هل تشهد ليبيا تشكيل «حكومة جديدة» بعد العيد؟

تصاعد الاتهامات بين «الوحدة» و«الاستقرار» بشأن التوسّع بالإنفاق و«العملة المزورة»

حفتر مستقبلاً باتيلي في لقاء سابق ببنغازي (البعثة الأممية)
حفتر مستقبلاً باتيلي في لقاء سابق ببنغازي (البعثة الأممية)
TT

هل تشهد ليبيا تشكيل «حكومة جديدة» بعد العيد؟

حفتر مستقبلاً باتيلي في لقاء سابق ببنغازي (البعثة الأممية)
حفتر مستقبلاً باتيلي في لقاء سابق ببنغازي (البعثة الأممية)

تمضي الأوضاع السياسية في ليبيا نحو مزيد من التعقيد والانقسام وتبادل التهم بالتقصير وغيره، بينما لم تظهر ملامح أي تحركات لحلحلة الأزمة الراهنة وترجمة مخرجات اجتماع رؤساء «المجالس الثلاثة» في جامعة الدول العربية بالقاهرة، التي نصّت على وجوب تشكيل «حكومة موحدة» للإشراف على الانتخابات العامة المنتظرة.

وتتفاقم الخلافات يوماً بعد يوم، بين حكومتي «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة في العاصمة طرابلس، وغريمتها في شرق ليبيا بقيادة أسامة حمّاد، بينما يأمل متابعون في أن تشهد الأيام المقبلة انفراجة تسفر عن تشكيل تلك الحكومة، لافتين إلى أن المواطنين الليبيين «هم الذين يسددون فاتورة هذا الصراع على السلطة، من خلال معاناة الحصول على سيولة نقدية من المصارف، وتأخّر صرف الرواتب».

وتؤكد البعثة الأممية لدى ليبيا بقيادة عبد الله باتيلي، ودول غربية وإقليمية، ضرورة اتفاق أفرقاء الأزمة السياسية على تشكيل «حكومة جديدة» تسيطر على مقاليد الأمور، وتتمكن من تحضير ليبيا لإجراء الاستحقاق الرئاسي والنيابي المؤجّل، لكن لا تزال العراقيل تعترض خروج هذه الحكومة للنور.

اجتماع سابق للمنفي وصالح وتكالة في الجامعة العربية بحضور أبو الغيط (مكتب تكالة)

وسبق واتفق رؤساء مجالس: الرئاسي محمد المنفي، والنواب عقيلة صالح، والأعلى للدولة محمد تكالة، في اجتماعهم بجامعة الدول العربية في بدايات مارس (آذار) الماضي، على وجوب تشكيل «حكومة موحدة» جديدة تشرف على الانتخابات التي طال انتظارها.

وعلى الرغم من «وجود شبه إجماع عن ضرورة إيجاد حكومة جديدة تجمع مختلف الأطراف»، كما يوضح رمضان التويجر، أستاذ القانون والباحث السياسي الليبي، فإنه يلقي باللائمة في عدم حصول ذلك، على حالة الانقسام الدولي بشأن الحالة الليبية، مشيراً إلى أن الأجسام المختلفة سياسياً وهي مجالس: النواب، والدولة، والرئاسي، بالإضافة لحكومتي الدبيبة وحماد، «لا تمثل بالضرورة القوة العسكرية والأمنية المسيطرة على الأرض والمدعومة دولياً».

وتعثرت العملية السياسية، الرامية لحل الصراع الممتد في ليبيا لما يزيد على 12 عاماً، منذ فشل التوافق حول الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) 2021، وسط خلافات حول أهلية المرشحين الرئيسيين.

وأمام «الجمود السياسي» المسيطر على ليبيا، تتصاعد نبرة تبادل الاتهامات بين حكومتي «الوحدة» و«الاستقرار»، ومحاولات كل منهما لاستقطاب الليبيين، من باب أنها الأجدر لقيادة البلاد، بينما الأخرى أدت إلى ما آلت إليه الأمور الاقتصادية.

