واشنطن تحض المتحاربين السودانيين على العودة إلى محادثات جدة

توماس غرينفيلد وبيرييلو يطالبان دولاً منها إيران بوقف إرسال الأسلحة والمسيّرات

المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (صور الأمم المتحدة)
المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (صور الأمم المتحدة)
TT

واشنطن تحض المتحاربين السودانيين على العودة إلى محادثات جدة

المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (صور الأمم المتحدة)
المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (صور الأمم المتحدة)

طالبت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الأطراف السودانية المتحاربة بالعودة إلى طاولة الحوار في جدة، لإيجاد مخرج من الحرب التي بدأت في 15 أبريل (نيسان) 2023، داعية القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى «عكس فوري» لعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، لئلا يضطر مجلس الأمن إلى التدخل. واتهمت «قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، الملقب «حميدتي»، بارتكاب عمليات قتل جماعية وفظائع، في ظلّ مخاوف من تفشي المجاعة والأمراض.

وخلال مؤتمر صحافي بوزارة الخارجية في واشنطن العاصمة عشية ذكرى «مضي عام واحد على الحرب الأهلية المروعة في السودان»، أشارت توماس غرينفيلد، التي تحظى برتبة وزير في حكومة الرئيس جو بايدن، إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو إلى تشاد الأسبوع الماضي، وتفقده مخيم أدريه للاجئين على طول الحدود السودانية، مذكّرة بأنها زارت هذا المخيم في سبتمبر (أيلول) الماضي. وقالت إن «مئات الآلاف من السودانيين، وبينهم 90 بالمائة من النساء والأطفال، لجأوا إلى هذا المخيم خلال الأشهر الماضية». ورأت أنه كان ينبغي الاحتفال بذكرى مضي خمس سنوات على الثورة التي أطاحت حكم الرئيس عمر البشير، وجعلت السودانيين «يتذوقون طعم الحرية والسلام والديمقراطية في الهواء عندما خرجت النساء والشباب إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير»، آسفة لأن «حياة الملايين انقلبت رأساً على عقب وتغيرت إلى الأبد بسبب هذه الحرب». ولفتت إلى أن «نحو 25 مليون سوداني يعيشون اليوم في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، ويواجه ثلاثة أرباعهم انعدام الأمن الغذائي الحاد». وأضافت أن «قرابة ثمانية ملايين شخص اضطروا إلى الفرار من بيوتهم، فيما صار أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم».

سودانيون يتسوقون عشية عيد الفطر في الغضارف (أ.ف.ب)

مجاعة وأمراض

وأشارت المسؤولة الأميركية الرفيعة إلى «تقارير عن حالات اغتصاب جماعي، وقتل جماعي على أيدي ميليشيات (قوات الدعم السريع)، وبيع الفتيات للاستعباد الجنسي، وتحويل الأطفال إلى جنود، وتدمير مناطق حضرية بالأسلحة الجوية، وإحراق قرى بأكملها سُويت بالأرض»، مضيفة أنه «بينما تتجه هذه المجتمعات نحو المجاعة، ومع تفشي الكوليرا والحصبة واستمرار العنف في حصد أرواح عدد لا يحصى من الناس؛ ظلّ العالم صامتاً إلى حد كبير». وأكدت أن «هذا يجب أن يتغير الآن»؛ إذ «يجب على المجتمع الدولي أن يقدم المزيد، وعليه أن يفعل المزيد، وعليه أن يهتم أكثر»، ملاحظة أن النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل السودان «لم يُستجب له إلا بنسبة 5 في المائة حتى الآن»، مما اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى قطع مساعداته لأكثر من سبعة ملايين شخص في تشاد وجنوب السودان. ونقلت عن الخبراء تحذيراً من أن «الأسابيع والأشهر المقبلة يمكن أن تؤدي إلى وفاة أكثر من 200 ألف طفل بسبب الجوع».

عرقلة منهجية

واستدركت أن الأمر لا يقتصر على الافتقار إلى المساعدات فحسب، بل يشمل أيضاً عرقلة نشاط العاملين في المجال الإنساني «بشكل منهجي» من قبل المقاتلين من الطرفين، بما في ذلك القوات المسلحة السودانية، التي «أعاقت عبور المساعدات الإنسانية الرئيسية من تشاد إلى دارفور». وحذرت من أنه «إذا لم تقم القوات المسلحة السودانية بعكس مسارها على الفور، فيجب على مجلس الأمن التدخل لضمان تسليم وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك، إذا لزم الأمر، من خلال آلية عبر الحدود»، مضيفة أنه «يجب علينا مواصلة حض الأطراف المتحاربة على وقف القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات، وكذلك حض الداعمين الخارجيين الذين يطيلون أمد النزاع وتمكين هذه الفظائع، على وقف إرسال الأسلحة إلى السودان». ودعت إلى وقف «الصمت العالمي» و«فضح مرتكبي العنف المروع، من الجنرالات الذين بدأوا الحرب إلى الداعمين الذين يواصلون تأجيجها»، رافضة تحول النزاع إلى «حرب منسيّة».

