أعلن الكرملين، الاثنين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتوجه إلى كوريا الشمالية، الثلاثاء والأربعاء، في زيارة نادرة لهذه الدولة التي تعد إحدى أكثر الدول عزلة في العالم، والمتهمة بتزويد موسكو بالذخيرة في هجومها على أوكرانيا. وانتقد -من جهة أخرى- تصعيداً نووياً من جانب حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقال الكرملين في بيان: «تلبية لدعوة من (زعيم كوريا الشمالية) كيم جونغ أون (...) سيقوم فلاديمير بوتين بزيارة دولة ودية لجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، يومي 18 و19 يونيو (حزيران) 2024». ومن المقرر أن يزور الرئيس الروسي بعد ذلك فيتنام، وهي دولة شريكة أخرى لروسيا منذ الحقبة السوفياتية، في 19 و20 يونيو.
من جهة أخرى، شن الكرملين هجوماً على حلف «الناتو»، واتهمه بـتأجيج «تصعيد نووي». وقال المتحدث الرئاسي دميتري بيسكوف للصحافيين، إن تصريحات ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، حول محادثات لنشر مزيد من الأسلحة النووية، تمثل «تصعيداً خطراً». وكان ستولتنبرغ قد قال لصحيفة «التلغراف» البريطانية، إن الحلف يجري محادثات لنشر مزيد من الأسلحة النووية وإخراجها من المستودعات، ووضعها في حالة الاستعداد، وذلك في مواجهة تهديد متزايد من روسيا والصين.
«تصعيد خطير»
ورأى بيسكوف أن «تصريحات ستولتنبرغ تتناقض على ما يبدو مع بيان مؤتمر سويسرا حول أوكرانيا، الذي قال إن أي تهديد أو استخدام للأسلحة النووية فيما يخص ما يحدث في أوكرانيا غير مقبول». وأضاف بيسكوف عن تصريحات ستولتنبرغ: «هذا ليس سوى تصعيد خطر آخر للتوتر».
في غضون ذلك، قلل الكرملين، الاثنين، من أهمية مجريات ونتائج المؤتمر الدولي الذي استضافته سويسرا حول أوكرانيا، وأكد ازدياد القناعة العالمية بأنه «من دون روسيا لا يمكن مناقشة أي أفكار للتسوية».
ورأت موسكو أن المؤتمر الذي حضرته عشرات الدول، ولم تتم دعوة روسيا للمشاركة فيه، أظهر انقساماً حاداً في آراء الدول الرائدة في العالم حول ملف التسوية؛ خصوصاً بعد امتناع عدد من البلدان المشاركة عن التوقيع على وثيقته الختامية.
وقال الناطق باسم الكرملين، إن نتائج فعاليات مؤتمر سويسرا «تقترب من الصفر». وأضاف للصحافيين أنه «إذا تحدثنا بشكل عام عن النتيجة الفعلية لهذا الاجتماع، فمن المؤكد أنها تميل إلى الصفر. هنا يمكننا إعطاء تقييم موضوعي (...) من الصعب التحدث عن أي جدوى». وأشار إلى أن كثيراً من الدول المشاركة في الحدث ركزت على «عدم جدوى إجراء مناقشات جادة من دون حضور روسيا».
وجدد الكرملين استعداد موسكو للحوار؛ إذ قال بيسكوف إن روسيا «سوف تواصل العمل مع كل من هو مستعد لذلك (...) هذا هو موقف رئيسنا، فهو لا يزال منفتحاً على الحوار والمناقشات الجادة والنقاشات الموضوعية والمناقشات المثمرة». وقال الناطق الروسي إن «نهج الجانب الروسي تجاه القضية الأوكرانية يتسم بالشفافية والثبات، وهو معروف جيداً في كييف».
وكان المؤتمر حول أوكرانيا قد انعقد نهاية الأسبوع الماضي في منتجع بورغنستوك بسويسرا. بحضور 91 دولة (55 دولة مثَّلها رؤساء الدول) و8 منظمات، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، ومجلس أوروبا، والأمم المتحدة. وغاب عن الفعالية الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الصيني شي جينبينغ، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وزعماء كثير من الدول الأخرى.
ولم تتم دعوة روسيا لحضور القمة. ورد الكرملين على ذلك بالقول إن البحث عن سبل لحل الأزمة الأوكرانية من دون مشاركة موسكو «أمر غير منطقي، وغير مجدٍ على الإطلاق».
