وسط التصعيد المتبادل... كيف ستبدو حرب إسرائيل و«حزب الله» في حال نشوبها؟

تصاعد الدخان أثناء القصف الإسرائيلي على قرية الخيام في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل في 19 يونيو 2024 (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان أثناء القصف الإسرائيلي على قرية الخيام في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل في 19 يونيو 2024 (أ.ف.ب)
TT

وسط التصعيد المتبادل... كيف ستبدو حرب إسرائيل و«حزب الله» في حال نشوبها؟

تصاعد الدخان أثناء القصف الإسرائيلي على قرية الخيام في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل في 19 يونيو 2024 (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان أثناء القصف الإسرائيلي على قرية الخيام في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل في 19 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

يوماً بعد يوم تشهد الجبهة اللبنانية الإسرائيلية تصعيداً مقلقاً، ورغم أن الحرب التي تشنها إسرائيل ضد «حماس» في غزة اجتذبت قدراً كبيراً من اهتمام العالم على مدى الأشهر الثمانية الماضية، فإن القتال على جبهة الحدود الشمالية مع لبنان يدق ناقوس الخطر مع تصاعده في الآونة الأخيرة.

وشن «حزب الله» أكبر هجوم صاروخي له على إسرائيل الأسبوع الماضي رداً على غارة جوية إسرائيلية أسفرت عن مقتل قائد كبير في الحزب، مما أثار المخاوف من أن الصراع قد يتصاعد بسرعة.

تصعيد متبادل

وأمس، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه «تمت المصادقة على الخطط العملياتية لشن هجوم في لبنان... وإقرارها»، فيما توعد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس «حزب الله» بالقضاء عليه، في حال اندلاع «حرب شاملة».

فيما يأتي تهديد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله اليوم (الأربعاء) خلال كلمة متلفزة، أنه على إسرائيل أن تنتظره «جواً وبراً وبحراً».

 

حسن نصر الله وهو يلقي خطاباً متلفزاً هدد فيه بضرب إسرائيل جواً وبراً وبحراً (أ.ف.ب)

كما شدد على أنه إذا فرضت الحرب على لبنان فإن «حزب الله» سيقاتل «بلا قواعد أو ضوابط أو أسقف».

واحتدم القتال على الحدود الشمالية منذ أشهر، حيث أطلق «حزب الله» المدعوم من إيران آلاف الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات والطائرات من دون طيار على إسرائيل، في حين ردت القوات الجوية الإسرائيلية بآلاف الغارات الجوية. ونزح نحو 140 ألف شخص من منازلهم على جانبي الحدود.

يوم الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه بينما يعتقد أن إسرائيل و«حزب الله» لا يسعيان إلى حرب أوسع نطاقاً، فإن هناك مع ذلك «زخماً محتملاً في هذا الاتجاه».

ووفقاً لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، يعد «حزب الله» أقوى بكثير من «حماس»، حيث يُعتقد أن «حزب الله» هو الجهة غير الحكومية الأكثر تسليحاً في العالم. وقد قام ببناء ترسانة متطورة من الأسلحة بمساعدة إيران وسوريا وروسيا.

تهديد استراتيجي لإسرائيل

وقال مايكل أورين، الذي شغل منصب سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وفق تقرير لمجلة «فورين بوليسي»، إن «حماس» تشكل تهديداً تكتيكياً لإسرائيل، في حين أن «حزب الله» يشكل تهديداً استراتيجياً لها.

وتشير التقديرات إلى أن «حزب الله» يمتلك نحو 130 ألف صاروخ وقذيفة يمكن أن تطغى بسرعة على أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في إسرائيل وتضرب أكبر مدنها، بحسب تقرير لمجلة «فورين بوليسي».

ولفت أورين إلى أنه قرأ «تقديرات مروعة لما يمكن أن يفعله (حزب الله) خلال ثلاثة أيام».

وأضاف: «أنت تتحدث عن تدمير كل بنيتنا التحتية الأساسية، ومصافي النفط، والقواعد الجوية، وديمونة»؛ في إشارة إلى موقع منشأة الأبحاث النووية في البلاد.

ونشر «حزب الله»، الثلاثاء مقطع فيديو، مدته نحو 10 دقائق، صورته مسيرة «هدهد» التابعة له، في مواقع حساسة بإسرائيل، تضم موانئ بحرية ومطارات لمدينة حيفا.

