«ديور» في نيويورك... تتوخى السلامة والبساطة

في تشكيلة الـ«بري فول» تعتمد المصممة ماريا غراتزيا كيوري على وصفتها التجارية الناجحة

اعتمدت المصممة على الأسلوب العملي والمريح الذي يفرضه إيقاع نيويورك السريع (أ.ب)
اعتمدت المصممة على الأسلوب العملي والمريح الذي يفرضه إيقاع نيويورك السريع (أ.ب)
TT

«ديور» في نيويورك... تتوخى السلامة والبساطة

اعتمدت المصممة على الأسلوب العملي والمريح الذي يفرضه إيقاع نيويورك السريع (أ.ب)
اعتمدت المصممة على الأسلوب العملي والمريح الذي يفرضه إيقاع نيويورك السريع (أ.ب)

«ديور» لا تتوقف عن السفر والبحث عن مصادر إلهام جديدة. ضربت لنا موعداً قريباً في أسكوتلندا لتقديم تشكيلتها من خط الـ«كروز» لعام 2025، ومنذ أسابيع قليلة قدمت تشكيلة من خط الـ«بري فول» في نيويورك. تتغير الوجهات، ولا تتغير فلسفة مديرتها الإبداعية ماريا غراتزيا كيوري. منذ دخولها الدار الفرنسية في عام 2016 بوصفها أول امرأة تقوم فيها بهذه المهمة منذ رحيل المؤسس في عام 1957، وهي ترى أن رفع الشعارات النسوية مهمتها ومسؤوليتها.

إلى الآن نجحت تصاميمها في بيع هذه الشعارات التي تكتبها أحياناً بالبنط العريض في تصاميمها. ماريا غراتزيا تحقق مبيعات تُثلج صدر المجموعة المالكة لـ«ديور» وهي «إل في آم آش»، فأرباحها تضاعفت 3 مرات في عهدها، وذلك بفضل وصفة نجحت تجارياً في استقطاب امرأة تريد أزياء أنيقة لكل المناسبات أكثر مما تتطلع لتصاميم مبتكرة أو فنية.

التشكيلة التي قدمتها في نيويورك تُلخص فلسفتها، أو بالأحرى وصفتها. اعتمدت فيها على خطوط خالية من أي «فذلكات» إبداعية بالنسبة للبعض، ومكررة بالنسبة للبعض الآخر. لم يغب فيها الجانب النسوي «مجازياً»، بينما اقتصر الجديد على رموز أميركية، مثل الدينم وكتابة اسم نيويورك على بعض القطع، أو رسم تمثال الحرية الذي قدمته فرنسا هدية لأميركا في عام 1886 هدية لتوثيق أواصر الصداقة بين البلدين على «تي - شيرتات» وما شابه ذلك. تشعر بأن أسلوب المؤسس كريستيان ديور، الذي تملّك قلوب الأميركيات في عام 1947 خفّ كثيراً.

عوض رسم الخصر أو نحته استعملت المصممة أحزمة لتحديده (أ.ب)

كان أسلوبه في منتصف القرن الماضي ثورياً. تتبع تضاريس الجسد، وأضفى عليه أنوثة عارمة تتمثل في خصر محدد يزيد انسدال التنورات واستداراتها السخية من نحوله. كان هذا الأسلوب، بكل دراميته، حركة نسوية بحد ذاتها، حرّر به المصمم المرأة من تقشف الأزياء التي فرضتها الحرب العالمية، من الأقمشة الخشنة إلى الخطوط الرجالية العملية التي أخفت معالم جسدها، وكادت أن تفقدها إحساسها بأنها امرأة. ما يُعطي ثورته زخمها إلى الآن، عدم انتقاصها من قوة المرأة. كان مُبدعاً لأنه لم يعتمد على إثارة حسية تلعب على المفاتن. لعب في المقابل على رؤية فنية بعيدة المدى، لا تزال تقطع الطريق على أعتى المناصرين لحركات مثل الـ «مي - تو» رغم مرور أكثر من 70 عاماً عليها.

