً من غرب دارفور، واغتالت بدم بارد حاكم الولاية، وواصلت القتل في كل مكان سيطرت عليه، وأبشعها كانت «حملاتها الانتقامية» ضد سكان شرق الجزيرة، إثر انشقاق القائد، أبو عاقلة كيكل، عنها وانضمامه للجيش.
بعد استرداد الجيش للخرطوم، انتشرت مقاطع فيديو في غاية «البشاعة» تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي، لناجين من سجون «الدعم السريع» التصقت جلودهم بعظامهم من شدة الجوع وسوء التغذية والتعذيب. قال الجيش إنه «حررهم» من الأسر. كانوا في غاية الهزال، بل مات بعضهم بمجرد إطعامهم بصدمة التغذية. أحدهم ويبدو عليه الهزال الشديد، قال: «حشروني و25 سجيناً في غرفة ضيقة، وبالداخل إناء لقضاء الحاجة... حين يمتلئ نسبح في فضلاتنا؛ لأننا مضطرون للنوم عليها، ومع ذلك لا يتركوننا لبؤسنا، بل نخضع لتعذيب بدني ونفسي قاسٍ، يومياً... كان يموت أحدنا جراء التعذيب أو الجوع والمرض، وانعدام الأدوية».
أوضح الجيش أن من أسماهم «شراذم الدعم السريع»، كانوا يطعمونهم لقيمات من «عصيدة الذرة دون إدام» مرتين في اليوم، مع عدة جرعات من الماء للشرب والنظافة، وبالتأكيد هي لا تكفي للشرب ناهيك عن النظافة، ما أدى لانتشار القمل والحشرات في أجساد المساجين، المكومين فوق بعضهم البعض، مع الحرمان من النوم بسبب ضيق المكان أو رداءة البيئة، أو الإزعاج المنظم.
وتضج الميديا الشعبية السودانية أيضاً، بمقاطع فيديو وصور بالغة البشاعة، لعمليات تصفية جماعية وسط تهليل وتكبير، على مرأى ومسمع من الأطفال والنساء، حتى إن الموت بالدانات والصواريخ والمسيرات العشوائية والبراميل المتفجرة يبدو أكثر رحمة.
بهذا المحمول «البشع» تدخل حرب السودان «العبثية» - بحسب وصف قائد الجيش لها - عامها الثالث، وفي الواقع هي لم تعد حرباً بين جيشين، كما يزعم «الدعم السريع»، أو بين جيش وقوات متمردة عليه و«عميلة» كما يزعم الجيش، فقد تحولت لحرب استهداف للمواطن المسكين، جعلت منه هدفها وضحيتها، وحق للأمين العام لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوفر لوكيير، وصفها بأنها «حرب على الناس».
انهيار شبه كامل للقطاع الصناعي
المستشار الاقتصادي السوداني، عبد العظيم الأموي، قال في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، إن استمرار الحرب أحدث دماراً هائلاً على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ما أدى لفقدان السودان نحو 25 المائة من رصيده الرأسمالي، بجانب التخريب الذي طال البنية التحتية الاقتصادية من طرق، ومطارات، وجسور، ومصانع، ومشروعات. وأوضح الأموي، وهو رئيس قسم أبحاث السوق في شركة «أسواق المال» الخليجية، أن مؤشرات الاقتصاد الكلي تدهورت، وبلغ الانكماش 37.5، بينما ارتفع العجز المالي إلى مستويات قياسية بلغت 9.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفع معدل التضخم إلى 245 في المائة في العام الأول بعد الحرب.
وقال المستشار الاقتصادي إن تركيبة الاقتصاد السوداني تعتمد على قطاع الخدمات بنسبة 46.3 في المائة، وعلى القطاع الزراعي 32.7 في المائة، والقطاع الصناعي بنسبة 21 في المائة من حجم الاقتصاد، وأضاف: «عند التدقيق في تركيبة هذه القطاعات، فإن القطاع الصناعي تستحوذ عليه ولاية الخرطوم بنسبة 85 في المائة، وقد تم تدمير كامل للمصانع في الخرطوم، وبذلك يكون القطاع الصناعي قد انهار بشكل شبه كامل في البلاد».
