اشتباكات في الفاشر تنذر بانطلاق المعركة الفاصلة بدارفور

طرفا النزاع تجاهلا النداءات الدولية

آثار الحرب المدمرة في الفاشر حاضرة شمال دارفور (أ.ف.ب)
آثار الحرب المدمرة في الفاشر حاضرة شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات في الفاشر تنذر بانطلاق المعركة الفاصلة بدارفور

آثار الحرب المدمرة في الفاشر حاضرة شمال دارفور (أ.ف.ب)
آثار الحرب المدمرة في الفاشر حاضرة شمال دارفور (أ.ف.ب)

تجددت، الجمعة، اشتباكات وصفت بالعنيفة بين الجيش السوداني وحلفائه من الفصائل المسلحة من جهة، و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى، في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب)، وآخر حصون الجيش في غرب البلاد، بعد أيام من الهدوء الحذر الذي شهدته جبهات القتال خلال الأيام الماضية.

ويبدو أن المدينة التي تحتضن مئات الآلاف من النازحين الهاربين من القتال في مناطقهم، إلى جانب وجود جيوش من الحركات المسلحة، تتجه إلى معارك طاحنة بالنظر إلى حالة التأهب والتحشيد العسكري للأطراف المتحاربة، المستمر منذ وقت طويل.

ولم تفلح النداءات الدولية لأطراف النزاع بضرورة تفادي الدخول في معارك يُتوقع أن تتسبب بحدوث كوارث إنسانية إذا انفجر القتال.

قصف متبادل

دخان كثيف يتصاعد أمس في مدينة الفاشر بإقليم دارفور غرب البلاد (د.ب.أ)

وقال مقيمون في الفاشر لــ«الشرق الأوسط» إن معارك عنيفة بالأسلحة الثقيلة اندلعت بين الطرفين في الأحياء الشمالية الشرقية للمدينة. وأوضحت مصادر أن «قوات الدعم السريع» قصفت مواقع للجيش الذي ينتشر في وسط المدينة، بينما رد الجيش بضربات مدفعية على مواقع لـ«الدعم السريع» في محيطها، كما سُمعت أصوات انفجارات قوية وأصوات إطلاق نار مع تصاعد كثيف لأعمدة الدخان من أحياء شمال وشرق المدينة.

وبدورها، أفادت «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر» (جماعة محلية) على موقع «فيسبوك»، بأن الجيش السوداني وقوات الحركات المسلحة «يشتبكون مع (قوات الدعم السريع) شرق مدينة الفاشر منذ الصباح». وأضافت أن قذائف المدافع الثقيلة «تسقط بشكل عشوائي في منازل المواطنين، ما أدى إلى وقوع إصابات وسط المدنيين بعضها وصل المستشفى الجنوبي».

تدهور الخدمات الهاتفية

وقالت مصادر محلية إن خدمات الاتصالات الهاتفية والإنترنت بدأت في التدهور مع بدء الهجوم على الفاشر، وشمل ذلك كبريات مدن دارفور الأخرى.

وتشهد الفاشر، إلى جانب الضعين في ولاية شرق دارفور، ونيالا في الجنوب، منذ يومين، انقطاع خدمات شبكتي «سوداني» و«الشركة السودانية للهاتف السيار» (زين)، إلى جانب شبكة «إم تي إن سودان» التي انقطعت عن المدينة منذ أشهر.

لاجئون سودانيون في مخيم زمزم خارج الفاشر بدارفور (أ.ب)

وتفرض «قوات الدعم السريع» حصاراً محكماً على مدينة الفاشر، في مسعى للسيطرة عليها بعد أن أحكمت قبضتها على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور، وسط تحذيرات دولية وإقليمية من اجتياح المدينة التي تؤوي ملايين النازحين الذين فروا من مدن الإقليم المضطرب جراء الصراع.

وكان والي شمال دارفور المكلف، حافظ بخيت، قد أكد في وقت سابق على «وقوف حكومة الولاية بكل ما تملك من أجل الوطن والمواطن، ودحر الميليشيا»، في إشارة إلى «قوات الدعم السريع».

وأعلن عدد من الحركات المسلحة، بينها «حركة جيش تحرير السودان» التي يرأسها مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» بقيادة جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان» بقيادة مصطفى تمبور، خروجها عن الحياد، والقتال إلى جانب الجيش السوداني ضد «قوات الدعم السريع».