لقطة مأخوذة من مقطع فيديو نشره «حزب الله» لسفن عسكرية إسرائيلية بقاعدة بحرية في حيفا (متداولة)

وبالإضافة إلى ميناء حيفا، تضمنت اللقطات، صوراً لمواقع عسكرية استراتيجية في شمال إسرائيل، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي ومواقع للقبة الحديدية ومقلاع داود، بالإضافة إلى لقطات لمنطقة سكنية في «كريات يام».

ووفق المجلة، عزز «حزب الله» ترسانته في حرب تموز 2006، واكتسب خبرة كبيرة في ساحة المعركة في سوريا، حيث قاتل إلى جانب «الحرس الثوري» الإيراني لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.

كما في غزة... شبكة أنفاق تحت لبنان

ومثل «حماس»، يُعتقد أيضاً أن «حزب الله» قد طور شبكة أنفاق تمتد تحت لبنان، التي يقول بعض المحللين الإسرائيليين إنها أكثر اتساعاً من تلك التي تستخدمها «حماس»، بحسب المجلة.

وعلى عكس غزة، المعزولة جغرافياً عن داعميها في طهران، أنشأت إيران طرق إمداد برية وجوية تؤدي إلى لبنان عبر العراق وسوريا التي يمكن استخدامها لدعم قوات «حزب الله» في حالة نشوب حرب شاملة.

التصعيد قد يدمر لبنان

لكن تقرير «فورين بوليسي» حذر أيضاً من أن التصعيد سيكون مدمراً أيضاً للبنان، حيث يوصف «حزب الله» بأنه يدير «دويلة داخل الدولة»، حيث من المرجح أن تستهدف إسرائيل العاصمة بيروت ومدناً أخرى.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد حذر من أن إسرائيل «ستعيد لبنان إلى العصر الحجري» في حال نشوب حرب.

وقال جوناثان شانزر، نائب الرئيس الأول للأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية: «ستكون الخطة هي تدمير كل مظاهر حكم (حزب الله)... ونتحدث عن ضرر كبير».

بدوره، أكد دانييل بايمان، الأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، أن الطريق إلى تخفيف تصعيد الأزمة على الحدود الشمالية لإسرائيل قد تمر على الأرجح عبر غزة.

ويرى عدد متزايد من المسؤولين والمحللين في إسرائيل وخارجها أن غزة مجرد جبهة واحدة في حرب أوسع مع إيران، وقد أصبحوا يعتقدون أن التصعيد مع «حزب الله» أمر لا مفر منه.

بقايا مبنى مشتعل بعد تدميره في غارة جوية إسرائيلية على قرية جناتا في قضاء صور (إ.ب.أ)

 

لا مفر من التصعيد مع «حزب الله»

 

ورأى مسؤولون ومحللون في إسرائيل وخارجها أن غزة مجرد جبهة واحدة في حرب أوسع مع إيران، وأعربوا عن اعتقادهم بأن التصعيد مع «حزب الله» أمر لا مفر منه، وفق المجلة.

وقال إيال هولاتا، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق: «ما يقلقني هو أن يكون هذا بمثابة إلهاء، بينما تحقق (إيران) تقدماً غير مسبوق في برنامجها النووي».

والشهر الماضي، قال عاموس هوكستين، مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن للطاقة، في حدث استضافته مؤسسة كارنيجي الشهر الماضي، إنه حتى لو كان الجانبان (حزب الله وإسرائيل) يأملان في تجنب الحرب، فقد يتعثران فيها.

وأضاف: «مع استمرار إسرائيل و(حزب الله) في تبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي، فإن وقوع حادث أو خطأ قد يتسبب في خروج الوضع عن السيطرة».

وأصبح هوكستين الشخص الرئيسي لإدارة بايدن في المحادثات الرامية إلى تهدئة التوترات على طول الحدود. ويجري محادثات مع ممثلين في لبنان وإسرائيل هذا الأسبوع.

وما يقلق هوكستين «هو أن سوء التقدير أو وقوع حادث، أو صاروخ خاطئ موجه لهدف ما يخطئ الهدف، أو يصيب شيئاً آخر؛ قد يجبر ذلك النظام السياسي في أي من البلدين على الانتقام بطريقة تدفعنا إلى الحرب».

وتتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط متزايدة للتوصل إلى حل يسمح لنحو 60 ألف شخص نزحوا بسبب القتال بالعودة إلى منازلهم في المجتمعات الواقعة على طول الحدود الشمالية مع بداية العام الدراسي الجديد في سبتمبر (أيلول).

ووفق بايمان، هناك ضغوط سياسية في كلا الاتجاهين. إن الحرب الشاملة التي تجبر الإسرائيليين في جميع أنحاء البلاد على اللجوء إلى الملاجئ من دون نهاية في الأفق ليست جذابة من الناحية السياسية أيضاً.

ووصف المحللون الهجمات التي قادتها «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) بأنها صفحة من كتاب قواعد اللعبة التي يلعبها «حزب الله».

وحتى لو نجحت المفاوضات في وقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تؤدي المخاوف من وقوع هجوم آخر من جانب «حزب الله» إلى تعقيد الجهود الرامية إلى استعادة الشعور بالأمن لدى الإسرائيليين.

وقال هوكستين في هذا المجال: «إذا أوقف إطلاق النار من كلا الجانبين، فإنك تعود بشكل أساسي إلى الوضع الراهن في 6 أكتوبر، وهذا لن يسمح للإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم بأمان».

وأضاف: «من الضروري التوصل إلى اتفاق أوسع لتمكين المدنيين من العودة إلى منازلهم على جانبي الحدود».

ماذا يدور في الداخل الإسرائيلي؟

 

ووفق تقرير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فإنه في الوقت الذي تشتعل فيه جبهة الشمال الإسرائيلية، «غزو لبنان لن يحل شيئاً»، مؤكداً أن إسرائيل «تحتاج إلى الوقت لبناء جيشها للاستعداد لحملة حاسمة ضد (حزب الله)».

وقال المحلل العسكري، الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي، عيران أورتال، للصحيفة، إنه «لو كان هناك اعتقاد بأنه من الصواب خوض حرب ضد (حزب الله) في 8 أكتوبر، فإن الأمر بات أقل منطقية حالياً».

وأشار التقرير إلى أنه «في ظل قتال مئات الآلاف من الجنود ضد (حماس) منذ أكثر من 8 أشهر في غزة، فإنهم يستهلكون مخزون القذائف والقنابل الدقيقة وصواريخ القبة الحديدية».

كما لفت إلى أن «(حزب الله) استغل تلك الفترة في استهداف إسرائيل بالطائرات المسيّرة والأسلحة الأخرى التي حصل عليها من إيران، واستخدمها في دراسة الدفاعات الجوية الإسرائيلية».

وأوضح أورتال: «لم نجهز أنفسنا بمزيد من القدرات الجديدة، ففي وقت نستهلك فيه مخزوننا، هم لديهم مخزون كامل»، محذراً من أن «الثمن سيكون أكبر بكثير من الإنجاز».

 

وقف التصعيد أولوية ملحة

 

وبحسب موقع «أكسيوس»، قال مسؤولون أميركيون إن «منع العنف على الحدود الإسرائيلية اللبنانية من التحول إلى حرب، أصبح أولوية ملحة لدى البيت الأبيض، وفي المرتبة الثانية بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة».

وأسفر التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله» منذ الثامن من أكتوبر الماضي، عن مقتل 469 شخصاً على الأقل في لبنان، بينهم 307 على الأقل من «حزب الله» و90 مدنياً، وفق تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» يستند إلى بيانات «حزب الله» ومصادر رسمية لبنانية.

بينما أعلنت إسرائيل من جهتها مقتل 15 عسكرياً و11 مدنياً.

 


مقالات ذات صلة

لماذا يُشكل حي الشجاعية مركزاً للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين على مدار سنوات؟

المشرق العربي لقطة من فيديو نشرته «حماس» تظهر المعارك الدائرة بين «القسام» والقوات الإسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)

لماذا يُشكل حي الشجاعية مركزاً للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين على مدار سنوات؟

يظن كثير من الناس أن حي الشجاعية على الحدود الشرقية لقطاع غزة سُمّي بهذا الاسم نسبة إلى شجاعة أهله وسكانه، إلا أن المصادر تشير إلى أمر آخر.

