الجزائر تستقبل معارضاً مالياً تسبب بأزمة حادة مع باماكو

بعد 4 أشهر من اتهامها بـ«الانحياز» ضد الحاكم العسكري

لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ ديكو الذي أثار حفيظة باماكو في ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ ديكو الذي أثار حفيظة باماكو في ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر تستقبل معارضاً مالياً تسبب بأزمة حادة مع باماكو

لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ ديكو الذي أثار حفيظة باماكو في ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
لقاء الرئيس الجزائري بالشيخ ديكو الذي أثار حفيظة باماكو في ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

يزور الجزائر حالياً، مفتي مالي سابقاً الشيخ محمود ديكو الذي كان أحد الأسباب المباشرة في تدهور العلاقة بين السلطة الانتقالية العسكرية والحكومة الجزائرية، مطلع العام الحالي، على خلفية استقباله من طرف الرئيس عبد المجيد تبون. ويقود شيخ «الطريقة الكنتية» حركة معارضة قوية ضد الحاكم العسكري العقيد عاصيمي غويتا.

وبث «جامع الجزائر»، على حسابه بالإعلام الاجتماعي، فيديو للشيخ ديكو وهو يلقي درساً، ليل الأحد - الاثنين، قبيل أداء صلاتي العشاء والتراويح. كما نشر صوراً له مع عميد الصرح الديني محمّد المأمون القاسمي الحسني. وصرَّح لقسم الإعلام بالجامع، بأنه «يحيّي الشعب الجزائري وحكومته والرئيس عبد المجيد تبون، على كرم الضيافة، وحسن الاستقبال والرعاية، التي إن دلت على شيء، فإنما تدل على الأخوة التي تربط الجزائر بدول المنطقة».

رجل الدين المالي يؤدي صلاة التراويح بجامع الجزائر (حسابات الجامع)

وتناول الشيخ ديكو في «الدرس الرمضاني»، الذي ألقاه بالجامع، «العلاقات التاريخية العلمية والتضامنية بين الجزائر وأفريقيا، والدّور الذي تؤديه الجزائر من أجل أفريقيا، بخصوص إحلال السّلم، وفضّ النزاعات، والدفاع عن الشّخصية الأفريقية، وحرية اتخاذ القرار».

كما تحدّث الشّيخ عن «العلاقة الأخوية القوية بين الجزائر والماليين»، مشيراً إلى «الأثر الذي تركه علماء الجزائر بالمنطقة». ولفت إلى «العلاقات العلمية التي بناها شيوخ دين من صحراء الجزائر، مع سكان مدينتي تنبكتو وغاوو» القريبتين من الحدود، والعاصمة مالي.

ورأى ملاحظون زيارة ديكو الثانية في ظرف 4 أشهر، «تعكس عدم اكتراث سلطات الجزائر للاتهامات التي وجهتها لها السلطة العسكرية الانتقالية»، في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد استقبال الرئيس تبون محمود ديكو بمقر الرئاسة الجزائرية. وقالت باماكو يومها إن الجزائر «تقوم بأعمال عدائية ضدها»، بحجة أنها استقبلت معارضين وصفتهم بـ«الإرهابيين». وكانت تقصد الشيخ ديكو، من دون ذكره بالاسم، وأيضاً قيادات في تنظيمات «أزواد» التي تطالب بانفصال الشمال الحدودي مع الجزائر.

الشيخ المعارض ديكو مع عميد جامع الجزائر (حسابات الجامع)

وأرفق الحاكم العسكري غويتا اتهاماته، بوقف فوري لـ«اتفاق السلام» مع المعارضة، الذي جرى التوقيع عليه بالجزائر عام 2015. وأكثر من ذلك، هدد الجزائريين باستقبال تنظيم انفصالي يطالب باستقلال منطقة القبائل، كرد على زيارات معارضيه إلى الجار الشمالي.

وقادت الجزائر في السنين الأخيرة وساطة بين الطرفين، من دون أن تتمكن من تسوية الخلافات بينهما. وقالت وزارة خارجيتها بعد إلغاء الاتفاق «إنها لم تتقاعس يوماً عن العمل على تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة في مالي، بإخلاص وحسن نية وتضامن لا يتزعزع تجاه مالي الشقيقة»، محذرة من «تداعيات القرار على الأوضاع الأمنية، وخطورته بالنسبة لمالي نفسها، وللمنطقة كلها التي تتطلع إلى السلام والأمن، وللمجتمع الدولي».