وفي مجال الطاقة، قال الأموي إن السودان كان يستورد 70 في المائة من احتياجاته من المواد البترولية، بينما يغطي الإنتاج المحلي، 30 في المائة المتبقية، لكن بعد الحرب وتدمير مصفاة الجيلي التي كانت تنتج يومياً 3.8 ألف طن من الجازولين و2.7 ألف طن من البنزين و0.8 ألف طن من غاز الطبخ، فقد توقفت عن العمل جراء تدميرها عن طريق القصف المتكرر، والآن أصبح السودان يستورد كل احتياجاته من البترول، ما شكل ضغطاً إضافياً على موارد النقد الأجنبي. وأشار إلى التراجع السلبي في القطاع الزراعي، الذي أدى لتراجع إنتاج الحبوب بنسبة 46 في المائة مقارنة بالإنتاج قبل الحرب، وإلى تدهور بنسبة 41 في المائة مقارنة بمتوسط الأعوام الخمسة الماضية. وتابع: «بتفصيل أكثر للأرقام تراجع إنتاج الذرة في عام 2023/2024 بنسبة 42 في المائة، وتراجع إنتاج الدخن بنسبة 64 في المائة، ما أدى لتفاقم أزمة الأمن الغذائي». ويقول الأموي إن آخر الأرقام تشير إلى أن 14 مليوناً نزحوا بسبب الحرب، وغادر نحو 1.7 مليون شخص البلاد، وبذلك أصبحت أزمة النزوح بسبب الحرب، هي الأكبر عالمياً.
تدهور العملة المحلية
وتوقف الأموي عند سعر صرف الجنيه السوداني، مشيراً إلى أنه تدهور بنسبة 74 في المائة في العام الأول من الحرب، «واستمر في التدهور ليصل إلى 81 في المائة في 2024». وقال إن سعر صرف الدولار الواحد يساوي 2107 جنيهات سودانية في السوق الموازية عام 2025، وتابع: «خلاصة القول، إن استمرار الحرب أدى لتدهور اقتصادي أفقد السلطة 85 في المائة من إجمالي الإيرادات، وتحول الاقتصاد إلى اقتصاد حرب بامتياز، وتمدد اقتصاد الظل غير المنظم في عدد كبير من ولايات السودان».
وأوضح أن الحرب تسببت في تجريف موارد السودان بالتهريب إلى دول الجوار، من ذهب أو ثروة حيوانية وموارد زراعية، وخرجت البلاد من الاقتصاد المنظم إلى دوائر اقتصاد السوق السوداء الخارجية.
تراجع الإنتاج الزراعي
رأى الخبير الاقتصادي، عمر سيد أحمد، في مقال على موقع «الراكوبة»، على الإنترنت، أن «القطاع الزراعي الذي يعد عموداً فقرياً لاقتصاد البلاد، ويعمل به نحو 80 في المائة من القوى العاملة، يسهم بنحو 32.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تدمر بنسبة تقدر بنحو 65 في المائة، ونزح المزارعون وتعطلت سلاسل الإمداد، وتراجعت مدخلاته من الوقود، والبذور، والأسمدة، وفقدت البلاد موسمين زراعيين، بينما يواجه الموسم المقبل تحديات كبيرة».
وعلى الرغم من أن سيد أحمد قدر الخسائر حتى نهاية عام 2024 بنحو 100 مليار دولار، فإن تقارير إعلامية تتحدث عن خسائر تجاوزت 200 مليار دولار.
وقال سيد أحمد: «في ظل استمرار الحرب وتواصل تدمير البني التحتية، فإن تقدير الخسائر مهمة بالغة الصعوبة؛ لأن الأضرار ليست ثابتة أو منتهية، بل متزايدة باضطراد».
الأزمة الصحية
تسببت الحرب في أزمة «صحية» كبيرة وغير مسبوقة، خرجت بسببها المستشفيات العامة والخاصة ومراكز الخدمات الصحية، عن الخدمة.
وزير الصحة الاتحادي المكلف، د. هيثم محمد إبراهيم، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن 70 في المائة من المستشفيات والمراكز الصحية في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة وسنار وبعض أجزاء النيلين». وأوضح أن «الميليشيا» - «قوات الدعم السريع» - قصفت المستشفيات مرات عديدة، خاصة مستشفيات النو والبلك والدايات في الخرطوم، وأن مستشفيات مدينة الفاشر تعرضت للقصف أكثر من 15 مرة، بينما تم تدمير المختبر الرئيسي للصحة العامة (استاك) واستخدامه «ثكنة عسكرية» منذ الأيام الأولى للحرب، إضافة إلى تدمير المراكز الطبية المتخصصة. وقدر الوزير خسائر القطاع الطبي وحده بأكثر من 11 مليار دولار أميركي.
