ساعة الديون الفيدرالية... قنبلة موقوتة تهدد اقتصاد أميركا والعالم

تقترب من 35 تريليون دولار... وخدمتها ستصل إلى 1.6 تريليون نهاية هذا العام

ساعة الديون الأميركية الموضوعة في مانهاتن بنيويورك (رويترز)
ساعة الديون الأميركية الموضوعة في مانهاتن بنيويورك (رويترز)
TT

ساعة الديون الفيدرالية... قنبلة موقوتة تهدد اقتصاد أميركا والعالم

ساعة الديون الأميركية الموضوعة في مانهاتن بنيويورك (رويترز)
ساعة الديون الأميركية الموضوعة في مانهاتن بنيويورك (رويترز)

يوماً عن يوم، تزداد التحذيرات من مدى خطورة المستوى الذي بلغه الدين العام الإجمالي للحكومة الفيدرالية الأميركية والذي بات واضحاً أنه يسير على مسار غير مستدام وتحوّل إلى قنبلة موقوتة تهدد اقتصاد أميركا والعالم. وفي الأيام الماضية، انضم رؤساء تنفيذيون أميركيون ومستثمرون إلى قائمة المحذرين والتي تضم من بينها رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وإيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان» جيمي ديمون، وغيرهم كثر.

يبلغ اليوم الدين الوطني للحكومة الفيدرالية 34.63 تريليون دولار ارتفاعاً من نحو 34 تريليون دولار في نهاية عام 2023، بحسب موقع «فيسكال داتا» التابع لوزارة الخزانة الأميركية. وهو ما يعني زيادة 625.6 مليار دولار في ثلاثة أشهر فقط. وإذا استمر الارتفاع وفق هذه الوتيرة، سينتهي العام الحالي بديون تتخطى الـ36 تريليون دولار.

عندما بدأ الرئيس الحالي جو بايدن ولايته كان الدين الوطني يبلغ 27.8 تريليون دولار (إ.ب.أ)

ولكن ما هو الدين العام عموماً؟ بنتيجة حسابية غير معقدة، فإن عدم تطابق الإنفاق والإيرادات لصالح الأول يولد عجزاً مالياً. بمعنى آخر، عندما تنفق الحكومة أكثر مما تجبي، عندها يحصل عجز في الموازنة يتعين تغطيته، ما يستدعي الاستدانة لتأمين الأموال.

وكيف يتم تمويل هذا الدين؟ ببساطة عبر إصدارات أذون الخزانة والأوراق المالية والسندات.

ولكن كيف تراكم على الولايات المتحدة مثل هذا الدين الضخم؟ أحد الأسباب الرئيسية هو الإفراط في الإنفاق باستمرار والذي فاقمه ارتفاع أسعار الفائدة. ففي العام المالي 2023 مثلاً، أنفقت الحكومة الفيدرالية نحو 381 مليار دولار أكثر مما جمعته من الإيرادات.

وسداد هذا العجز يكون عبر اقتراض المال عن طريق بيع سندات الخزانة الأميركية الآخذة في الارتفاع مع تزايد الديون.

وهناك قلق متزايد من أن هذا يعني أن تكلفة تمويل الدين الحكومي أصبحت أكثر تكلفة في الآونة الأخيرة. وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، قفز متوسط سعر الفائدة لجميع الديون التي تحمل فائدة الصادرة عن الحكومة الفيدرالية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إلى 3.15 في المائة اعتباراً من 31 يناير (كانون الثاني) 2024.

ماذا يعني ذلك؟ أن الدين الوطني أصبح بمثابة الشوكة في خاصرة الاقتصاد الأميركي، وسوف يستمر في التسبب في الضرر، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى أزمة مالية وسنوات من الركود.

وهذا هو رأي عدد متزايد من الخبراء الذين يدقون ناقوس الخطر بشأن الوتيرة التي تقوم بها الحكومة الأميركية بتحصيل الديون. والأهم من ذلك، أنهم يخشون أن هذا الدين سيعني أن البلاد لن تكون قادرة على تحمل الاقتراض الضروري في المستقبل، بالإضافة إلى الأموال اللازمة لخدمة الديون الحالية والتي ستبلغ 1.6 تريليون دولار في نهاية هذا العام، إذا لم يطرأ أي تغير على الإنفاق أو أسعار الفائدة، وفق «بنك أوف أميركا».

