«نظريّةُ كل واحد»... الديناميات الأساسية للسلوك البشري

البروفسور موذوكريشنا يسعى للإجابة عن ثلاثة أسئلة كبرى

«نظريّةُ كل واحد»... الديناميات الأساسية للسلوك البشري
TT

«نظريّةُ كل واحد»... الديناميات الأساسية للسلوك البشري

«نظريّةُ كل واحد»... الديناميات الأساسية للسلوك البشري

«أميراتٌ من سرنديب ثلاثٌ»: تلك كانت الحكاية المثيرة التي حكاها الدكتور الراحل أحمد زكي؛ أوّل رئيس تحرير لـ«مجلة العربي»، في أحد أعداد المجلة خلال سبعينات القرن الماضي. الحكاية؛ فضلاً عن إثارتها ولغتها العربية الآسرة، وفّرت لي فرصة الاطلاع على مفهوم جديد: «السرنديبية (Serendipity)»، وهو في بعض دلالاته أن يأتيك الأمر عن غير تدبّر قصدي مسبّق. أفاض الدكتور الراحل في عرض أمثلة على «السرنديبية» في العلم؛ لعلّ اكتشاف البنسلين كان مثابتها الكبرى.

لديّ من تجربتي الشخصية مع القراءة بعضُ الحالات التي ترقى إلى مصاف الكشف السرنديبي المدهش. كلّ قارئ متمرّس تمثلُ القراءة له أحد عُدَدِه الأساسية في التعامل مع العالم؛ لا بدّ له من استراتيجية في القراءة، وتتعاظم أهمية هذه الاستراتيجية مع هذا الدفق غير المسبوق من الكتب الذي تقذفها المطابع الرصينة والتجارية كل يوم، أو مع الكتب الإلكترونية التي صارت سلعة معترفاً بها وراسخة في كلّ العالم. لن يدخل القارئ إلى مواقع الكتب المهمة (دور النشر الجامعية الرصينة، دور النشر العالمية المعروفة...) من غير ترتيب مسبّق لكي لا يضيع في المتاهة الإلكترونية؛ فهو في الغالب يدخلها باحثاً عن عنوان بذاته، أو عن عناوين في حقل معرفي محدّد، أو عن اسم معروف له؛ لكنْ يحدث أحياناً أن تميل به البوصلة نحو عناوين ما كان في لحظة شروعه الأولى في البحث يبتغي البحث فيها.

قد يجذبه عنوانٌ ما، وقد يساهم العنوان الثانوي في تعظيم مكامن الإثارة في عقل القارئ. هنا تحدث السرنديبية المنتجة والمثيرة مع القارئ، وتكتمل الإثارة لو تأكّد القارئ من رصانة الكتاب وأهميته وأنه منشور عن دار نشر رصينة، ولقي له مراجعات مهمّة في كبريات الصحف ومواقع مراجعات الكتب العالمية.

هذا ما حدث معي عندما قادتني رحلة «أمازونية» إلكترونية إلى كتاب بعنوان مثير: «نظريةٌ لكلّ واحد (A Theory of Everyone)» للمؤلف مايكل موذوكريشنا (Michael Muthukrishna). الكتاب منشور عام 2023 عن «معهد ماساتشوستس التقني (MIT)» الأميركي ذائع الصيت الذي تُطبخُ فيه التقنيات والأفكار الثورية الحديثة. يعمل مؤلف الكتاب أستاذاً مشاركاً لكلّ من السيكولوجيا الاقتصادية والعلوم السلوكية وعلم الاقتصاد التنموي وعلم البيانات في «مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)».

المؤلف مايكل موذوكريشنا

يُعرَفُ عن عمل البروفسور موذوكريشنا في حقل التطوّر الثقافي أنّه يسعى للإجابة عن ثلاثة أسئلة كبرى أساسية: ما السبب في أنّ الكائنات البشرية تتمايز تمايزاً نوعياً عظيماً عن سائر الحيوانات؟ وما العمليات النفسية والتطوّرية التي تنطوي عليها الثقافة وكلّ آليات التغيّر الاجتماعي؟ وكيف يمكن للإجابات الممكنة عن السؤاليْن السابقيْن أن تُوظّف في فهم ومواجهة بعض أعظم التحدّيات الكبرى التي تواجهنا بصفتنا نوعاً بشرياً؟ هذه الأسئلة الثلاثة هي في جوهر مسعى موذوكريشنا في كتابه، وما فصول الكتاب سوى تفريعات وشروحات واستيضاحات لهذه الأسئلة الجوهرية الثلاثة.