ووفقاً لوزير الصحة، قتلت «الميليشيا» أكثر من 60 طبيباً وكادراً طبياً، بينهم 7 من أطباء وكوادر غسيل الكلى في أثناء قيامهم بمداواة المرضى، وأشار إلى عجز كبير في الكادر الطبي بسبب اللجوء خارج البلاد، بيد أن الوزير أشار إلى منح وزراء الصحة العرب منح جائزة الطبيب العربي للطبيب السوداني، تقديراً لتضحياته في أثناء الحرب. وتسبب الدمار الذي تعرض له القطاع الصحي وخراب البيئة، وفقاً للوزير، في تفشي الأمراض والأوبئة مثل «الملاريا، وحمى الضنك، والكوليرا» التي فتكت بعشرات الآلاف.
المدارس تحولت لثكنات أو مقابر
المتحدث باسم لجنة المعلمين (نقابة طوعية) الأستاذ سامي الباقر، وصف الحرب بـ«الكارثة العظمى التي ضربت بنية التعليم في البلاد»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا توجد إحصائيات بحجم الخسائر والدمار الذي أصاب التعليم... ولكن التقديرات تشير إلى أن 20 ألف مدرسة تأثرت بالحرب كلياً أو جزئياً، وإن 6 - 7 ملايين تلميذ من أصل 12 مليوناً قبل الحرب، أصبحوا خارج المدارس طوال عامي الحرب، وأن من استطاعوا مواصلة التعليم لا يزيد عددهم على 3 - 4 ملايين». وأضاف الباقر: «ومن المحزن أن بعض المدارس ومؤسسات التعليم تم تحويلها لثكنات عسكرية، أو استهدفت بالقصف، أو تحولت لدور إيواء، بل إن بعضها استخدم مقابر لدفن القتلى، وهو دمار يفوق قدرة السودان، ولن يستطيع استعادته في المستقبل القريب».
وحذر الخبير التربوي من تقسيم البلاد إلى مناطق تستمر فيها الدارسة، وأخرى بلا مدارس، وقال: «أخشى من تجزئة الوجدان السوداني»، إشارة إلى عقد «امتحانات الشهادة السودانية» في مناطق سيطرة الجيش فقط، وتابع: «المؤكد أن مستقبل من لم يجلسوا لامتحان الشهادة قد ضاع، سيما وأن عدد الممتحنين للشهادة السودانية في حدود 570 ألف تلميذ، لم يجلس مهم للامتحان سوى نحو 200 ألف».
معظم مدارس السودان أصابها الدمار... وفي الصورة طالبات في الطريق إلى المدرسة لإجراء الامتحانات في بورتسودان 28 ديسمبر (أ.ف.ب)
وأشار الباقر إلى الأوضاع المزرية التي يعيشها قطاع المعلمين في السودان، وقال إن جميع المعلمين على مستوى السودان «حرموا حتى من رواتبهم على ضعفها»، (الحد الأعلى لراتب المعلم 70 دولاراً، بينما الحد الأدنى في حدود 5 دولارات للمهن العمالية في التعليم). ونوه إلى ارتفاع معدلات التسرب من المدارس، وما قد تترتب عليه من مخاطر، «كأن ينخرط بعض التلاميذ في الجريمة»، وأضاف: «تراكم الدفعات للقبول في المدارس يفوق السعة الاستيعابية للمدارس»، واستطرد: «كان نحو 1.2 مليون تلميذ يتم قبولهم سنوياً، والآن مع توقف المدارس عن العمل للعامين سيتضاعف الرقم، وهذا يفوق قدرة المدارس الاستيعابية». وتوقع الباقر أن يعود التلاميذ في الصفوف الأولى من المدارس الابتدائية إلى أميين مجدداً؛ إذ «عملياً سيكون تلاميذ الصفوف من الأول حتى الثالث الابتدائي، قد عادوا أميين من جديد، بسبب غيابهم لفترة طويلة عن مقعد الدراسة».