وسارعت «الوحدة» على لسان وزارة ماليتها، للرد على تقرير «مصرف ليبيا المركزي» عن الإيرادات والإنفاق في الربع الأول من عام 2024، متهمة غريمتها في شرق ليبيا بـ«طباعة عملة بشكل غير قانوني»، مما أضر باقتصاد البلاد.

وبشكل واضح، قالت وزارة المالية إن أزمة السيولة النقدية التي تشهدها مناطق في البلاد ترجع لتداعيات نزيف «الإنفاق الموازي» الذي تضطلع به حكومة حماد، وإن عدم الاهتمام بوقف التعامل مع العملة المزورة، أضعف ثقة المواطنين في التعامل مع المصارف، وأحجموا عن إيداع مدخراتهم فيها.

ودخل الصادق الغرياني رئيس «هيئة الإفتاء الليبية» في طرابلس (المعزول من البرلمان)، على خط أزمة «تزوير العملة»، متهماً القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، «بجلب آلات طباعة في مدينة بنغازي، وطباعة العملة من فئة 50 ديناراً وتمريرها في الأسواق»، الأمر الذي أثار حفيظة عديدين بشرق ليبيا.

باتيلي في زيارة إلى مدينة جادو الليبية منتصف الأسبوع (البعثة الأممية)

ويرى سياسيون ليبيون أن تصاعد الاتهامات بين الحكومتين بشأن «التوسع في الإنفاق وتزوير العملة» ينعكس بشكل سلبي على الأوضاع في ليبيا، ويعقد المسار الديمقراطي ويضع مزيداً من العراقيل أمام «حلم انتخاب رئيس وبرلمان في ليبيا»، لكن مصدراً مقرباً من المجلس الأعلى للدولة، توقع في حديث إلى «الشرق الأوسط»، عقد اجتماع بين رؤساء «المجالس الثلاثة»، عقب إجازة عيد الفطر، يحتمل أن تستضيفه الجامعة العربية، «بقصد استكمال باقي المشاورات حول الحكومة المنتظرة».

وتحدث المصدر عن أن باتيلي، الذي يعتزم تقديم إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي الشهر الحالي، ربما «يخرج بشيء لحلحلة الأزمة»، لا سيما بعد لقاءات مكثفة عقدها مع أطراف سياسية واجتماعية في ليبيا على مدار أيام شهر رمضان الماضي.

وفي معايدته للشعب الليبي، عبر باتيلي عن أمنياته بأن يكون العام الحالي «نقطة انطلاق نحو تجاوز الانقسام السياسي».

ويشتكي الليبيون منذ بداية شهر رمضان، من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وعدم توفر السيولة النقدية في المصارف، مما سبب ازدحاماً وطوابير طويلة قبالتها، وزاد من الغضب والسخط على الحكومتين، ودفع البعض للحديث عن ضرورة «الثورة» بقصد تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلد النفطي.

وعادة ما يبدي الدبيبة - المتهم بالتشبث بالسلطة - موافقته على إجراء الانتخابات، لكنه يشترط إجراءها بعد «إصدار دستور دائم لليبيا لضمان استقرارها»، وهو ما يراه أخصامه أنه «يستهدف تعطيل عقد أي استحقاق في ليبيا، والاستفادة بالبقاء طويلاً على كرسي الحكم».


مقالات ذات صلة

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي، مرحلة جديدة، السبت، وسط محاولة من حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، لاحتواء لانتقادات أميركية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح والمشري وستيفان ويليامز المبعوثة الأممية بالإنابة (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي)

ليبيون يعلّقون آمالهم على تقارُب صالح والمشري لإحياء المسار الانتخابي

تدفع أزمة المصرف المركزي الليبي بإمكانية العودة إلى بحث العملية السياسية، في ظل عقد البعض آمالاً على عودة التقارب بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح وسفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا (حساب السفير على «إكس»)

«الأوروبي» يدعو قادة ليبيا إلى «خفض التوترات»... وتشغيل النفط

أطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا عدداً من التحذيرات لقادة البلاد ودعتهم للتحاور والاستجابة لمبادرة الأمم المتحدة، كما شددت على ضرورة إعادة إنتاج وضخ النفط.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا طالبت لجنة الأزمات والطوارئ ببلدية زليتن المواطنين بالابتعاد عن مجرى الوادي (مديرية أمن طرابلس)

سيول جارفة تضرب مناطق متفرقة في ليبيا... وتنشر المخاوف

ضربت أمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول مناطق عدة في شمال غربي ليبيا، وأعلن جهاز الإسعاف والطوارئ رفع درجة الاستعدادات وسط إنقاذ عائلات عالقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
TT

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية بين عامي 2013 و2022 من العقاب، تهدد بالمزيد من حالة عدم الاستقرار والانقسام في البلاد.

