طردت سلطات بوركينا فاسو، ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين قالت إنهم متورطون في «أعمال تخريبية»، وهو ما نفاه الفرنسيون، مؤكدين أن الدبلوماسيين لم يخرجوا عن دائرة عملهم الروتيني.
وتدخل هذه الحادثة في سياق سلسلة من التوترات تطبع علاقات البلدين منذ وصول النقيب إبراهيم تراوري إلى السلطة في بوركينا فاسو عام 2022، وتبنيه خطاباً معادياً للقوة الاستعمارية السابقة. وكتبت وزارة خارجية بوركينا فاسو مذكرة، الثلاثاء الماضي، وبعثت بها إلى السفارة الفرنسية في واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو)، ولكن المذكرة لم تنشر على الفور، وإنما بقيت طي الكتمان حتى اليوم الخميس.
وجاء في المذكرة أن الدبلوماسيين الثلاثة «صنّفوا أشخاصاً غير مرغوب فيهم على أراضي بوركينا فاسو بسبب قيامهم بنشاطات تخريبية»، ثم أضافت الوزارة في المذكرة أنه يطلب من هؤلاء الدبلوماسيين مغادرة أراضي بوركينا فاسو في غضون 48 ساعة، وهو الأجل الذي ينتهي الخميس.
سبب الاستياء
وقالت إذاعة فرنسا الدولية، الممنوعة من البث في بوركينا فاسو بقرار من المجلس العسكري الحاكم، إن الدبلوماسيين الثلاثة «أجروا خلال الأيام الأخيرة أنشطة دبلوماسية كلاسيكية، تضمنت لقاءات مع منظمات من المجتمع المدني، وبعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ورجال الأعمال ورؤساء تنفيذيين لبعض المؤسسات».
وأضافت الإذاعة القريبة من الدولة الفرنسية، أن الدبلوماسيين الثلاثة عقدوا لقاءات أيضاً مع «وسائل إعلام محلية لا تتبنى توجه المجلس العسكري الحاكم نفسه»، قبل أن تتساءل إن كان ذلك هو سبب «استياء» سلطات بوركينا فاسو.
وبخصوص الدبلوماسيين الفرنسيين الذين صنفتهم واغادوغو أشخاصاً غير مرغوب فيهم، فقد أكدت إذاعة فرنسا الدولية أن أحدهم «غادر بوركينا فاسو قبل عدة أيام»، دون أن تعطي أي تفاصيل حول الاثنين الآخرين.
التعليق الفرنسي
وفي أولّ تعليق رسمي فرنسي على الموضوع، عبّرت باريس عن أسفها على قرار واغادوغو طرد الدبلوماسيين الفرنسيين، ونفت بشكل قاطع كل التهم الموجهة لهم.
وجاء على لسان كريستوف لوموان، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أن «قرار السلطات في بوركينا فاسو لا يستند إلى أي أساس مشروع»، وأكد في السياق ذاته أن الاتهامات الموجهة إلى فرنسيين «لا أساس لها من الصحة».
وتدهورت العلاقات بين فرنسا وبوركينا فاسو بشكل كبير منذ وصول إبراهيم تراوري إلى السلطة في سبتمبر (أيلول) 2022 بانقلاب كان الثاني خلال ثمانية أشهر، مع إنهاء البلاد اتفاقاً عسكرياً مع باريس وانسحاب القوات الفرنسية.
وكان لافتاً حينها أن المتظاهرين المؤيدين للانقلاب العسكري توجهوا نحو السفارة الفرنسية، وخربوا أجزاء من مبناها، وأحرقوا العلم الفرنسي، وطالبوا بشكل صريح بقطع العلاقات بفرنسا التي يحمّلونها مسؤولية تغلغل الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو.
ومنذ ذلك الوقت، وقعت أحداث متلاحقة ساهمت في تدهور العلاقات بين البلدين، ولكنها لم تصل بعد إلى درجة قطع العلاقات أو إغلاق السفارات، كما حدث في مالي المجاورة، التي طردت السفير الفرنسي.
توتر متصاعد
في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اعتقلت سلطات بوركينا فاسو 4 موظفين حكوميين فرنسيين، قالت إنهم عملاء استخبارات، ويوجدون منذ ذلك الوقت تحت الإقامة الجبرية في شقة معزولة في العاصمة واغادوغو.
ولكن الجانب الفرنسي يؤكد أن الموظفين المحتجزين في واغادوغو هم مجرد تقنيي حاسوب، جرى اعتقالهم قبل «توجيه التهمة إليهم ثم تمت إحالتهم إلى السجن».
وقبل ذلك في شهر سبتمبر الماضي، طردت سلطات بوركينا فاسو الملحق العسكري في سفارة فرنسا بتهمة ممارسة «أنشطة تخريبية»، وقالت في بيان حينها إن قرار الطرد شمل «الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية إيمانويل باسكييه، والموظفين العاملين معه»، وبررت ذلك بتورطه في «أنشطة تخريبية».
وفي شهر ديسمبر من عام 2022، رحّلت سلطات بوركينا فاسو فرنسيين يعملان في شركة محلية بعدما اشتبهت في أنهما «يتجسسان» لصالح بلدهما.
وبينما يتواصل التضييق على الفرنسيين في بوركينا فاسو، قررت السلطات منع بث جميع وسائل الإعلام الفرنسية في البلاد، بعد أن اتهمتها بنشر أخبار كاذبة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلد.
ويرافق ذلك تقارب شديد مع روسيا؛ حيث عقدت واغادوغو شراكة أمنية وعسكرية قوية مع موسكو، حصلت بموجبها على صفقات سلاح ضخمة لم تعلن تفاصيلها، وأصبح المدربون العسكريون الروس ينشطون بقوة داخل جيش بوركينا فاسو.