مؤتمر باريس حول السودان «الاثنين» في غياب طرفَي النزاع

الخارجية الفرنسية: غرض المؤتمر «ألا تتحول حرب السودان أزمة منسية»

الرئيس ماكرون مرحّباً برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر باريس 17 مايو 2021 (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مرحّباً برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر باريس 17 مايو 2021 (أ.ف.ب)
TT

مؤتمر باريس حول السودان «الاثنين» في غياب طرفَي النزاع

الرئيس ماكرون مرحّباً برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر باريس 17 مايو 2021 (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مرحّباً برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر باريس 17 مايو 2021 (أ.ف.ب)

تضع باريس اللمسات الأخيرة على حدث مزدوج تستضيفه الاثنين المقبل، 15 أبريل (نيسان)، يتناول الوضع السوداني في جانبيه السياسي والإنساني، وهي تنظمه بالتعاون مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي، في غياب التمثيل الرسمي السوداني.

في الجانب السياسي، يلتئم اجتماع صباح الاثنين على المستوى الوزاري في المقر التاريخي للخارجية الفرنسية المطلّ على نهر السين برئاسة مشتركة فرنسية - ألمانية – أوروبية، وغرضه، وفق بيان صادر عن الخارجية، «دعم مبادرات السلام الإقليمية والدولية» الهادفة إلى وضع حد للحرب المندلعة في السودان منذ عام كامل. وجاء اختيار يوم الخامس عشر من أبريل لأنه يصادف الذكرى الأولى للحرب التي شرَّدت ملايين السودانيين، وأوجدت انقسامات يصعب اليوم تجاوزها، فضلاً عن ضرب كل ما جاءت به المرحلة الانتقالية الديمقراطية. وبعد الاجتماع السياسي، يلتئم المؤتمر الإنساني في مقر رديف للخارجية، بعد الظهر، برئاسة الوزيرين الفرنسي والألماني: ستيفان سيجورنيه، وأنالينا بيربوك، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والمفوض الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارسيتش، إلى جانب «السلطات الأفريقية والأوروبية، ومسؤولي المنظمات الدولية والمجتمع المدني».

أنالينا بيربوك ستشارك سيجورنيه إدارة المؤتمر... وهي في الصورة مع الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ (إ.ب.أ)

ثلاثة أهداف

وقالت الخارجية الفرنسية أمس، في إطار مؤتمرها الصحافي الأسبوعي، إن المطلوب من المؤتمر تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية؛ أولها «الالتزام بتمويل الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية الضرورية للسودان»، ولكن أيضاً لدول الجوار المعنية بالأزمة السودانية. والهدف الثاني إحراز تقدم في ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن ودون عوائق إلى جميع أنحاء السودان. أما الهدف الثالث، وهو لا يقل أهمية عن الهدفين السابقين فعنوانه «ألا يطغى عدم الاستقرار في النظام الدولي على الأزمات التي تؤثر في الأفارقة: سواء في السودان، حيث نزح نحو 8 ملايين شخص، أو في الأزمة التي تؤثر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية». ولدى سؤال المسؤول في الخارجية عن مشاركة ممثل للدولة السودانية أو المعارضة في الاجتماعين السياسي والإنساني، كان الجواب أن «الهدف من مؤتمر السودان هو الجمع بين جميع الشركاء المعنيين وجميع الشركاء المفيدين. وهذا يعني أن جميع دول المنطقة ستتم دعوتها». بيد أن الخارجية الفرنسية لم تكن قادرة على توفير لائحة كاملة للمشاركين في المؤتمر بانتظار تلقيها الأجوبة كافة على الدعوات التي وجَّهتها منذ شهر فبراير (شباط) الماضي.

وباختصار، فإن توفير الأموال الضرورية للاستجابة للوضع الإنساني الدراماتيكي في السودان وفي الدول المجاورة، ودعوة أطراف النزاع «لوضع حد للقتال الدائر وضمان الوصول الآمن للمساعدات الإنسانية»، سيشكّلان المحورين الأساسيين للمؤتمر.

جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي سيحضر مؤتمر باريس بشأن السودان (إ.ب.أ)

اللافت في المقاربة الفرنسية هو تغييب الجهات الرسمية السودانية عن المؤتمر، فيما سيكون هناك حضور للمجتمع المدني. وفي هذا الإطار أعرب سفير السودان لدى فرنسا، الدكتور خالد فرح، عن دهشته واستنكاره لغياب حكومة بلاده عن المؤتمر. وقال «المؤتمر يتعلق بشأن يخص دولة مستقلة وذات سيادة، جرى الترتيب له دون استشارة السودان تماماً، فضلاً عن أن حكومته التي تمثل الشرعية، ولها شخصيتها الاعتبارية والقانونية، لم تدعَ للمشاركة فيه أصلاً على أي مستوى من المستويات».

احتجاج سوداني

وانتقد الدبلوماسي السوداني مساواة حكومته بـ«ميليشيا الدعم السريع المتمردة»، رافضاً بعض العبارات السائرة التي ظلت تتردد بتوصيف الحرب الدائرة في السودان بـ«الطرفين المتحاربين» أو «طرفي الصراع» أو «الحرب بين جنرالين»، وأسوأ من ذلك وصف الوضع بأنه «حرب أهلية». وأوضح أن «الأمر هو ببساطة محاولة انقلاب عسكري فاشلة بغرض الاستيلاء على السلطة، بدعم وتواطؤ من بعض الدوائر الإقليمية والدولية».وأشار السفير السوداني إلى أن «أحد الطرفين، وهو بالتحديد (ميليشيا الدعم السريع) المتمردة، سيكون وحده الحاضر ضمناً، والمشارك بقوة في هذا المؤتمر، من خلال مشاركة حلفائه السياسيين والمتعاطفين معه، الذين تمت دعوتهم بالفعل للمشاركة فيه، مثل ما يسمى بـ(تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية - تقدم)، (يقودها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك)، وغيرها من المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، وممثلي بعض التنظيمات السياسية والأفراد، بل من خلال مشاركة بعض الدول الأجنبية المشاركة في المؤتمر، المساندة للميليشيا المتمردة، سواء علناً أم سراً». وقال: «إننا نخشى بشدة من أن يتمخض هذا المؤتمر في المحصلة النهائية عن مجرد مهرجان دعائي وترويجي، ومنشط سياسي وإعلامي ودبلوماسي، واستنفار مالي، هدفه الأوحد هو تقديم الدعم والمساندة المادية والمعنوية لـ(ميليشيا الدعم السريع) المتمردة، وحليفها السياسي، تحت ستار الاهتمام بمأساة الشعب السوداني».

حمدوك ربما يشارك باسم تنسيقية «تقدم» في مؤتمر باريس الإثنين (رويترز)

ويختلف المؤتمر المقبل عن القمة الدولية التي نظّمتها باريس في شهر مايو (أيار) 2021، تحت شعار «دعم الانتقال الديمقراطي» في السودان والتي مثَّل السودان فيها رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان. ورغم الدعم الدولي والاقتصادي والمالي الذي وفّرته القمة المشار إليها لعملية الانتقال الديمقراطي، فإن السودان أضاع الفرصة المقدمة إليه وجاءت الحرب المندلعة منذ عام بين الجيش من جهة و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى لتحرم السودان من الحضور الرسمي في مؤتمر هدفه إخراج البلاد من أتون الحرب المشتعلة.

ولا شيء يشي بأن مؤتمر الاثنين المقبل سيمثل خطوة إخراج السودان من أتون الحرب. واللافت ما آلت إليه المواجهة الحاصلة ميدانياً بين روسيا من جهة، ممثلةً بميليشيا «فاغنر» الداعمة لـ«قوات الدعم السريع»، وبين أوكرانيا التي أرسلت مجموعة من خبرائها لمساعدة وتدريب القوات السودانية، خصوصاً لجهة استخدام المُسيرات التي نقلت أعداداً منها إلى السودان.

