«المواصفات» السعودية: التقدم التكنولوجي سيزيد قدرة المصانع على تلبية أهداف المدن الذكية

تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن تحديات تواجه الشركات بما فيها التكلفة والخبرة التقنية

المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تشمل مجالات مثل البنية التحتية الذكية والحكومة الإلكترونية (موقع الهيئة)
المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تشمل مجالات مثل البنية التحتية الذكية والحكومة الإلكترونية (موقع الهيئة)
TT

«المواصفات» السعودية: التقدم التكنولوجي سيزيد قدرة المصانع على تلبية أهداف المدن الذكية

المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تشمل مجالات مثل البنية التحتية الذكية والحكومة الإلكترونية (موقع الهيئة)
المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تشمل مجالات مثل البنية التحتية الذكية والحكومة الإلكترونية (موقع الهيئة)

تعدّ الصناعة والتكنولوجيا من الركائز الأساسية لـ«رؤية السعودية 2030» في تحقيق التنمية وتنويع مصادر الدخل، حيث تسعى المملكة إلى تمكين القطاع الصناعي من خلال تطوير تقنيات جديدة تحقق معايير المدن الذكية، التي تهدف إلى رفع جودة حياة المواطنين، وتعزيز الاستدامة عن طريق جمع البيانات وتحليلها وإعادة توظيفها. لكن ذلك يتطلب تكيّف المصانع والشركات مع التحول التقني والابتكار والاستثمار في تكنولوجيا المعلومات، الأمر الذي سيزيد قدرتها على تحقيق المواصفات القياسية للمدن الذكية في البلاد، وتحسين العمليات واتخاذ القرارات.

يروي المتحدث الرسمي للهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة وائل الذياب، إلى «الشرق الأوسط»، أن تعزيز الصناعة في المملكة يأتي من خلال تشجيع الابتكار، وتطوير تكنولوجيات جديدة تلبي المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية، مضيفاً أن الشركات المحلية، ومنها الناشئة، ستجد فرصاً لابتكار حلول تكنولوجية تسهم في تحقيق أهداف المدن الذكية، مما يؤدي إلى نمو القطاعات الصناعية المرتبطة، وخلق فرص عمل جديدة. كما أن التوافق مع الممارسات الدولية يفتح الأسواق العالمية أمام هذه الحلول.

ويرى الذياب أن بعض المصانع والشركات ستواجه تحديات متعددة تشمل التكلفة أو الخبرة التقنية، والحاجة إلى تغييرات كبرى في البنية التحتية والعمليات الإدارية، لكنه أضاف أنه مع التقدم التكنولوجي والتركيز المتزايد على الابتكار، ستزداد قدرة المصانع والشركات على التكيف وتلبية المواصفات القياسية للمدن الذكية. وقال إن استثمار المصانع والشركات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة، وتقنيات إدارة البيانات يسهم في تعزيز كفاءتها وتحسين عمليات اتخاذ القرار، والعمل وفق أفضل الممارسات العالمية في مجال المدن الذكية، مما يعزز من قدرة المؤسسات على تلبية المواصفات القياسية، كما أن التعاون مع شركات التكنولوجيا والمؤسسات الأكاديمية يمكن أن يوفر للمصانع والشركات إمكانية الوصول إلى خبرات وحلول مبتكرة تساعد على تحقيق التوافق مع هذه المواصفات.

وكان محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، الدكتور سعد القصبي، أعلن إطلاق المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية بالتعاون مع «الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)»، وجاء ذلك خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن «المنتدى العالمي للمدن الذكية» الأول بالمملكة، الذي نظمته «سدايا» في العاصمة الرياض منتصف فبراير (شباط)، بمشاركة أكثر من 100 متحدث من 40 دولة من مختلف دول العالم.

وفي هذا السياق، قال الذياب لـ«الشرق الأوسط» إن المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تُعدّ حجر الأساس لتطوير مدن تجمع بين الكفاءة، والاستدامة، وجودة الحياة العالية، مؤكداً أن هذه المواصفات تضع الإطار الضروري للتخطيط، ولتصميم، والتنفيذ، والصيانة لمختلف جوانب المدينة الذكية، بما في ذلك البنية التحتية، وإدارة الطاقة، والخدمات العامة، والنقل. وتهدف المملكة بتبني هذه المواصفات إلى تحقيق مدن متطورة تكنولوجياً، قادرة على تلبية احتياجات سكانها الحالية والمستقبلية بطريقة مستدامة وفعالة.