وفي ختام المؤتمر، وقَّع المشاركون بياناً دعوا فيه إلى إعادة السيطرة على محطات ومنشآت الطاقة النووية في أوكرانيا، بما في ذلك محطة زابوريجيا للطاقة النووية؛ وضمان الملاحة التجارية الحرة والكاملة والآمنة، والوصول إلى المواني البحرية في البحر الأسود وبحر آزوف؛ وإطلاق سراح جميع أسرى الحرب من الجانبين؛ وإعادة جميع «الأطفال المرحَّلين والنازحين الذين نقلوا إلى روسيا» إلى أوكرانيا، فضلاً عن الدعوة لإعادة مدنيين قال الغرب إن روسيا تحتجزهم بشكل غير قانوني. ودعا البيان إلى فتح حوار بمشاركة أطراف الأزمة للتوصل إلى تسوية سياسية.
وحملت الوثيقة توقيعات 80 دولة من أصل 91 دولة حاضرة. ومن بين الأطراف التي امتنعت عن التوقيع أعضاء مجموعة «بريكس» (البرازيل، والهند، وجنوب أفريقيا، والإمارات العربية المتحدة) وأرمينيا، والبحرين، ومدينة الفاتيكان، وإندونيسيا، وليبيا، والمكسيك، والمملكة العربية السعودية، وتايلاند. وبعد ساعات قليلة من نشره، تم حذف العراق والأردن من قائمة الموقعين.
«انقسام بين الدول الرائدة عالمياً»
ورأى فلاديمير زاريخين، نائب مدير معهد رابطة الدول المستقلة، لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية، أن مؤتمر سويسرا «أدى إلى تفاقم الوضع بالنسبة للغرب؛ لأنه كان بمثابة مؤشر على الانقسام بين الدول الرائدة في العالم». وقال الخبير إن «المؤتمر انعقد لبحث مقترحات القيادة الأوكرانية، والتي كانت غير مقبولة بالنسبة إلى روسيا على الإطلاق منذ البداية (...) كان من المفترض أن يعقد من أجل إظهار توحيد مواقف جميع دول العالم، بما في ذلك ممثلو جنوب وشرق العالم. وكانت هناك رغبة في إظهار الوحدة فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا، وبدلاً من ذلك، برز انقسام واضح». وزاد أن نتائج المؤتمر أظهرت درجة تفاقم الوضع بالنسبة إلى الغرب، بسبب تباين وجهات نظر البلدان الرائدة.
ورصد الخبير عنصرين وصفهما بأنهما برزا خلال مناقشات المؤتمر: «أولاً، حتى النص الذي تم تخفيفه تماماً، لم توقعه دول رئيسية، مثل الهند وإندونيسيا والمكسيك والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة وسلوفاكيا، وبعض الدول الأخرى. وثانياً، اضطر المنظمون عملياً، تحت ضغط غالبية ممثلي الدول المشاركة في هذه القمة العالمية، إلى تضمين الإعلان بياناً مفاده أن روسيا ستتم دعوتها إلى القمة المقبلة، في حال انعقادها، وهذا أمر بالغ الأهمية». ورأى أن النتيجة يمكن وصفها بأنها «فشل خطير للمنظمين الأوكرانيين».
في المقابل، رأى أن الرئيس الروسي قدَّم قبل انعقاد المؤتمر «بديلاً واقعياً» من خلال «خطة السلام» التي اقترحها.
وكان بوتين قد استبق مؤتمر سويسرا بعرض ما وصفها بـ«مقترحات سلام جديدة لحل النزاع في أوكرانيا»، نصت على الاعتراف بوضع شبه جزيرة القرم، ودونيتسك، ولوغانسك، ومنطقتي خيرسون وزابوريجيا، كمناطق تابعة للسيادة الروسية، وتوثيق ذلك دولياً، وتكريس وضح الحياد وعدم الانحياز، وحظر امتلاك أو نشر أسلحة نووية في أوكرانيا، وتجريدها من السلاح، و«إزالة» النازية فيها، فضلاً عن إلغاء العقوبات المفروضة على روسيا. ورأى بوتين أن الرضوخ لهذه الشروط سوف «يقابَل على الفور بوقف النار من جانب روسيا».
ورفض الجانب الأوكراني والبلدان الغربية المقترحات الروسية التي وُصفت بأنها دعوة للاستسلام.
«قنوات للاتصال»
على صعيد متصل، كشف مفوض حقوق الإنسان في أوكرانيا، دميتري لوبينيتس، عن أن عدداً من الدول التي «تتمتع تقليدياً بعلاقات جيدة مع روسيا» عرضت لأول مرة على كييف قنوات خاصة بها للاتصال مع موسكو. وأوضح لوبينيتس أن هذه المقترحات وردت من دول لم يسمِّها، خلال مؤتمر سويسرا الذي كان أحد موضوعات النقاش فيه تبادل أسرى الحرب.