العقد الضائع

وفي الأسبوع الماضي، حذر الرئيس التنفيذي لشركة «بلاك روك» لاري فينك في رسالته السنوية إلى مستثمري أكبر مدير للأصول في العالم، من أن «ديون أميركا المتصاعدة تضع البلاد في طريقها لينتهي بها الأمر إلى أزمة تذكرنا بما يسمى العقد الضائع في اليابان»، حين عانى الاقتصاد الياباني من ركود طويل الأمد أعقب انهيار الفقاعة الاقتصادية الأسطورية في الثمانينات.

وقال فينك: «لا يمكن لواشنطن أن تأخذ فكرة أن المستثمرين سيستمرون في تمويل عجزها المالي إلى الأبد أمراً مفروغاً منه».

كما حذر الرئيس التنفيذي لأكبر شركة لإدارة الأصول في العالم من أن الزيادة الأخيرة البالغة ثلاث نقاط مئوية في عوائد سندات الخزانة الأميركية، إلى 4 في المائة - وهو ما يعكس توقعات التضخم على المدى الطويل والزيادات القوية لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي - هي بالفعل خطيرة للغاية؛ لأنها ترقى إلى مستوى خطر لأنه يعني إضافة تريليون دولار من مدفوعات الفائدة وحدها على مدى العقد المقبل، وفق مجلة «ذي فورتشن» الأميركية.

وكتب فينك في رسالته: «الوضع أكثر إلحاحاً مما أستطيع أن أتذكره على الإطلاق. هناك سيناريو سيئ حيث يبدأ الاقتصاد الأميركي في الظهور مثل الاقتصاد الياباني في أواخر التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما تجاوزت الديون الناتج المحلي الإجمالي وأدت إلى فترات من التقشف والركود».

وأضاف فينك: «أميركا ذات الديون المرتفعة ستكون أيضاً دولة يصعب فيها مكافحة التضخم؛ لأن صناع السياسة النقدية لن يتمكنوا من رفع أسعار الفائدة دون زيادة كبيرة في فاتورة خدمة الديون غير المستدامة بالفعل».

من جهته، يضغط الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة «سيتاديل»، وهو من أهم المستثمرين في العالم، كين غريفين، على الحكومة الأميركية للسيطرة على ديونها، محذراً من أن الأجيال المقبلة ستضطر إلى دفع فاتورة مبالغ فيها إذا لم يتم التعامل مع المشكلة.

وفي رسالته إلى المساهمين، رجح الرجل الذي تبلغ ثروته نحو 38 مليار دولار، أن يكون 2024 عاماً اقتصادياً مليئاً بالتحديات مع نمو أقل من إمكاناته. ومن شأن تباطؤ النمو أن يؤدي إلى تفاقم مشكلة الدين الوطني.

وأخيراً، دعا الرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان تشيس» جيمي ديمون، وبريان موينيهان من «بنك أوف أميركا»، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إلى إجراء حوار مفتوح وصادق حول كيفية تقليص كومة الدين الوطني.

وكان باول قال في مقابلة له في فبراير (شباط)، إن «الولايات المتحدة تسير على مسار مالي غير مستدام...». وعندما سئل عما إذا كان الدين الوطني يشكل خطراً على الاقتصاد، أجاب: «لا أعتقد أن هذا مثير للجدل على الإطلاق». في حين حذر إيلون ماسك من تداعيات ارتفاع الدين العام الأميركي، وأشار إلى أن نمو الدين في الولايات المتحدة غير آمن وغير مستقر.

كذلك، فإن التوقعات من مكتب محاسبة الحكومة الأميركية (GAO) ليست أفضل بكثير؛ إذ ذكر تقرير صدر الشهر الماضي، أن الحكومة تواجه مساراً مالياً «غير مستدام» يشكل تهديداً «خطيراً» للقضايا الاقتصادية والأمنية والاجتماعية إذا لم تتم معالجته.

