زيارة بوغدانوف إلى بورتسودان تخلط أوراق موسكو وكييف في السودان

روسيا عينها على البحر الأحمر... وأوكرانيا تلاحق نفوذها الأفريقي

الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)
الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)
TT

زيارة بوغدانوف إلى بورتسودان تخلط أوراق موسكو وكييف في السودان

الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)
الفريق البرهان مستقبلاً المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف في بورتسودان الأحد الماضي (سونا)

أعادت زيارة المبعوث الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إلى بورتسودان، السبت الماضي، خلط الأوراق على الساحة السودانية، خاصة بعد تصريحاته المؤيدة لمجلس السيادة السوداني الذي يرأسه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وإعلانه أن زيارته قد تؤدي إلى زيادة التعاون في عدد من المجالات. فالجيش السوداني المدعوم أيضاً من أوكرانيا، بات يحظى بدعم الدولتين المتحاربتين، روسيا وأوكرانيا، في تناقض مصالح مدهش.

وزار بوغدانوف بورتسودان ليومين متتاليين، التقى خلالهما معظم المسؤولين السودانيين، بمن فيهم رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ونائبيه في الجيش، الفريق شمس الدين كباشي والمجلس السيادي، مالك عقار، ووزير الخارجية، فضلاً عن شخصيات اجتماعية وبعثات دبلوماسية عربية، حيث دارت مباحثاته معهم حول العلاقات بين البلدين في ظل الحرب.

اعتراف بشرعية «مجلس السيادة»

واقتصرت تصريحات بوغدانوف على القول إن بلاده «تعترف» بشرعية مجلس السيادة وتدعم الحكومة، وإن زيارته جاءت «للتعبير عن الموقف الرافض للتدخلات الأجنبية وتحكم القوى الغربية بمصائر الشعوب». ونقلت عنه وزارة الخارجية السودانية تعهده للبرهان بأن تكون لزيارته «ما بعدها»، ومساندة موسكو للسودان في المحافل الدولية، وتطوير الشراكة السودانية الروسية إلى شراكة استراتيجية.

الخارجية الروسية أكدت من جانبها، أن موسكو تولي اهتماماً كبيراً لتطوير العلاقات مع السودان في كل المجالات، وشددت على ضرورة التوصل إلى تسوية للأزمة العسكرية عبر الحوار بين السودانيين، ومن دون تدخل خارجي.

ورأت وسائل إعلام أن زيارة نائب الوزير الروسي إلى بورتسودان واللقاءات التي أجراها مع المسؤولين السودانيين هدفت إلى إعادة ترتيب العلاقات التي شابها نوع من الغموض على خلفية تقارير حول الدعم الروسي لأحد طرفي الصراع القائم في السودان، وكذلك ما يتعلق بالدور الذي قامت به مجموعات «فاغنر» في هذا البلد.

الفريق البرهان لدى لقائه الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف في بورتسودان (سونا)

ونقلت وسائل إعلام تفاصيل حول مجريات الزيارة، ورأى معلقون أن زيارة بوغدانوف عكست محاولة لاستعادة النفوذ الروسي في السودان من خلال عرض المزيد من التعاون مع السلطات الشرعية.

ووفقاً لتحليلات، فقد عكست تصريحات بوغدانوف، مسعى من جانب موسكو لتبديد الالتباس في العلاقة مع السودان، على خلفية تقارير حول تقديم موسكو دعماً عسكرياً إلى قوات الدعم السريع، الذي زار موسكو في وقت سابق. كما أشارت تقارير، إلى أن نشاط مجموعة «فاغنر» في السودان، وخصوصاً في قطاع تعدين الذهب كان عنصر توتر في وقت سابق.

يشار إلى أن هناك حالة من عدم اليقين إزاء مواقف روسيا في السودان، بسبب علاقاتها مع قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، الذي زار موسكو عشية الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.

ومعروف بشكل واسع أن مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة، تدعم «قوات الدعم السريع»، ومتورطة في تعدين الذهب بشكل غير قانوني في السودان، حسب تصريحات لدبلوماسيين غربيين في الخرطوم. وقالت «فاغنر» العام الماضي إنها لم تعد تعمل في السودان.

وبدأت روسيا تسليم وقود الديزل إلى السودان هذا الشهر، وفقاً لبيانات مجموعة بورصات لندن.