ورداً على سؤال عن احتمال معاودة محادثات السلام في جدة، قال بيرييلو: «نشعر بوجود قدر كبير من الإلحاح لاستئناف المحادثات»، مقدراً «التزام المملكة العربية السعودية استضافة جولة جديدة من المحادثات الشاملة». وأمل في «بناء زخم» من محادثات باريس لتحديد الموعد، في ظل ما سماه «بعض العلامات إلى أن الحرب تزداد سوءاً»، بل إن «الأمور سيئة للغاية، وبدأت (تظهر) لها آثار إقليمية».

عبر الحدود

دورية من القوى الأمنية السودانية في الغضارف بشرق السودان (أ.ف.ب)

وفيما يتعلق بالمساعدات عبر الحدود، ذكرت توماس غرينفيلد أنه «مفهوم يمكن أن ينجح. نجح في سوريا»، آملة في «ألا نضطر إلى الضغط من أجل الوصول» إلى تلك النقطة عبر مجلس الأمن. وكشفت أن الولايات المتحدة «تتعاون بشكل نشط للغاية مع القوات المسلحة السودانية و(قوات الدعم السريع) والأطراف الأخرى على الأرض لنرى كيف يمكننا العمل معهم جميعاً لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية اللازمة إلى هذه المناطق التي تشتد الحاجة إليها».

الأسلحة والمسيّرات

وأكد المبعوث الأميركي أن «الآن هو الوقت الذي تكون فيه كل شحنة أسلحة، وكل جزء منها، يؤجج هذا النزاع، وهذا ما يدفعنا ليس فقط إلى المجاعة، بل إلى دولة فاشلة».

وعن الدول التي تغذي الحرب، ومنها إيران التي ترسل الطائرات المسيّرة المسلحة، قالت توماس غرينفيلد: «أجرينا العديد من المناقشات مع دول المنطقة»، مشيرة إلى «تشجيع دول أخرى مثل إيران على عدم المشاركة». وكشفت أن الولايات المتحدة طلبت مساعدة دول أخرى «في الضغط على الآخرين لوقف تأجيج هذه الحرب».


مقالات ذات صلة

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

شمال افريقيا امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

تأمل الجالية السودانية في مصر انفراجة في أزمة المدارس السودانية العاملة في البلاد، والمغلقة منذ نحو 3 أشهر لحين استيفائها الشروط المطلوبة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)
امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)
TT

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)
امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)

تأمل الجالية السودانية في مصر انفراجة في أزمة المدارس السودانية العاملة في البلاد، والمغلقة منذ نحو 3 أشهر لحين استيفائها الشروط المعلنة من جانب الحكومة المصرية.

وبينما أعلنت السفارة السودانية بالقاهرة استمرار التشاور مع السلطات المصرية لتقنين أوضاع تلك المدارس، شددت في بيان لها على «رصد أي مخالفات من أصحاب المدارس بشأن استئناف الدراسة دون تصريح»، مهددة باتخاذ إجراءات بغلقها نهائياً.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، أغلقت السلطات المصرية المدارس السودانية في البلاد لحين توفر اشتراطات قانونية لممارسة النشاط التعليمي، وشملت الإجراءات غلق مدرسة «الصداقة» التابعة للسفارة السودانية بالقاهرة، ومدارس خاصة أخرى.

وحسب تقديرات رسمية، تستضيف مصر نحو مليون و200 ألف سوداني فروا من الحرب الداخلية الدائرة حالياً في السودان، إلى جانب ملايين آخرين يعيشون في المدن المصرية منذ سنين.

ونفت السفارة السودانية لدى مصر ما تداولته بعض صفحات الجالية عن «استئناف الدراسة في المدارس السودانية»، وقالت في إفادة لها: «لم تصدر أي موافقات لعودة الدراسة في بعض المدارس، كما لم تصدر أي مواعيد محددة لاستئناف الدراسة من الجهات المختصة بمصر».