ويشرح الذياب أن المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تغطي مجالات متعددة تشمل البنية التحتية الذكية، والطاقة الذكية، والحكومة الإلكترونية، والتنقل الذكي، حيث تتضمن إرشادات لتبادل البيانات ومشاركتها، ونماذج لتقييم النضج والتحسين، وتوجيهات لإنشاء نماذج قابلة للتشغيل البيني بين البيانات، الأمر الذي يعزز قدرة المدن على إدارة مواردها بشكل أكثر كفاءة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وتعرّف هيئة الحكومة الرقمية في السعودية، المدن الذكية بأنها «مناطق حضرية تعتمد على التقنيات المتقدمة وتحليل البيانات؛ لرفع جودة حياة المواطنين وتعزيز الاستدامة وتحسين استخدام الموارد»، حيث يتم ذلك من خلال توظيف هذه التقنيات لإدارة مختلف الأنظمة في المدينة ومراقبتها، بما في ذلك أنظمة النقل والطاقة والمياه، وإدارة النفايات، والسلامة العامة وغيرها، مع تقليل استهلاك الموارد والحدّ من الأثر البيئي السلبي المنعكس عليها. وتستخدم المدن الذكية أجهزة الاستشعار وغيرها من تقنيات جمع البيانات في الوقت الفعلي بهدف تحليلها، وبعد ذلك، يتم الاعتماد عليها لتحسين أداء الخدمات والبنية التحتية في المدينة، بالإضافة إلى تحديد مجالات التطوير اللازمة، ورفع مستوى المعيشة في المدينة.

وكان وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد الحقيل، أكد خلال كلمته في «المنتدى العالمي للمدن الذكية» أن المدن الذكية ليست مجرد مناطق حضرية مجهزة بالتكنولوجيا، بل تتطلب خلق أنظمة بيئية وتشغيلية تدمج الخدمات البلدية؛ لتحسن جودة حياة السكّان. وأضاف أن «رؤية المملكة 2030» هي المسار الذي يحدد رحلة التحول، ومن خلالها تم إطلاق استراتيجية تستهدف إلى النمو الحضري وتصوير المدن بوصفها مراكز نابضة بالحياة والتنمية المستدامة والتكنولوجيا.

قفزت الرياض في مؤشر المدن الذكية «آي إم دي» 9 مراتب لتصل إلى المرتبة الـ30 عالمياً (رويترز)

وعلى الصعيد الدولي، يضيف الذياب أن المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تأخذ بعين الاعتبار المعايير الدولية، التي تحدد مؤشرات للمدن الذكية، وتشمل جوانب مثل الاستدامة، وإدارة الطاقة، والحكومة الإلكترونية، والبنية التحتية، حيث تضمن المملكة من خلال الاعتماد على هذه المواصفات أن يتوافق تطوير المدن الذكية مع أفضل الممارسات العالمية ويعزز من قدرتها على المنافسة الدولية، مضيفاً أن المواصفات القياسية السعودية توفر إرشادات واضحة حول كيفية تطبيقها في مختلف جوانب المدينة الذكية، من التخطيط والتصميم إلى التنفيذ والصيانة، وهذه الإرشادات تضمن تطبيق المواصفات بطريقة موحدة وفعالة، ما يعزز الكفاءة ويحقق التوافق مع الأنظمة العالمية. ونوّه الذياب، بأن المواصفات القياسية السعودية للمدن الذكية تركز على الاستدامة والابتكار بوصفهما محورَين رئيسيَّين، مواكبةً بذلك التوجهات العالمية نحو بناء مدن أكثر خضرةً وذكاءً، وهذا التركيز يساعد على ضمان أن المدن في البلاد لا تلبي فقط الحاجات الحالية لسكانها، بل تسعى أيضاً لتقليل التأثير البيئي وتعزيز الابتكار.