يبدأ المؤلف في الفصل التمهيدي من الكتاب باقتباسٍ ذي قيمة دلالية بيّنة، مستلٍّ من محاضرة ألقاها الكاتب الراحل ديفيد فوستر والاس عام 2005:

«كان ثمّة سمكتان غضّتان تسبحان، وتصادف أن التقتا بسمكة أكبر منهما عمراً تسبح في الاتجاه المعاكس لهما. ألقت السمكة الكبرى عمراً التحية على السمكتين الصغريين، وسألتهما: صباح الخير يا شباب... كيف حال المياه هذا اليوم؟ أطرقت السمكتان صمتاً، ثم واصلتا السباحة في طريقهما؛ لكنْ بعد حين قصير توقفتا فجأة ونظرت الواحدة إلى الأخرى: (ما هي المياه بحقّ السماء؟)».

أراد موذوكريشنا، مثلما أراد والاس نفسه، الكشف عن حقيقة جوهرية تفيدُ بوجود أشياء كثيرة في الحياة تبدو لنا حقائق أقرب إلى بديهيات لا نتساءل بشأنها، وهي صارت جزءاً متكاملاً ومكمّلاً لمنظومة إحساسنا بالعالم وإدراكنا له؛ ومع هذا فقلّما ننتبه لمثل هذه الأشياء؛ سواءٌ أكانت أفكاراً أم شواخص مادية. هذه الأشياء الفكرية والمادية تغلغلت في تجاربنا التي نخوضها في المعيش اليومي، واخترقت كلّ حواسنا، وصارت جزءاً ممّا يمكن تسميتها «الشروط الأساسية للحياة».

يتناول الكتاب نوعنا البشري المسمّى «Homo Sapiens» الذي تنطبق عليه المواصفات أعلاه. تطوّر البشر من أشكال حيوية بدائية شبيهة بالبكتيريا، وخضع هذا التطوّر الارتقائي على مستوى البيولوجيا والثقافة لقوانين مختلفة ومتعددة سيسعى المؤلف لاستكشافها في الكتاب.

يؤكّد المؤلف في غير موضع أنّ القوى التي شكّلت تفكيرنا، واقتصاداتنا، ومجتمعاتنا، صارت مع تقادم الزمن، وبتراكم حسّ البداهة، خفية عنّا. الجهل بهذه القوانين والقوى التطورية معضلةٌ خطيرة؛ لأنّه سيتركنا نواجه إشكالية وجودية عميقة: نحن ما لم نعرف «من نحن؟» و«كيف بلغنا ما بلغناه من تطوّر في هذا المكان (الأرض)؟»، فلن نستطيع اختيار وجهتنا اللاحقة.

بالعودة إلى حكاية أسماك والاس، وبوصفها مقايسة بشرية معها، فلنا أن نتساءل: ما النظير البشري للمياه بالنسبة إلى الأسماك؟ ما ذلك الشيء الذي تتأسّس عليه حياتنا البشرية ويمثل الخلفية الجوهرية لكلّ تطوّرنا الثقافي من غير أن نلحظ جوهريته وكينونته الأساسية في حياتنا؟ يرى المؤلف أنّه «الطاقة (Energy)». لطالما اعتقدنا أنّ الطاقة منحة مجانية وهبةٌ طبيعية ستدوم إلى الأبد.

كلّ «موديلاتنا» الاقتصادية تقوم في النهاية على مدخلاتنا من المال وما ننفقه منه بوصفها مخرجات على صعيد الفرد والدولة، وهكذا تبدو كلّ النماذج (الموديلات) الاقتصادية مثل آلة تتحرّك حركة لا نهائية في تبادل مالي بين الشركات والأفراد. نعرف من قوانين الفيزياء أن لا وجود لماكينة تتحرّك حركة لا نهائية من غير وقود (طاقة). يمكن أن يحدث هذا الأمر لو تغيّرت طبيعة الطاقة في حياتنا. كل تغيّر في طبيعة الطاقة المحرّكة للحياة ترافق مع تغيّر حتمي في شكل الموديلات الاقتصادية.