استلهمت المصممة كثيراً من مارلين ديتريش حسب قولها لكنها لم تتخفف من أسلوبها المعهود (أ.ف.ب)

ماريا غراتزيا، وفي محاولة لمواكبة تطورات العصر وتغيراته الثقافية، ابتعدت عن الخصر قدر الإمكان. عوض رسمه أو نحته، استعملت الأحزمة في كثير من الإطلالات. القاسم المشترك كان أسلوباً يخاطب الجنسين، برَّرته بأنه مستلهم من النجمة الشهيرة مارلين ديتريش، التي كانت تربطها بالمؤسس كريستيان علاقة صداقة قوية، وصلت إلى حد أنها فرضته على المخرج ألفريد هيتشكوك فرضاً في فيلم «رهبة المسرح» Stage Fright. هدّدته أنها لن تُوقِع عقد العمل معه في الفيلم إذا لم يصمم ديور أزياءها فيه. لم يكن أمام مخرج أفلام الرُّعب سوى الإذعان لشرطها. وبدوره لم يبخل كريستيان ديور عليها بلمساته الإبداعية، لأنه كان يفهم شخصيتها؛ فالمعروف عن ديتريش ميلها الواضح للتايورات المكونة من بنطلونات وجاكيتات، رغم أنها كانت تتألق في فساتين السهرة البسيطة والتنورات المستقيمة والضيِّقة، لما كانت تتمتع به من رشاقة ومقاييس صبيانية مثالية بالنسبة لأي مصمم.

استلهمت المصممة كثيراً من صورة مارلين ديتريش - بدلاتها وفساتينها (أ.ب)

هذا ما التقطته ماريا غراتزيا. صرّحت في إحدى مقابلاتها أن النجمة «كانت تتمتع بأناقة مبهرة». وأضافت: «كانت واحدة من أوائل النجوم الذين فهموا قوة الأزياء واستعملوها في تحديد هوياتهم». وهكذا جاءت التشكيلة بحثاً في الهوية من خلال التداخل بين الذكوري والأنثوي، حيناً والعملي والأنيق حينا آخر.

ومع ذلك، لا بد من القول إن ما قدمته المصممة في عام 2024 لم يكن ثورياً. تشعر كما لو أنها «تتوخى السلامة»، وتريد الاستمتاع بما حققته من نجاحات تجارية إلى الآن. جاءت راقية وعملية والسبب حسب تعليقها أنها ناتجة عن تصورها لامرأة أميركية تمشي في شوارع نيويورك بحذاء رياضي، تستبدله لدى وصولها إلى وجهتها، وترتدي حذاءً أنيقاً تحمله دائماً في حقيبتها، أو تلبس فستان سهرة مع معطف طويل على أكتافها... صورة رسختها كثير من الأفلام، حسب رأيها.

ماريا غراتزيا تحيي ضيوفها بعد العرض (أ.ف.ب)

رغم تعليقها هذا، فإن الطريف أن التشكيلة خلت تماماً من أي حذاء رياضي، باستثناء ظهورها في نهاية العرض وهي تحيي نحو 800 ضيف بحذاء «سنيكر» أبيض نسقته مع بنطلون واسع وجاكيت فضفاض أسود.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
TT

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع الحالية، وإدخال أخرى تقرأ نبض الشارع وثقافة جيل صاعد يُعوِلون عليه ويريدون كسب ولائه بربط علاقة مستدامة معه.

وهذا تحديداً ما تقوم به بيوت أزياء عالمية حوَلت متاجرها إلى فضاءات ممتعة يمكن للزبون أن يقضي فيها يوماً كاملاً ما بين التسوق وتناول الطعام أو فقط الراحة وتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء في جو مريح لا يشوبه أي تساؤل.

جانب من الحوارات في النسخة الأولى أظهرت تشبث الشباب السعودي بإرثه وموروثاته (هارودز)

محلات «هارودز» ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، أطلقت ما أصبح يُعرف بـ«هارودز هايف». برنامج قائم على حوارات ونقاشات مُلهمة يستهدف احتضان المواهب المحلية الصاعدة ودعمها أينما كانت، وذلك بجمعها مع رواد الترف والمختصين في مجالات إبداعية بشباب صاعد متعطش للمعرفة واختراق العالمية.

كانت التجربة الأولى في شنغهاي، ومنها انتقلت إلى بكين ثم دبي وأخيراً وليس آخراً الرياض.

ففي يناير (كانون الثاني) 2024، وتحت عنوان «الغوص في مفهوم الفخامة»، كانت النسخة الأولى.

الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود في حوار جانبي مع الحضور (هارودز)

نجحت «هارودز» في إظهار مدى حماس شباب المنطقة لمعرفة المزيد عن مفهوم الفخامة الحصرية وطرق مزجها بثقافتهم وإرثهم. ما كان لافتاً في التجربة السعودية تحديداً تمسك الشباب بالتقاليد والتراث رغم انفتاحهم على العالم.