وكان مؤشر «آي إم دي» العالمي للمدن الذكية الذي يقيس جاهزية مدن العالم وذكاءها، أظهر بنهاية عام 2023 أن الرياض التي تسعى لتصبح أبرز مركز أعمال في الشرق الأوسط، قفزت 9 مراتب لتصل إلى المرتبة الـ30 عالمياً، والثالثة عربياً، بينما حققت مكة المكرمة المرتبة الـ52، وحققت جدة المرتبة الـ56، وحققت المدينة المنورة المرتبة الـ85، وذلك من بين 141 مدينة حول العالم.


مقالات ذات صلة

ملتقى الميزانية: تقدم كبير في توطين الإنفاق العسكري بالسعودية

الاقتصاد المهندس أحمد العوهلي محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية (الملتقى)

ملتقى الميزانية: تقدم كبير في توطين الإنفاق العسكري بالسعودية

كشف المهندس أحمد العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، عن تطورات نوعية شهدها قطاع الصناعات العسكرية في السعودية خلال السنوات الست الماضية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الخريّف يجول في «معرض التحول الصناعي للسعودية 2025»... (الشرق الأوسط)

السعودية: إطلاق مركز لقيادة التحول الصناعي وتعزيز تبني تقنيات الثورة الرابعة

أطلقت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية «مركز التصنيع والإنتاج المتقدم»؛ ليكون الجهة المركزية لـ«برامج التحول الصناعي» في المملكة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد أطراف مذكرة التفاهم عقب التوقيع (الوزارة)

وزارة الصناعة السعودية توقع مذكرتَي تفاهم لتمكين المرأة وتطوير الكفاءات الوطنية

وقّعت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية مذكرتَي تفاهم تستهدفان تمكين المرأة، ورفع كفاءة القدرات البشرية في القطاع الصناعي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي يتحدث في «يوم الاستثمار والشراكات» خلال مؤتمر«يونيدو» (إكس)

وزير الصناعة: السعودية تواصل تعزيز مستقبلها الصناعي على الساحة الدولية

أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريّف، أن المملكة تواصل تعزيز موقعها الصناعي على الساحة الدولية، وأنها تعيش مرحلة تحوّل واسع.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
الاقتصاد المدير العام لـ«يونيدو» جيرد مولر خلال «القمة العالمية للصناعة في دورتها الحادية والعشرين» بالرياض (الشرق الأوسط)

مدير «اليونيدو»: قمة الرياض للصناعة الأكبر على الإطلاق

قال المدير العام لـ«يونيدو»، جيرد مولر، إن «القمة العالمية للصناعة في دورتها الحادية والعشرين» بالرياض تُعدّ الأكبر من نوعها على الإطلاق.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد أن أعلنت شركة «نتفليكس» يوم الجمعة عن إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على استوديوهات الأفلام، والتلفزيون، ووحدة البث التدفقي التابعة لـ«وارنر براذرز ديسكفري» (WBD) بقيمة بلغت 72 مليار دولار.

هذه الصفقة، التي بدأت بمجرد «مهمة استطلاعية»، لم تكن متوقعة علناً من عملاق البث التدفقي الذي كان يقلل من شائعات شراء استوديو كبير في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتنتهي بـ«نتفليكس» وهي تفوز بأثمن جائزة في هوليوود، متفوقة على منافسين عمالقة، مثل «باراماونت» و«كومكاست».

صورة جوية لشعار «وارنر براذرز» معروض على برج المياه في استوديو «وارنر براذرز» في باربنك كاليفورنيا (أ.ف.ب)

من الفضول إلى الاستحواذ

بدأت مساعي «نتفليكس» نحو «وارنر براذرز» بدافع الفضول لمعرفة المزيد عن أعمالها، لكن التنفيذيين سرعان ما أدركوا الفرصة الاستراتيجية الهائلة التي يوفرها الاستوديو.

تتجاوز الصفقة مجرد إضافة مكتبة محتوى عمرها قرن من الزمان إلى منصة «نتفليكس» (وهي مكتبة تشكل 80 في المائة من مشاهدات البث التدفقي)، حيث أدركت «نتفليكس» أن وحدات أعمال «وارنر براذرز»، خاصة التوزيع المسرحي، والوحدة الإنتاجية، تُعد مكمّلة بشكل مثالي لنماذج أعمالها.