آخر معاقل الجيش غرب السودان

وتعد الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في غرب البلاد، وهي محاصرة تماماً بالآلاف من مقاتلي «قوات الدعم السريع».

النيران تلتهم سوقاً في الفاشر نتيجة معارك سابقة (أ.ف.ب)

ويواصل طرفا القتال في السودان التصعيد العسكري والإعلامي على الرغم من التحذيرات الدولية و«القلق» الكبير، الذي أبدته دول مؤثرة في الإقليم، إلى جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة، من التداعيات الإنسانية الكارثية التي يمكن أن تواجه مئات الآلاف من السودانيين الذين يحتمون بمدينة الفاشر ومعسكرات النازحين من حولها.

الأمم المتحدة: وضع كارثي

وكتب نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في دارفور، توبي هارورد، عبر حسابه على منصة «إكس»، أن «الوضع الإنساني في الفاشر والمحليات المحيطة بعاصمة شمال دارفور كارثي».

وأشار هارورد إلى «ازدياد عمليات القتل التعسفي والسرقة ونهب الماشية، والحرق الممنهج لقرى بأكملها في المناطق الريفية، وتصاعد القصف الجوي على أجزاء من المدينة، وتشديد الحصار حول الفاشر».

واتّهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، الخميس، «قوات الدعم السريع» بارتكاب «تطهير عرقي» وعمليات قتل؛ «ما قد يشير إلى أن إبادة جماعية حدثت أو تحدث» ضدّ جماعة المساليت العرقية الأفريقية، في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس - غرينفيلد، الأسبوع الماضي، إن «كارثة مأساوية تلوح في الأفق» في إشارة إلى ما يجري في مدينة الفاشر. كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من المصير نفسه. وقال في تصريحات سابقة إن أي هجوم على الفاشر سيكون مدمراً بالنسبة للمدنيين وقد يؤدي إلى صراع مجتمعي شامل.

غوتيريش قال إن أي هجوم على الفاشر سيكون مدمراً بالنسبة للمدنيين وقد يؤدي إلى صراع مجتمعي شامل (أ.ف.ب)

وفي الأسابيع الماضية، حققت «الدعم السريع» مكاسب عسكرية بالسيطرة على بلدة (مليط) على مسافة نحو 60 كيلومتراً من الفاشر، وتعد منطقة استراتيجية مهمة، مكنتها من إعادة التموضع العسكري لقواتها والانتشار والهجوم على الفاشر من اتجاهات عدة.

وامتنعت مصادر نافذة في «الدعم السريع» تحدثت لــ«الشرق الأوسط» عن التعبير عن أي نيات لاجتياح المدينة، لكنها قالت إنها تدافع عن نفسها، على الرغم من أنها تهاجم المدينة باستمرار.

وترى تلك المصادر أن الفاشر تشكل، من ناحية عسكرية واستراتيجية، خطراً كبيراً على «قوات الدعم السريع»، بعد إعلان عدد من الحركات المسلحة في الإقليم الخروج من الحياد في الصراع والانخراط في القتال إلى جانب الجيش السوداني.

الجيش: الفاشر قاعدة لاستعادة ولايات دارفور

وكشف مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، في وقت سابق، أن الجيش سيتخذ من الفاشر قاعدة عسكرية رئيسية لاستعادة الولايات الأربعة في الإقليم التي تسيطر عليها «الدعم السريع».

وتستميت قوات الجيش السوداني والحركات المسلحة في صد الهجمات الكثيرة التي تشنها «قوات الدعم السريع» على المدينة. ونفذت هذه القوات خلال الأيام الماضية عمليات انتشار واسعة في شمال دارفور، وحشدت الآلاف من المقاتلين من القبائل العربية في البلدات والقرى المجاورة لمدينة الفاشر.

الفريق ياسر العطا (وكالة السودان للأنباء) (سونا)

كما نفذ الجيش السوداني عمليات إسقاط جوي لإيصال إمدادات عسكرية من الأسلحة الذخائر لتموين قواته في «الفرقة السادسة - مشاة» ومقرها داخل المدينة، ولدعم حلفائه في الحركات المسلحة، تحسباً لمعارك مرتقبة.