سر الغزل الروسي

وكانت موسكو قد أبدت اهتماماً بقاعدة بحرية على ساحل السودان على البحر الأحمر. ورست سفن حربية روسية في بورتسودان في فبراير (شباط) 2021، وشرعت الفرقاطة الروسية «أدميرال غريغورفيتش» في إنزال معدات لإقامة منشأة عسكرية في قاعدة «فلامنغو» البحرية السودانية شمال بورتسودان، كما رست المدمرة الأميركية «يو إس إس ونستون تشرشل»، في بورتسودان في توقيت قريب من وصول الفرقاطة الروسية.

ونتيجة للتوتر الذي صاحب عملية «فلامنغو»، أبلغت الحكومة السودانية قائد القوة الروسية أنها علقت الاتفاق الذي تم في عام 2017 بين الرئيس السابق عمر البشير، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بشأن القاعدة العسكرية، لحين مصادقة البرلمان المنتخب عليها، فانسحبت القوة الروسية، لكن موسكو ما تزال متمسكة بالاتفاقية من جهتها.

الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الخرطوم فبراير 2023 (أ.ف.ب)

وفي مواصلة «الغزل الروسي»، أعلن بوغدانوف دعمه للجيش السوداني، في الوقت الذي تدعم فيه مجموعة «فاغنر» الروسية قوات «الدعم السريع» قبل مقتل زعيمها يفغيني بريغوجين.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن قوات خاصة أوكرانية تقاتل مع الجيش ضد «الدعم السريع»، استجابة لطلب وجههه البرهان إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي لمساعدته في حربه مع «الدعم السريع».

وذكرت الصحيفة أن الدافع الفعلي لقتال القوات الأوكرانية إلى جانب الجيش، هو استهداف مصالح روسيا في السودان، لذلك أرسلت 100 من قواتها الخاصة لاستهداف «فاغنر» في الخرطوم، شاركت في القتال وساعدت على إخراج البرهان من حصار فرضته «قوات الدعم السريع» على القيادة العامة، كما ساهمت لاحقاً في استرداد مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون في أم درمان.

طمع روسي في البحر الأحمر

وإزاء تنافس الدولتين المتحاربتين، فإن المحللين يذهبون إلى أنهما نقلتا حربهما إلى السودان بالفعل. إذ إن «فاغنر» ما تزال متهمة بمساندة «الدعم السريع»، وأوكرانيا متهمة بدعم الجيش.

لكن تصريحات بوغدانوف أربكت المشهد. فموسكو الرسمية أعلنت دعمها للجيش، بينما ظلت مجموعة «فاغنر» مع «الدعم السريع»، مع أنها صارت من أدوات الجيش الروسي بعد مقتل زعيمها.

يقول المحامي والمحلل السياسي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن إشهار روسيا دعمها للجيش السوداني ينطلق من طمعها في البحر الأحمر، وإنفاذ وعد الرئيس السابق عمر البشير، ومن خلفه الإسلاميون السودانيون، مرجحاً وجود تفاهمات بين الإسلاميين والروس.

ويشير إلياس إلى التقارب الآيديولوجي بين الإسلاميين السودانيين وإيران، الذي يجعلهم يتوجهون نحو حلف «إيران روسيا»، وينظرون إليه من خلال مصالحهم المشتركة في الدعم مقابل النفوذ في البحر الأحمر. ويتابع: «يبدو أنهم يريدون تنفيذ وعدهم للحليفين الروسي والإيراني الذي أُبرم في عهد البشير، بقواعد عسكرية على البحر الأحمر».

خشية من قاعدة روسية

ويصف الصحافي المتخصص في الشؤون الدولية، الفاتح وديدي، تصريحات بوغدانوف بأنها إشارات روسية بتوفير الدعم للجيش مقابل قاعدة بحرية على الساحل السوداني. ويقول: «لقاءات بوغدانوف لها أهمية خاصة لموسكو، لأنها تبدي اهتماماً بإنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر».

ووفقاً لوديدي، تقوم السياسات السودانية بشأن الوجود الدولي على البحر الأحمر على «مناورة» مع موسكو. فهي لا ترفض الوجود الروسي من حيث المبدأ، لكنها لا تستطيع قبوله ضمن التقاطعات الحالية، فتلجأ لتأجيله والإبقاء على العلاقة بحجة أن قيام قاعدة روسية في البحر الأحمر يتطلب مصادقة «برلمان منتخب». ويتابع: «السياسات السودانية، برغم المغانم التي قد تحصل عليها، لكنها في الوقت ذاته تخشى خطورة وعواقب الأمر».