وأكد دبلوماسيون جزائريون لـ«الشرق الأوسط»، أن تعامل سلطات مالي مع «اتفاق السلام»، تغيَّر منذ الانقلاب العسكري على الرئيس باه نداو في مايو (أيار) 2021، حيث أطلق الحاكم الجديد العقيد غويتا «مساراً انتقالياً»، بديلاً لكل الترتيبات التي كانت في عهد الرئيس المخلوع، ومنها «اتفاق الجزائر» بين باماكو والمتمردين الطوارق والعرب.

اجتماع لوزير خارجية الجزائري السابق مع ممثلي المعارضة المالية في سبتمبر 2022 (الخارجية الجزائرية)

كما كانت بوادر توتر العلاقة بين الجزائر والسلطة العسكرية، قد ظهرت نهاية العام الماضي، بعد الهجوم الذي شنته قواتها، بمساعدة من ميليشيا «فاغنر» الموالية لموسكو، ضد مواقع المعارضة في الشمال، واستيلائها على أهم مدنها القريبة من الحدود الجزائرية، وحينها رأت الجزائر أن «لاعبين أجانب» باتوا ينازعونها نفوذها بالمنطقة.

وصرَّح الرئيس تبون في مقابلة صحافية بثها التلفزيون الحكومي ليل، السبت - الأحد، أن «التدخل الأجنبي في أزمة مالي يزيد من صعوبة الوضع»، مؤكداً «أن الماليين أشقاؤنا وهم أحرار في بلدهم، إذا رأوا أن يحلوا مشكلاتهم من دون مساعدة الجزائر».


مقالات ذات صلة

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

في سياق تكثيف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار، ناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي بهدف تقليل تأثيرات وخسائر الحرب السودانية، ودعم الأمن الغذائي بين البلدين.

واستضافت العاصمة المصرية القاهرة فعاليات «الملتقى المصري - السوداني الأول لرجال الأعمال»، اليوم السبت، بعد أيام من انعقاد «المؤتمر الاقتصادي الأول» في السودان، وناقش مسؤولون ورجال أعمال من البلدين فرص التوسع في الشراكات الاقتصادية.

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو 13 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء المصري، ووزير النقل والصناعة، كامل الوزير، في كلمته بالملتقى، أن التحديات التي تواجهها مصر والسودان «تفرض التعاون المشترك في مختلف المجالات»، لافتاً إلى حرص بلاده على «دعم السودان لتجاوز محنة الحرب وعودة الاستقرار».

وعدد الوزير المصري مجموعة من الفرص، التي يمكن استثمارها لدفع مجالات التجارة والصناعة والاستثمار في البلدين، منها «ثلاثة محاور للنقل البري، والمواني الجافة على الحدود المشتركة في معبري (قسطل وأرقين)»، إلى جانب ميناء للملاحة النهرية بين بحيرة ناصر (جنوب مصر) إلى وادي حلفا (شمال السودان)، معلناً عن مخطط مصري لمد مشروع خط القطار السريع «أبو سمبل - الإسكندرية» إلى السودان في منطقة «وادي حلفا»، ومؤكداً أن دراسات المشروع «باتت جاهزة للتنفيذ وتتبقى موافقة الجانب السوداني».

ويربط مصر والسودان منفذان بريان، هما معبرا «أرقين»، و«أشكيت» (ميناء قسطل) بوادي حلفا بالولاية الشمالية، ويعتمد البلدان على المعبرين في التبادل التجاري ونقل الأفراد.

وزير النقل المصري خلال كلمته بـ"الملتقى المصري-السوداني" (مجلس الوزراء المصري)

ودعا كامل الوزير المستثمرين السودانيين لتوسيع أعمالهم في السوق المصرية، مشيراً إلى أن حكومة بلاده «مستعدة لإزالة أي عقبات أمام الشركات السودانية للاستفادة من الفرص المتاحة في قطاعات التجارة والقطاعات الإنتاجية»، ومنوهاً بـ«إجراءات تحسين مناخ الاستثمار بمصر لتسهيل تأسيس الشركات، وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة».