ووفق المؤشرات على الأرض، تخطط «الدعم السريع» لشن هجوم بري واسع من عدة جبهات على الفاشر، لا يملك الجيش وحلفاؤه سوى التصدي له عبر الدفاعات المتقدمة في محيط المدينة.


مقالات ذات صلة

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

رسمت مصر «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، وحذرت من تجاوزها باعتبارها «تمس الأمن القومي المصري».

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا صورة فضائية تُظهر حريقاً في مستودع لخزانات الوقود بعد هجوم بطائرة مُسيَّرة شنَّته «قوات الدعم السريع» خارج بورتسودان (أ.ب) play-circle 00:32

الأمم المتحدة: مئات القتلى في هجوم «الدعم السريع» على مخيم بدارفور في أبريل

ذكر تقرير للأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من ألف مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» خلال أبريل (نيسان) الماضي، في مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان في القاهرة 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

السيسي يحذر من محاولة تجاوز «خطوط مصر الحمراء» بشأن وحدة السودان

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)

«قوات الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

قامت «قوات الدعم السريع» السودانية بتدمير وإخفاء أدلة على عمليات قتل جماعي، ارتكبتها بعد اجتياحها مدينة الفاشر في إقليم دارفور.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان (السودان))
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (رويترز - أرشيفية)

تقرير: «الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

كشف تقرير جديد عن أن «قوات الدعم السريع» السودانية دمرت وأخفت أدلة على عمليات قتل جماعي ارتكبتها بعد اجتياحها مدينة الفاشر بإقليم دارفور غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)

أفاد تقرير للأمم المتحدة، أمس (الخميس)، بأن أكثر من 1000 مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) الماضي، بمخيم زمزم للنازحين شمال دارفور، تعرض نحو ثلثهم لعمليات إعدام خارج نطاق القانون.

وأشارت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريرها إلى «مجازر وعمليات اغتصاب وأعمال عنف جنسي أخرى وتعذيب وخطف» ارتُكبت خلال الهجوم الذي نفذته «قوات الدعم السريع» من 11 إلى 13 أبريل. وأكدت المفوضية «مقتل ما لا يقل عن 1013 مدنياً».

وفي سياق آخر، شنت «قوات الدعم السريع»، أمس، هجوماً واسعاً بعشرات الطائرات المسيّرة، طالت عدداً من المدن في ولاية النيل بشمال السودان، مستهدفة محطة رئيسية لتوليد الكهرباء، مما أدى إلى مقتل شخصين وانقطاع التيار الكهربائي في المدن السودانية الكبرى.

وقال مصدر عسكري وشهود إن الهجوم تم بنحو 35 مسيّرة على مدن عطبرة والدامر وبربر في ولاية النيل، وألحق أضراراً بالغة بمحولات كهربائية في محطة المقرن في عطبرة نتج عنها إظلام تام في ولايات الخرطوم ونهر النيل والبحر الأحمر.


مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

رسمت مصر «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، وحذرت من تجاوزها باعتبارها «تمس الأمن القومي المصري». ولوّحت باتخاذ كافة التدابير التي تكفلها «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، في خطاب يراه خبراء «الأكثر حدة» منذ اندلاع الحرب في السودان.

وجاء الموقف المصري بالتزامن مع استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث أكد السيسي «دعم بلاده الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة»، وشدد على «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره»، مؤكداً استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن في هذا السياق، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي.

وجددت مصر، في أثناء زيارة البرهان، «تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان»، وذلك في إطار «توجه الإدارة الأميركية لإحلال السلام، وتجنب التصعيد، وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم».

تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك

مع التأكيد على تلك الثوابت، وضعت القاهرة «خطوطاً حمراء» للمرة الأولى في الأزمة السودانية، مؤكدة أنها «لا يمكن أن تسمح بتجاوزها باعتبارها تمس الأمن القومي المصري الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي السوداني»، وتضمنت المحاذير المصرية «الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان».

وقالت الرئاسة المصرية، الخميس، إن «الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ومنع المساس بهذه المؤسسات، هو خط أحمر آخر».

وأكدت «الحق الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي»، ومن بينها «تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين؛ لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها».

