«حزب الله» ينتقل من «ضبط النفس» إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»

ترقب زيادة عمليات «محور الممانعة» مع بدء اجتياح رفح

هل يكون جنوب لبنان الهدف التالي للدبابات الإسرائيلية؟ (أ.ف.ب)
هل يكون جنوب لبنان الهدف التالي للدبابات الإسرائيلية؟ (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» ينتقل من «ضبط النفس» إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»

هل يكون جنوب لبنان الهدف التالي للدبابات الإسرائيلية؟ (أ.ف.ب)
هل يكون جنوب لبنان الهدف التالي للدبابات الإسرائيلية؟ (أ.ف.ب)

بات واضحاً أن ما قبل انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح لن يكون إطلاقاً كما بعده، بما يرتبط بالوضع على جبهة جنوب لبنان.

فـ«حزب الله»، ومن خلفه محور «الممانعة» الذي ينتمي إليه، اتخذ قراراً بزيادة الضغط العسكري على إسرائيل، في مسعى للحد من عملياتها في رفح، باعتبار أن سقوط المعقل الأخير لحركة «حماس» في غزة سيعني عملياً خسارة هذا المحور الحرب، كما أنه سيمهد، بحسب الخبراء، لعملية واسعة تشنها إسرائيل ضد «حزب الله».

ومنذ إعلان تل أبيب السيطرة على معبر رفح وبدء عملياتها شرق المدينة، بالتزامن مع ترنح مفاوضات الهدنة، كثّف «حزب الله» بشكل غير مسبوق عملياته باتجاه شمال إسرائيل، بهدف إيقاع قتلى وجرحى في صفوف الجنود الإسرائيليين، ما يطرح علامات استفهام كبيرة عمّا إذا كانت طهران وحلفاؤها سيعمدون لتوسيع القتال على الجبهات في مسعى استباقي لمنع سقوط رفح.

استراتيجية «الضغوط القصوى»

ويُخشى أن يؤدي الأداء العسكري الجديد لـ«حزب الله» إلى جر المنطقة ككل إلى الحرب الموسعة التي تريدها تل أبيب وتسعى إليها منذ فترة، في مقابل اعتماد محور «الممانعة» طوال المرحلة الماضية ما أسماه استراتيجية «ضبط النفس».

ويقول مصدر مطلع على جو «حزب الله»، إنه «تم فعلياً الانتقال من سياسة ضبط النفس إلى استراتيجية الضغوط القصوى؛ بهدف تثبيت معادلات الردع في آخر مرحلة من مراحل الحرب على غزة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأداء العسكري الحالي مدروس جداً؛ كي لا يؤدي إلى حرب موسعة لطالما أرادتها إسرائيل».

«حزب الله» الهدف التالي

ويشير العميد الركن المتقاعد بسام ياسين إلى أن «حزب الله» وإيران وحلفاءهما «كانوا واضحين منذ البداية، بحيث أكدوا أنه لن يتم السكوت عن معركة رفح، لذلك سيحصل ضغط من كل الجبهات، وبخاصة جبهة الجنوب اللبناني، من دون أن تتدخل إيران بشكل مباشر؛ لأن ذلك سيعني حينها حرباً بين دولتين»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «كلما زاد الضغط على رفح سيكون هناك ضغط إضافي مما يسمى جبهات الدعم، وإن كان ذلك لا يؤثر من الناحية العسكرية على رفح؛ إذ إن لكل منطقة وحداتها القتالية، إنما التعويل على أن يؤدي سقوط قتلى وجرحى إسرائيليين إلى ضغط من قبل الرأي العام الإسرائيلي على الحكومة الإسرائيلية للتهدئة والسير مجدداً بالهدنة».

ويرى ياسين أنه «في حال انتصرت إسرائيل في غزة، فـ(حزب الله) سيكون الهدف التالي، لذلك سيبذل هو وإيران قصارى جهدهما لمنع سقوط رفح»، لافتاً إلى أن «ضغطه العسكري مدروس بما لا يؤدي إلى جر البلد ككل والمنطقة إلى حرب، وإلا لكنا وجدناه يطلق 10 آلاف صاروخ يومياً». ويضيف: «لذلك نرى اليوم نوعاً من التوازن في القصف؛ لأن الإسرائيلي كذلك لا يريد اليوم الحرب، وهو يخطط لها بعد الانتهاء من غزة».