أحمد سمير يوسف (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

نتنياهو: ملتزمون بالقتال حتى نحقق جميع أهدافنا

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الأحد)، إنه سيجري في وقت لاحق اليوم تقييماً للوضع في القيادة الجنوبية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مركبة عسكرية إسرائيلية تقوم بمناورة في منطقة الشجاعية بالجزء الشمالي من قطاع غزة (إ.ب.أ)

مع احتدام القتال... دبابات إسرائيلية تتوغل في مناطق بشمال وجنوب غزة

القوات الإسرائيلية واصلت اليوم تقدمها بحي الشجاعية بشمال مدينة غزة كما واصلت توغلها في غرب ووسط مدينة رفح بجنوب القطاع

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله مستقبلاً الأمين العام لـ«الجماعة الإسلامية» محمد طقوش (الوكالة الوطنية للإعلام)

حرب جنوب لبنان تدفع «حزب الله» إلى تحالفات جديدة

خلطت الحرب الدائرة في جنوب لبنان الأوراق، وبدّلت صورة التحالفات بين «حزب الله» وأطرافٍ سياسية، إذ نجح الحزب باستمالة بعض القوى الفاعلة على الساحة السنية.

يوسف دياب (بيروت)
شمال افريقيا مشيعون بجوار جثث الفلسطينيين من عائلة زعرب الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى ناصر في خان يونس، جنوب قطاع غزة (رويترز)

السيسي: المجتمع الدولي أدار وجهه عن الآلاف من الضحايا في غزة

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الحرب الإسرائيلية الغاشمة في قطاع غزة غاب فيها ضمير الإنسانية وصمت عنها المجتمع الدولي.


لماذا يُشكل حي الشجاعية مركزاً للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين على مدار سنوات؟

لقطة من فيديو نشرته «حماس» تظهر المعارك الدائرة بين «القسام» والقوات الإسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)
لقطة من فيديو نشرته «حماس» تظهر المعارك الدائرة بين «القسام» والقوات الإسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)
TT

لماذا يُشكل حي الشجاعية مركزاً للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين على مدار سنوات؟

لقطة من فيديو نشرته «حماس» تظهر المعارك الدائرة بين «القسام» والقوات الإسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)
لقطة من فيديو نشرته «حماس» تظهر المعارك الدائرة بين «القسام» والقوات الإسرائيلية في غزة (أ.ف.ب)

يظن كثير من الناس أن حي الشجاعية على الحدود الشرقية لقطاع غزة سُمّي بهذا الاسم نسبة إلى شجاعة أهله وسكانه، ومقارعتهم القوات الإسرائيلية لسنوات طويلة، إلا أن المصادر التاريخية تشير إلى أن التسمية جاءت نسبة إلى «شجاع الكردي»، الذي قُتل في إحدى المعارك التي تلت معركة «حطين» بين الأيوبيين والصليبيين سنة 637 هجرية/ 1239 ميلادية.

ويقع الحي شرق مدينة غزة، ما جعله على تماس مع القوات الإسرائيلية التي تتمركز خارج القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب في 2005، وكثيراً ما كانت تستهدفه الدبابات والمدافع الإسرائيلية بالقذائف.

ويعدّ الحي الحدودي، الذي يقع إلى الشرق من مدينة غزة، من أكبر أحياء المدينة، وينقسم إلى قسمين، الشجاعية الجنوبية (التركمان) والشجاعية الشمالية (إجْدَيدة)، ويعيش فيه 100 ألف فلسطيني.

ووقع هذا التقسيم قديماً على أساس عرقي، إذ عاشت في الجزء الجنوبي العشائر التركمانية التي استقرت هناك في عهد السلطان الأيوبي، الصالح أيوب، في الأعوام 1240 - 1249، في حين عاش الأكراد الذين قدموا من الموصل في الجزء الشمالي منه.

عناصر من «كتائب القسام» (الإعلام العسكري لـ«كتائب القسام»)

لكن الحي وسكانه مثلوا إزعاجاً لا خلاص منه للقوات الإسرائيلية والمستوطنات التي كانت داخل القطاع قبل الانسحاب في 2005.

في أبريل (نيسان) عام 2001، فجَّر مجموعة من المقاتلين عبوة ناسفة في دبابة إسرائيلية شرق حي الشجاعية، وقاموا بتصوير العملية عن طريق كاميرات الفيديو، وهو ما بدأ يعرف لدى الفصائل الفلسطينية بالإعلام الحربي.