وهذا ما ترجمته الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود، سيّدة الأعمال والناشطة في الأعمال الخيرية التي شاركت في النسخة الأولى بقولها: «لم أُرِد يوماً أن أغيّر أي شيء في تقاليدنا، لأنّنا نملك الكثير من الفنون والإبداع. نحن نعتبر تقاليدنا من المسلّمات، لكن العالم توّاق لما هو جديد –وينبذ الرتابة– فقد ملّ من العلامات التجارية نفسها والتصاميم ذاتها».

سارة مايلر مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» (هارودز)

كان توجه «هارودز هايف» إلى الرياض مسألة بديهية، حسب قول سارة مايلر، مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» في لقاء خاص، «لقد جاء تماشياً مع رؤية المملكة 2030 والطفرة التي تشهدها حالياً... أردنا من خلال البرنامج التركيز على القدرات الثقافية والإبداعية التي تكتنزها هذه المنطقة لا سيما أن لدينا فيها زبائن مهمين تربطنا بهم علاقة سنين».

محلات «هارودز» مثل غيرها من العلامات الكبيرة، ليست مُغيَبة عن الواقع. هي الأخرى بدأت تلمس التغييرات التي يمر بها العالم وتؤثر على صناعة الترف بشكل مباشر.

من بين الاستراتيجيات التي اتخذها العديد من صناع الموضة والترف، كان التوجه إلى جيل «زي» الذي لم يعد يقبل بأي شيء ويناقش كل شيء. الترف بالنسبة له لم يعد يقتصر على استهلاك أزياء وإكسسوارات موسمية. بل أصبح يميل إلى أسلوب حياة قائم على معايير أخلاقية تراعي مفهوم الاستدامة من بين معايير أخرى. الموضة ترجمت هذه المطالب في منتجات مصنوعة بحرفية عالية، تبقى معه طويلاً، إضافة إلى تجارب ممتعة.

معانقة الاستدامة

متجر «هارودز» مثل غيره من العلامات الكبيرة، أعاد تشكيل تجربة التسوق بأن جعلها أكثر متعة وتنوعاً، كما تعزز الاستدامة والتواصل الثقافي. وهذا تحديداً ما تستهدفه مبادرة «ذا هايف» وفق قول سارة «فهذا النهج ليس منصة للحوارات فحسب، بل يتيح لنا التواصل مع الجمهور بشكل أفضل لكي نتمكن من فهمه ومن ثم تلبية احتياجاته وتوقعاته. كما يسمح لنا ببناء علاقة مستدامة مبنية على الاحترام وفهم احتياجات السوق المحلي. وليس هناك أفضل من الإبداع بكل فنونه قدرة على فتح حوار إنساني وثقافي».

إطلاق النسخة الثانية

قريباً وفي الـ11 من هذا الشهر، ستنطلق في الدرعية بالرياض الدورة الثانية تحت عنوان «إلهام الإبداع من خلال التجربات». عنوان واضح في نيته التركيز على القصص الشخصية والجماعية الملهمة. كل من تابع النقاشات التي شاركت فيها باقة من المؤثرين والمؤثرات في العام الماضي سيُدرك بأن فكرته وُلدت حينها. فالتمسك السعودي بالهوية والإرث لم يضاهه سوى ميل فطري للسرد القصصي.

سمة بوظو أكدت في نسخة 2024 أن فنّ رواية القصص جزء من التركيبة السعودية (هارودز)

أمر أوضحته بسمة بوظو، أحد مؤسّسي الأسبوع السعودي للتصميم والتي شاركت في نسخة 2024 بقولها: «بالنسبة لنا كمبدعين، فإن ولعنا بالفنون والحرف التقليدية ينبع من ولعنا بفنّ رواية القصص، لدرجة أنه يُشكّل محور كل أعمالنا». وتتابع مؤكدة: «حتى توفّر التكنولوجيا الحديثة واكتساحها مجالات كثيرة، يُلهمنا للارتقاء بفنّ رواية القصص».

من هذا المنظور، تعد سارة مايلر أن برنامج هذا العام لن يقل حماسًا وإلهاماً عن سابقه، خصوصاً أن الحلقات النقاشية ستستمد نكهة إنسانية من هذه القصص والتجارب الشخصية، بعناوين متنوعة مثل «إلهام الإبداع» و«الرابط»، و«تنمية المجتمع الإبداعي» و«القصص المهمة» وغيرها.