إعادة أزمة السودان إلى الواجهة الدولية

تريد باريس ألا تتدحرج الحرب في السودان إلى دهاليز النسيان، وألا يعتاد عليها العالم إلى درجة أن يفقد أي اهتمام بها رغم المآسي التي تستولدها. والخميس، وصفت الخارجية الفرنسية ما يدور في السودان بأنه «أزمة إنسانية بالغة الخطورة»، وأن الشق السياسي غرضه «محاولة إيجاد حل للنزاع»، فيما الجانب الإنساني يستهدف «إيجاد حلول للمسائل الإنسانية الملحّة» ليس فقط على الأراضي السودانية، ولكن أيضاً في دول الجيران، حيث نزح مئات الآلاف من السودانيين هرباً من الحرب ومآسيها. وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن الحرب أدّت إلى نزوح ثمانية ملايين شخص، فيما الخطر الأكبر بالنسبة إلى فرنسا أن تتحول حرب السودان إلى «أزمة منسية». وحسب باريس، فإن المؤتمر «سيوفر للسودانيين وللأسرة الدولية فرصة التعبير عن التطلع إلى السلام وإلى الحوكمة الديمقراطية».

يسعى مؤتمر باريس لإعادة الأزمة السودانية إلى الواجهة الدولية وألا تتدحرج إلى دهاليز النسيان (أ.ف.ب)

وخلال جلسة في البرلمان الفرنسي، منتصف مارس (آذار)، قالت وزيرة شؤون التنمية والشراكات الدولية كريسولا زاكاروبولو، رداً على سؤال للنائب كريستوف ماريون، من مجموعة الصداقة البرلمانية «فرنسا - السودان»، إن الحرب الدائرة في السودان «تسببت في إحدى كبرى الأزمات الإنسانية في العالم»، وأن موقف باريس يقوم على «التنديد بتواصل القتال وبالانتهاكات التي ترتكبها القوات السودانية و(قوات الدعم السريع) لحقوق الإنسان»، وأنه «إزاء الوضع الراهن، فإن فرنسا تتحمل مسؤولياتها». وأضافت الوزيرة الفرنسية أن المؤتمر سيضم الأسرة الدولية والمنظمات الفاعلة في الحقل الإنساني الدولية والمحلية على السواء لتعبئة الموارد المالية ولدفع الأطراف المتناحرة إلى تسهيل الوصول الحرّ والآمن للمساعدات واحترام منطوق القانون الدولي الإنساني. وإذ أشارت إلى أن فرنسا وفَّرت العام الماضي 50 مليون يورو من المساعدات الإنسانية المختلفة، فقد أكدت أنها ستواصل توفير الدعم للأطراف التي شاركت في مؤتمر جدة للدعم الإنساني، للوفاء بتعهداتها.

أما في المجال السياسي، فقد أشارت الوزيرة الفرنسية إلى أن باريس «تدعم مجمل مبادرات السلام الإقليمية والدولية وتعمل مع شركائها على تنسيق جهود السلام» في السودان. ولم تفت الوزيرة الإشارة إلى أن الحرب الدائرة «يجب ألا تُخرج من دائرة الانتباه وجود مجتمع مدني سوداني يتطلع إلى السلام، ولذا علينا أن نكون متيقظين وأن نأخذ بعين الاعتبار تطلعاته».


مقالات ذات صلة

قوى سودانية تُوقّع «إعلان مبادئ» لإنهاء الحرب

شمال افريقيا 
جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)

قوى سودانية تُوقّع «إعلان مبادئ» لإنهاء الحرب

وقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، أمس (الثلاثاء)، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
يوميات الشرق صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)

رحيل أيقونة الغناء السوداني ونقيب الفنانين عبد القادر سالم

ودَّع السودانيون أحد أبرز وجوههم الثقافية والموسيقية، الدكتور عبد القادر سالم، الذي توفي في الخرطوم بعد معاناة قصيرة مع المرض.