أدت الحرب لتشريد أكثر من 15 مليوناً؛ بين نازح داخلياً ولاجئ لدول الجوار، بحسب منظمة الهجرة الدولية، ووصفتها الأمم المتحدة بأنها «أكبر كارثة نزوح في العالم»، ووفقاً لتقارير إعلامية أدت عمليات النزوح الواسعة إلى فقدان مصادر دخول الشرائح المنتجة، وأدت لتدمير الصحة النفسية والجسدية لأغلب السكان.
وذكرت مصفوفة تتبّع النزوح، التابعة لمنظمة الهجرة الدولية، في آخر تحديث، أن 11.3 مليون، نازح داخلي، وقرابة 4 ملايين شخص عبروا الحدود ولجأوا إلى دول الجوار (مصر، جنوب السودان، تشاد، إثيوبيا، أوغندا، كينيا)، وأن أكثر من نصفهم «أطفال» 27 في المائة منهم دون الخامسة، و28 في المائة منهم فتيات تحت الثامنة عشرة، وهم يعيشون أوضاعاً متردية، لا تتوفر لهم فيها الخدمات الأساسية. وأوضحت المنظمة الدولية أن الحرب جعلت أكثر من 30.4 مليون شخص، أي نحو 3 أرباع عدد سكان البلاد المقدر بنحو 42 مليوناً، بحاجة لمساعدات إنسانية، بينهم 16 مليون طفل، بينما يواجه 20 مليوناً خطر المجاعة. بيد أن الهجرة الدولية ذكرت في آخر تقارير أن نحو 400 ألف شخص عادوا إلى منازل منهوبة ومحترقة، بعد أكثر من عام من النزوح، بعد استعادة الجيش للمدن التي كانت تحت سيطرة «الدعم السريع».
نهب المنازل والممتلكات
في عامها الثالث، فإن البنادق والمدافع والطائرات والدبابات والمدرعات، والبراميل المتفجرة، و«التاتشرات» (تسمية محلية لسيارات تايوتا لاندكروز بيك آب رباعية الدفع)، قتلت نحو 60 - 100 ألف مدني، بينما لم يمت من جنود الطرفين سوى أعداد تقدر بنحو 15 ألف قتيل.
ولم تقف الاعتداءات على المواطنين عند حد قتلهم وتشريدهم وطردهم، بل امتدت إلى ممتلكاتهم، فالمنازل دُمرت وسُرقت ونُهبت، واللافت أن كلا الطرفين حين يسيطر على منطقة، فإن عناصر من المنتشين يقتلون المدنيين نكاية بما يطلقون عليه «التعاون مع الطرف الآخر»، ثم ينهبون ممتلكاتهم الثمينة، ويدمرون بيوتهم، والحصيلة «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، بحسب الأمم المتحدة، والاسوا في القرن الحالي حسب الاتحاد الأوروبي.
ففي أيام سيطرتها، نهب أفراد محسوبون على «قوات الدعم السريع» يرتدون أزياءها، السيارات والمقتنيات في المنازل، وقضى اللصوص المحليون، يطلق عليهم شعبياً «الشفشافة»، على ما تبقى من ممتلكات الناس.
مشهد للدمار الذي لحق محتويات متحف السودان القومي نتيجة النهب والسرقات (الهيئة الوطنية السودانية للآثار)
وبعد «تحرير» الخرطوم والجزيرة، تعرض ما تبقى من ممتلكات المواطنين للنهب من لصوص جدد.
بدأت الحرب صراعاً على السلطة بين الجنرالين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان «حميدتي». قائد الجيش وصفها منذ البداية بأنها «حرب عبثية»، لكن حين طالت تحولت سريعاً إلى حرب ضد الشعب، وفي هذه المرحلة وصفها الأمين العام لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوفر لوكيير، في آخر تقاريره، بأنها «حرب على الناس»، وقال إن «أطرافها لا يفشلون فقط في حماية المدنيين، بل يفاقمون معاناتهم».
تنجو الأفيال وتدفع الحشائش الثمن
باستمرارها، أصبحت حرباً جوية وتكنولوجية، لا يتقاتل أطرافها مباشرة، فالطرفان يعتمدان على الطيران الحربي والمسيرات والمدفعية، وتسقط قذائفه وبراميله المتفجرة على المدنيين، وحين يرد «الآخر» بمسيراته «العمياء» أو مدفعيتها تسقط حمولاتها على صدور ورؤوس المواطنين «الدروع البشرية» التي يتقاتلان تحت حمايتها. فتنجو الأفيال وتدفع «الحشائش» الثمن.