وقد تصاعد الاهتمام بالاستحواذ بعد أن أعلنت «وارنر براذرز ديسكفري» في يونيو (حزيران) عن خططها للانقسام إلى شركتين عامتين، فصلت بموجبها الشبكات التلفزيونية التقليدية عن الأصول الرئيسة، مثل استوديوهات «وارنر براذرز» و«HBO» وخدمة «HBO Max».

سباق المزايدة يشتد

دخلت «نتفليكس» منافسة شرسة للاستحواذ على الأصول، واضعة نفسها في مواجهة مباشرة مع «باراماونت» وشركة «إن بي سي يونيفرسال» الأم «كومكاست». وقد بدأ المزاد علنياً في أكتوبر بعدما قدمت «باراماونت» أول عرض غير مرغوب فيه في سبتمبر (أيلول)، بهدف استباق الانقسام المخطط له.

تواصل العمل بوتيرة محمومة، حيث عقد فريق «نتفليكس» الاستشاري، الذي ضم بنوكاً استثمارية، مثل «مويلس آند كومباني»، و«ويلز فارغو»، مكالمات يومية صباحية على مدى الشهرين الماضيين، بل وعقدوا مكالمات متعددة في يوم عيد الشكر ذاته للتحضير للعرض النهائي في الأول من ديسمبر (كانون الأول).

على الجانب الآخر، اجتمع مجلس إدارة «وارنر براذرز» يومياً خلال الأيام الثمانية الأخيرة التي سبقت اتخاذ القرار. وفضّل المجلس عرض «نتفليكس»، لأنه كان الوحيد الذي وُصف بأنه «ملزم وكامل»، كما أنه سيحقق فوائد فورية للشركة.

وعلى النقيض، تم رفض عرض «كومكاست» لدمج قسم الترفيه الخاص بها مع «وارنر براذرز»، لكونه سيستغرق سنوات عديدة للتنفيذ. ورغم أن «باراماونت» رفعت عرضها لتبلغ القيمة الإجمالية للشركة 78 مليار دولار، فقد أعرب مجلس إدارة «وارنر براذرز» عن قلقه بشأن تمويل هذا العرض.

صورة جوية لشعار «نتفليكس» معروض في استوديوهات «نتفليكس» مع لافتة هوليوود في الأفق (أ.ف.ب)

ثقة «نتفليكس» في اجتياز العقبات التنظيمية

لتأكيد إيمانها بنجاح الصفقة، خاصة في ظل توقعات مراجعة تنظيمية كبيرة، أرفقت «نتفليكس» عرضها بواحد من أكبر رسوم الإنهاء في تاريخ صفقات الاندماج والاستحواذ، بلغ 5.8 مليار دولار.

وقد وصف أحد المستشارين هذا الضمان بأنه دليل على قناعة «نتفليكس» المطلقة بقدرتها على الحصول على الموافقات اللازمة، قائلاً: «لا أحد يحرق 6 مليارات دولار دون اقتناع».

لم تكن «نتفليكس» متأكدة من الفوز حتى اللحظات الأخيرة، حيث اعترف أحد التنفيذيين بأنهم كانوا يعتقدون أن فرصتهم لا تتجاوز 50/50. لكن مع إعلان قبول العرض في وقت متأخر من ليلة الخميس، ساد التصفيق والتهليل على مكالمة جماعية بين فريق «نتفليكس»، إيذاناً ببدء عصر جديد سيعيد تشكيل المشهد الترفيهي العالمي بالكامل.


العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)
TT

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)

شهد القطاع العقاري المُدرج في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً استثنائياً وغير مسبوق في الربع الثالث من عام 2025. فقد تضاعفت أرباح الشركات العقارية بأكثر من ستة أضعاف، مسجلة نمواً تجاوزت نسبته 633.6 في المائة لتبلغ 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال).

هذا الارتفاع الصارخ، مقارنة بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار في الربع المماثل من العام السابق، يؤكد أن القطاع العقاري السعودي قد دخل مرحلة نضج تشغيلي مستدام، متجاوزاً مرحلة الانتعاش «الظرفي» المؤقت.

كما تعكس هذه القفزة الكبيرة نجاح الشركات في إعادة هيكلة منتجاتها، وتعزيز تدفقاتها النقدية، والانتقال من مجرد النمو «الورقي» إلى نمو حقيقي مدعوم بالإيرادات التشغيلية، والتسليم الفعلي

للمشاريع.