وجدان طلحة (الخرطوم)
شمال افريقيا السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث

تصدّر السودان، مجدداً، قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية، الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا سودانيون يتظاهرون دعماً للجيش في مروي الأحد 13 ديسمبر الجاري (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة: مقتل 100 مدني بهجمات المسيَّرات في كردفان خلال ديسمبر

أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، اليوم (الثلاثاء)، بأن ما لا يقل عن 104 أشخاص، بينهم 43 طفلاً، قُتلوا في هجمات متعددة بطائرات مسيَّرة بكردفان.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)

قوى سودانية توقِّع على إعلان مبادئ لإنهاء الحرب

وقَّعت قوى سياسية وحركات مسلحة في نيروبي على إعلان مبادئ لوقف الحرب في السودان، وتصنيف حزب «المؤتمر الوطني» المعزول «منظمة إرهابية».

محمد أمين ياسين (نيروبي)

قوى سودانية تُوقّع «إعلان مبادئ» لإنهاء الحرب


جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)
جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)
TT

قوى سودانية تُوقّع «إعلان مبادئ» لإنهاء الحرب


جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)
جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)

وقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، أمس (الثلاثاء)، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد النور، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» (الأصل)، لوقف الحرب في السودان، وتصفية نظام «الحركة الإسلامية» نهائياً من المشهد السياسي. ويُعد هذا أول تقارب يجمع غالبية الأطراف السودانية المناهضة للحرب، وجاء بعد مشاورات واتصالات استمرت أشهراً طويلة.

وشدد «إعلان المبادئ» على أنَّ «وقف الحرب فوراً يمثل أولوية وطنية قصوى»، مؤكداً أهمية ممارسة مزيد من الضغوط على طرفَي الحرب: الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، للالتزام بخريطة الطريق التي طرحتها دول «الرباعية»، (الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، ومصر)، في أغسطس (آب) الماضي.

ويناشد «إعلان المبادئ»، الأطراف المتحاربة التنفيذ السريع لمقترح الهدنة الإنسانية لمدة 3 أشهر، والوقف الفوري لإطلاق النار دون قيد أو شرط، والعمل على تطويره إلى وقف إطلاق نار دائم.


«الصحة العالمية» قلقة إزاء احتجاز طواقم صحية ومدنيين في جنوب غرب السودان

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)
شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الصحة العالمية» قلقة إزاء احتجاز طواقم صحية ومدنيين في جنوب غرب السودان

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)
شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعربت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء عن قلقها إزاء تقارير تفيد باحتجاز أكثر من 70 من أفراد طواقم صحية وحوالى خمسة آلاف مدني بشكل قسري في نيالا في جنوب غرب السودان.

وأسفرت الحرب المتواصلة في السودان منذ 15 أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو عن مقتل عشرات الآلاف. ودفعت الحرب نحو 12 مليونا إلى النزوح داخل البلاد أو اللجوء إلى خارجها، وأدت إلى تدمير البنية التحتية، مما جعل السودان يعاني «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم بحسب الأمم المتحدة.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس على إكس «نشعر بالقلق إزاء التقارير الواردة من نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور السودانية، والتي تفيد باحتجاز أكثر من 70 عاملا في مجال الرعاية الصحية بالإضافة إلى حوالى خمسة آلاف مدني». وأضاف «بحسب شبكة أطباء السودان، فإن المعتقلين محتجزون في ظروف غير صحية، كما هناك تقارير عن تفشي الأمراض».

وتحالفت قوات الدعم السريع وفصيل «الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال» في وقت سابق من هذا العام، وشكلت ائتلافا مقره نيالا.

وقال تيدروس «تقوم منظمة الصحة العالمية بجمع معلومات إضافية عن عمليات الاحتجاز وظروف المحتجزين. ويزيد استمرار انعدام الأمن الوضع تعقيدا». وتابع «إن التقارير التي تفيد باحتجاز عاملين في المجال الصحي وآلاف الأشخاص الآخرين تثير قلقا بالغا. يجب حماية العاملين في المجال الصحي والمدنيين في كل الأوقات، ونطالب بالإفراج الآمن وغير المشروط عنهم».

وسجّلت منظمة الصحة العالمية 65 هجوما على مرافق للرعاية الصحية في السودان هذا العام، أسفرت عن مقتل 1620 شخصا وإصابة 276.


الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)
الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)
TT

الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)
الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)

تواجه الجزائر نزيفاً ملحوظاً في العملة الصعبة نتيجة الاستغلال غير المشروع لمنحة السفر السياحية، وتعاني قلقاً رسمياً من خروج كميات مهمة من النقد الأجنبي خارج الأطر القانونية، في حجم الحالات المسجلة وطبيعة التنقلات الشكلية؛ الأمر الذي استدعى اتخاذ تدابير جديدة، تهدف إلى كبح التلاعب بالعملة ومحاصرة السوق الموازية.

وزير الداخلية والنقل أثناء رده على أسئلة النواب حول منحة السياحة (البرلمان)

أكد وزير الداخلية والنقل، سعيد سعيود، الاثنين، أمام نواب «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية السفلى)، وجود «شبكة احتيال منظمة»، تستغل، حسبه، حق السفر الذي أقرّته الدولة لفائدة المواطنين، بناءً على منحة تقدر بـ750 يورو تصرف سنوياً.

وأوضح سعيود أن هذا الإجراء الاجتماعي، الذي وُضع لتسهيل تنقل الجزائريين إلى الخارج، «انحرف عن أهدافه بفعل ممارسات غير قانونية، قادها سماسرة وشبكات منظمة، تورط فيها وسطاء وبعض وكالات السفر»؛ ما اضطر السلطات إلى فرض قيود على مستوى المعابر الحدودية.

وكان سعيود يرد على أسئلة للنواب تخص الضغط، الذي تشهده المعابر الحدودية مع تونس، حالياً، من قِبل آلاف الأشخاص الذين استفادوا من «منحة السياحة» بغرض قضاء عطل في الجارة الشرقية، مشدداً على أن الحكومة «أجرت تقييماً دقيقاً وشاملاً للوضع بالتنسيق مع السلطات التونسية»، وذلك خلال زيارة رسمية رافق فيها الوزير الأول سيفي غريب إلى تونس، نهاية الأسبوع الماضي.

وقد كشف هذا التقييم، حسبه، النقاب عن «تورط بعض وكالات الأسفار في تنظيم تنقلات مشبوهة لمواطنين جزائريين، بالاعتماد على أساليب احتيالية، هدفها الأساسي الاستحواذ غير المشروع على العملة الصعبة».

«تهريب» 7.5 مليون يورو

أكد الوزير سعيود أن «أسلوب الاحتيال المعتمد يقوم على إدخال مواطنين جزائريين إلى الأراضي التونسية بطريقة قانونية وختم جوازات سفرهم، ثم إعادتهم بسرعة إلى الجزائر، عبر معابر حدودية مراقبة، دون استيفاء مدة الإقامة القانونية، ليُعاد إدخال الأشخاص أنفسهم مجدداً بالطريقة ذاتها؛ بهدف تكرار عملية الختم والاستفادة المتعددة من منحة السفر المقدّرة بـ750 يورو». لافتاً إلى أن هذه الأموال «لم تنفع لا الاقتصاد الجزائري ولا الاقتصاد التونسي، بل ذهبت حصرياً إلى جيوب سماسرة وشبكات غير قانونية».

حافلات سياح جزائرية تنتظر الانتقال إلى الجانب التونسي (وكالات سياحية)

ووصف الوزير الأرقام المسجلة بـ«المقلقة للغاية»، مشيراً إلى رصد ما يقارب مائة ألف حالة خلال شهر ونصف شهر فقط، «غالبيتهم من العاطلين عن العمل، الذين يتم استغلالهم كأدوات في هذه العمليات العابرة للحدود». وبعملية حسابية تم تهريب ما يقارب 7.5 مليون يورو خلال 45 يوماً فقط، دون أن يذكر الوزير المدة بالتحديد.