الرئيس المصري خلال محادثات في القاهرة الخميس مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان (الرئاسة المصرية)

وفي مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976، في مواجهة «التهديدات الخارجية».

عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري، اللواء يحيى كدواني، قال إن الأمن القومي المصري يرتبط مباشرة بوحدة الأراضي السودانية، «ومع وجود مؤامرات تهدف إلى تقسيمه، فإن ذلك يستدعي وضع (خطوط حمراء) لعدم تجاوزها، بما يحقق الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية، وبما يشكل ضمانة لحماية الأمن القومي المصري».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقف المصري بشأن الحفاظ على وحدة وسلامة السودان ثابت وقوي، والقاهرة قادرة على تنفيذ ما تعلن عنه من شعارات ومبادرات لحماية مؤسسات الدولة السودانية»، لافتاً إلى أن استدعاء «اتفاقية الدفاع المشترك» جاء للتأكيد على أن «هناك تنسيقاً مشتركاً بين البلدين في إطار الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة في السابق بين البلدين».

وذكر بيان الرئاسة المصرية، الخميس، أن «القاهرة تتابع بقلق بالغ استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد الحالية في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر»، كما أكدت «رفضها القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها، باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه».

أما عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، فأكد أن التنسيق المصري - السوداني في مجابهة تهديدات تقسيم البلاد يأتي في إطار حماية الأمن القومي المصري والسوداني والعربي، خاصة أن البلدين ضمن «مجلس الدول المتشاطئة على البحر الأحمر»، وهو لديه أدوار رئيسية تتمثل في «الدفاع والتنمية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف المصري يأتي في إطار مبادرة «الرباعية الدولية»، والمبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، موضحاً أن «القاهرة تدعم تنفيذ (خريطة طريق) تبدأ بهدنة تستمر ثلاثة أشهر، ودمج (قوات الدعم السريع) في الجيش السوداني، مع الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية السودانية».

ووفقاً لبيان الرئاسة المصرية، أكدت القاهرة «حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار (الرباعية الدولية)، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية».

وطرحت «الرباعية»، التي تضم دول (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأميركية) في أغسطس (آب) الماضي، «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر».

جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية)

وتأتي زيارة البرهان إلى مصر بعد أخرى قام بها إلى المملكة العربية السعودية، الاثنين الماضي، وأكد في ختام زيارته حينها «حرص السودان على العمل مع ترمب ووزير خارجيته، ماركو روبيو، ومبعوثه للسلام في السودان، مسعد بولس، في جهود تحقيق السلام ووقف الحرب».

وأكدت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أماني الطويل، أن «مصر وضعت خطوطاً حمراء لأول مرة في الملف السوداني، وموقفها الأخير هو الأكثر حدة منذ اندلاع الحرب، وهو يتماهى مع الموقفين السعودي والأميركي بشأن الحفاظ على وحدة السودان، وضرورة وقف الحرب، ورفض الكيانات الموازية، والحفاظ على مؤسسات الدولة».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نستطيع القول إن هناك توافقاً سعودياً - مصرياً على المواقف القوية بشأن وحدة السودان، ما يبرهن على أن الاتجاه السائد الآن هو بلورة مبادرة لوقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية»، لكنها شددت أيضاً على أن «المسألة الأكثر تعقيداً تتعلق بالحلول السياسية في ظل التعامل مع أطراف سودانية لا تقبل بعضها، ومن الممكن أن يأتي إعلان مبادئ (نيروبي) مقدمةً لهذا السياق».

ووقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد النور، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» (الأصل) لوقف الحرب في السودان، ويُعد هذا أول تقارب يجمع غالبية الأطراف السودانية المناهضة للحرب.

وأكد متحدث الرئاسة المصرية، الخميس، أن محادثات السيسي والبرهان «تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية، بما يجسّد تطلعات الشعبين نحو تحقيق التكامل والتنمية المتبادلة، وتطرقت كذلك إلى مستجدات الأوضاع الميدانية في السودان».


«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
TT

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)

طرحت الزيارة التي أجراها قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، لمقر القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي في مدينة بنغازي، أسئلة كثيرة، وسط إشارات إلى «خريطة تحالفات جديدة» تتعلق بموازين القوى.