ويرى وديدي أن «جيوسياسات السودان» وارتباطاتها بالأمن الإقليمي والدولي ما زالت تحمل وصمة نظام الإسلاميين. ويقول: «المجلس العسكري، لا يزال يستلهم الكاتالوغ القديم ودفاتر الرئيس السابق عمر البشير، الذي كان يجيد لعبة الرقص على كل الحبال».

لقاء البرهان وزيلينسكي في مطار «شانون» الآيرلندي 23 سبتمبر (أ.ف.ب)

ويرى وديدي أن تصريحات بوغدانوف في بورتسودان امتداد لـ«غزل سياسي روسي» ابتدأه بوتين في العقد الأخير، ضمن بحثه عن شراكة تفتح له مجاهل أفريقيا، وتضخ دماء جديدة في شرايين اقتصاد بلاده، مقابل الوعد بغطاء دبلوماسي للدول الأفريقية في المحافل الأممية.

ويشير إلى القمم الأفريقية الروسية العديدة التي نظمتها روسيا بوصفها شريكاً تجارياً، بقوله: «موسكو تغازل القادة الأفارقة بحمايتهم من التدخلات في شؤون دول ذات سيادة»، ويتابع: «شراكات روسيا الأفريقية تواجه انتقادات غربية مباشرة، بجانب إضرارها بمواطني البلدان المعنية، ويعدُّها الغرب شراكات فوقية عبَّد الطريق لها (طباخ بوتين) زعيم (فاغنر) السابق».

الشراكات الروسية في أفريقيا

ويقطع وديدي بأن الشراكات الروسية الأفريقية أضرت بأمن واقتصاديات بلدان العالم الثالث، وجرفت مواردها، سيما المعادن والذهب، وفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان وتفشي الفساد وتآكل دمقرطة تلك المجتمعات.

ويرى وديدي أن السودان تحول لشريك لروسيا في مواجهة عزلتها، وإنه صوت وحيداً من بين 17 دولة أفريقية ضد قرار أممي يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ومقابله حصل على دعم سياسي كبير من الكرملين، خاصة في معركة خروج بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) وطرد رئيسها فولكر بيرتيس.

وحسب وديدي، فإن أوكرانيا تنطلق في مساندتها للجيش السوداني من تكتيكات حربها ضد المرتزقة الروس، مستخدمة تكتيك «عمليات الذراع الطويلة»، في مطاردة المصالح الروسية الأفريقية، لذلك استجابت لطلب البرهان من زيلينسكي، فهدفها الرئيسي محاربة الجماعات الممولة روسياً.

ويقول محلل سياسي، طلب عدم كشف اسمه: «هذه أغرب زيارة يقوم بها مسؤول أجنبي، فهو التقى بعدد من القادة السودانيين كل على حدة، كأنه يعلم أن هناك رؤى متصارعة بينهم، وإن ما أخفي من الزيارة أكثر بكثير من المعلن».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شن الجيش السوداني، الأربعاء، هجوماً برياً كبيراً من عدة محاور على أطراف ولاية الجزيرة وسط البلاد، استعاد على أثرها، السيطرة على عدد من البلدات والقرى

محمد أمين ياسين (نيروبي)
الولايات المتحدة​ السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (أ.ف.ب)

أميركا تتهم روسيا بتمويل طرفَي الحرب في السودان

اتهمت الولايات المتحدة، روسيا، بتمويل الطرفين المتحاربين في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

تفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في أسواق سودانية، فيما تبرَّأت المفوضية الإنسانية التابعة للحكومة من المسؤولية عن تسريبها.

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)
المشرق العربي الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة

قالت الأمم المتحدة الاثنين إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهرا من الحرب المدمرة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
العالم العربي مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

10 قتلى في غارة جنوب الخرطوم

أفاد مُسعفون متطوعون أن عشرة مدنيين سودانيين قُتلوا، وأصيب أكثر من 30، في غارة جوية جنوب الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))

السودان يرحب بالعقوبات ضد حميدتي ويطالب بموقف دولي موحد

قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
TT

السودان يرحب بالعقوبات ضد حميدتي ويطالب بموقف دولي موحد

قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

رحبت الحكومة السودانية بقرار إدارة الرئيس الأميركي جورج بادين (المنتهية ولايته) الذي فرضت بموجبه عقوبات على قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وعدد من الشركات التابعة له، وحثت بقية دول العالم على اتخاذ خطوات مماثلة، واتخاذ موقف موحد وصارم من قبل الأسرة الدولية ضد ما سمته «المجموعة الإرهابية» لإجبارها على وقف الحرب.