وشددت السفارة في بيانها على «رصد المدارس السودانية التي استأنفت الدراسة دون تصريح»، وقالت إنها «ستعرض ملف تلك المدارس على وزارة التعليم السودانية لسحب تراخيصها، وإغلاقها نهائياً».

وطالبت السلطات المصرية أصحاب المدارس بالالتزام بثمانية شروط لتقنين أوضاع المدارس المغلقة، تضمنت، وفق إفادة للملحقية الثقافية بالسفارة السودانية: «موافقة من وزارتَي التعليم والخارجية السودانيتين، وموافقة من الخارجية المصرية، وتوفير مقر للمدرسة يفي بجميع الجوانب التعليمية، مصحوباً برسم تخطيطي لهيكل المدرسة، وإرفاق البيانات الخاصة لمالك المدرسة، مع طلب من مالك المدرسة للمستشارية الثقافية بالسفارة السودانية، وملف كامل عن المراحل التعليمية، وعدد الطلاب المنتظر تسجيلهم بالمدرسة».

وأوصى «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال» الذي عُقد في القاهرة، السبت الماضي، بضرورة «استعجال افتتاح المدارس السودانية المغلقة، لتوقف الدراسة منذ ثلاثة أشهر»، إلى جانب «استئناف العام الدراسي للطلاب السودانيين بمصر»، مع العمل على «دمج المدارس السودانية المتشابهة، لضبط وتقنين أعمالها في المدن المصرية».

وتواصل السفارة السودانية مراجعة الأوضاع القانونية للمدارس. ووفق السفير عماد الدين عدوي، فإن «المستشار الثقافي بالسفارة يواصل مراجعة اشتراطات عمل المدارس المغلقة، للتأكد من مدى توافر الضوابط التي تقرها السلطات المصرية للأنشطة التعليمية».

وكشف السفير السوداني بالقاهرة في مؤتمر صحافي في ختام الملتقى المصري - السوداني، عن أن «وزير التعليم السوداني سيلتقي نظيره المصري، محمد عبد اللطيف، الأسبوع المقبل لمناقشة وضع المدارس السودانية، والتشاور على آلية مناسبة لاستئناف الدراسة للطلاب السودانيين».

وسبق أن أشار السفير السوداني بالقاهرة إلى أن «المستشار الثقافي بالسفارة قام بزيارات ميدانية للعديد من المدارس السودانية المغلقة، للتأكد من التزامها بمعايير وزارة التعليم المصرية لممارسة النشاط التعليمي»، وقال في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إنه «تم اعتماد 37 مدرسة قامت بتقنين أوضاعها، تمهيداً لرفع ملفاتها إلى السلطات المصرية، واستئناف الدراسة بها».

وباعتقاد المحلل السياسي السوداني، المقيم بالقاهرة، مكي المغربي، فإن «ملف التعليم يحظى بأولوية لدى الجالية السودانية»، مضيفاً: «توقف النشاط التعليمي، رغم بداية العام الدراسي في مصر، سبب ارتباكاً لغالبية الأسر السودانية هناك»، لكنه أشار إلى أن «ملف التعليم لن يشكل عقبة في مسار العلاقات المصرية - السودانية».

ورجح المغربي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، نجاح المشاورات السودانية - المصرية في إنهاء الأزمة، وقال: «هناك تفاهمات ومعايير يتم التشاور بشأنها لاستئناف الدراسة»، ودلّل على ذلك بـ«موافقة السلطات المصرية على إجراء امتحانات الشهادة المتوسطة (الإعدادية) للطلاب السودانيين، في مراكز تم تخصيصها في عدد من المحافظات، منها القاهرة والإسكندرية وأسوان».

السفير السوداني بالقاهرة خلال لقائه طلاباً سودانيين في جامعة المنصورة (السفارة السودانية بالقاهرة)

بموازاة ذلك، تحدث السفير السوداني بالقاهرة عن متابعة الحالة الدراسية للطلاب السودانيين في الجامعات المصرية، وأشار في المؤتمر الصحافي إلى «إجراء جولات ميدانية للجامعات التي يدرس بها أعداد من السودانيين، مثل (المنصورة) و(القاهرة) و(عين شمس)».

وأجرى السفير عدوي زيارة لجامعة القاهرة الأحد، التقى خلالها رئيس الجامعة محمد سامي عبد الصادق، لمراجعة موقف الطلاب السودانيين بالجامعة. وسبق ذلك زيارة مماثلة لجامعة المنصورة الأسبوع الماضي، التقى خلالها السفير السوداني بعض الطلاب الدارسين فيها.