الرئيس السابق دونالد ترمب أضاف ديوناً بـ7.8 تريليون دولار في فترة ولايته (رويترز)

الدين إلى الناتج

ويتفاقم قلق الخبراء بشأن نقطة بيانات محددة، وهي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي هي معادلة تعني مدى قدرة الدولة على سداد ديونها. وهي تبلغ راهناً نحو 99 في المائة، في وقت يقدّر تقرير حديث صادر عن مكتب الموازنة في الكونغرس بأن تصل إلى 166 في المائة بحلول عام 2054.

ويشكل هذا مصدر قلق خاص لهؤلاء الخبراء الذين يشعرون بالقلق من أن الاقتصاد الأميركي لن يولد ما يكفي من النمو، ليس فقط لخدمة الديون الحالية، ولكن للحصول على المزيد من القروض الضرورية اللازمة للسياسات المالية في المستقبل.

وفي الوقت نفسه، تشعر العديد من الدول بقلق حيال مدى قدرة أميركا مستقبلاً على سداد ديونها، ولا سيما أن هذه الدول تمتلك 8.06 تريليون دولار من الدين الأميركي وفق بيانات وزارة الخزانة الأميركية في نهاية عام 2023، وبارتفاع نسبته 10.5 في المائة عن العام الذي سبق. وأكثر الدول تعرضاً هي اليابان، التي امتلكت 1.138 تريليون دولار، والصين (816 مليار دولار)، والمملكة المتحدة (753.7 مليار دولار)، ولوكسمبورغ (370 مليار دولار)، وكندا (336 مليار دولار).

وكما قال غريفين في رسالته للمستثمرين يوم الاثنين: «كما حذرنا خلال العام الماضي، فإن ارتفاع الدين العام الأميركي يشكل مصدر قلق متزايد لا يمكن تجاهله. من غير المسؤول أن تتكبد الحكومة الأميركية عجزاً بنسبة 6.4 في المائة، في حين أن معدل البطالة يحوم حول 3.75 في المائة. يجب أن نتوقف عن الاقتراض على حساب الأجيال المقبلة».

ويتخوف جيمي ديمون من أن تستغرق الأزمة «10 سنوات». لقد قال لمركز السياسات التابع للحزبين الجمهوري والديمقراطي في يناير (كانون الثاني): «إذا نظرت إلى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 100 في المائة بحلول عام 2035، فأعتقد أنها ستكون 130 في المائة، وهذا بمثابة عصا هوكي. عصا الهوكي تلك لم تبدأ بعد، ولكن عندما تبدأ، ستُحدث تمرداً في الأسواق حول العالم».

من جهته، أوضح رئيس شركة «بيانكو» للأبحاث جيم بيانكو، أن الإنفاق كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي لا يزال عند مستويات لا يتفوق عليها سوى جائحة تحدث مرة واحدة في القرن والأزمة المالية لعام 2008. وبعبارة أخرى، يتم ضخ التحفيز في الاقتصاد الأميركي بمعدل أكثر دلالة على أن الحكومة تحارب الركود. من الناحية النظرية، يكون هذا النهج منطقياً عندما يكون المستهلكون في طريقهم إلى التراجع، ولكن هذا لم يحدث في الآونة الأخيرة.

وقال بيانكو: «إننا ننفق أموالاً أكثر بكثير مما أنفقناه من قبل»، مجادلاً بأن الناتج المحلي الإجمالي سوف يرتفع بشكل مصطنع ما دام أن الإنفاق الحكومي لا يزال يمثل نسبة أعلى من المتوسط تبلغ 22 في المائة من الناتج الاقتصادي الإجمالي: «إنهم ينفقون وكأننا في منتصف الركود...».

وظل الاقتصاديون يحذرون لسنوات من أن كومة الديون تصل إلى مستويات عالية بشكل خطير. وفي أغسطس (آب)، جردت وكالة «فيتش» الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز «أيه أيه أيه»، مشيرة إلى «عبء الديون الحكومية العامة المرتفع والمتزايد».

بين ترمب وبايدن

وارتفعت ديون الحكومة الأميركية في عهد كل من الجمهوريين والديمقراطيين في السنوات الأخيرة، وتضخمت بسبب التخفيضات الضريبية للرئيس السابق دونالد ترمب في عام 2017، والتحفيز الوبائي في عهد الرئيس جو بايدن، بالإضافة إلى موافقات رفع سقف الدين.

