ما هو تأثير إجراءات «فيسبوك» لاجتذاب الجيل «زد» على الناشرين؟

شعار شركة «ميتا» (رويترز)
شعار شركة «ميتا» (رويترز)
TT

ما هو تأثير إجراءات «فيسبوك» لاجتذاب الجيل «زد» على الناشرين؟

شعار شركة «ميتا» (رويترز)
شعار شركة «ميتا» (رويترز)

عقب إعلان شركة «ميتا» مالكة منصة «فيسبوك» أن المنصة بصدد تغييرات جذرية تستهدف اجتذاب الجيل «زد» (أي الذين وُلدوا بين منتصف التسعينات ومنتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة)، أثيرت تساؤلات بشأن تأثير هذه الإجراءات الجديدة على الناشرين. وبينما عدَّ بعض الخبراء هذه التغييرات «فرصة للناشرين للعودة إلى المنصة»، فإنهم أشاروا إلى أن هذه الفرصة مشروطة بـ«تقديم الأخبار في قوالب عصرية، ويمكنها تغيير عادات الأجيال الشابة».

رئيس «فيسبوك»، توم أليسون، قال خلال لقاء صحافي عُقد في نيويورك مطلع يونيو (حزيران) الحالي، إن «فيسبوك» ستوجه اهتمامها للمستخدمين البالغين من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، من خلال «تعزيز خدمات التواصل والتسوق، وكذلك مواكبة أحدث الاتجاهات». وأشار إلى الاستراتيجية التي تتبناها المنصة خلال السنوات الثلاث المقبلة، التي ستكون التحرك وفقاً لاحتياجات الجيل «زد».

جدير بالذكر أنه وفق أحدث استطلاع أجرته شركة الخدمات المالية «بايبر ساندلر» لتحليل سلوك الجيل «زد» على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن منصة «فيسبوك» التي انطلقت قبل 20 سنة لم تعد تحظى بشعبية كبيرة بين المراهقين، إذ تفوّقت عليها «إنستغرام» المملوكة لشركة «ميتا» أيضاً. وأشار الاستطلاع إلى أن 32 في المائة فقط من المراهقين يستخدمون حالياً «فيسبوك» كل شهر، مقارنة بـ80 في المائة يستخدمون «إنستغرام»، و72 في المائة يستخدمون «تيك توك». لكن -وفقاً لأليسون- يعد «فيسبوك» مناسباً للمستخدمين الذين هم في أواخر سن المراهقة وفي العشرينات من عمرهم، والذين يعتمد سلوكهم على التنقل بين عدد من الاهتمامات.

الدكتور حسن مصطفى، خبير التسويق الرقمي والإعلام الجديد في دولة الإمارات العربية المتحدة، رأى أن «فيسبوك» رغم التغييرات الأخيرة لا تزال المنصة الأهم للناشرين؛ لأنها الأعلى استخداماً بأكثر من 3 مليارات مستخدم، وفق إحصائيات «غلوبال ديجيتال ريبورت» لعام 2024.

وتابع في لقاء مع «الشرق الأوسط»، بأن «(فيسبوك) تتمتع بالمرونة والاستعداد للتغيير، برغم المنافسة الشرسة مع المنصات الأخرى التي ظهرت لاحقاً». وشدد على منطقية اتجاه «فيسبوك» الآن إلى تلبية احتياجات الجيل «زد»، قائلاً: «هذه الفئة العمرية تمثل شريحة مهمة من المستخدمين المحتملين الذين يمكن أن يعزِّزوا نمو المنصة مستقبلاً... فأبناء هذا الجيل يفضِّلون استخدام التطبيقات التفاعلية والمحتوى الذي يتماشى مع اهتماماتهم العصرية، ومن ثم على المنصة تحديث استراتيجيتها للبقاء منافسةً في سوق التواصل الاجتماعي».