المحركات التشغيلية

وأرجع خبراء ومختصون عقاريون تسجيل الشركات العقارية المُدرجة في السوق هذه القفزة الكبيرة إلى بداية جني الأرباح من إيرادات المشاريع العقارية المحورية في المدن الكبرى، وارتفاع جودة المشاريع العقارية، وتحسن البيئة التمويلية، ومستويات السيولة في القطاع العقاري.

وأشاروا إلى أن هذه القفزة تتواكب مع نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما ساهم بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، وفي نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة.

العاصمة السعودية الرياض (واس)

تفاصيل أداء الشركات

وكانت أرباح الشركات العقارية المُدرجة في السوق المالية السعودية «تداول» قد تضاعفت لأكثر من 6 أضعاف، خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال)، بنسبة نمو وصلت إلى 633.67 في المائة، مقارنةً بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار (253.32 مليون ريال) في الربع المماثل من العام السابق.

كما بلغت أرباح شركات القطاع خلال الأرباع الثلاثة من 2025 نحو 1.44 مليار دولار (5.4 مليار ريال)، بصدارة من «سينومي سنترز» و«جبل عمر» و«مسار»، وبنسبة نمو 244.2 في المائة عن الفترة ذاتها من العام، والتي حققت خلالها أرباحاً صافية وصلت إلى 419 مليون دولار (1.57 مليار ريال)، وبزيادة قدرها 1.02 مليار دولار (3.83 مليار ريال).

ووفق إعلانات نتائجها المالية في السوق المالية السعودية، حققت 9 شركات ارتفاعاً في أرباحها، من بين 16 شركة تعمل بالقطاع، في حين تحولت 4 شركات للربحية. وتصدرت شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (مسار) أعلى شركات القطاع ربحيةً، خلال الربع الثالث، بعد تحقيقها أرباحاً بلغت 516.57 مليون ريال، بنسبة نمو وصلت إلى 341.9 في المائة عن الربع المماثل من العام السابق. وحلّت شركة المراكز العربية «سينومي سنترز» ثانيةً في أعلى شركات القطاع ربحيةً بعد تحقيقها أرباحاً بنحو 499.8 مليون ريال خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل نمواً عن الربع المماثل من العام السابق بنسبة 52.2 في المائة، في حين حلت شركة «دار الأركان» ثالثاً، بنسبة نمو تجاوزت 89 في المائة، بعد أن بلغت أرباحها نحو 255.6 مليون ريال في الربع الثالث من 2025.

صورة محاكية لمشروع «مسار» الذي تقوم بتطويره شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (الشركة)

القطاع أكثر كفاءة

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، قال الخبير والمهتم بالشأن العقاري، عبد الله الموسى لـ«الشرق الأوسط» إن القفزة التاريخية في أرباح شركات العقار المدرجة تؤكد أن السوق دخلت مرحلة نضج تشغيلي، وليس مجرد انتعاش ظرفي، وإن هذه الأرقام تعكس قدرة الشركات على إعادة هيكلة منتجاتها، وتحسين تدفقاتها النقدية، والتحول من النمو الورقي إلى النمو الحقيقي المدعوم بالتسليم، والتشغيل، والإيرادات المتكررة.

وزاد أن القطاع أصبح أكثر كفاءة وربحية من أي وقت مضى، ما ينسجم مع اتجاهات الاقتصاد السعودي، وتطور أدوات التنظيم، والتمويل.

وحدد الموسى ثلاثة محركات رئيسة للقفزة الكبيرة في أرباح شركات القطاع، وهي:

- ارتفاع جودة المشاريع، والتحول للنماذج التشغيلية، كما حدث مع شركات «سينومي سنترز» و«مسار» و«جبل عمر»، والتي بدأت تجني ثمار الاستثمار طويل الأجل في تشغيل الأصول، وزيادة الإشغال، ونمو العوائد الإيجارية، ما انعكس مباشرة على الربحية.