وتشير لجنة الموازنة في الكونغرس إلى أن ترمب أضاف ديوناً بقيمة 7.8 تريليون دولار في فترة ولايته بين 2017 و2021.

عندما تولى ترمب منصبه، كان الدين الوطني ما يزيد قليلاً عن 20.2 تريليون دولار ليختم ولايته بدين وطني يبلغ 27.8 تريليون دولار. أتى بايدن بعده ليصبح الدين الوطني في نهاية عام 2023، ما قيمته 34 تريليون دولار، وهو ما يمثل ارتفاعاً بقيمة نحو 6 تريليونات دولار.

وإذا أعيد انتخاب ترمب رئيساً في نوفمبر (تشرين الثاني)، من الممكن أن يكون هناك المزيد من الاقتراض في المستقبل، وهو الذي وعد بتمديد تخفيضاته الضريبية لعام 2017، وتحدث أيضاً عن خفض معدل الضريبة على الشركات من 21 في المائة الحالي إلى 15 في المائة... ما يعني مزيداً من العجز والدين.

في الواقع، مع الاقتراب أكثر من انتخابات عام 2024، سوف يستمع الناخبون إلى أساليب مختلفة في التعامل مع ارتفاع الدين الحكومي، والذي إن تم تقسيمه على كل أسرة في البلاد، فسيكبدها نحو 260 ألف دولار.


مقالات ذات صلة

هدوء ما بعد العطلة.. العقود الآجلة الأميركية تترقّب 2026 بسيولة محدودة

الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

هدوء ما بعد العطلة.. العقود الآجلة الأميركية تترقّب 2026 بسيولة محدودة

شهدت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية تعاملات هادئة في جلسة ضعيفة السيولة عقب عطلة عيد الميلاد يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)

انفتاح الأسواق الأميركية... عهد جديد للأصول البديلة في 2026

تشهد الأسواق المالية في الولايات المتحدة مرحلة من التحول، والتطور، مع اتساع نطاق الخيارات الاستثمارية المتاحة للمستثمرين الأفراد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد دونالد ترمب وجيروم باول خلال جولة في مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن 24 يوليو الماضي (رويترز)

خفايا المواجهة: كيف صمد «الفيدرالي» في مواجهة ترمب؟

بينما كانت منصات التواصل الاجتماعي تمتلئ بتهديدات البيت الأبيض ضد استقلال البنك المركزي، كانت تجري خلف الأبواب المغلقة في فيلادلفيا معركة مختلفة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

«وول ستريت» تحوم قرب مستويات قياسية قبل عطلة الميلاد

سادت حالة من الهدوء النسبي على «وول ستريت»، في مستهل تعاملات يوم الأربعاء، حيث استقرت المؤشرات الرئيسية بالقرب من مستويات قياسية في جلسة تداول قصيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد اصطف مئات الأشخاص خارج مركز الوظائف في كنتاكي بحثاً عن المساعدة في مطالباتهم المتعلقة بالبطالة (أرشيفية - رويترز)

انخفاض مفاجئ في طلبات البطالة الأسبوعية الأميركية

انخفض عدد الأميركيين المتقدمين بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع الأسبوع الماضي في حين من المتوقع أن يظل المعدل مرتفعاً خلال ديسمبر

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
TT

الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)

شهد عام 2025 منعطفاً مفصلياً في مسار أسواق الأصول الرقمية؛ إذ انتقل القطاع من مرحلة «النمو العشوائي» إلى مرحلة «النضج المؤسسي والتنظيمي». وجاء هذا التحول نتيجة تفاعلٍ معقّد بين تسارع الابتكار التكنولوجي، وتوسع مشاركة المؤسسات المالية الكبرى، وصعود الأطر التنظيمية الفيدرالية التي أعادت رسم حدود العلاقة بين العملات الرقمية والنظام المالي التقليدي.

وفي المقابل، لم تخلُ هذه المرحلة الانتقالية من اضطرابات؛ إذ تعرضت الأسواق لهزات مضاربية وأحداث أمنية كشفت هشاشة بعض الشرائح، ولا سيما عملات «الميم» والعملات المستقرة مرتفعة المخاطر، ما عزّز القناعة بأن مرحلة «إعادة التوازن الهيكلي» باتت جزءاً لا يتجزأ من رحلة تحوّل القطاع نحو نموذج أكثر انضباطاً واستدامة.