وأضاف الوزير موضحاً أن «ملتقى رجال الأعمال المصري - السوداني» سيشكل «نواة للشراكة في المجال الصناعي بين البلدين، بما يعزز من التكامل الإقليمي، مع التعاون في مجال الأمن الغذائي».

وشارك في الملتقى وفد حكومي سوداني، ضم وزراء الصناعة والنقل والتموين والنفط والكهرباء، إلى جانب ممثلين من مجتمع الأعمال المصري - السوداني، وروابط الجالية السودانية بمصر.

وحسب تقديرات رسمية، تستضيف مصر نحو مليون و200 ألف سوداني، فروا من الحرب الداخلية، إلى جانب آلاف آخرين من الذين يعيشون في المدن المصرية منذ سنوات.

وعدّ السفير السوداني بمصر، عماد الدين عدوي، أن مبادرة انعقاد (ملتقى رجال الأعمال) بين البلدين «تستهدف تدشين شراكة لإعادة الإعمار في بلاده بعد الحرب»، مشيراً إلى أن الشركات المصرية (حكومية وخاصة) «هي الأجدر والأقدر على القيام بعملية الإعمار، وإعادة بناء ما دمرته الحرب».

كما أشار عدوي إلى أن الحرب «أثرت على النشاط الاقتصادي لبلاده، وحدّت من فرص التبادل التجاري»، غير أنه لفت إلى أن «نسب التجارة المصرية - السودانية لم تتأثر كثيراً، إذ حافظت على استقرارها عامي 2022 و2023»، وقال إن من أهداف الملتقى «دفع الشراكة لتحقيق الأمن الغذائي».

وسجل حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان نحو 1.4 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 1.5 مليار دولار عام 2022، بنسبة انخفاض قدرها 6.4 في المائة، وفق إفادة لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر، في مارس (آذار) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

مشاركات واسعة في "الملتقى المصري-السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة" (مجلس الوزراء المصري)

من جانبه، تحدث وزير التموين المصري، شريف فاروق، عما تنفذه بلاده من مشروعات بنية تحتية ولوجيستية، وقال إن تلك المشروعات «تمنح فرصاً للمستثمرين المصريين والسودانيين لتعزيز شراكتهم واستثماراتهم».

بينما أشار وزير التموين والتجارة السوداني، عمر محمد أحمد، إلى تأثير الحرب الداخلية على القطاعات الإنتاجية في بلاده، لافتاً في كلمته بالملتقى إلى «حاجة بلاده لمزيد من الاستثمارات في الأمن الغذائي»، ودعا إلى «تأسيس تحالف استراتيجي اقتصادي تجاري بين البلدين».

وناقش الملتقى ورقتي عمل حول عملية «إعادة الإعمار في السودان»، وفرص «تحقيق الأمن الغذائي بين البلدين»، وقدّر مدير «مركز التكامل المصري - السوداني»، عادل عبد العزيز، حجم خسائر القطاع الاقتصادي في السودان بسبب الحرب بنحو «89 مليار دولار»، من دون احتساب خسائر تدمير البنية التحتية والمنشآت، وقال في كلمته بالملتقى إن السودان «يواجه إشكالية مع المجتمع الدولي، ويعوّل على الشراكة مع الدول الصديقة مثل مصر لتجاوز أي تحديات».

وخلال فعاليات الملتقى، تحدث ممثلون عن المستثمرين ورجال الأعمال بالبلدين، وأشار ممثل مجتمع الأعمال السوداني، سعود مؤمن، إلى أن الملتقى «يروم تكامل جهود البلدين في إعادة الإعمار، وتوفير احتياجات السودان من السلع الضرورية»، منوهاً بـ«رغبة القطاع الخاص السوداني في تدشين تجمعات اقتصادية مع نظرائهم بمصر في مجال الصناعات الغذائية».

كما أشار رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، إلى أن «الزراعة تعد من أكثر المجالات جذباً للاستثمار بالسودان لتوافر المياه والأرض الصالحة»، فيما رأى ممثل مجتمع الأعمال المصري، أحمد السويدي، أن «التصنيع الزراعي أحد المجالات التي يمكن الاستثمار بها في السودان».