وللتصدي لهذه «التجاوزات»، أعلن سعيود عن حزمة من الإجراءات الرقابية الاستعجالية، من بينها فرض تراخيص مسبقة على حافلات وكالات السفر الناشطة عبر الحدود. وأوضح أن هذه الخطوة «كشفت عن حجم الممارسات غير القانونية، بعد عجز بعض الوكالات عن تقديم أي التزامات، أو ضمانات تتعلق بإعادة مواطنين جزائريين عالقين في تونس».

وشدد الوزير على عدم وجود أي قرار لإلغاء منحة السفر؛ «فهي حق مكفول للمواطن الجزائري». غير أنه أوضح أن الحكومة تعمل على استحداث «أطر قانونية وتنظيمية محكمة لمنع أي استغلال غير مشروع لها، والحفاظ على طابعها الاجتماعي».

منحة 750 يورو السياحية تفجّر جدلاً كبيراً في الجزائر (ناشطون في السياحة)

في هذا السياق، أشار الوزير إلى بحث مقترح لاعتماد «بطاقة دفع مسبقة»، يتم من خلالها صب منحة 750 يورو، بما يسمح بالتحكم في كيفية صرفها، وتتبع استعمالها، وضمان توجيهها مستقبلاً نحو الأهداف، التي أُقرّت من أجلها.

شروط صارمة بالمعابر الحدودية

منذ إعادة تقييم منحة السفر إلى 750 يورو في 20 يوليو (تموز) 2025، بعدما كانت 95 يورو، شهدت حركة المسافرين الجزائريين نحو تونس عبر الطرق البرية ارتفاعاً كبيراً. وأمام ما تعدّه السلطات «تجاوزات» و«تحويلاً للعملة الصعبة نحو السوق الموازية»، تم اعتماد مجموعة من القواعد الجديدة لتنظيم النقل الجماعي الدولي عبر الطرق؛ ما فجّر موجة احتجاجات في أوساط مهنيي وكالات السفر، حسبما نشره الموقع الإخباري الاقتصادي «ماغرب إمرجنت»، الذي نقل عن بعضهم، أن فرض توفير طاقم قيادة مزدوج، واستعمال حافلات لا يتجاوز عمرها عشر سنوات - وهي شروط يصعب التقيد بها - «مناورة تهدف إلى تقييد الاستفادة من منحة السفر السياحية، المقدرة خاصة بالنسبة للرحلات المتجهة إلى تونس».

ازدحام في حركة المرور بمعابر الحدود الشرقية (ناشطون في السياحة)

وتضع الأحكام الجديدة قيوداً ثقيلة على الرحلات المنظمة بالحافلات والحافلات الصغيرة، في مقابل مرونة واضحة لا تزال ممنوحة للسيارات الخاصة التي يقل عدد ركابها عن ثمانية. وقد دخل الإجراء الأساسي حيز التنفيذ، منذ أسبوع دون إشعار مسبق؛ ما أدى إلى تشديد غير مسبوق في المتطلبات الإدارية والعملية.

وبموجب هذه الإجراءات، بات كل سفر بالحافلة يستدعي «ترخيصاً دولياً خاصاً ومؤقتاً»، يجب طلبه من مديريات النقل بالولايات قبل موعد السفر بخمسة عشر يوماً على الأقل. يضاف إلى ذلك إلزام توفير مرشد مرافق لسائق الحافلة مصرح به لدى الضمان الاجتماعي؛ الأمر الذي يرفع بشكل كبير تكاليف الوكالات، ويقلص هامش الربح لديها، والهدف من ذلك ثنيهم عن تنظيم الرحلات.

وأوضح أحد مسيري وكالات الأسفار للموقع الإخباري نفسه أن «تراكم هذه الشروط يعادل غلقاً تاماً لإمكانية حصول زبائننا المسافرين بالحافلات على العملة الصعبة، وبهذا أصبح من شبه المستحيل الاستمرار في هذا النوع من العروض».

ومن خلال استهداف النقل الجماعي، تسعى السلطات بوضوح إلى كبح «الاندفاع» نحو منحة 750 يورو، وهو مبلغ ترى كلٌ من الجزائر وتونس أنه يسهم في تغذية السوق الموازية للعملة، بدلاً من أن يُخصص حصرياً للنشاط السياحي.