تطوير التكتيكات

في المقابل، يرى رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري» (أنيجما) رياض قهوجي، أن «(حزب الله) لجأ مؤخراً إلى تغيير وتطوير التكتيكات المعتمدة لإيقاع خسائر أكثر في الجانب الإسرائيلي، لكنه لم يوسّع القصف ولا يسعى إلى الحرب الموسعة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «نتنياهو هو الذي كان وما زال يسعى لتوسعة الحرب لمصالح حزبية وشخصية، وهو إذا وجد نفسه مضغوطاً في جبهة رفح، فسيعمد لتجميدها للانتقال إلى جبهة لبنان، كما أنه إذا حقق أهدافه في رفح، ومنها تحرير الأسرى، فقد ينتقل أيضاً إلى توسعة العمل على الجبهة الشمالية». ويضيف: «الجانب الإيراني يسعى لاحتواء الأمور بعدما أيقن أن سياسة توحيد الساحات لم تأت بالنتائج المرجوة، إنما بالعكس، خلقت مشكلة له عند كل جبهة، خاصة بعد الاحتكاك المباشر بينه وبين إسرائيل، لذلك ما يهمه راهناً هو احتواء ووقف هذه الحرب».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يلوّح باستهداف منصات الغاز في إسرائيل خلال «الحرب الشاملة»

المشرق العربي صورة سبق أن وزَّعها إعلام «حزب الله» لباخرة الحفر «إنرغين» قرب حقل «كاريش» بين لبنان وإسرائيل (أ.ف.ب)

«حزب الله» يلوّح باستهداف منصات الغاز في إسرائيل خلال «الحرب الشاملة»

عاد «حزب الله» ليهدد باستهداف حقول الغاز في إسرائيل في حال قررت الأخيرة توسعة الحرب على لبنان، بعدما بلغت الضغوط والتهديدات من قبل الطرفين مراحل غير مسبوقة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

عزّزت ظاهرة حجب البيانات المالية الخاصة بلبنان من قبل المؤسسات المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني الدولية منسوب الريبة من سياسة عدم الاكتراث الحكومية.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد في جنوب لبنان إثر قصف إسرائيلي استهدف المنطقة (رويترز)

إسرائيل تتوعّد بتغيير الواقع الأمني عند الحدود... و«حزب الله» مستعد للمواجهة

يواصل المسؤولون الإسرائيليون تهديداتهم، متوعدين «بتغيير الواقع الأمني على الجبهة الشمالية»، وفق الجنرال أوري غوردين، الذي قال: «إن الهجوم سيكون حاسماً وقاطعاً».

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش العماد جوزاف عون (مديرية التوجيه)

باسيل يسعى لإسناد قيادة الجيش اللبناني بالوكالة للواء صعب

يسعى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لإسناد قيادة الجيش اللبناني بالوكالة للواء بيار صعب مستبقاً التمديد للعماد جوزاف عون.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل (رويترز)

باسيل متردد بفصل نواب خشية تضعضع داخلي في «التيار»

لم يحسم رئيس «التيار الوطني الحر» قراره بشأن فصل النائب آلان عون محاولاً أن يستوعب استباقياً أي ردود فعل ستؤدي لتقلص إضافي بعدد نواب التكتل.

بولا أسطيح (بيروت)

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
TT

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

في مسعى جديد لإقرار هدنة ثانية في قطاع غزة، وإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر، يلتقي الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة)، في اجتماع رباعي، الأحد، بروما بمشاركة إسرائيلية، وسط مخاوف من «تجدد العراقيل الإسرائيلية». وأعد لـ«اجتماع روما الرباعي» خبراء ضمن زخم يتصاعد وحراك مكثف في مسار المفاوضات يشي بإمكانية أن يكون هناك جديد في مستقبل مفاوضات الهدنة.

ويتوقع الخبراء أن يكون اجتماع روما «إجرائياً» ويناقش «الخلافات» التي من بينها كيفية عودة النازحين وفتح معبر رفح الحدودي؛ لتنفيذ المرحلة الأولى من الهدنة الممتدة إلى 42 يوماً، من بين 3 مراحل تضمنها مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، في مايو (أيار) الماضي، لوقف إطلاق النار في غزة.

ويجتمع الأحد مسؤولون من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل في روما، في «إطار استمرار جهود الوسطاء للوصول لاتفاق هدنة بقطاع غزة»، حسب ما نقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصدر مصري وصفته بـ«رفيع المستوى». ويبحث الوفد الأمني المصري تطورات مفاوضات الهدنة في قطاع غزة، وفق المصدر ذاته، الذي أكد تمسك مصر بضرورة الوصول لصيغة تحمل 4 بنود؛ هي: «وقف فوري لإطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان حرية حركة المواطنين في القطاع، والانسحاب الكامل من منفذ رفح».

مشيعون يُصلّون على أشخاص قتلوا في غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

بلينكن والحراك المكثف

ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن «اجتماع روما» سيكون بمشاركة مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومدير الموساد، ديفيد بارنياع.