واستقبل حفتر مساء الأربعاء، في بنغازي (شرق)، قائد الجيش الباكستاني، يرافقه وفد عسكري رفيع المستوى، في إطار زيارة رسمية إلى ليبيا لعقد سلسلة من الاجتماعات ذات الاهتمام المشترك. وقال مكتب القيادة العامة إن زيارة الوفد الباكستاني تأتي في إطار «تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات»، حيث أكد الطرفان عمق العلاقات التاريخية الليبية - الباكستانية، وأهمية المضي قدماً في تطويرها، بما يخدم المصالح المشتركة بين الجانبين.

قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير في زيارة لبنغازي الأربعاء (القيادة العامة)

وعدّ المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، زيارة الوفد الباكستاني «غير عادية»، ورأى أنها «تمثل نقلة نوعية مرتبطة برؤية القيادة العامة 2030 في تطوير قدرات القوات المسلحة الليبية، التي لم تعد رهينة الاعتماد على دولة واحدة للتسلّح منها بلا آفاق وأبواب جديدة».

وأضاف قشوط في إدراج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن التعاون مع الجيش الباكستاني «سيضيف إلى قواتنا المسلحة كثيراً»، وعدّه «حليفاً استراتيجياً سيكون بمنزلة ردع لأي تهديدات مستقبلية».

وأُقيمت مراسم استقبال رسمية للوفد الباكستاني، وكان في مقدمة مستقبليه، نائب القائد العام الفريق أول صدام حفتر، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، الفريق أول خالد حفتر، إلى جانب عدد من رؤساء الأركان بالقوات المسلحة.

وينظر الباحث في الشأن الليبي، محمد تنتوش، إلى زيارة الوفد العسكري الباكستاني لبنغازي على أنها «فشل دبلوماسي لحكومة (الوحدة)؛ ورئاسة الأركان في المنطقة الغربية»، وأرجع ذلك إلى أنها «لم تصنع علاقة بذات المستوى مع باكستان». وذهب تنتوش إلى أن «كل قوة وتطور في عمل معسكر الرجمة هو عامل إضافي، قد يُمكِّنها من السيطرة على كامل ليبيا، أو على الأقل يشجعها على ذلك».

كانت القيادة العامة قد مهّدت لقدوم الوفد الباكستاني بزيارة أجراها صدام حفتر إلى إسلام آباد في يوليو (تموز) الماضي، التقى خلالها شخصيات باكستانية عديدة، من بينهم رئيس الوزراء محمد شهباز شريف، ورئيس أركان البحرية الأدميرال نويد أشرف، وذلك ضمن زيارته الرسمية للبلاد.

ويرى محللون أن الزيارة، التي بحثت تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات، جاءت في توقيت تتصاعد فيه التحركات الإقليمية، وإعادة رسم خرائط النفوذ العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كان تعديل دستوري أقرته باكستان مؤخراً، قد عزز من نفوذ منير، بمنحه أدواراً إضافية وحصانة مدى الحياة، في خطوة عدّها محللون ترسيخاً لمكانة قائد الجيش في موقع «الرجل الأقوى في البلاد».

وسبق أن قال موقع «إنسايد أوفر» الإيطالي، إن حفتر «لم يعد مكتفياً بالتحالف مع موسكو لتحقيق أهدافه في ليبيا؛ بل بات يناور بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، ويخلق توازناً في منطقة مضطربة». فيما يرى متابعون أن زيارة الوفد العسكري الباكستاني تحمل رسائل عدة تشير إلى انفتاح شرق ليبيا على تعاون عسكري أوسع مع قوى مؤثرة خارج الإطار التقليدي.

حفتر ومنير يستعرضان قطعة سلاح الأربعاء (القيادة العامة)

كان حفتر قد التقى في مايو (أيار) الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة موسكو، كما التقى أيضاً وزير الدفاع أندريه بيلوسوف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو.

ويفرض مجلس الأمن الدولي منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حظراً على السلاح. فيما جدد مؤخراً تفويضه بتفتيش السفن المتجهة من وإلى السواحل الليبية لمدة ستة أشهر. وينصّ قرار مجلس الأمن، الذي صُوّت عليه في نيويورك بتمديد مهمة العملية البحرية الأوروبية «إيريني»، على ضرورة توافر «أسباب معقولة» للاشتباه قبل الشروع في تفتيش السفن.