جاء اسم «عملات الميم» (Meme Coins) من نكت أو ميمات الإنترنت، وهي عملات مشفرة تعتمد بشكل أساسي على الضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات الرقمية لجذب المستثمرين، أشهرها «دوجكوين» (Dogecoin) و«شيبا إينو» (Shiba Inu). وتتميز بتقلبات سعرية عالية جداً لقلة قيمتها الأساسية وغياب المنفعة الملموسة أحياناً، مما يجعلها استثماراً مضارباً عالي المخاطر.

الربع الأول: الانطلاقة وأولويات السيادة الرقمية

افتُتح عام 2025 بإطلاق عملة «ترمب» في 17 يناير (كانون الثاني)، والتي مثلت أكثر من مجرد أداة مضاربية؛ فقد عكست التغلغل الثقافي والسياسي للعملات الرقمية، وأظهرت كيف يمكن للأحداث السياسية أن تخلق ديناميات سعرية مؤثرة. اعتبر البعض أن الإطلاق سحب سيولة من النظام البيئي، في حين رأى آخرون أنه يمثل علامة على تقبل العملات الرقمية على نطاق واسع. وبعد ثلاثة أيام، مع تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، بدأت الأسواق تشهد تحولاً استراتيجياً في موقف المؤسسات تجاه العملات الرقمية؛ إذ تزايد اعتمادها تدريجياً، مما ساهم في تقليل التقلبات السعريّة وتعزيز النضج السلوكي للأسواق.

وفي 23 يناير من العام، وقع ترمب أمراً تنفيذياً لإنشاء استراتيجية وطنية للأصول الرقمية واحتياطي «بتكوين» استراتيجي، مؤكداً وضع الأصول الرقمية ضمن الاستراتيجية المالية والسيادية الأميركية. تضمن الأمر تعزيز الحفظ الذاتي للأصول الرقمية، ودعم العملات المستقرة المدعومة بالدولار، ورفض العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، وهو ما عزز الشفافية التنظيمية، وأرسى مفهوم «الاحتياطي الوطني الرقمي» لأول مرة على المستوى المؤسسي والدولي.

الاضطرابات الأمنية وانهيارات السوق

مع هذا الانطلاق، لم يكن الطريق مفروشاً بالاستقرار. ففي 14 فبراير (شباط)، شهدت الأسواق انهيار عملة الميم «ليبرا» المدعومة سياسياً؛ إذ فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها السوقية في ساعات قليلة بعد إعلان الرئيس الأرجنتيني دعمها. أظهرت الحادثة هشاشة سوق عملات «الميم» أمام المضاربة والسيولة المرتبطة بالمبادرات السياسية المفاجئة؛ إذ تكبد 86 في المائة من المستثمرين خسائر تجاوزت 250 مليون دولار. وفي 21 فبراير، واجهت منصة «بايبت» أكبر اختراق أمني في تاريخها؛ إذ سرق قراصنة مرتبطون بكوريا الشمالية نحو 1.5 مليار دولار من الأصول الرقمية. على الرغم من ضخامة الرقم، ساعدت الاستجابة المؤسسية الشفافة في الحد من عدوى مالية واسعة، مؤكدة أهمية إدارة الأزمات في الأسواق اللامركزية.

النصف الأول من العام: تحديثات تقنية واكتتابات عامة

شهد مايو (أيار) 2025 ترقية «بيترا» لشبكة «إيثيريوم»، والتي حسنت من كفاءة تنفيذ المعاملات واستقرار البروتوكول، مؤكدة مكانة «إيثيريوم» كبنية تحتية مؤسسية قابلة للاعتماد. في 5 يونيو (حزيران)، أكملت شركة «سيركل» اكتتابها العام في بورصة نيويورك، محققة طلباً مؤسسياً قوياً مع ارتفاع أسعار السهم أكثر من 150 في المائة في يوم التداول الأول، وهو ما يعكس رغبة المستثمرين المؤسساتيين في الدخول إلى السوق الرقمي ضمن أطر منظمة وواضحة.