تلك التطورات تشي بـ«حراك مكثف» في طريق المفاوضات قد يؤدي إلى نتيجة، أو يعود إلى سلسلة جديدة من الجولات من دون الوصول لاتفاق، وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وفق ما قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط».

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، السبت، خلال اجتماع رابطة «آسيان» في فينتيان، إن واشنطن «تعمل يومياً بشكل حثيث» للوصول إلى اتفاق هدنة، بعد مطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لواشنطن، تنفيذ الاتفاق في أقرب وقت ممكن ووقف الحرب، وذلك قبيل الإعلان عن عقد اجتماع بروما.

شكوك في النجاح

وإزاء توالي المواقف الأميركية الضاغطة بشكل أكبر، سواء من بايدن أو هاريس ثم اجتماع روما، يأمل الكثيرون أن يقود هذا الزخم الكبير، إلى اتفاق هدنة جديدة، شريطة أن تكون هناك رغبة إسرائيلية حقيقة في التوصل إلى اتفاق، وفق الخبير في العلاقات الدولية عمرو الشوبكي.

ولا يُتوقع أن يتضمن اجتماع روما «مفاوضات مفصلة حول الفجوات المتبقية، لكنه سيركز بشكل أساسي على الاستراتيجية للمضي قدمًا»، وفقاً لما نقله موقع «أكسيوس» عن مصدر مطلع. وقال المصدر «لم يكن المفاوضون الإسرائيليون متفائلين بأن الاجتماع في روما سيؤدي إلى انفراجة، وشككوا في أن ضغوط بايدن على نتنياهو قد أقنعته بتخفيف بعض مطالبه الصعبة الجديدة في الاقتراح الإسرائيلي المحدث»، في إشارة لما ذكره، الجمعة، مسؤول غربي ومصدر فلسطيني ومصدران مصريان لـ«رويترز» عن سعي إسرائيل إلى «إدخال تعديلات قد تعقّد التوصل إلى اتفاق».

وكانت أهم التعديلات، وفق حديث المصادر الأربعة، بند يتمثل في «مطالبة إسرائيلية بفحص النازحين الفلسطينيين لدى عودتهم إلى شمال القطاع، خشية أن يكون من بينهم مسلحون من حماس أو متعاطفون مع الحركة»، وهو ما ترفضه حماس. وبند آخر تمثل في «احتفاظ الجانب الإسرائيلي بالسيطرة على حدود غزة مع مصر»، وهو ما ترفضه القاهرة بوصفه «يتجاوز أي إطار لاتفاق نهائي ترضى به الأطراف».

فلسطينيون يجلسون بجوار مبنى دمره القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في وقت سابق (أ.ب)

الانسحاب الكامل من غزة

ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن مصدر قيادي فلسطيني لم تسمه، السبت، أن «حماس» لا تزال على موقفها بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، بما فيه ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا، وعدم قبول أي صيغة جديدة لا تتضمن نصاً واضحاً على وقف إطلاق النار.

وإذا لم يتجاوز اجتماع روما عقبات الحكومة الإسرائيلية وشروطها الجديدة، فإن عملية تفاوض ستكون صعبة جداً، وفق تقدير رخا أحمد حسن، متوقعاً ألا يتجاوب نتنياهو مع الموقف المصري - الذي سيضع مطالب القاهرة الـ4 على الطاولة في اجتماع روما - أملاً في إطالة أمد التفاوض لما بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية، رغم أن إسرائيل حققت قدراً من أهدافها العسكرية، لكنها تريد المزيد على صعيد الجانب السياسي.

كما يتوقع أن يبحث اجتماع روما نقاط الخلاف في الاتفاق، مثل الانسحاب الإسرائيلي من داخل المدن، واستمرار إسرائيل في السيطرة على معبر رفح وتفتيش النازحين، ودور «حماس» بعد الحرب، بجانب نقاط فرعية مثل أعداد الأسرى.

نصب فلسطينيون خيماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة في غزة (د.ب.أ)

ويعتقد عمرو الشوبكي أن «المطالب المصرية سوف تنفذ حال الوصول إلى اتفاق، كونها بعضا من كل، ودون ذلك سيماطل نتنياهو ويواصل كسب الوقت». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن هذه المرة الزخم كبير» نحو إقرار هدنة في غزة، وبالتالي فرصة إبرام اتفاق وتحقيق انفراجة قائمة، لكن «نتعامل معها بحذر» في ضوء تكرر تلك المؤشرات مع مسارات تفاوضية سابقة دون الوصول إلى صفقة جادة وحقيقية.