في الوقت الذي يؤكّد فيه المؤلف على الأهمية المركزية لمفهوم الطاقة فإنّه لا يتغافل عن التصريح بأنّ كتابه ليس كتاباً مخصوصاً عن الطاقة بذاتها بقدر ما هو كتابٌ عن الكيفية التي ساهمت بها الانعطافات الكبرى في شكل الطاقة المستخدمة من قبل البشر عبر حقب زمنية طويلة في خلق فترات من «الوفرة (abundance)» التي ساعدت بدورها على زيادة أعداد البشر، وتوسيع مناسيب تفاعلهم بعضهم مع بعض عبر العمل والحراك الاجتماعي؛ الأمر الذي قاد إلى نشوء «الصراع (conflict)» الذي قاد بدوره إلى «الندرة (scarcity)». هذا التفاعل الدينامي بين الطاقة والفعالية التطورية هو من الدعائم الأساسية لفهم وضعنا البشري كما يرى المؤلف، وهو ما يفعله في فصول لاحقة من الكتاب يعزّز رؤيته فيها بأمثلة بيولوجية وتقنية وسياسية مشخّصة تشخيصاً دقيقاً.

يسعى المؤلف للتأكيد على مفهوم ثلاثي الأطراف يتشكّلُ من الطاقة بوصفها قاعدة أساسية تنشأ عنها آليات متباينة من الحراك الاجتماعي، ثمّ يشير إلى أهمية السلوك البشري في كلّ هذا المركّب المشتبك. يكتب المؤلف بهذا الشأن:

«الطاقة قد تكون المفتاح الأساسي لفهم معضلتنا الراهنة؛ لكنْ يتوجّبُ علينا أيضاً أن نفهم الديناميات الأساسية للسلوك البشري. لماذا نذهب أحياناً إلى الحرب في حين نميل للعمل بتناغم تشاركي في أحيان أخرى؟ لماذا نحنُ قساة وطيّبو القلب في الوقت ذاته؟ وما الذي يحدّدُ أياً من هذه الخيارات السلوكية هو ما سيكون له السبق على خيارات أخرى... لو فهمنا المحدّدات التي تخضع لها الطاقة في حياتنا فسنعيد ترتيب فهمنا لكلّ أنساقنا السياسية والاقتصادية؛ لكنْ لو تعمّقنا في فهم سلوكنا البشري فيمكن لنا حينذاك تطويرُ رؤى متّسمة بأصالة غير مسبوقة بشأن كيفية الاستغلال الأفضل للطاقة بحيث نضمنُ تعظيم رفاهيتنا وتقليل مناسيب المخاطر والصراع داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة. لو فعلنا كلّ هذا فيمكن لنا حينئذ الحديث عن نظرية موحّدة للوضع البشري: نظرية لكلّ منّا».

مِثْلُ هذه الأفكار تتطلب نمطاً خاصاً من الشغف منذ بواكير الحياة، وهذا يعكسُ أهمية التعليم بشأن هذه التفاصيل التي تبدو مغيّبة في أنساقنا التعليمية؛ خصوصاً في العالم العربي. بعد إتمامه الدراسة الثانوية اختار المؤلف دراسة الهندسة في الجامعة؛ لكنه وجد بعد حين أنّ الهندسة وحدها ليست قادرة على الإجابة عن الأسئلة المتكاثرة في رأسه والتي صار مسكوناً بها؛ لذا اختار - بجانب دراسة حساب التفاضل والتكامل والرياضيات المحدّدة وتعلّم الآلة - أن يدرس برامج دراسية في الاقتصاد والعلوم السياسية والبيولوجيا والفلسفة وعلم النفس. كلٌّ من هذه البرامج الدراسية ساعده في إيجاد جزء من الحل للمعضلة الكبرى؛ معضلة الوضع البشري.

قراءة كتابٍ مثل كتاب موذوكريشنا فرصة ثمينة للإطلالة على أفكار جديدة، وتجربة التفكّر في كيفية الاشتباك المركّب للأفكار والموارد البشرية لتشكيل وضعنا البشري الراهن. الفهم الجيّد والرصين لمثل هذه الأفكار هو ركيزة صناعة المستقبل؛ أما لو شئنا غضّ الطرف عن مثل هذه القراءات النوعية، فلن نخسر فرصة المشاركة في صناعة المستقبل فحسب... سنكون كتلكما السمكتيْن الصغيرتين اللتين لم تغادرا الماء يوماً ما؛ ورغم هذا، فإن الماء كان لهما طلسماً لا تعرفان - مثل سائر الأسماك - عنه شيئاً.

معلومات الكتاب:

  • اسم الكتاب: نظرية لكل واحد - العلم الجديد حول من نكون وكيف وصلنا إلى هنا وإلى أين نحن ذاهبون A Theory of Everyone - The New Science of Who We Are, How We Got Here, and Where We're Going
  • المؤلف: مايكل موذوكريشنا Michael Muthukrishna
  • الناشر: معهد ماساتشوستس للتقنية MIT Press
  • سنة النشر: 2023
  • عدد الصفحات: 448

مقالات ذات صلة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».