وفي 17 يونيو، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون «جينيوس»، ليصبح الإطار الفيدرالي الشامل الأول للأصول الرقمية في الولايات المتحدة. قدم القانون قواعد واضحة لإصدار العملات المستقرة والإشراف عليها، ووضع معايير للبنية السوقية للوسطاء، ما قلل بشكل كبير من عدم اليقين القانوني وعزز الثقة المؤسسية في الأسواق الرقمية.

نهاية يونيو شهدت إطلاق منصة «إكس ستوكس» للأصول المرمّزة، والتي أتاحت تداول أكثر من 60 سهماً أميركياً على «البلوكشين» بشكل مباشر، مما وفر للمستثمرين أداة جديدة للوصول إلى الأسهم التقليدية في بيئة رقمية، مع ضمان التغطية الكاملة للأصل الأساسي. وسرعان ما ارتفعت القيمة الإجمالية للأصول على الشبكة من 35 مليون دولار إلى أكثر من 100 مليون دولار خلال أسبوعين، ما أبرز الاهتمام المبكر بالأسهم المرمّزة.

الربع الثالث: المنافسة والتوسع المؤسسي

في 18 يوليو (تموز)، وقع ترمب قانون «جينيوس» ليصبح نافذاً، مؤكداً تحويل الأطر التنظيمية من غموض إنفاذ القوانين إلى تنظيم واضح وقائم على القواعد، ما عزز دمج الأسواق الرقمية ضمن النظام المالي الأميركي التقليدي.

وشهد شهر سبتمبر (أيلول) إطلاق منصة «أستر» على شبكة «بي إن بي تشاين»، بدعم علني من «سي زد»، مع ارتفاع رموز «أستر» عشرة أضعاف خلال أسبوعها الأول. جذب هذا النشاط الكبير انتباه المحللين، الذين أشاروا إلى ضرورة مراجعة مصداقية البيانات المتعلقة بأحجام التداول وتركيز توزيع الرموز.

الربع الرابع: تسجيل الأرقام القياسية واختبارات السيولة

في 6 أكتوبر (تشرين الأول)، بلغت «بتكوين» أعلى مستوى تاريخي عند 126,038 دولاراً، مدفوعة بتدفقات صناديق المؤشرات المتداولة وضعف الدولار خلال فترة عدم اليقين السياسي. ومع إعلان تعريفات على الصين، عادت العملات الرقمية إلى مرحلة تصحيح؛ إذ شهدت عمليات تصفية كبيرة في الأسواق المركزية واللامركزية، مؤكدة الترابط بين الأسواق الرقمية والاقتصاد العالمي.

وفي 7 أكتوبر، جمعت منصة «بولي ماركت» تمويلاً بقيمة مليارَي دولار عند تقييم 9 مليارات دولار، ليصبح إجمالي التمويل 2.28 مليار دولار، مما يعكس الطلب المؤسسي المتزايد على أدوات التنبؤ الرقمية. وفي 11 أكتوبر، شهدت الأسواق أكبر انهيار منذ «إف تي إكس»، مع موجة بيع حادة تضمنت الأسهم والعملات الرقمية والسلع، ما أبرز أهمية إدارة المخاطر والسيولة في البيئات عالية التقلب.

في 28 أكتوبر، أُطلق أول منتجات «سول إي تي إف»، لتوفير وصول منظم للمستثمرين المؤسساتيين إلى نظام «سولانا» البيئي. وسجلت التدفقات الصافية في اليوم الأول نحو 69.5 مليون دولار، وتراكمت حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) إلى نحو 750 مليون دولار، ما يعكس الطلب المستمر على الأصول الرقمية ضمن أطر منظمة.

تحديات العملات المستقرة

شهدت أسواق «ديفاي» في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) صدمة كبيرة عندما انفصلت العملة المستقرة «إكس يو إس دي» عن قيمتها المرجعية بنسبة تجاوزت 43 في المائة بعد الكشف عن خسارة بقيمة 93 مليون دولار مرتبطة بمدير أصول خارجية. أدى ذلك إلى تجميد السحوبات والاستردادات مؤقتاً، مع انعكاسات على أصول مرتبطة مثل «دي يو إس دي» و«إس دي دي يو إس دي»، مؤكداً أهمية الأطر التنظيمية واستقرار السيولة للحفاظ على ثقة المستثمرين.