العنف الجنسي وتقنيات القتال
القصف العشوائي، تحت ذريعة استهداف قوات الطرف الآخر يقتل المدني قبل العسكري، بجانب انتهاكات أخرى استخدمت لا تقل بشاعة، من القصف العشوائي، مثل استخدام «العنف الجنسي»؛ كأداة لإذلال السكان وإخضاعهم. وبحسب التقديرات، فإن نحو 12.1 مليون امرأة وفتاة، وعدداً من الرجال والفتيان يتهددهم خطر العنف الجنسي، وتوجهت أصابع الاتهام بها إلى «قوات الدعم السريع».
واعتمد في هذه الحرب أسلوب «الحصار والحرمان من الغذاء والدواء»، على المدن والبلدات، ما أدى لحرمان الناس من الغذاء والدواء والخدمات، إضافة إلى اعتماد تدمير البنية المدنية التحتية الحيوية، مثل المرافق الطبية والمدارس والمنشآت العامة، فمنذ أبريل (نيسان) 2023، تخضع مدينة الفاشر لحصار مطبق نتجت عنه أزمة إنسانية طاحنة، بينما كانت القوات الحكومية تمنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة «الدعم السريع».
الحرب شردت الملايين من منازلهم ومناطقهم ... وفي الصورة امرأة سودانية في مخيم زمزم بشمال دارفور (رويترز)
من جهته، وصف الناشط الحقوقي عبد الرحمن خضر، ما يعانيه الناس بالكارثة الإنسانية، وقال: «القصف المدفعي والجوي يطال المدنيين الأبرياء، والمجتمع الدولي يتفرج»، ويتابع: «نحن بحاجة إلى تدخل عاجل لوقف هذه المأساة، قبل أن تفقد الأجيال القادمة أي أمل في المستقبل».
وأيدته الناشطة النسوية فاطمة محمود بالقول، إن النساء والأطفال هم الأكثر تضرراً من الحرب، وتابعت: «العنف الجنسي والاغتصاب تحوّلا لأسلحة في الحرب»، وأضافت: «نحن بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية للمدنيين».
متلازمة الجوع والأوبئة
يهدد خطر المجاعة أكثر من نصف سكان البلاد، بينما تنتشر الأمراض والأوبئة بشكل مخيف، نتيجة لدمار المنشآت الصحية، وتوقف توريد سلسلة الأدوية واللقاحات، وتتفاقم بسبب الحاجة للغذاء وتدهور البيئة الناتج عن القتال، ويزداد الأمر خطورة بدخول موسم الأمطار.
وفي السياق، ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في بيان الأسبوع الماضي، أن ما سماها «العراقيل المتعمدة» من الأطراف السودانية واقتراب موسم الأمطار ينذران بتعذر الوصول براً إلى مناطق واسعة في البلاد.
وحذر البيان من أن المكاسب الإنسانية «الهشة» في السودان معرضة للخطر ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة بشأن المساعدات الغذائية. وأشار إلى أنه تم تأكيد حدوث مجاعة في عشرة مواقع بالسودان، من بينها ثمانية في ولاية شمال دارفور ومنها مخيم زمزم، بينما تواجه 18 منطقة أخرى في البلاد خطر المجاعة. وقال برنامج الأغذية العالمي إنه يحتاج بشكل عاجل إلى 650 مليون دولار لمواصلة عملياته بالسودان في الأشهر الستة المقبلة، لافتاً إلى أنه يسعى لتوسيع نطاق مساعداته الغذائية لتقديمها إلى سبعة ملايين شخص شهرياً بحلول منتصف العام، بدلاً من نحو ثلاثة ملايين حالياً.
وتعدّ فئة الأطفال الأكثر تضرراً من الحرب؛ إذ يعاني نحو 1.3 مليون طفل المجاعة، ويتعرضون لمخاطر سوء التغذية الحاد، بينما خرج نحو 16.5 مليون طفل من صفوف الدراسة، وهو أمر يهدد أجيالاً بكاملها، ما لم تضع الحرب أوزارها أو يصحى ضمير المجتمع الدولي ويتذكر الحرب المنسية في السودان.