كاتالونيا تنقذ رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي

سياسة «التلاقي» نجحت في كسر شوكة الانفصاليين

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والمرشح الاشتراكي سلفادور إيلا يلوّحان للحشد خلال تجمع انتخابي في فيلانوفا إي لا جيرترو، بالقرب من برشلونة (أرشيفية - أ.ب)
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والمرشح الاشتراكي سلفادور إيلا يلوّحان للحشد خلال تجمع انتخابي في فيلانوفا إي لا جيرترو، بالقرب من برشلونة (أرشيفية - أ.ب)
TT

كاتالونيا تنقذ رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والمرشح الاشتراكي سلفادور إيلا يلوّحان للحشد خلال تجمع انتخابي في فيلانوفا إي لا جيرترو، بالقرب من برشلونة (أرشيفية - أ.ب)
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والمرشح الاشتراكي سلفادور إيلا يلوّحان للحشد خلال تجمع انتخابي في فيلانوفا إي لا جيرترو، بالقرب من برشلونة (أرشيفية - أ.ب)

مرة أخرى نهض رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز من ركام الأزمات التي تحاصر حزبه وحكومته منذ سنوات، وحصد نصراً ضد كل التوقعات في الانتخابات الإقليمية الكاتالونية، التي راهن كثيرون على أنها ستكون مفتاحَ سقوط حكومته ونهاية حقبة زعامته للحزب الاشتراكي، وتصدره واجهة المشهد السياسي الإسباني، آخر معاقل اليسار في الاتحاد الأوروبي.

وأظهرت النتائج النهائية للانتخابات فوز «الحزب الاشتراكي» الذي نال 28 بالمائة من الأصوات منحته 42 مقعداً في البرلمان الإقليمي الذي يضمّ 135 مقعداً، مقابل 21.5 بالمائة لحزب «جونتس» الانفصالي المحافظ الذي يتزعمه رئيس الحكومة الإقليمية السابق، كارلي بوتشيمون، الذي ما زال فاراً من العدالة وأدار الحملة الانتخابية من فرنسا وبلجيكا. وكان الخاسر الأكبر حزب اليسار الجمهوري الذي فقد 13 مقعداً، فيما زاد «الحزب الشعبي» اليميني رصيده البرلماني بـ9 نواب، وحافظ الحزب اليميني المتطرف «فوكس» على مقاعده الأحد عشر بينما دخل اليمين الانفصالي المتطرف للمرة الأولى البرلمان الكاتالوني بثلاثة نواب.

رئيس الحكومة الإقليمية السابق، كارلي بوتشيمون، زعيم حزب «جونتس» الانفصالي يلقي كلمةً في مقر الحزب جنوب غربي فرنسا الأحد (أ.ف.ب)

وللمرة الأولى منذ سنوات استطاع الحزب الاشتراكي الإسباني، الذي يقود الحكومة المركزية، أن يحقق فوزاً واضحاً في انتخابات إقليمية، فيما خسرت الأحزاب الانفصالية الأغلبية التي كانت منصةَ انطلاق الحركة الاستقلالية عام 2017، وترسخت الموجة اليمينية التي تجتاح أوروبا على أبواب انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر المقبل. ويتبيّن من القراءة الأولى لنتائج هذه الانتخابات التي شكّلت دفعاً قوياً لسانتشيز أن الجدل السياسي الحاد الذي دار حول العفو الذي أصدرته الحكومة عن قيادات الحركة الانفصالية التي حُوكمت بتهمة التمرد والعصيان، والذي رفع منسوب التوتر بين الأحزاب إلى مستويات غير مسبوقة، وراهنت عليه القوى اليمينية لإسقاط حكومة سانتشيز، قد صبّت مفاعيله في صالح سانتشيز وحزبه. السؤال الرئيسي الذي كان مطروحاً حول نتائج هذه الانتخابات التي كانت رهاناً آخر حول بقاء سانتشيز أو رحيله هو التالي: هل العفو عن القيادات الانفصالية سيضعف الحركة الاستقلالية أم سيقويها؟ وجاء الجواب قاطعاً: رغم صعوبة تشكيل الحكومة الإقليمية بسبب من تعقيدات تأمين الأغلبية البرلمانية، تبيّن أن سياسة «التلاقي» التي اعتمدها سانتشيز لمعالجة المعضلة الانفصالية، بعكس المواجهة الصدامية التي تطالب بها المعارضة اليمينية، قد دفعت القوى الاستقلالية إلى أدنى مستويات شعبيتها منذ عام 1980، وطوت صفحة الحركة الانفصالية على الأقل في القريب المنظور.