لكن «قوات الدعم السريع»، عدت القرار امتداداً لما سمته فشل سياسة إدارة الرئيس المنتهية ولايته، الشرق أوسطية، وقالت إنه «بلا قيمة»، اتبع فيه معايير «مزدوجة» لدعم التيار الإسلامي الرافض لوقف الحرب، وعدّته أيضاً أنه «تعميق للأزمة»، وتوعدت بالاستمرار فيما أطلقت عليه «اقتلاع دولة الظلم والطغيان».

ورحب مساعد القائد العام الفريق أول، ياسر العطا، بالقرار الأميركي، وقال في تصريحات، إنه يدعم جهود السودان في تعزيز الأمن وسيادة القانون، واعترافاً من واشنطن بأن هدف قوات «الدعم السريع» هو السيطرة على السودان بالقوة.

الفريق ياسر العطا (وكالة السودان للأنباء)

وأعلنت وزارة الخارجية السودانية في بيان صحافي، الأربعاء، حصلت عليه «الشرق الأوسط»، اتفاقها على ما مع جاء في القرار الأميركي، وأن «حميدتي مسؤول عن فظائع ممنهجة ضد الشعب السوداني، تتضمن اغتصابات جماعية»، وأن الرجل يوظف «واجهات تجارية» في دول إقليمية لتمويل حربه ضد السودان. ودعت الخارجية، الأسرة الدولية لاتخاذ خطوات مماثلة ضد «قيادة الميليشيا ورعاتها»، وتبني موقف «موحد وصارم» في مواجهة «الجماعة الإرهابية، وإجبارها على وقف حربها ضد الشعب السوداني ودولته ومؤسساته الوطنية».

«الدعم»: مكافأة لدعاة الحرب

‏وانتقدت «قوات الدعم السريع» القرار الأميركي وعدّته «مؤسفاً ومجحفاً»، ومكافأة للطرف الآخر (القوات المسلحة السودانية). وقالت في بيان على منصة «تلغرام» إن القرارات التي صدرت من إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها، سياسية «محضة» تم اتخاذها دون تحقيق دقيق ومستقل حول الطرف المتسبب في اندلاع هذه الحرب «الكارثية». وأضافت: «لقد تم إشعال هذه الحرب من قيادة القوات المسلحة السودانية والإسلاميين، والأدلة التي تثبت ذلك متاحة للجميع».

«قوات الدعم السريع» متهمة بقصف مخيم زمزم بدارفور وارتكاب مجازر في الجنينة (مواقع سودانية)

وأشارت إلى قرار الخارجية الأميركية بخصوص ارتكاب «قوات الدعم السريع» إبادة جماعية في السودان، وقال إنه قرار «جانبه الصواب، لم يذكر على وجه التحديد المجموعة التي ارتكبت ضدها الإبادة الجماعية، ولا مكان وقوعها». وذكر البيان أن «جريمة الإبادة الجماعية خطيرة ولا ينبغي للإدارة الاميركية أن تتعامل معها بهذا المستوى من التعميم، الذي يؤكد أن القرار تم اتخاذه لاعتبارات سياسية لا علاقة لها بالأسس القانونية المتعلقة بالإبادة الجماعية من حيث التعريف والإثبات». ووصفت «الدعم السريع» القرارات بأنها انتقائية، لن تساعد في تحقيق التوصل إلى حل سياسي. كما «تجاهل القرار الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية على نطاق واسع بالقصف الجوي، الذي أودى بحياة أكثر من 4 آلاف مدني» حسب بيان «الدعم السريع». وأشار البيان إلى أن «العقوبات الأميركية وضعت العربة أمام الحصان، وتمثل مكافأة للطرف الرافض لإيقاف الحرب، ومعاقبة دعاة الوحدة والسلام».

