تدرس إسرائيل واحداً من خيارين؛ الهجوم الواسع على رفح في أقصى جنوب قطاع غزة؛ لزيادة الضغط على حركة «حماس» من أجل قبول صفقة تبادل، وهو أمر يحمل مجازفتين؛ الأولى: توتر أكبر مع الولايات المتحدة ومصر وباقي العالم، والثانية ألا تستجيب «حماس» لمثل هذا الضغط أصلاً. أما الخيار الثاني فهو دفع مفاوضات جديدة مع «حماس» قبل اجتياح رفح؛ استجابةً لتدخل مصري كبير، وهو سيناريو يلبي توجهاً إسرائيلياً بالاعتماد أكثر على مصر، أو بشكل أدق على مصر فقط.
وفيما تفاضل إسرائيل بين اجتياح رفح وعقد صفقة تعيد لها جميع المحتجزين، قدمت مصر مبادرة لكبح التوجه الأول والدفع بالثاني. وقالت هيئة البث الإسرائيلية «كان» إن وزراء الحكومة المصغرة «الكابينت» بدأوا فعلاً بصياغة خطوط عريضة يفترض أن تشكل الأٍساس لمفاوضات جديدة مع «حماس».
مصر تدفع المفاوضات
وقال مصدران مطلعان على سير المفاوضات إن الوزراء تلقوا تحديثات حول مناقشات رئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيس «الشاباك» رونان بار مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل في القاهرة، الأربعاء. وأضاف مصدر إسرائيلي أن «مصر تعمل على دفع المفاوضات قدماً؛ لاعتقادها أن بإمكان ذلك التأثير على التحركات الإسرائيلية في رفح».
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية وعربية أن مصر قدمت مبادرة لهاليفي وبار تقوم على تجميد اجتياح مدينة رفح مقابل تحريك المفاوضات من جديد بهدف التوصل إلى صفقة تبادل رهائن. وشملت المبادرة دفع اتفاق جديد على قاعدة اتفاق باريس.
وجاء التدخل المصري الذي يسابق اجتياحاً محتملاً لرفح، في وقت أبدت فيه حركة «حماس» استعدادها لوقف نار طويل. وتطرح «حماس» اتفاقاً شاملاً لوقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية تؤدي لإقامة دولة فلسطينية، متعهدة أن تُلقي سلاحها بعد ذلك. وقال خليل الحية، نائب رئيس حركة «حماس» في غزة، إن الحركة مستعدة للموافقة على هدنة لمدة خمس سنوات أو أكثر، والتخلي عن أسلحتها والتحول إلى حزب سياسي إذا أقيمت دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967.
«حل كتائب القسام»
وأضاف الحية، خلال مقابلة له مع وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء أن «حماس» ستقبل بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة في الضفة الغربية وغزة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرارات الدولية على حدود عام 1967، مؤكداً «إذا حدث ذلك، فسيتم حل الجناح العسكري للحركة، وهو كتائب القسام».
وشدد الحية على أن حركة «حماس» تريد الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي ترأسها حركة «فتح» لتشكيل حكومة موحدة لغزة والضفة الغربية. أما فيما يتعلق بخطط إسرائيل لاجتياح مدينة رفح، فقال الحية إن مثل هذا الهجوم لن ينجح في تدمير الحركة، مضيفاً أن جيش الاحتلال لم يدمر أكثر من 20 في المائة من قدرات «حماس». وتحدث الحية عن استعداد حركته لمواصلة مفاوضات التبادل، وقال إنهم قدموا تنازلات بشأن عدد الأسرى الذين نطالب بإطلاق سراحهم مقابل الرهائن الإسرائيليين المتبقين.
وأكد مسؤول أميركي لموقع «أكسيوس» الأميركي أن هناك إشارات من «حماس» في الأيام الأخيرة إلى أنها لا تعتزم تأجيل صفقة التبادل، وأنها مستعدة للجلوس إلى المفاوضات فوراً. ورجح المسؤول المضي قدماً في صفقة التبادل. وتخشى إسرائيل من أن الولايات المتحدة قد تذهب في مرحلة ما إلى إنشاء مسار خاص بها لإطلاق سراح الأميركيين فقط، إذا وصلت إلى قناعة أنه لا يمكن إتمام صفقة.
ضغط على إسرائيل
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث مع أفيجيل عيدان، البالغة من العمر 4 سنوات، التي اختطفت إلى غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول). وقال: «لدينا المزيد من الأميركيين والآخرين في أيدي (حماس)، ونحن ملزمون بالعمل كل يوم لاستعادتهم». وعلى ضوء التطورات، عقد «كابينت» الحرب اجتماعاً يوم الخميس من أجل بحث عملية رفح والمفاوضات المحتملة مع «حماس».
وشكل الاقتراح المصري ضغطاً مضاعفاً على إسرائيل بسبب أنها تتجه إلى الاعتماد كلياً على مصر. وقال موقع «واي نت» الإسرائيلي إنه على ضوء الموقف من قطر، قررت إسرائيل أن ينتقل الثقل كله إلى مصر. لكن الاعتماد الإسرائيلي على مصر محل شك إذا اجتاحت إسرائيل مدينة رفح فعلاً. وتقول إسرائيل إنها مضطرة لاجتياح رفح لسببين؛ الأول تدمير كتائب «حماس» هناك، والثاني إنجاز صفقة التبادل.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن عملية عسكرية في رفح ضرورية؛ لأنها بشكل أساسي ستقود، من بين أشياء أخرى، إلى ضغط عسكري كبير على «حماس» كي توافق على اتفاق. وكان هاليفي وبار تعهدا في مصر بأن عملية عسكرية إسرائيلية في رفح لن تؤدي إلى تدفق السكان من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية. لكن رغم ذلك، ترفض مصر بشدة العملية.
وفيما لم يعط السياسيون في إسرائيل «الضوء الأخضر» للجيش للبدء في إخلاء النازحين استعداداً لعملية رفح، وهي عملية إذا ما بدأت ستحتاج إلى نحو 3 أو 4 أسابيع، لكنه يستعد على الأقل لإنشاء غرفة عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة من أجل هذه العملية. وتعارض الولايات المتحدة العملية، فيما قال مصدر أمني إسرائيلي: «نحن نتفهم القلق، ولكننا لن نتمكن من استكمال العملية دون الدخول إلى رفح، وهو أمر يمكن أن يسهم في تحول في المفاوضات المتعلقة بالمخطوفين».