اتجاهات 2026

مع نهاية عام 2025، بات جلياً أن أسواق الأصول الرقمية تجاوزت مرحلة المضاربة البحتة، لتتحول إلى مكوّن محوري في البنية المالية العالمية، مدعومةً بتوسع الحضور المؤسسي وتبلور الأطر التنظيمية. ومع دخول عام 2026، يُرجَّح أن يتمحور مسار النمو حول ترسيخ الصلة بين قيمة الرموز الرقمية والتدفقات النقدية الحقيقية التي تولدها البروتوكولات، إلى جانب تطوير آليات الحوكمة، وتعزيز الشفافية، وترسيخ استدامة نماذج التمويل اللامركزي.

وفي هذا السياق، تتشكل ملامح مرحلة جديدة تجمع بين مرونة ابتكارات «البلوكشين» وانضباط الأسواق التقليدية، بما يعيد تعريف دور الأصول الرقمية كأدوات مالية ناضجة، لا مجرد رهانات عالية المخاطر.


حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)
حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)
TT

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)
حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)

أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، أن الليرة الجديدة ليست مجرد وسيلة تبادل، بل رمز لنجاح الثورة السورية، والانتماء، والثقة بالقدرة على النهوض.

وقال الحصرية في منشور عبر صفحته على «فيسبوك»: «مع إطلاق العملة الجديدة، لا نحتفل بورقة نقدية فحسب، بل نحتفل بسيادتنا وهويتنا الوطنية»، موضحاً أن هناك تجارب دولية كثيرة تؤكد أن العملة الوطنية تصبح قوية عندما يلتفّ الناس حولها. حسبما ذكرت «وكالة الأنباء السورية».

ولفت الحصرية إلى تجربة ألمانيا، التي شكّل فيها إطلاق المارك بعد الحرب نقطة انطلاق لنهضة اقتصادية، وتجربة فرنسا، حيث كان الفرنك الفرنسي الجديد الرمز المالي للجمهورية الجديدة التي عرفت بالجمهورية الخامسة.

وأضاف الحصرية: «نحن في المصرف المركزي سنقوم بدورنا الذي نفهمه جيداً، مدركين حجم التحديات والفرص، وملتزمين بالمسؤولية والشفافية وحماية النقد الوطني، ويبقى الأساس في تكاتف الناس وثقتهم، لأن العملة القوية تبدأ بإيمان أهلها بها».

ودعا الحصرية إلى جعل هذه المناسبة حالة وطنية راقية، يعبّر السوريون فيها عن وعيهم، وثقتهم، وتمسّكهم بالليرة كرمز لسيادتهم، وخيارهم الوطني.

وختم الحصرية قائلاً: «دعم الليرة هو دعم للوطن، والاعتزاز بها اعتزاز بالمستقبل لنا ولأولادنا، إنها فرصة لنجاح جديد بعد نجاح الثورة بالتحرير، ونجاحنا في رفع العقوبات الاقتصادية التي كبلت اقتصادنا لنحو خمسين عاماً».

وكان حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية أعلن مؤخراً أن الأول من يناير (كانون الثاني) 2026، موعد إطلاق العملة السورية الجديدة، وبدء عملية استبدال العملة القديمة، وأن الاستبدال سيكون عبر 66 شركة وألف منفذ مخصص لذلك.


روسيا تمدد الحظر على صادرات البنزين حتى نهاية فبراير

شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)
شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)
TT

روسيا تمدد الحظر على صادرات البنزين حتى نهاية فبراير

شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)
شاحنات صهاريج البنزين خارج مصنع لتكرير النفط في روسيا (رويترز)

مددت روسيا الحظر المؤقت على صادرات البنزين حتى 28 ⁠فبراير (شباط) المقبل لجميع ‌المصدرين، بمن في ‍ذلك المنتجون. حسبما ذكرت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء، السبت، نقلاً ‌عن ‌خدمة ‌صحافية ⁠حكومية.

كما ‍مددت روسيا الحظر على صادرات الديزل، ​وكذلك الوقود البحري حتى 28 ⁠فبراير، لكنه لن ينطبق على المنتجين المباشرين للمنتجات النفطية.