فشل إدارة بايدن

من جهته، وصف مستشار «حميدتي»، الباشا طبيق، على صفحته بمنصة (إكس) القرار الأميركي بأنه تعبير عن فشل إدارة الرئيس جو بايدن في التعاطي مع الأزمة السودانية، أسوة بفشلها في كثير من ملفات الشرق الأوسط.

وعدّ القرار امتداداً لنهج «ازدواجية» المعايير الذي دأبت إدارة الرئيس المنتهية ولايته على اتباعه، بالاستجابة لـ«لوبيات الضغط» المعلومة، وطرائق تعاملها مع مثل هذه الملفات. وأبدى طبيق أسفه على القرار، وعدّه «دفعة معنوية» للحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي، وتشجيعاً لها على «الاستمرار في إبادة الشعب السوداني، وارتكاب مزيد من الجرائم الشنيعة ضد المدنيين، ومواصلة الطيران الحربي للمزيد من قتل النساء والأطفال».

وعدّ طبيق القرار دعماً لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لتكوين المزيد مما سماها «الميليشيات الإرهابية والقبلية لإطالة أمد الحرب»، ووصفه بأنه «ليست له قيمة ولن يؤثر على الوضع الراهن، بل قد يعقد الأزمة والتوصل لمفاوضات جادة». وقطع طبيق بأن القرار لن يثني الدعم السريع عن الاستمرار في «اقتلاع دولة الظلم والطغيان، وإنهاء الهيمنة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وبناء الدولة الجديدة على أسس المواطنة والعدالة والمساواة».

دورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (رويترز)

من جهة أخرى، قلل دبلوماسي سوداني طلب حجب اسمه، من تأثير القرار، وبأنه لن يحدث أثراً كبيراً بعدّه أحادياً ولم يصدر عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، وأنه غير ملزم لدول العالم. ونوه إلى أن الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب، ستنشغل بالقضايا الداخلية وليس السودان من أولوياتها، وأن ملف التنفيذ سينتظر الإعلان عن السياسة الخارجية للرئيس ترمب.

وقال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن، وهي هيئة حقوقية طوعية لـ«الشرق الأوسط»، إن العقوبات كانت متوقعة، استناداً إلى «الممارسات الجسيمة» التي ترتكب في مناطق سيطرة الدعم السريع. وتابع: «هي رسالة لقائد القوات وحلفائه».

وتوقع المحامي حسن، أن تحدث العقوبات تغييرات كبيرة في المشهد السياسي، تتأثر بها على وجه الخصوص المجموعة التي تستعد لإعلان «حكومة منفى»، وأضاف: «ستجد نفسها في أوضاع لا تحسد عليها، وأن تقديراتها كانت متعجلة، ولم تُبنَ على قراءة ناضجة»، وذلك في إشارة إلى مباحثات تجري بين «الدعم السريع» والجبهة الثورية ومدنيين منتمين لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» لتشكيل حكومة تنتزع الشرعية من الحكومة التي يترأسها قائد الجيش.

قائمة العقوبات تضم كرتي

وفرضت الإدارة الأميركية، أمس، عقوبات على قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وسبع شركات توفر المعدات العسكرية والتمويل لقواته في ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، في أثناء الصراع المسلح مع الجيش السوداني.

علي كرتي الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان (غيتي)

وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إن «الدعم السريع»، ارتكبت «إبادة جماعية في دارفور، وتورطت في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، وقامت بعمليات القتل بدوافع عرقية، وارتكبت أعمال العنف الجنسي كسلاح حرب»، وإن حميدتي بصفته المسؤول عن هذه القوات يتحمل المسؤولية عن الأفعال البغيضة وغير القانونية.

ولا تعد هذه العقوبات الأولى ضد شخصيات ومسؤولين سودانيين، فقد أصدرت وزارة الخزانة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عقوبات على مسؤولين سابقين؛ هم «مدير مكتب البشير السابق طه عثمان أحمد الحسين، ومدير جهاز الأمن السابق صلاح عبد الله (قوش)، ومديره الأسبق صلاح محمد عطا المولى»، لدورهم في تقويض الأمن والسلام.

وشملت العقوبات الأميركية الأمين العام للحركة الإسلامية، علي أحمد كرتي، وقائد منظومة الصناعات الدفاعية، ميرغني إدريس، وقائد عمليات «قوات الدعم السريع» (عثمان عمليات)، والقائد الميداني بـ«الدعم السريع»، علي يعقوب، الذي قتل في معارك مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور قبل عدة أشهر.