رئيس حزب «فوكس» سانتياغو آباسكال في مؤتمر صحافي ببرشلونة الأحد (إ.ب.أ)

وبعد صدور النتائج النهائية، قال الزعيم الإقليمي للحزب الاشتراكي، سالفادور إيليا، والمرشح لرئاسة الحكومة الجديدة: «سياستنا وأدت الحركة الانفصالية، وكاتالونيا قررت فتح صفحة جديدة بقيادة الحزب الاشتراكي الضامن لوحدة الأقاليم والتماسك بينها». لكن تأمين الأغلبية البرلمانية دونه عقبات، وربما مفاجآت قد تترك الباب مفتوحاً أمام تكرار العملية الانتخابية في الخريف المقبل. الاشتراكيون يراهنون على التحالف مع اليسار الجمهوري، الخاسر الأكبر في الانتخابات، ومع اليسار غير الانفصالي الحليف في الحكومة المركزية. بوتشيمون من جانبه أكّد أنه عازم على محاولة تشكيل الحكومة الجديدة، وأنه قادر على تأمين أغلبية أكبر من التي بوسع الاشتراكيين تشكيلها، ودعا اليسار الجمهوري إلى تأييده. أما الحزب الشعبي فقد أكّد الناطق باسمه أنه لن يدعم الحزب الاشتراكي لتشكيل الحكومة الإقليمية «والاستمرار في التواطؤ مع بوتشيمون»، فيما عدَّ الحزب اليميني المتطرف «فوكس» أن فوز الاشتراكيين ليس سوى «استمرار للانفصال المموّه» لإقليم كاتالونيا. هذا المشهد يضع مفتاح تشكيل الحكومة الجديدة بيد حزب اليسار الجمهوري، الذي يعتقد الاشتراكيون أن لا هامش للمناورة أمامه، لأن منع الحزب الاشتراكي من تشكيلها سيؤدي إلى سقوط الحكومة المركزية، والدعوة إلى انتخابات عامة جديدة قد تحمل المعارضة اليمينية واليمينية المتطرفة إلى الحكم وتعيد الأزمة الانفصالية إلى نقطة الصفر، أو تحتها.

الزعيم الإقليمي للحزب الاشتراكي سالفادور إيليا يتحدث أمام الإعلام ببرشلونة الأحد (إ.ب.أ)

وتفيد أوساط الحكومة بأن سانتشيز واثق من استمرار دعم القوى الانفصالية الكاتالونية لحكومته، ويعد أن النتائج أظهرت دعم الأغلبية في كاتالونيا لسياسة التعايش والتفاهم التي ينهجها حزبه، وأن الحوار يجب أن يكون عنوان المرحلة المقبلة. وتقول أوساط الحزب الاشتراكي إن النتائج الإقليمية في كاتالونيا مشفوعة على النتائج الإقليمية الباسكية، الشهر الماضي، تشكّل رافعة مهمة للحزب في استحقاق الانتخابات الأوروبية على الأبواب. ويجمع المراقبون في العاصمة الإسبانية على أن هذه النتائج تشكل نقطة تحوّل مفصلية في المسار الصدامي، الذي نهجته القوى والأحزاب الانفصالية في السنوات الأخيرة، الذي بلغ ذروته بالإعلان غير الشرعي للاستقلال خريف عام 2017. ويترافق هذا التحول مع صعود القوى اليمينية، المعتدلة والمتطرفة، الذي ينتظر امتحان الانتخابات الأوروبية لمعرفة ما إذا كان طارئاً أو ترسيخاً للموجة اليمينية التي تجتاح أوروبا منذ سنوات.


مقالات ذات صلة

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
شمال افريقيا ممثلو دول أوروبية داخل مركز العدّ والإحصاء التابع لمفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

قال محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» إن إجراء الانتخابات المحلية «مؤشر على قدرة الشعب على الوصول لدولة مستقرة عبر الاستفتاءات والانتخابات العامة».

جمال جوهر (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الملياردير إيلون ماسك (رويترز)

هل يمكن أن يصبح إيلون ماسك رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل؟

مع دخوله عالم السياسة، تساءل كثيرون عن طموح الملياردير إيلون ماسك وما إذا كان باستطاعته أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير الداخلية جيرالد دارمانان (اليمين) متحدثاً إلى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (رويترز)

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي، إلا أن البديل جاهز بشخص رئيس «حزب التجمع الوطني» جوردان بارديلا.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا جلسة برلمانية في «البوندستاغ»... (إ.ب.أ)

أكثر من 100 برلماني يتقدمون باقتراح لحظر حزب «البديل من أجل ألمانيا»

تقدم أكثر من 100 نائب ألماني باقتراح لرئيسة البرلمان لمناقشة حظر حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.

راغدة بهنام (برلين)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
TT

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس (الجمعة)، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة في أعقاب الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

وقال زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو: «عندما يبدأ شخص ما في استخدام دول أخرى ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضاً لاختبار صواريخهم الجديدة من خلال الإرهاب، فإن هذه بالتأكيد جريمة دولية».

وقال زيلينسكي إن سلوك روسيا «يسخر» من مواقف الصين ودول الجنوب العالمي الداعية إلى الاعتدال. داعياً مرة أخرى إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي.

كما وجه زيلينسكي نداء إلى مواطنيه والدبلوماسيين الأجانب العاملين في كييف. وقال إن أوكرانيا تعمل على تعزيز دفاعها الجوي. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ كل إنذار بغارة جوية بشكل جدي، ويجب الاحتماء في حالة الخطر.

وفي الوقت نفسه، قال إنه لا ينبغي استخدام التهديد المحتمل من هجوم صاروخي روسي كذريعة للتوقف عن العمل، في إشارة إلى السفارات المغلقة جزئياً في البلاد.

وأضاف: «عندما تنطلق صفارة الإنذار، نذهب للاحتماء. وعندما لا تكون هناك صفارة إنذار، نعمل ونخدم»، مشيراً إلى أن بوتين سيواصل ترويع أوكرانيا «لقد بنى قوته الكاملة على هذا».