- تحسن البيئة التمويلية، وتقليل الأعباء عبر استقرار أسعار الفائدة، وبداية انخفاضها، وتحسن مستويات السيولة، وهو ما ساعد الشركات على إدارة مديونياتها بكفاءة أكبر، خصوصاً تلك التي كانت تعاني سابقاً من أعباء مالية مرتفعة.

- اكتمال مشاريع محورية، ودخولها مرحلة تحقيق الإيرادات، حيث شهدت شركات عدة تحوّلاً للربحية نتيجة تحسن ملحوظ في عمليات البيع والتطوير في المدن الكبرى، وخاصة في الرياض، ومكة.

ويتوقع الموسى أن تستمر شركات القطاع في أدائها الإيجابي خلال الأرباع القادمة، واستمرار المسار الصاعد، لكن بوتيرة أكثر توازناً، وذلك لوجود عوامل داعمة، أبرزها دخول مشاريع استراتيجية جديدة مرحلة التشغيل، واستمرار الطلب القوي على الإسكان، والمشاريع التجارية في ظل توسع الرياض، وتحولها لوجهة استثمارية عالمية، وتحسن الأداء المالي لشركات كانت تواجه خسائر لسنوات، وهو ما يرفع مستوى المنافسة داخل القطاع، وكذلك استمرار مبادرات التنظيم العقاري التي تقلّل المخاطر، وتزيد من جاذبية الاستثمار المؤسسي، مضيفاً أنه في حال حافظت الشركات على هذا النهج، فمن المتوقع أن تتحول أرباح 2025 إلى نقطة مرجعية جديدة لمستوى ربحية أعلى، وأكثر استدامة خلال السنوات المقبلة.

أحد المراكز التجارية التابعة لشركة «سينومي سنترز» في الرياض (الشركة)

دور الاقتصاد غير النفطي

من جهته، قال المهتم بالشأن العقاري سلمان السعيد، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ساهما بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، مما ساهم في نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في جذب الاستثمارات، مثل توسيع ضريبة الأراضي البيضاء، وخطوات ضبط الإيجارات، مما عزز من المشاريع التنموية، ومن جدوى المشاريع العقارية، وكذلك الدعم الحكومي الكبير لتملك المواطنين للإسكان، والسياسات الداعمة لذلك، ما ساهم في ارتفاع نسبة المواطنين المتملكين للإسكان.

وأضاف أن ارتفاع الطلب على العقار التجاري والمكتبي ساهم في زيادة أرباح الشركات العقارية، خصوصاً في مدينة الرياض، وتحديداً مع تدفق الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات إلى السعودية، وارتفاع الطلب على المكاتب، وزيادة إشغالها بنسب مرتفعة. كما ساعد ذلك شركات التطوير العقاري التي تعمل في العقارات متعددة الاستخدامات على الاستفادة من تنويع مصادر الدخل، وليس الاعتماد فقط على العقارات السكنية في تحقيق الأرباح، وأشار إلى أن بعض الشركات حققت نمواً في أرباحها من المعاملات الاستثمارية في بيع الأراضي، والأصول غير الاستراتيجية، مما أدى إلى تحسين النتائج، والكفاءة التشغيلية.


تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
TT

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)

أظهرت البيانات الأولية الصادرة يوم الجمعة ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان إلى 53.3 نقطة في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مقارنةً بقراءة نهائية بلغت 51 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزاً توقعات الاقتصاديين عند 52 نقطة، لكنه لا يزال منخفضاً بشكل كبير مقارنة بمستوى 71.7 نقطة في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وشهد تقييم المستهلكين للظروف الاقتصادية الحالية انخفاضاً طفيفاً، بينما تحسّنت توقعاتهم المستقبلية إلى حد ما. كما تراجعت توقعات التضخم للعام المقبل إلى 4.1 في المائة مقابل 4.5 في المائة في الشهر السابق، مسجلة أدنى مستوى منذ يناير، مع استمرار الضغوط على الأسعار بسبب الرسوم الجمركية على الواردات، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقالت جوان هسو، مديرة المسوحات الاقتصادية في ميشيغان: «الاتجاه العام للآراء يبقى قاتماً، حيث يواصل المستهلكون الإشارة إلى عبء ارتفاع الأسعار». على الرغم من تراجع التضخم عن أعلى مستوياته منتصف 2022، إلا أنه يظل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة بثبات.