واتهم التقرير، الذي وزعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، مساء الجمعة، فصيل الكانيات، وهو مجموعة مسلّحة نشأت في 2011، مارَس سيطرة وحشية على ترهونة، المدينة التي يقطنها 150.000 نسمة تقريباً وتقع على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس، مشيراً إلى أن إدماج الكانيات في حكومة الوفاق السابقة، ثم لاحقاً في الجيش الوطني، وشكّل حاجزاً كبيراً أعاق تحقيق المساءلة والعدالة. ونتيجة لذلك، تردّد بعض السكان في المشاركة في التحقيقات والإبلاغ عن الجرائم خوفاً من الانتقام.

ونقل التقرير عن ستيفاني خوري، القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة، عدّها عدم معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء النزاع ودوافعه لن يؤدّي سوى إلى تأجيج دوامات العنف والانتقام السامة بين المجتمعات.

اجتماع عميد بلدية ترهونة مع المسؤولة الأممية (بلدية ترهونة)

وأوصى التقرير بتنفيذ عملية شاملة للعدالة الانتقالية والمصالحة، مع اتخاذ تدابير مجدية لتقصّي الحقائق، وتقديم تعويضات فعالة إلى الضحايا، بما في ذلك المساعدة القانونية ودعم الصحة النفسية، وضمانات عدم التكرار، التي ينبغي وضعها بالتشاور مع المتضررين مباشرة. كما دعا لاتخاذ تدابير صارمة لتحقيق المساءلة، من خلال التحقيقات ومحاسبة الجناة المزعومين، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

وكان عميد بلدية ترهونة، محمد الكشر، وعدد من أعضاء رابطة ضحايا ترهونة، قد زاروا مع المسؤولة الأممية جورجيت غانيون، عدداً من مواقع المقابر الجماعية والسجون في ترهونة، بمناسبة اليوم العالمي للإخفاء القسري، ومتابعة ملف ضحايا العنف والقتل والمقابر التي ارتكبت بحق أهالي ترهونة وبعض المدن المجاورة.

في سياق غير متصل، تحدثت وسائل إعلام محلية عن نجاة ليبيين بأعجوبة، بعد أن جرفت مياه الفيضانات سيارتهم في ترهونة، بينما تعرضت مدينة الكفرة لإطفاء تام بسبب فصل محطة كهربائية، للحفاظ على معدات الشبكة العامة بتأثير الرياح والأمطار.

حكومة الوحدة خلال اجتماع متابعة تقلبات الطقس (حكومة الوحدة)

وأعلن الهلال الأحمر، مساء الجمعة، في ترهونة فتح الطريق الرابط بين بني وليد وترهونة، عقب إغلاقه لعدة ساعات، بسبب تزايد ارتفاع منسوب المياه في الطريق، فيما أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ في بني وليد، خروج السيل في وادي وشتاتة إلى الطريق، مع وجود ارتفاع في المياه في الوادي.

وكانت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، قد طمأنت المواطنين بما وصفته بالجاهزية العالية للوزارات والأجهزة والمراكز في جميع مناطق ليبيا العالية لمواجهة أي ظروف جوية، أو تقلبات مناخية، وتوفير الإمكانيات اللازمة، مشيرة إلى أن اجتماعاً عُقد، مساء الجمعة بطرابلس، ضم كل الجهات المعنية، استهدف توحيد الجهود لضمان نجاح العمل وحماية المواطنين والممتلكات، في إطار تحديث الخطة الوطنية لمواجهة الطوارئ والكوارث الطبيعية.