من حي الشجاعية الذي نشأ به، بدأ نضال فرحات بالتعاون مع تيتو مسعود، أولى محاولات صناعة صاروخ محلي فلسطيني، الذي أطلق عليه «قسام 1»، ورغم بدائية الصاروخ ومداه المحدود، فإنه كان نواة لصناعة الصواريخ محلية الصنع الأخرى في غزة.

وعمل نضال فرحات أيضاً، في وقت اغتياله عام 2003، على نموذج أولي لطائرة من دون طيار كان نواة لطائرات «أبابيل» التي أعلنت عنها «كتائب القسام» الجناح العسكرية لحركة «حماس» لاحقاً. وقتل تيتو مسعود في قصف إسرائيلي استهدف سيارته في حي الشجاعية في يونيو (حزيران) 2003.

مقاتلون من «كتائب القسام» في حركة «حماس» بمدينة رفح يوم 31 يناير عام 2017 (أ.ف.ب)

ومن الحي أيضاً عمل عماد عقل، أحد أشهر المقاتلين في قطاع غزة، ونفذ عدة عمليات، منها كمين لدورية إسرائيلية في ديسمبر (كانون الأول) 1992، على طريق بيت لاهيا - الشجاعية، ما أدى لمقتل ضابط وجنديين إسرائيليين، لاحقاً قتل عماد عقل في اشتباك مسلح بعد محاصرته في الشجاعية.

وقوع حي الشجاعية في الجزء الشمالي الشرقي من قطاع غزة جعله منطلقاً لتنفيذ العمليات ضد مستوطنات محور نتساريم وتجمع غوش قطيف.

فمثلاً في 7 مارس (آذار) تسلل محمد فرحات، ليلاً، إلى مستوطنة عتصمونا ضمن مجمع مستوطنات غوش قطيف في قطاع غزة، واستطاع دخول المستوطنة والهجوم على مدرسة لتدريب الجنود، ما أدى لمقتله ونحو 10 جنود.

مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

لم يكن حي الشجاعية فقط منطلقاً للمستوطنات داخل القطاع (غربه) ولكن استهدفت بعض العمليات المستوطنات المحاذية لقطاع غزة (شرقه)، مثل العملية المركبة التي نفذها مقاتلان فلسطينيان في ديسمبر (كانون الأول) 2004 بتفجير عبوات ناسفة معدة مسبقاً على قوة إسرائيلية، ثم الاشتباك معها بالرصاص حتى مقتل منفذي العملية، التي أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين.

وشهد العام نفسه عدة اقتحامات من القوات الإسرائيلية، أدت لاندلاع اشتباكات قضى فيها مقاتلون ومدنيون من سكان الشجاعية. ونفذت إسرائيل عملية انتقامية في الحي أدت إلى مقتل أكثر من 17 من سكانه.

وفي حرب 2008، قصفته إسرائيل بعنف، ودمرت مركز الشرطة المحلي فيه وقتلت منتسبي الأجهزة الأمنية، وشهد الحي معارك عنيفة، ثم شهد واحدة من أكثر العمليات إيلاماً في حرب 2014، إذ نفذ مقاتلون من «كتائب القسام» عملية إنزال خلف الخطوط شرق الشجاعية، وهاجموا موقعاً عسكرياً وبرجاً يتبع كتيبة «ناحل عوز» ما أدى لمقتل 10 جنود، وفق إعلان الكتائب.

وكذلك استهداف موقع «ناحل عوز» بقذائف «الهاون» خلال زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقائد «اللواء الشمالي 401» وقائد «فرقة غزة» والناطق باسم الجيش للمنطقة.

تعرّض الحي خلال حرب 2014 لتدمير واسع نتيجة القصف الجوي، ثم لاحقاً تعرّض للقصف مرة أخرى في العملية العسكرية الإسرائيلية في عام 2021.

يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد عدة ساعات على الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى، استهدفت «كتائب القسام» مساءً سيارة مدرعة على حدود القطاع بصاروخ «كورنيت»، بعدها شهد الحي معارك وقصفاً عنيفاً بعد بدء العملية البرية في 27 أكتوبر.

وبدأت القوات الإسرائيلية عملية ثانية في حي الشجاعية يوم الخميس الماضي، إذ يمثل الحي خطراً على محور نتساريم، الذي تتمركز فيه قوات بهدف فصل شمال القطاع عن جنوبه، ما يجعلها عرضة لعمليات الفصائل الفلسطينية انطلاقاً من الحي كما كان الوضع قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات في عام 2005.