ووفق مصطفى، فإن استراتيجية «فيسبوك» لاجتذاب الجيل «زد» من شأنها أن تعتمد على عدة عناصر ومعايير، يمكن للناشرين تطويعها لخدمة الأخبار. وتوقع «اتجاه (فيسبوك) إلى المحتوى القصير والتفاعلي، مثل الفيديوهات القصيرة (Reels) والحالة المؤقتة (story) التي أدخلتها المنصة منذ فترة... والواضح أن التركيز على الفيديو هو الأهم لدى هذا الجيل». ثم أشار إلى أنه «حان الوقت أمام الناشرين لمخاطبة مجموعات معينة من الجمهور، من خلال محتوى يعطي اهتماماً إلى احتياجاتهم، لتقديم محتوى يطلق عليه اسم شخصنة المحتوى (personalization)، وليس تخصيصه (customization) كما كان الوضع سابقاً».

ومن ثم، حدد الدكتور مصطفى مجموعة من المعايير التي يجب أن يأخذها الناشرون في الاعتبار، لتقديم قوالب إخبارية أكثر عصرية. وقال إن «الأخبار النمطية لم تعد جاذبة، بينما ثمة معايير جديدة تضمن استعادة الجمهور، منها استخدام الوسائط المتعددة من خلال دمج الفيديوهات والصور التفاعلية مع النصوص، مع التركيز على المواد المرئية أكثر، وتقديم المعلومات بشكل مختصر وواضح ومدمج مع تقنيات الواقع المعزز، وكذا تشجيع القراء على المشاركة من خلال التعليقات».

من جهة ثانية، قال محمد عبد الوهاب السويعي، المتخصص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن الجيل «زد» يشكِّل اليوم جزءاً كبيراً من مستخدمي الإنترنت، وهذا الجيل يتميز باهتمامات مختلفة عن الأجيال السابقة، ويعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا وتطبيقاتها التي توفر محتوى سريعاً ومتنوعاً وتفاعلياً. ولهذا السبب، تسعى «فيسبوك» لاجتذاب هذا الجيل لضمان «استمرار نموها واستدامتها في سوق تشتد فيه المنافسة على الفوز بحصة كبيرة من جمهور هذا الجيل».

وأردف السويعي بأنه من المتوقع تعزيز «ميتا» منصة «فيسبوك» بأدوات متطورة وأكثر تفاعلية، وهو المسار عينه الذي يجب أن يعتمده الناشرون لتطوير الأخبار. وعزا عزوف الجيل «زد» عن الوصول للأخبار إلى «سوء مستوى التعبير عنه». وبالتالي، نصح الناشرين بضرورة «الاستثمار في الفيديوهات القصيرة والقصص الإخبارية التي تتوافق مع اهتمامات هذا الجيل، واستخدام التعليقات والمراسلة المباشرة لخلق حوار تفاعلي مع المتابعين، ما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من المجتمع».

أيضاً، توقع السويعي أن «تعزز (فيسبوك) بعض الخدمات، مثل تحسين أدوات التفاعل والمراسلة الفورية، بما في ذلك الملصقات والرموز التعبيرية والفلاتر التفاعلية، فضلاً عن تطوير خوارزميات تقدم محتوى مخصصاً لكل مستخدم، بناءً على اهتماماته الفردية، ويمكن لصُناع الأخبار تطويع هذه الأدوات لصالح محتوى إخباري جذاب ومتنوع». ولفت إلى استقطاب الجيل «زد» من خلال «ألعاب وتحديات تفاعلية تشجع على التفاعل والمشاركة بين المستخدمين، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتوجيه المحتوى، وأهمية تضمين جميع الأدوات هذه في صناعة الأخبار».

وشدد على حتمية تطوير قوالب الأخبار، بقوله: «يجب على الناشرين والمحتوى الإعلامي التكيف مع تفضيلات الجيل الجديد الذي يتميز باندماجه العميق مع التكنولوجيا، وذلك من خلال تقديم الأخبار بشكل مختصر وسريع، وتعزيز التفاعل من خلال إضافة عناصر تفاعلية، كالاستطلاعات والأسئلة المباشرة التي تشجع المستخدمين على المشاركة الفعالة، وتقديم محتوى متنوع يشمل الأخبار والترفيه والتعليم والتوعية المجتمعية».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.